- منتديات العماريةالمدير الفنى للمنتدى
- الجنس :
عدد المساهمات : 6535 نقاط التميز : 16186 تاريخ التسجيل : 18/04/2009 العمر : 35 الموقع : http://bit.ly/Llerty
بورقعة ساعدني في الهروب من البليدة إلى العاصمة مذكرات الطاهر زبيري
الثلاثاء 4 أكتوبر - 16:09
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مطاردات بوليسية في جبال الأوراس والدرك كاد يقبض علي
بورقعة ساعدني في الهروب من البليدة إلى العاصمة
الرائد لخضر بورقعة
الحلقة الثانية عشرة
بعد أن فشلت خطة الطاهر زبيري في
الضغط عسكريا على بومدين للرضوخ لمبدأ "القيادة الجماعية" الذي سنه الآباء
المفجرون للثورة، أصبح زبيري مطلوبا لدى جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية
حيا أو ميتا، واليوم يحكي لنا عمي الطاهر المطاردات البوليسية له من مدينة
إلى مدينة، ومن قرية إلى قرية، ومن زنقة إلى زنقة، بشكل مثير ومشوق يصلح
لكي يكون مشروع فيلم سنيمائي، تابعوا...
مطاردات بوليسية في جبال الأوراس والدرك كاد يقبض علي
بورقعة ساعدني في الهروب من البليدة إلى العاصمة
الرائد لخضر بورقعة
الحلقة الثانية عشرة
بعد أن فشلت خطة الطاهر زبيري في
الضغط عسكريا على بومدين للرضوخ لمبدأ "القيادة الجماعية" الذي سنه الآباء
المفجرون للثورة، أصبح زبيري مطلوبا لدى جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية
حيا أو ميتا، واليوم يحكي لنا عمي الطاهر المطاردات البوليسية له من مدينة
إلى مدينة، ومن قرية إلى قرية، ومن زنقة إلى زنقة، بشكل مثير ومشوق يصلح
لكي يكون مشروع فيلم سنيمائي، تابعوا...
- الخروج إلى البليدة
- بعد
واقعة العفرون، اجتمع قادة الولاية الرابعة وكان من بينهم العقيد يوسف
الخطيب والرائد يوسف بولخروف والرائد لخضر بورقعة ومراد ثم جاؤوني إلى غابة
الشبلي في البليدة، وقد أوعزت في نفسي خيفة منهم بأن يقوموا باعتقالي
وتقديمي قربانا لبومدين لتبرئة ذمتهم بعد أن بلغتهم نتائج واقعة العفرون،
خاصة أنه لم يكن يرافقني أي من الحرس باستثناء سائقي المخلص، لكن قادة
الولاية الرابعة كانوا أكثر شهامة من غيرهم. - لم
أضع في حسباني أن يتخلى عني كثير من الرجال الذين أقسموا بأغلظ الأيمان
بأنهم سيكونون إلى صفي عندما يجد الجد وتفرز الصفوف، لكن بعد أول مواجهة
راجع الكثيرون موقفهم وتحولت الخيانة إلى حكمة وحسن تدبر، فنكسوا رؤوسهم،
واختبؤوا في جحورهم، وغيروا صفوفهم. - وفي هذه اللحظات العصيبة قال لي بورقعة:
- ـ اذهب إلى الأوراس وحرك الأمور.
-
في ليلة المواجهة رافقني الرائد بورقعة في السيارة إلى العفرون وتدثرنا
بجنح الظلام حتى لا يتعرف علينا رجال بومدين، وعاينت هناك ظروف المعركة
واتصلت مباشرة برجالي وقد تأسفت لحالهم بعد أن لعبت الأوحال والقنطرة
والطائرات دورا محوريا في هذه المواجهة، وبعد أن أمرت رجالي بالانسحاب إلى
الجبال حفاظا على وحدة الجيش والجزائر وطلبت منهم وقف إطلاق النار وانتظار
الأوامر، توجهت رفقة بورقعة إلى جبل حلوان، وفي الغد دخلنا إلى العاصمة عبر
محاور لم أكن أعرفها لكن بورقعة باعتباره من المنطقة كان يدلنا على أفضل
السبل لتفادي الحواجز الأمنية الكثيفة التي وضعها رجال بومدين لإلقاء القبض
على كل من كانت له علاقة بحركتنا. - فكرت
حينها في العودة إلى الأوراس، خاصة وأن لدي وحدات عسكرية في المنطقة تخضع
لسلطتي، فقد كان بإمكاني تجميع فرقة ونصف من الرجال، وبمجرد تحركي أستطيع
أن أجمع أكثر وأكثر، لكن بومدين سارع إلى عزل القادة والضباط الذين يشك في
ولائهم لي مما صعب من مهمتي. - التسلل إلى الأوراس
- بعد
أن استطاع بومدين إنهاء الجولة الأولى لصالحه والقضاء على الموجة الرئيسية
لقواتنا أطلق رجال الأمن والمخابرات لتعقب أثري قصد اعتقالي مع كبار قادة
حركة 14 ديسمبر، فأصبح من الصعب علي أن أتجاوز كل تلك الحواجز الأمنية حتى
أصل إلى جبال الأوراس التي تبعد عن العاصمة بنحو 500 كيلومتر شرقا. -
لكني سمعت أن سائق قطار يدعى أحمد بوزيدي بن طيب العمراني استطاع أن ينقذ
أحد رجالنا ويسمى عبد الحميد بن غزال ونقله إلى قسنطينة رغم الإجراءات
الأمنية المشددة التي فرضها رجال بومدين علينا والتي مكنتهم من اعتقال
الكثير من رجالنا والمتعاطفين معنا. - وأرسلت
رجالا من الولاية الرابعة إلى أحمد بوزيدي فلم يجدوه وأخبرهم ابنه بأنه في
سفر وقد يتأخر في العودة، لذلك فكرت في رجل آخر من الأوراس يعمل بالعاصمة
ولديه شاحنات ومحلات تجارية لبيع قطع الغيار إذ كانت لديه شركة للتصدير
والاستيراد، ويدعى هذا الشخص مقلاتي وكنا إبان الثورة نأكل وننام عنده
ونعتبره من الأصدقاء الكبار للثورة، وعندما أرسلت في طلبه لم أجده ولكن
جاءني ابنه، فقلت له: - ـ أنتم لديكم شاحنات.. وأرغب الآن في العودة إلى المنطقة (الأوراس).
- ـ سأكلم أبي.
- وعندما بلغه الأمر، قال الطاهر مقلاتي لابنه:
- ـ خبئه في المخزن.. ودعنا نحترق بنار الأزمة كلنا.
- وجئتهم
ليلا واختبأت في المخزن، وأخبرني مقلاتي بأنهم سينجزون لي بيتا من الألواح
الخشبية، لأنهم كانوا يتاجرون في الخشب أيضا، وبعد أن قضيت عندهم ليلة أو
ليلتين وضعوا البيت الخشبي في وسط الشاحنة ورموا من حوله الألواح الخشبية
بشكل لا يدعوا للريبة. - دخلت
البيت الخشبي واختبأت فيه، وتولى سائق يدعى الطيب قيادة الشاحنة وكان أهل
ثقة، وتوجهنا نحو الأوراس، وفي الطريق اعترضتنا ثلاث حواجز أمنية اثنين
منها اجتزناها بسهولة لأن رجال الأمن كانوا يعرفون الطيب فلم يوقفوه، لكن
الحاجز الثالث أجبرنا رجال الدرك على التوقف، وصعد دركي فوق ألواح الخشب
وهو يحاول أن يكتشف شيئا بين ثناياها، وكادت أنفاسي تنقطع بعد أن رأيت أمري
يكاد ينكشف، لكن الله ستر، فلم يرنِ الدركي واجتزنا هذا الحاجز الأخير
بسلام، وواصلنا طريقنا إلى الأوراس وحماية الله ترعانا. - وصلنا
مدينة باتنة ودخلنا إلى المخزن، وتمكنت حينها من الخروج من ذلك القفص
الخشبي الذي يشبه السجن الضيق، وطلبت من السائق أن يذهب في طلب رجل صنديد
من أصدقائي المقربين يسمى عبد الحميد قواسمية، فجاءني هذا الأخير في سيارة
من نوع "سيتروايان"، وأخذني إلى عين مليلة في أم البواقي لدى أحد المواطنين
البسطاء الذي قضيت ليلتي تلك في داره، وفي صباح الغد اتصلوا بمسؤولي
المنطقة فجاءني رجل يدعى السعيد 86 واسمه الحقيقي "بنور" وكان يحمل معه
بندقية طويلة الماسورة فأخذني إلى قرية "غليف" عند رجل فاضل يدعى "عمي
السعيد بوخرشوفة". - بومدين يعزل الضباط المتعاطفين معي في الأوراس
- بقيت
في قرية "قليف" أتابع الأوضاع أولا بأول، وأراقب الأمور ما إذا كانت حدثت
مظاهرات أم لا، وما هو مصير الضباط والجنود الذين وقفوا إلى جنبي مثل عمار
ملاح، العياشي حواسنية شريف مهدي، ووجدت أن أغلب جنودي سلموا أنفسهم، أما
النقيب العياشي حواسنية والشريف مهدي الأمين العام في هيئة الأركان فتمت
محاصرتهما وإلقاء القبض عليهما، في حين بقي الرائد عمار ملاح حرا مطاردا
مثلي. - كنت
بحاجة إلى أموال كثيرة ربما 5 ملايين دينار (نصف مليار سنتيم بقيمة ذلك
الزمان) لكن ذلك كان بعيد المنال تماما، والأمور أصبحت أكثر صعوبة بعد عزل
وإبعاد ضباطي الأوفياء في المنطقة العسكرية الخامسة من المسؤوليات العسكرية
التي كانوا مناطين بها رغم أنهم كانوا أشبه بالخلايا النائمة التي لم
تتحرك يوم 14 ديسمبر، وتم استبدال هؤلاء الضباط بآخرين غير متعاطفين معنا. - بقيت
نحو شهرين في قرية غليف، اتصل بي خلالها بعض الضباط الذين كانوا تحت
قيادتي خلال الثورة مثل مكي البرجي وعبد الحميد وأعلنوا استعدادهم للوقوف
إلى جانبي في وجه بومدين ورجاله، ولم تسمح الحالة التي كنا فيها بمواصلة
معارضتنا. - رجال بومدين يتعقبونني
- لم
ييأس ولم يكل رجال بومدين من مطاردتي ومحاولة إلقاء القبض علي بأي شكل من
الأشكال، وبقائي حرا طليقي بين أهلي وعشيرتي في الأوراس كان يسبب الأرق
لبومدين، لأنه كان يعلم ماذا يعني لو تمردت عليه الأوراس لذلك أرسل رجال
الشرطة والدرك والجيش والأمن العسكري لتقفي أثري والبحث عني في كل مكان
والقبض علي حيا أو ميتا. - ومن
بين أبرز الضباط الذين كانوا يتعقبونني بإصرار وعناد عبد السلام بوشارب
الذي ترقى في المناصب إلى أن وصل إلى رتبة جنرال، وكان خلال الثورة مجاهدا
في جيش التحرير فألقى الجيش الفرنسي القبض عليه في 1961 وبعد الاستقلال
جاءني يطلب مساعدتي للانضمام إلى الجيش الوطني الشعبي، فأرسلته إلى قاصدي
مرباح للعمل معه في الأمن العسكري بل قمنا بترقيته إلى رتبة عسكرية أعلى،
لكنه بعد أزمتي مع بومدين كان أشد الضباط تعقبي لي خاصة وأنه ابن المنطقة. - ولأنه كان مجاهدا في الأوراس ويعرف رجالها جيدا فقد اتجه مباشرة إلى الطاهر مقلاتي في محله بباتنة وقال له بشكل مباشر ومستفز:
- ـ الطاهر زبيري موجود عندك؟
- ونفى مقلاتي بطبيعة الحال علمه به ورد عليه متحديا:
- ـ إذهب وفتش عنه.
- وإلى
جانب عبد السلام بوشارب كان النقيب عطايلية نائب قائد المنطقة العسكرية
الخامسة (تقاعد برتبة جنرال) هو الآخر في أثري، وكان ي..... كتيبة من الجنود
مرفوقة بالكلاب البوليسية المدربة لتعقبي من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى
قرية ومن بيت إلى بيت، وسببت هذه المطاردات الكثير من الأذى والإحراج لمن
عرفوني عن قرب أو كانت تربطهم بي أدنى علاقة سواء خلال الثورة أو بعد
الاستقلال. - الأمن العسكري يحدد مكاني
- خلال
الأشهر الأولى من سنة 1968 كانت جميع اتصالاتي بالرائد عمار ملاح الذي كان
من الضباط المطاردين القلائل الذين نجوا من الاعتقال تتم بالرسائل التي
أبعث بها عبر رجال ثقاة، وفي إحدى هذه الرسائل أمرته بأن يلتحق بي في منطقة
بنواحي "غليف" بالأوراس لكن الرسول الذي كلفته بإيصال هذه الرسالة أعطاها
لشخص آخر من معارفه للقيام بهذه المهمة، غير أن هذا الأخير بدل أن يوصلها
إلى الرائد عمار ملاح سلمها بكل برودة دم إلى الأمن العسكري. - أصبح
الأمن العسكري يملك رأس الخيط الذي بإمكانه أن يوصله إلى مكان تمركز عمار
ملاح في ضواحي العاصمة بل وتحديد مكاني أنا الآخر في الأوراس في ضواحي
غليف، لذلك كثف الأمن العسكري عمليات البحث عني في المنطقة ولحسن حظي أنني
كنت آخذ احتياطاتي بشكل جيد، حيث أغير أماكن تواجدي باستمرار. - الكثير
من سكان الأوراس كانوا متعاطفين معي وآووني في بيوتهم، واقتسمت معهم رغيف
عيالهم، وحفظوا سري في صدورهم، ولم يشوا بي إلى رجال بومدين رغم خوفهم من
بطشهم وحاجتهم إلى مكافأة مالية تنتشلهم وأطفالهم من مستنقع الفقر
والحرمان. - وتولى
الصالح عبد اللاوي (كان ضابطا في الولاية الأولى خلال الثورة ونائبا لقائد
المنطقة الثانية بجبل شيلية) مهمة اختيار المكان المناسب الذي أختفي فيه
عن عيون بومدين، فلم أكن أتحرك إلا إلى المكان الصحيح وفي سرية تامة، لذلك
وجد الأمن العسكري صعوبة كبيرة في تحديد مكان تواجدي بالدقة المطلوبة وفي
الوقت المناسب. - الصالح
عبد اللاوي كان يعرف المنطقة شبرا شبرا، دارا دارا، زنقة زنقة، كما يعرف
أهلها فردا فردا، وهو الذي كان يزودني بالمؤونة والجرائد لأن الناس الذين
كنت أختبئ عندهم جميعهم فقراء، ولم يكن لديهم ما يسد قوت عيالهم فأنى لهم
بمؤونة قائد أركان "قلب له الزمان ظهر المجن"؟ - الدرك يحاصر مخبأنا ويعتقل عبد اللاوي
- أقمت
لفترة مع صديقي محمد شبيلة الذي التحق بي في غليف عند شخص يدعى الماكودي
سعيدي في دوار يدعى "بولفرايس" يقع بين ولايتي باتنة وخنشلة بعيدا عن
الطريق الرئيسية، وكانت جميع تحركاتنا ليلا وكنت أحمل معي رشاشا آليا من
نوع "كارابينا" بالإضافة إلى مسدس، ولكني ذات مرة تاقت نفسي للاستحمام خاصة
وأني قضيت أسابيع في الغابات والجبال بدون استحمام نظرا لأن الناس كانوا
يعانون من نقص المياه وكأن شمس الاستقلال لم تشرق بعد في سماء هؤلاء
المساكين.. الأوفياء. - قررت
الذهاب مع محمد شبيلة إلى حمام الصالحين بخنشلة للاستحمام في وضح النهار
رغم كل ما يحمله هذا القرار من مغامرة غير محمودة العواقب، ولكننا احتطنا
للأمر، فقد غيرت من مظهري بشكل يصعب التعرف علي، أصبح شاربي أكثر طولا،
وكنت أضع لحافا على رأسي وأرتدي قندورة وملابس الفلاحين، حتى يحسب من يراني
أنني واحد من أبناء الدوار ولو أنني كنت فعلا كذلك. - ولتأمين
سلامتنا جاء صالح عبد اللاوي بسبع مجاهدين من المنطقة ومعهم أسلحتهم التي
كانوا يمتلكونها منذ أيام الثورة، وظلوا يحرسوننا بيقظة، وسبحنا في مياه
حمام الصالحين الساخنة طبيعيا وقضينا أوقاتا ممتعة افتقدناها منذ واقعة
العفرون. - وعندما
أردنا العودة جاءنا صالح عبد اللاوي بسيارة أجرة ي.....ها رجل يدعى "الحاج
علي" وكان رجل ثقة، فأخذني رفقة محمد شبيلة والماكودي إلى بيت لا يبعد عن
دار هذا الأخير في دوار بولفرايس سوى بنحو ثماني كيلومترات، وفي الغد التحق
بنا صالح عبد اللاوي ومعه بعض المواد الغذائية لكنه لم يأت لنا بالجرائد،
وكان حينها قد تم القبض على عمار ملاح وصهري موسى حواسنية لكن الجرائد لم
تتكلم عن هذا الحدث لأن بومدين كان يريد أن يلقي بظلال من النسيان على حركة
14 ديسمبر 1967. - طلبت
من الماكودي أن يرافق عبد اللاوي والحاج علي إلى مدينة قايس أين يقيم عبد
اللاوي لشراء الجرائد، وعندما وصلوا إلى البلدة نزل عبد اللاوي ودخل إلى
بيته، بينما بقي الماكودي رفقة السائق الحاج علي حيث ساروا قليلا قبل أن
ينزل الماكودي وسط البلدة لشراء الجرائد، إلا أن الماكودي كان مرتابا في
الحاج علي الذي كان محل ثقة صالح عبد اللاوي بدليل أنه نقلنا مرارا بسيارته
دون أن يحدث لنا أي مكروه. - تتبع
الماكودي الحاج علي إلى أن رآه يدخل مقرا للدرك الوطني، فتأكد من خيانته
لنا، فرجع يجري بأقصى ما أوتي من قوة ليحذرنا قبل أن يصل رجال الدرك إلينا،
كان رجلا صنديدا ووفيا قطع عشرة كيلومترات وهو يجري حتى يسبق سيارات
الدرك، إلى أن وصل إلينا وهو يلهث من شدة التعب وقال لنا: - ـ هيا بنا علينا أن نخرج من هنا حالا.
- وتحركنا
بسرعة لاجئين إلى غابة البراجة في جبل كيمل والتي كانت مركزا لقيادة
الولاية الأولى خلال الثورة، وعندما وصل رجال الدرك إلى المخبأ الذي كنا
فيه حاصروه بسرعة ثم اقتحموه لكنهم لم يجدوا أحدا، فقد أفلت صيدهم الثمين،
إلا أنهم مع ذلك نجحوا في القبض على صالح عبد اللاوي في بيته، الذي أخضع
لتعذيب تقشعر منه الأبدان، حيث علق بالسيلان (الأسلاك الشائكة) وأطلقوا
عليه الكلاب الشرسة لتنهش لحمه حتى يُقِر بكل ما يعرفه عني وعن الأماكن
التي سبق وأن اختبأت فيها، ثم نقلوه إلى السجن. - عمي السعيد بوخرشوفة وأمنا عائشة
- أخذنا
الماكودي إلى شيخ فقير يدعى "عمي السعيد بوخرشوفة" وزوجته "أمنا عائشة"
اللذان كانا يؤويان الثوار خلال حرب التحرير، وكان عمي بوخرشوفة لديه كوخين
في غابة البراجة بأعالي جبال الأوراس، ومكثت عنده ثمانية أيام كاملة مع
محمد شبيلة، وطيلة هذه المدة لم يأتي إلينا أي شخص لا صالح عبد اللاوي الذي
لم نكن نعلم بأنه اعتقل ولا شخص آخر. - كانت
ظروف حرجة للغاية، وزادت الثلوج والأمطار والبرد القارس الوضع قساوة
ومأساوية، فلم تصلنا المؤن والغذاء، بل كنا نشارك شيخا فقيرا قوته وقوت
زوجته العجوز ونقتسم معهما رغيفهما طيلة ثمانية أيام كاملة. - وجاءنا
الماكودي أخيرا وأخذنا عند رجل آخر يدعى محمد العيد شقيق رجل طريف يدعى
"حمنا القاهرة" والذي عندما سأله رجال الدرك: "هل جاءك زبيري" قال لهم
بتغابي: "لم يشرفن بالمجيء"، ولما قالوا لشقيقه إن الطاهر زبيري: "خائن"
صدم وهو الذي يعتبرني أحد أبطال الأوراس الذين حرروا الجزائر فقال مندهشا
"... الطاهر زبيري يخون؟"، وأضاف "سمعت أن أمرا وقع في جبل فرعون" وكان
يقصد مدينة العفرون. - أما
أشجع الرجال الذين سمعت عنهم ولم أعرفهم خلال محنتي فكان شيخا طاعنا في
السن (في الثمانين من العمر) عندما جاءه رجال الدرك والمخابرات ليسألوه إن
كنت زرته أو اختبأت في بيته، تحداهم قائلا "لم يشرفن بالمجيء، ولو جاءني...
فإما رحلتم أو قتلتكم جميعا". - ازدادت
مطاردات رجال الأمن العسكري والدرك والشرطة والجيش لنا شراسة وحدة، بل
وضيقوا الخناق علينا كثيرا خاصة بعد أن تم اعتقال الماكودي وشقيقه والطاهر
مقلاتي وأخوه أيضا، مما جعلنا في وضع صعب لا نحسد عليه.. كانت حملة مسعورة
لاعتقال واستنطاق كل من ساهم في تهريبي إلى الأوراس أو آواني أو ساعدني بأي
شكل من الأشكال، وحتى الضباط الذين يشتبهون في ولائهم لي أو تعاطفهم معي
تم إبعادهم أو تحويلهم إلى مناطق بعيدة عن الأوراس. - قضينا
ثلاثة أيام لدى حمنا القاهرة وشقيقه محمد العيد، ثم عدنا إلى غابة البراجة
في جبل كيمل عند عمي السعيد بوخرشوفة الذي كان رجلا قانعا بما رزقه الله
رغم فقره المدقع وعزلته في غابة البراجة، وبقينا هناك نصارع الجوع والمرض
حتى أرجلنا تفسخت من كثرة المشي في الجبال والغابات فارين من مطاردات
النقيب عطايلية ورجال الأمن العسكري وقوات الدرك التي ازدادت شراسة بعد أن
تأكدوا أنني تمكنت من الوصول إلى الأوراس. - لم
تعد رجلاي تتحملاني أكثر رغم أنني خلال الثورة كنت مثل الأسد الهصور أجوب
أرجاء هذه الغابات والجبال دون أن أكلَّ أو أملَّ، لكن هل بعدما ذقت طعم
العيش الرغيد في قيادة الأركان صعبت عليّ أيام المحن والإحن؟ - كانت
أمنا عائشة تبكي بالدموع الساخنة وهي ترثي لحالي، وتتألم لمرضي، في حين
كان عمي السعيد بوخرشوفة يوصيني دوما بالحفاظ على الصلاة، فقد كان رجلا
تقيا ورعا رغم فقره ولكني كنت أرد عليه مازحا "أنا لدي جبال من الحسنات
لأني دافعت بروحي عن الإسلام وعروبة الجزائر".
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى