كلنا
نجلس بين الظل والضوء. بعضنا تظهر صورهم، والبعض لا تظهر. ها أنا أسمع
فلسفة مرة أخرى. دع عنك الحمق الجاهز وركز. انظر لنفسك تحت الشمس. كدت
أشتمه قبل أن تقع عيناي على ظلي معلقاً يده في نصف استدارة من غير أن
يجاوره ظل مريضي. فصمت مرعوباً: من أنت.. أعوذ بالله منك!.. ابتعد عني،
أرجوك ابتعد عني، كنت متوقعاً أنك لن تصمد أمام هذه الحالة. تماسك وتذكر
“أذكر أنني مت..

الآن أذكر هذا جيداً لست واهماً البتة”. لم أكن قادراً على استجماع أنفاسي
اللاهثة أو السيطرة على وجيب قلبي، أوشكت أن أدخل في إغماء، فأسندني. نفرت
من بين ذراعيه مذعوراً: أنت لست إنساناً.. نعم أنت لست إنساناً. كالمنتشي
كان يحدق بي باسماً: هل مرت عليك مثل هذه الحالة؟ ما بالك صامتاً. هل
نتبادل أدوار الصمت؟ كنت جازماً أنك لن تتحمل، أنت المتسلح بكل النظريات،
ها أنت تتصنم وتخرس. ربما تكون ذاكرتك الآن تركض في الخرافات الشعبية،
وتتلو آيات من القرآن كي أحترق وأتبخر ولا تراني ثانية، وربما تعود لتحكي
لأصدقائك أنك التقيت بجني، جني حقيقي، وتبخر من بين يديك… هل ستستمر على
هذا الوضع؟ أرجوك، تعبت من هذه الحالة، وجئتك لكي تساعدني… يظهر أنك لم
تعد تمتلك شيئاً تقدمه لي. وداعاً. وقبل أن يبتعد تبعته صائحاً مجتهداً:
انتظر.. انتظر. بينما كانت خطواته تسابقني لبوابة الخروج”.السؤال يمنحنا
جناحين للتحليق بعيداً. أما الإجابات فهي شَرَك، نظل بقية العمر نحاول
الفكاك منه. فهل استطاع الدكتور حسين مشرف أستاذ الطب النفسي الإجابة عن
سؤال الإنسان الأبدي حياته وموته أو موته وحياته والنقطة الفصل بينهما؟!!
هكذا يضع عبده خال شخصياته في إطار درامي ضمن مشهد عبثي يغري حيناً،
ويفاجئ أحياناً، يبكي طوراً، ويضحك أطواراً، لكنه على مدى المشاهد يبقى
الإنسان متواصلاً مع ذاته في محاولة مع الكاتب وضمن خيالات طفولية فاضحة
للإيغال بعيداً في أعماق النفس لاستشفاف مكامن ضعفها وقوتها، ترهاتها
وأوهامها، والخيط الفاصل بين عقلانيتها وجنونها.طبيعة العالم الذي تجوس
هذه الرواية فضاءه غريبة:بطل الرواية إنسانٌ غريب كالطين تماماً؛ غريب في
لزوجته وصلابته تشكُّله وثباته، وجوده وعدمه.وُلِد من رَحِم الموت، ولم
يأتِ من نطفة، ولم يعايش رحم أمه. يعيش حياتين معاً: حياة واقعه وقريته،
وحياة أخرى يصرُّ-بطل الرواية-على وجودها في تزامن واحد يجعلنا نجزم بأن
الرواية تقدّم سراً جديداً من أسرار الحياة، وتطرق باباً مهمَلاً لتنقِّب
من خلفه سر الوجود.رواية تخلط بين عوالم متعددة يشارك في سردها علماء نفس
واجتماع وتاريخ وفيزياء وشعراء وسحرة ودجالون. وتهزأ من التغيُّرات
السياسية وما تحدثه من مواقف عصيبة في حياة البسطاء والهامشين. كما تسلّط
الضوء على جوانب مثيرة من شبق الحياة الجنسية، وتُظهر بطل الرواية نموذجاً
لهذا الشبق، وتكشف لنا كيف شبَّ ورأى نفسه رجلاً تعبث برجولته بناتُ قريته
ونساؤها.الرواية بحث مضن في كثير من مفردات حياتنا اليومية لتتحول إلى
كابوس يجعلنا نعيد التفكير في حقيقة وجودنا البشري.

التحميل
تحميل رواية الطين – عبده خال