عالم البيئه اثيوبيا
الثلاثاء 2 مارس - 16:34
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
أثيوبيا
أثيوبيا بلد يحبس جماله الأنفاس، المناظر الخلابة التي تتغير من الروابي العالية إلى الغابات الكثيفة والأنهر الواسعة. من تيس أبي موطن المياه المدخنة، تنبع مياه النيل الزرقاء.
هنا اكتشف علماء الإيحاء لوسي، المنعطف الإنساني، الذي غادر الأشجار الآمنة ليمشي على الأرض قبل ثلاثة ملايين عام من اليوم. رغم بقاء عظام الصياد التاريخي القديم وحده، أبقى المزارع الأثيوبي القديم أثرا ما زال حتى الآن يشكل بذورا لأصوله الأولية.
أثيوبيا هي أشبه بمناجم ذهبية للتنوع الجيني. قام المزارع البدائي على مدار آلاف السنين بزراعة وحصاد واختيار نخبة البذور التي تغذي بني البشر، كما هو حال القمح والشعير والسمسم والبن والموز والبصل، التي تجد جذورا لها جميعا في أثيوبيا. تكمن المعارف كلها والثقافة وحياة آلاف الأجيال في الثروة الجينية للحبة الواحدة.
رغم كل ما اشتهرت به أثيوبيا من انضمامها إلى ما يعرف بالعالم الثالث، إلا أنها لم تكن دائما من البلدان الفقيرة. إلا أن جذور الفقر في هذا البلد تعود إلى إزالة أحراجه. الرياح الغربية التي كانت تنهمر بأمطار غزيرة فوق الغابات العالية في الماضي، مرت بصمت فوق المزارع. يوجد أشجار قليلة تمسك بالمياه الشحيحة التي تهطل هناك. وهكذا تجف الأرض ويعاني الناس.
من الصعب نسيان مجاعة عام خمسة وثمانين، التي أودت بحياة مليون شخص متأثرين بالجوع. حين أكل المزارع الأثيوبي من شدة يأسه الحبوب التي كان يخزنها للزراعة. لدرجة أن حبوب الزراعة المحلية كانت مهددة بالانقراض.
هايلو غيتو هو مهندس زراعي أثيوبي يعمل على للحفاظ على هذه الحبوب والناس على قيد الحياة. من خلال برنامج إحياء الحبوب، الذي تموله المؤسسات الدولية، يبحث هايلو وزملائه عن حلول زراعية للكثير من مشاكل هذا البلد.
غيتو: أذكر عندما كنت طفلا أن الغابات كانت تغطي هذا الجبل. أما اليوم يمكن أن ترى بأن المزارع استولت على جميع أرجائه. ما يدهشني جدا، هو أن الأحراش قد أزيلت بالكامل خلال ثلاثين عاما فقط.
أذكر أن هذه المنطقة كانت مغطاة بالأشجار لدرجة يصعب عبورها مشيا على الأقدام. ولكنهم حصدوا الغابة ونسوا زراعتها. هذه مفارقة مؤسفة بالنسبة للغابات في أثيوبيا.
نجمت المجاعة في أثيوبيا وتحديدا تلك التي أصابت البلد بين عامي خمسة وسبعين وستة وسبعين، عن المتغيرات المناخية، التي شهدتها المنطقة ككل، حيث انحبس المطر لعامين متتاليين، لهذا لم يكن لدى المزارعين احتياط كاف يقتاتون عليه على مدار عامين متتاليين.
عندما واجهنا الجفاف، تفاجأ المزارع والعالم أجمع في آن معا، لأن أثيوبيا كانت تعتمد على نفسها قبل ذلك، ولم يسبق أن تعرضت لمثل هذا الجفاف القاحل. لجأ الجميع حينها لزرع نباتات مختلفة لا تتمتع بالقدرة اللازمة على التأقلم ومقاومة الأمراض المحلية، ما أدى إلى فشل ذريع وكارثة زراعية.
طالما عملنا في زراعة الأرض باستخدام النباتات المحلية التقليدية، ولكن هذه الحبوب الجديدة التي نستلمها عديمة الطعم، لا تشبع. لدرجة أن حيواناتنا تفضل الأعلاف التي اعتادوا دائما عليها.
عادة ما تأتي المساعدات الدولية أخيرا بعد حصول الجفاف. ولكنها ليست فعالة كما يتوقع منها.جرى إحلال الحبوب المخبرية محل البذور المحلية، بعد تطويرها جينيا. سرعان ما تنبه المزارع المحلي إلى ا، البذور الجديدة أقل قدرة على مواجهة الظروف المناخية القاسية في الروابي العالية. فهي تتطلب الاستخدام الكثيف للمبيدات والسماد، الذي لا يمكن للأثيوبي الجائع أن يشتريها.
هذه حقيبة من سماد الأوريا، وهذه حقيبة أخرى من سماد الغبار. نثرنا في هذا الحقل كيسين من هذه، وزن كل منها خمسين كيلوغرم، وكيس واحد من الأوريا وزنه خمسين كيلوغراما. أي بما كلفته مائتين وخمسة وعشرون بير. أما هذا فلم يخضع للتسميد. أي أنه نما بدون سماد. يمكن أن نرى من هنا أن الفارق ليس كبيرا بينه وبين الحقل الذي تم تسميده.
هذا السماد باهظ الكلفة لا يمكن للمزارع شراءه. ولكن ما نحاول القيام به في البذور المحلية هو أن نقدم للمزارع خيارا لاستخدامها حيث لا تجدي النوعية المتطورة نفعا، أو حيث لا يتوفر السماد في البلاد. تعتبر هذه بذور تقليدية محلية لم يتم تهجينها كأنواع. هذه منتجات موجودة لدى المزارعين منذ القدم. إذا أخذنا مثلا الحنطة الأثيوبية الصّلدة، نجد أنها تزرع هنا منذ آلاف السنين، أي أنها تأقلمت مع ظروف التربة والمناخ هنا. ما يعني أن المزارع معتاد جدا على هذا النوع، لهذا يمكنه زراعتها في أقسى الظروف ودون الحاجة إلى السماد.
أستعمل في حقولي حبوبا محلية من برنامج بذور البقاء، لهذا لم أحتاج إلى شراء السماد منذ أربع سنوات. لم أشأ في بداية الأمر أن أجرب البذور، ذلك أن فيها الكثير من المخاطرة، ولدي عائلة أطعمها. أما الآن فأنا مسرور جدا، الحصاد وفير جدا وللخبز طعم أفضل بكثير.
ذهبت إلى كلية الزراعة من حيث تخرجت عام ثمانية وخمسين، ومن ثم ذهبت لإتمام المزيد من التمارين في أوروبا وأمريكا. أنهيت تعاقدي مع الخدمات الحكومية وبدأت العمل في مشروع الثروات الجينية مع وكالات خاصة، لأقدم الاستشارة التقنية لزراعة الثروات الجينية.
أحب العمل في برنامج بذور البقاء، أعمل اليوم مهندسا زراعيا تحت مظلة لجنة الخدمات الكندية المتحدة في أثيوبيا. لقد بدأنا العمل بخمسة غرامات من البذور التي حصلنا عليها من مهجن القمح لدينا الدكتور تيسفاي تيساما، الذي صنع لحسن الحظ مائتين وستين مركبا من الحبوب المحلية لتوزيعها على ألفين وخمسمائة من صغار المزارعين، الذين ما زالوا يتعاونون معنا حتى الآن، فيضاعفون ما لدينا من حبوب كما يستخدمون كميات أخرى ويبيعون ما يبقى لديهم من فائض.
يعتبر التعاون بين المزارعين والعلماء حجر الأساس في برنامج بذور البقاء. فبدون نصيحة ومثابرة المزارعين يبدد المهندس الزراعي جهوده في تطوير نظريات عقيمة. ينطبق هذا على المعلومات التي نحصل عليها من الأبحاث الزراعية التي لولاها لوجدت أثيوبيا صعوبة في التخلص من فقرها المدمر.
يعمل برنامج بذور البقاء على مقربة أحد أهم بنوك الحبوب في العالم، وهو معهد التنوع البيولوجي في أديس أبابا الذي يحتفظ بثلاثة وخمسين ألف نوع من البذور.
مهاري زيودي/عالم حيوي:
عندما أنشئ بنك الجينات قبل ثمانية أو تسعة عشر عاما كان الميول نحو التآكل الجيني عالي جدا، فقرر المجتمع الدولي إنشاء شبكة عالمية من بنوك الجينات. وقد منحت أثيوبيا الأفضلية في ذلك لتنوع الجينات لديها. كان الهدف الرئيسي من المركز عند نشوئه هو جمع وحفظ المواد الجينية التي توجد في أثيوبيا. لقد أنشأنا مؤخرا دائرة جديدة تسمى برنامج حماية وتطوير مجتمع التنوع البيولوجي، وذلك بهدف توثيق المعلومات الشعبية لدى المزارع الأثيوبي.
لدينا في هذا الصندوق نماذج نحتفظ بها لمدة قصيرة قد تتراوح بين خمسة أو ستة أعوام، نأخذها بعد ذلك إلى الحقول لمضاعفتها.
يمثل ذلك التنوع الجيني الموجود في أثيوبيا، إنها تختلف من حيث اللون والشكل، كما أن لها استخدامات مختلفة. يستعمل بعضها لصناعة البيرة المحلية مثلا، وبعضها الآخرفي صناعة الخبز، كما أن بعضها مقاوم للطيور والأمراض ، أي أن فيها مزايا متنوعة.
جاء المستكشف الروسي نيكولاي إيفانوفيتش فافيلوف إلى أثيوبيا عام خمسة وعشرين، حيث قام باستكشاف وجمع العديد من البذور الزراعية. يؤكد العلماء القادمين من أوروبا وأمريكا أن أكثر أصول أكثر من عشرين نبتة تعود إلى أثيوبيا.
سقطت الدكتاتوريات الأثيوبية عام واحد وتسعين، ولكن البلاد ما زالت أمام الكثير من التحديات، ما زال الكثير منها يشكل جزءا من الإدارة الاستعمارية البائدة، لا بد للإصلاحات الزراعية أن تجد وجهة محددة. المواصلات بطيئة جدا، والطرقات التي شيدت قبل الاستقلال توشك على الاختفاء.
فوق الروابي العالية التي يبلغ ارتفاعها في بعض الأحيان ثلاثة آلاف متر أو عشرة آلاف قدم فوق سطح البحر، تعتبر سبل الري شبه معدومة، إلى جانب أن المياه الغير صالحة للشرب هي المسؤولة عن انتشار ثمانين بالمائة من أمراض البلد.
مع ذلك ما زال عدد السكان ينمو، إذ يبلغ اليوم ستون مليونا يعيش الجزء الأكبر منهم في مناطق محيطة بأديس أبابا.
هناك عدد من الحلول الهادفة لمعالجة الفقر في البلد. احتياجات وتطوير أثيوبيا يتطلبان إرادة صلبة لدى المجتمع العلمي، للاعتراف بأهمية الزراعات التقليدية وتطويرها، ومن بينها مثلا التيف.
هذا من أنواع التيف، الذي يعتبر غذاء رئيسي في أثيوبيا، إذ أنه يستهلك اليوم في غالبية أنحاء البلاد، أكثر من أي حبوب أخرى، وهو يستخدم لتحضير الإنغيرا وهي طبق شهير جدا على المائدة الأثيوبية. إنه نبات أثيوبي صرف، يستهلك بكثرة في الروابي العالية وجبال أثيوبيا الوسطى. ولكن عادة استهلاك التيف تنتشر بسرعة وما زالت أسواقه جيدة جدا، لدرجة أنه يحتفظ حتى الآن بأسعار جيدة، لهذا يستمر الفلاحون بزراعته.
كثيرا ما يلجأ المزارع التقليدي إلى تطوير حلول متجددة لاحتياجاته اليومية.
هذه غرفة تخزين محلية صنعت من تقليديا من الأغصان والوحل، وهي قادرة على احتواء عشرين قنطار من الحبوب. الفائدة من هذا المستودع كما نرى هو أنه ليس ثابتا أي أنهم ينقلونه من مكان إلى آخر، حسب الحاجة. أما الفائدة الأخرى فهي أنهم عندما يقومون بتنظيفه ينفضونه رأسا على عقب ويحصلون منه على جميع البذور القديمة.
هذا هو ما جهز من مواد القمح المحلي. هذا الخبز المحلي هو ما يأخذه الناس معهم ليأكلونه أثناء العمل في الحقول. وهذا طبق غذائي آخر يصنع من القمح. وهذه مجموعة من الحبوب، التي تشكل فطار صباحي شهير في أثيوبيا يسمونه محليا كينجا، وهو مصنوع من القمح أيضا. أما هذا فيصنع من نوع آخر من القمح يسمونه تاماجاي، هو أشبه بالشعير. كانت هذه السيدة تقول لي أن هذه مواد محلية هي المفضلة لتحضير هذا النوع من الأطباق، ذلك أن لها مذاق محلي مميز كما يقال أنها مغذية جدا.
لا نصنع هنا الخبز وحده، بل نصنع من القمح المشروبات والكحول أيضا. يصنع هذا المشروب محليا وهو يسمى غرابا، وهو شبيه بالفودكا، أنه قوي جدا، لا يمكن أن تشرب منه المزيد، أنه قوي.
في هذه الزاوية الجافة من أفريقيا، بصادراتها الهائلة من البن والموز، ما زال الفقر والجوع حاضران. إزالة الأحراش لم تؤثر سلبا على المناخ فحسب بل وعلى القدرة الجسدية والثقافية على بقاء الناس الذين يعرفون الأرض ويعتمدون عليها.
من الحكمة التقليدية لأوائل الفلاحين من بني البشر، يأتي الخبز اليومي للإنسان في الألف الثالث. حماية التنوع البيولوجي ووقايته بجميع أشكاله عبر الكرة الأرضية، يستطيع أن يغذي البذور الحيوية لمستقبلنا.
أثيوبيا
أثيوبيا بلد يحبس جماله الأنفاس، المناظر الخلابة التي تتغير من الروابي العالية إلى الغابات الكثيفة والأنهر الواسعة. من تيس أبي موطن المياه المدخنة، تنبع مياه النيل الزرقاء.
هنا اكتشف علماء الإيحاء لوسي، المنعطف الإنساني، الذي غادر الأشجار الآمنة ليمشي على الأرض قبل ثلاثة ملايين عام من اليوم. رغم بقاء عظام الصياد التاريخي القديم وحده، أبقى المزارع الأثيوبي القديم أثرا ما زال حتى الآن يشكل بذورا لأصوله الأولية.
أثيوبيا هي أشبه بمناجم ذهبية للتنوع الجيني. قام المزارع البدائي على مدار آلاف السنين بزراعة وحصاد واختيار نخبة البذور التي تغذي بني البشر، كما هو حال القمح والشعير والسمسم والبن والموز والبصل، التي تجد جذورا لها جميعا في أثيوبيا. تكمن المعارف كلها والثقافة وحياة آلاف الأجيال في الثروة الجينية للحبة الواحدة.
رغم كل ما اشتهرت به أثيوبيا من انضمامها إلى ما يعرف بالعالم الثالث، إلا أنها لم تكن دائما من البلدان الفقيرة. إلا أن جذور الفقر في هذا البلد تعود إلى إزالة أحراجه. الرياح الغربية التي كانت تنهمر بأمطار غزيرة فوق الغابات العالية في الماضي، مرت بصمت فوق المزارع. يوجد أشجار قليلة تمسك بالمياه الشحيحة التي تهطل هناك. وهكذا تجف الأرض ويعاني الناس.
من الصعب نسيان مجاعة عام خمسة وثمانين، التي أودت بحياة مليون شخص متأثرين بالجوع. حين أكل المزارع الأثيوبي من شدة يأسه الحبوب التي كان يخزنها للزراعة. لدرجة أن حبوب الزراعة المحلية كانت مهددة بالانقراض.
هايلو غيتو هو مهندس زراعي أثيوبي يعمل على للحفاظ على هذه الحبوب والناس على قيد الحياة. من خلال برنامج إحياء الحبوب، الذي تموله المؤسسات الدولية، يبحث هايلو وزملائه عن حلول زراعية للكثير من مشاكل هذا البلد.
غيتو: أذكر عندما كنت طفلا أن الغابات كانت تغطي هذا الجبل. أما اليوم يمكن أن ترى بأن المزارع استولت على جميع أرجائه. ما يدهشني جدا، هو أن الأحراش قد أزيلت بالكامل خلال ثلاثين عاما فقط.
أذكر أن هذه المنطقة كانت مغطاة بالأشجار لدرجة يصعب عبورها مشيا على الأقدام. ولكنهم حصدوا الغابة ونسوا زراعتها. هذه مفارقة مؤسفة بالنسبة للغابات في أثيوبيا.
نجمت المجاعة في أثيوبيا وتحديدا تلك التي أصابت البلد بين عامي خمسة وسبعين وستة وسبعين، عن المتغيرات المناخية، التي شهدتها المنطقة ككل، حيث انحبس المطر لعامين متتاليين، لهذا لم يكن لدى المزارعين احتياط كاف يقتاتون عليه على مدار عامين متتاليين.
عندما واجهنا الجفاف، تفاجأ المزارع والعالم أجمع في آن معا، لأن أثيوبيا كانت تعتمد على نفسها قبل ذلك، ولم يسبق أن تعرضت لمثل هذا الجفاف القاحل. لجأ الجميع حينها لزرع نباتات مختلفة لا تتمتع بالقدرة اللازمة على التأقلم ومقاومة الأمراض المحلية، ما أدى إلى فشل ذريع وكارثة زراعية.
طالما عملنا في زراعة الأرض باستخدام النباتات المحلية التقليدية، ولكن هذه الحبوب الجديدة التي نستلمها عديمة الطعم، لا تشبع. لدرجة أن حيواناتنا تفضل الأعلاف التي اعتادوا دائما عليها.
عادة ما تأتي المساعدات الدولية أخيرا بعد حصول الجفاف. ولكنها ليست فعالة كما يتوقع منها.جرى إحلال الحبوب المخبرية محل البذور المحلية، بعد تطويرها جينيا. سرعان ما تنبه المزارع المحلي إلى ا، البذور الجديدة أقل قدرة على مواجهة الظروف المناخية القاسية في الروابي العالية. فهي تتطلب الاستخدام الكثيف للمبيدات والسماد، الذي لا يمكن للأثيوبي الجائع أن يشتريها.
هذه حقيبة من سماد الأوريا، وهذه حقيبة أخرى من سماد الغبار. نثرنا في هذا الحقل كيسين من هذه، وزن كل منها خمسين كيلوغرم، وكيس واحد من الأوريا وزنه خمسين كيلوغراما. أي بما كلفته مائتين وخمسة وعشرون بير. أما هذا فلم يخضع للتسميد. أي أنه نما بدون سماد. يمكن أن نرى من هنا أن الفارق ليس كبيرا بينه وبين الحقل الذي تم تسميده.
هذا السماد باهظ الكلفة لا يمكن للمزارع شراءه. ولكن ما نحاول القيام به في البذور المحلية هو أن نقدم للمزارع خيارا لاستخدامها حيث لا تجدي النوعية المتطورة نفعا، أو حيث لا يتوفر السماد في البلاد. تعتبر هذه بذور تقليدية محلية لم يتم تهجينها كأنواع. هذه منتجات موجودة لدى المزارعين منذ القدم. إذا أخذنا مثلا الحنطة الأثيوبية الصّلدة، نجد أنها تزرع هنا منذ آلاف السنين، أي أنها تأقلمت مع ظروف التربة والمناخ هنا. ما يعني أن المزارع معتاد جدا على هذا النوع، لهذا يمكنه زراعتها في أقسى الظروف ودون الحاجة إلى السماد.
أستعمل في حقولي حبوبا محلية من برنامج بذور البقاء، لهذا لم أحتاج إلى شراء السماد منذ أربع سنوات. لم أشأ في بداية الأمر أن أجرب البذور، ذلك أن فيها الكثير من المخاطرة، ولدي عائلة أطعمها. أما الآن فأنا مسرور جدا، الحصاد وفير جدا وللخبز طعم أفضل بكثير.
ذهبت إلى كلية الزراعة من حيث تخرجت عام ثمانية وخمسين، ومن ثم ذهبت لإتمام المزيد من التمارين في أوروبا وأمريكا. أنهيت تعاقدي مع الخدمات الحكومية وبدأت العمل في مشروع الثروات الجينية مع وكالات خاصة، لأقدم الاستشارة التقنية لزراعة الثروات الجينية.
أحب العمل في برنامج بذور البقاء، أعمل اليوم مهندسا زراعيا تحت مظلة لجنة الخدمات الكندية المتحدة في أثيوبيا. لقد بدأنا العمل بخمسة غرامات من البذور التي حصلنا عليها من مهجن القمح لدينا الدكتور تيسفاي تيساما، الذي صنع لحسن الحظ مائتين وستين مركبا من الحبوب المحلية لتوزيعها على ألفين وخمسمائة من صغار المزارعين، الذين ما زالوا يتعاونون معنا حتى الآن، فيضاعفون ما لدينا من حبوب كما يستخدمون كميات أخرى ويبيعون ما يبقى لديهم من فائض.
يعتبر التعاون بين المزارعين والعلماء حجر الأساس في برنامج بذور البقاء. فبدون نصيحة ومثابرة المزارعين يبدد المهندس الزراعي جهوده في تطوير نظريات عقيمة. ينطبق هذا على المعلومات التي نحصل عليها من الأبحاث الزراعية التي لولاها لوجدت أثيوبيا صعوبة في التخلص من فقرها المدمر.
يعمل برنامج بذور البقاء على مقربة أحد أهم بنوك الحبوب في العالم، وهو معهد التنوع البيولوجي في أديس أبابا الذي يحتفظ بثلاثة وخمسين ألف نوع من البذور.
مهاري زيودي/عالم حيوي:
عندما أنشئ بنك الجينات قبل ثمانية أو تسعة عشر عاما كان الميول نحو التآكل الجيني عالي جدا، فقرر المجتمع الدولي إنشاء شبكة عالمية من بنوك الجينات. وقد منحت أثيوبيا الأفضلية في ذلك لتنوع الجينات لديها. كان الهدف الرئيسي من المركز عند نشوئه هو جمع وحفظ المواد الجينية التي توجد في أثيوبيا. لقد أنشأنا مؤخرا دائرة جديدة تسمى برنامج حماية وتطوير مجتمع التنوع البيولوجي، وذلك بهدف توثيق المعلومات الشعبية لدى المزارع الأثيوبي.
لدينا في هذا الصندوق نماذج نحتفظ بها لمدة قصيرة قد تتراوح بين خمسة أو ستة أعوام، نأخذها بعد ذلك إلى الحقول لمضاعفتها.
يمثل ذلك التنوع الجيني الموجود في أثيوبيا، إنها تختلف من حيث اللون والشكل، كما أن لها استخدامات مختلفة. يستعمل بعضها لصناعة البيرة المحلية مثلا، وبعضها الآخرفي صناعة الخبز، كما أن بعضها مقاوم للطيور والأمراض ، أي أن فيها مزايا متنوعة.
جاء المستكشف الروسي نيكولاي إيفانوفيتش فافيلوف إلى أثيوبيا عام خمسة وعشرين، حيث قام باستكشاف وجمع العديد من البذور الزراعية. يؤكد العلماء القادمين من أوروبا وأمريكا أن أكثر أصول أكثر من عشرين نبتة تعود إلى أثيوبيا.
سقطت الدكتاتوريات الأثيوبية عام واحد وتسعين، ولكن البلاد ما زالت أمام الكثير من التحديات، ما زال الكثير منها يشكل جزءا من الإدارة الاستعمارية البائدة، لا بد للإصلاحات الزراعية أن تجد وجهة محددة. المواصلات بطيئة جدا، والطرقات التي شيدت قبل الاستقلال توشك على الاختفاء.
فوق الروابي العالية التي يبلغ ارتفاعها في بعض الأحيان ثلاثة آلاف متر أو عشرة آلاف قدم فوق سطح البحر، تعتبر سبل الري شبه معدومة، إلى جانب أن المياه الغير صالحة للشرب هي المسؤولة عن انتشار ثمانين بالمائة من أمراض البلد.
مع ذلك ما زال عدد السكان ينمو، إذ يبلغ اليوم ستون مليونا يعيش الجزء الأكبر منهم في مناطق محيطة بأديس أبابا.
هناك عدد من الحلول الهادفة لمعالجة الفقر في البلد. احتياجات وتطوير أثيوبيا يتطلبان إرادة صلبة لدى المجتمع العلمي، للاعتراف بأهمية الزراعات التقليدية وتطويرها، ومن بينها مثلا التيف.
هذا من أنواع التيف، الذي يعتبر غذاء رئيسي في أثيوبيا، إذ أنه يستهلك اليوم في غالبية أنحاء البلاد، أكثر من أي حبوب أخرى، وهو يستخدم لتحضير الإنغيرا وهي طبق شهير جدا على المائدة الأثيوبية. إنه نبات أثيوبي صرف، يستهلك بكثرة في الروابي العالية وجبال أثيوبيا الوسطى. ولكن عادة استهلاك التيف تنتشر بسرعة وما زالت أسواقه جيدة جدا، لدرجة أنه يحتفظ حتى الآن بأسعار جيدة، لهذا يستمر الفلاحون بزراعته.
كثيرا ما يلجأ المزارع التقليدي إلى تطوير حلول متجددة لاحتياجاته اليومية.
هذه غرفة تخزين محلية صنعت من تقليديا من الأغصان والوحل، وهي قادرة على احتواء عشرين قنطار من الحبوب. الفائدة من هذا المستودع كما نرى هو أنه ليس ثابتا أي أنهم ينقلونه من مكان إلى آخر، حسب الحاجة. أما الفائدة الأخرى فهي أنهم عندما يقومون بتنظيفه ينفضونه رأسا على عقب ويحصلون منه على جميع البذور القديمة.
هذا هو ما جهز من مواد القمح المحلي. هذا الخبز المحلي هو ما يأخذه الناس معهم ليأكلونه أثناء العمل في الحقول. وهذا طبق غذائي آخر يصنع من القمح. وهذه مجموعة من الحبوب، التي تشكل فطار صباحي شهير في أثيوبيا يسمونه محليا كينجا، وهو مصنوع من القمح أيضا. أما هذا فيصنع من نوع آخر من القمح يسمونه تاماجاي، هو أشبه بالشعير. كانت هذه السيدة تقول لي أن هذه مواد محلية هي المفضلة لتحضير هذا النوع من الأطباق، ذلك أن لها مذاق محلي مميز كما يقال أنها مغذية جدا.
لا نصنع هنا الخبز وحده، بل نصنع من القمح المشروبات والكحول أيضا. يصنع هذا المشروب محليا وهو يسمى غرابا، وهو شبيه بالفودكا، أنه قوي جدا، لا يمكن أن تشرب منه المزيد، أنه قوي.
في هذه الزاوية الجافة من أفريقيا، بصادراتها الهائلة من البن والموز، ما زال الفقر والجوع حاضران. إزالة الأحراش لم تؤثر سلبا على المناخ فحسب بل وعلى القدرة الجسدية والثقافية على بقاء الناس الذين يعرفون الأرض ويعتمدون عليها.
من الحكمة التقليدية لأوائل الفلاحين من بني البشر، يأتي الخبز اليومي للإنسان في الألف الثالث. حماية التنوع البيولوجي ووقايته بجميع أشكاله عبر الكرة الأرضية، يستطيع أن يغذي البذور الحيوية لمستقبلنا.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى