- nada omaria
- الجنس :
عدد المساهمات : 184 نقاط التميز : 5471 تاريخ التسجيل : 26/01/2012 العمر : 33
التعدي على الملكية العقارية
الإثنين 30 يناير - 13:15
مقدمة
لم يكن الإنسان قديما في حاجة إلى قواعد قانونية لحماية الملكية العقارية، ذلك لأن الأراضي كانت متوفرة للجميع وبمساحات شاسعة، والمساكن لم تكن سوى أكواخ أو كهوف ومغارات ، ناهيك عن الترحال الدائم للإنسان بحثا عن الصيد والثمار.
وبتزايد التطور أصبح الإنسان ينشد الاستقرار، ويروم إلى التشتيت بالأرض التــــي اعتاد عليها وعلى مناخها، ووجد فيها كل ما يحتاجه من طعام وشراب – الأمر الذي يفســـر قيام الحضارات القديمــة على ضفــاف البحار والأنهـار، فحينــئذ بـدأت تتبلور فكـرة المـلكية العقارية كضرورة ملحة لأجل حماية الأرض من المعتدين ، فاخذ الإنسان يفكر فــي الملكـية ويضع لها القواعد القانونية التي تحميها.
فقـد جاء في شريعة الملك اورنمو ( 2103 – 2111 ق م) المؤسـس لسلالة أور الثالثة التي حكمت مدينة أور جنوب العراق ومقنن أقدم شريعة سومرية ، تحريم التجــاوز في الزراعة وضرورة تقييد الأشخاص بزراعة أراضيهم الحقيقية وعدم اللجوء إلى أراضي الغير وزرعها المادة 27 من شريعة اورنمو ، وفي المادة 28 قضت بالتعويض على من يتسبب في إغراق حقل مزروع يعود لرجل أخر عقابا له ، كما فرضت الجزاء على من بهمل زراعة أرضه ويعطل وظيفتها الاجتماعية.
وفد جاء كذلك في شريعة الملك لبت عشتار( 1924– 1934 ق م) حماية الملكية الخاصة عن طريق فرض الجزاء القانوني عند الاعتداء عليها.
وإذا كانت هذه القواعد القانونية قد رفعت الملكية حد التقديس في العهد الرومــــاني والقرون الوسطى وعهد الثورة الفرنسية إلا انه سرعان ما تلاشت هذه القداسة أمام تــــزايد النزعة الاجتماعية لتتحول الملكية في العصر الحديث إلى حق مقيد بأداء وظيفة اجتماعيــة ونفع عام، فالعقار هو كل ما هو ثابت على الأرض و قابل للبيع و الشراء و التأجير.
ولما كانت الملكية عموما والملكية العقارية خصوصا من أهم المسائل التي اهتمت بها التشريعات قديما وحديثا، وخاصة بعد أن أصبح للملكية وظيفة اجتماعية، وركيزة أساسيـــــة تعتمد عليها الدول في اقتصادياتها وتوجهاتها السياسية لما لها من اثر بالغ في صناعة القرار وخلق الثورة.
فقد حدا المشرع الجزائري حذو بقية التشريعات فنظم الملكية ونــص علــى حمايتـــها دستوريا وافرد لها نصوصا خاصة لمعاقبة المعتدين، سواء في قـــانون العقوبــــات أو فـــي القوانين الخاصة الأخرى، وهذا حماية للنظام العام الدولة، ومنعا للأفراد مـــن اخذ حقوقــهم بأنفسهم، وبسطا لنظام الدولة وقوانينها على إقليميها.....
وأمام الكم الهائل من النصوص المتعلقة بالعقار، والذي يعكس انــعدام بـروز سياســة عقارية واضحة لدى المشرع ، ونظرا لأهمية الموضوع الذي يبحث في إشكاليــــة حمايــــة الملكية العقارية ، وحصر الاعتداءات الواقعة على العقار والتي تشكل جريمة يعاقب عليـــها القانون.
وأمام تذبذب رأي المحكمة العليا ، وعدم استقرارها حول تفسير نـص التجريم لاسيــما تلك المفاهيم التي تعد جوهرية في فهم الجريمة وفي قيامها كلها أسباب تزيـــد مــن صعوبــة البحــث وتعقيده ، كما تزيد في الوقت نفسه من حلاوته فـــي سبيل استجلاء مــا يعتري هــذه الحماية من الغموض.
و رغم اشتراك كل من القانون الإداري القانون المدني والقانون الجزائي في حمايـــة العقار، تبقى الجرائم الواقعة عليه كثيرة، وهو ما يجعلنا نتساءل: هل أن العقار محمي فعلا ؟ وان كان كذلك فهل هذه الحماية كافية ؟
وتبعا لذلك سيقتصر بحثنا على الحماية الجزائية من اجل حصر الجرائم الواقعة على العقار والعقوبة التي قررها المشرع ردعا للمجرمين.
ومن اجل ذلك قسمت دراستنا إلى مبحثين، يتناول المبحث الأول جريمة التعدي على الملكية العقارية أما المبحث الثاني: صور الاعتداء على الملكية العقارية.
المبحث الأول : جريمة التعدي على الملكية العقارية
تمهيـــــد :
أورد المشرع الجزائري عدة نصوص تتضمن تجريم الاعتداء على الملكية العقارية منها المادة 386 من قانون العقوبات، كما أورد نصوصا أخرى هدفها حماية العقار في حد ذاته وبغض النظر عن مالكه من كل أنواع الاعتداءات، فنص في المادة 395 وما بعدها من قانون العقوبات على جريمة الهدم والتخريب التي تستهدف العقارات، ونص في المادة 160 من نفس القانون على جريمة تخريب النصب التذكارية إلى غيرها من النصوص .
بالإضافة إلى كل ذلك فقد نص في عدة نصوص أخرى على تجريم الاعتداء على العقار في قانون الأملاك الوطنية وقانون الغابات، وقانون المياه ، وتجدر الإشارة أن الحماية مكفولة للعقار بغض النظر عن أصل الملكية عامة أو خاصة.
وإذا كانت المادة 386 من قانون العقوبات هي النص العام الذي جاء صراحة لكفالة الحماية الجزائرية للملكية العقارية فإنه من الضروري التعرض لها بالتحليل والتوضيح لإبراز العناصر المكونة للجريمة، وعناصر التشديد والعقاب.
فالمادة 386 من القانون رقم 82/04 المؤرخ في 13 فبراير 1982 المتضمن تعديل قانون العقوبات الصادر بالأمر رقم 66/156 المؤرخ في 08/06/1966 تنص على أنه ‹‹ يعاقب بالحبس من سنة إلى خمسة سنوات وبغرامة مالية من 2000 إلى 20.000 دح كل من انتزع عقارا مملوكا للغير وذلك خلسة ٲو عن طريق التدليس. وإذا كان انتزاع الملكية قد وقع ليلا بالتهديد العنف ٲو بطريق التسلق ٲو الكسر من عدة أشخاص، أو مع حمل سلاح ظاهر ٲو مخبأ بواسطة واحد ٲو أكثر من الجناة فتكون العقوبة الحبس من سنتين إلى عشر سنوات، والغرامة من 10.000 إلى 30.000 ››
المطلب الأول : عناصر الجريمة
تقوم جريمة التعدي على الملكية العقارية متى توافرت أركانها العامة وعناصرها الخاصة، ونعني بالأركان العامة تلك الشروط اللازمة لقيام الجريمة بوجه عام ، و هي الشروط التي تنطبق على كل الجرائم مهما كان نوعها ، و هي الركن المادي و الركن المعنوي و الركن الشرعي طبقا لما جاءت به المادة الأولى من قانون العقوبات على أنه: ‹‹ لا جريمة و لا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون››.
بالإضافة إلى هذه الأركان العامة اشترط القانون في المادة 386 من قانون العقوبات عنصرين آخرين تختص بهما جريمة الاعتداء على الملكية العقارية وهما انتزاع عقار مملوك للغير واقتران الانتزاع بالخلسة أو التدليس كما جاء في قرار المحكمة العليا رقم:52971 المؤرخ في 17/01/1989 مايلي: ( من المقرر قانونا أن جريمة الاعتداء على ملكية الغير لا تقوم إلا إذا توافرت الأركان الآتية :
نزع عقار مملوك للغير، و ارتكاب الفعل خلسة أو بطريق التدليس ).
* الفـرع الأول: انتزاع العقار المملوك للغير :
-أولا-انتزاع عقار :
ما هو فعل الانتزاع ؟ و ما هو العقار حسب المشرع الجزائري ؟
-أ- فعل انتزاع: هي قيام الفاعل بسلوك ايجابي هو النزع أو الانتزاع أي الأخذ بالعنف وبدون رضا المالك، و قد يختلط الأمر بين الانتزاع المجرم بنص المادة 386 من
قانون العقوبات و نزع الملكية للمنفعة العامة الذي تقوم به الإدارة وهي للمصلحة العامة ولها ضوابط تتمثل في إجراءاتها الصارمة المنصوص عليها قانونا ، و التي يشكل تخلف أحدها سببا من أسباب إلغاء قرار نزع الملكية .
ويلزم أن يقع الانتزاع بفعل الجاني أو تخطيطه، ولا يشترط أن يقوم الجاني بنفسه بالفعل المجرم بل قد يستعمل غيره للقيام بذلك كأن يرسل من يقوم مقامه بانتزاع العقار أو دخول المسكن و احتلاله لفائدته ، وفي هذه الحالة أمام فاعل أصلي و شريك كما نصت المادة 44 من قانون العقوبات ( يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة ).
فالشريك هو كل من ساهم مساهمة مباشرة أو غير مباشرة في تنفيذ الجريمة ، وكل من حرض بالفعل أو التهديد أو الوعد أو إساءة استغلال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس أو أعطى تعليمات لذلك وكل من ساعد بكافة الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك.
وقد أخذ المشرع الجزائري بفكرة المسؤولية الجزائية لأشخاص المعنوية مسايرا بذلك ما توصل إليه الفقه الجنائي الحديث على الرغم من النقد الشديد لفكرة الشخص المعنوي وعدم قبولها لدى الكثير من الفقهاء و حتى التشريعات و مثالهم في ذلك ( أن الأشخاص المعنوية ليس لها أجسام تحبس ولا أعناق تشنق ) و يجب أن نفرق بين نوعين من الأشخاص المعنوية :
- العامـة: كالدولة و الولاية و البلدية لا يمكن مسائلتها و إنما يمكن اللجوء إلى القضاء لإلغاء قراراتها الماسة بالملكية العقارية خاصة في حالتي التعدي أو الإستلاء – الخاصة: كالشركات و الجمعيات فيمكن مسائلتها و معاقبتها بما يتناسب و طبيعتها كعقوبة الغرامة و الحل و المصادرة ...الخ.
وقد اشترط القانون أن تنتقل الحيازة و التي ذكرها بوضوح المشرع في المواد من 808 إلى 843 من القانون المدني إلى من قام بفعل الانتزاع ، حيث تتحقق هذه الأخيرة و ذلك بانتقالها من الحائز إلى المنتزع مثل دخول المسكن و البقاء فيه بدون رضا المالك غير أن الشروع في الفعل لا يعاقب عليه لعدم وجود نصوص قانونية على ذلك، و الأصل في الدخول أن يكون بغير وجه قانوني و بغير علم أي خلسة أو بغير رضا صاحب العقار وبمفهوم المخالفة إذا تم التسليم العقار طواعية وبدون اختلاس أو تدليس فلا جرم في ذلك بنص المادة 386 من قانون العقوبات.
وقد جاء في قرار رقم: 57534 المؤرخ في 08/11/1988 للمجلة القضائية العدد الثاني لسنة 1993 الصفحة 192:( بأن الخلسة أو طرق التدليس في جريمة انتزاع عقار مملوك للغير تتحقق بتوافر عنصرين هما دخول العقار دون علم صاحبه أو رضاه ، و دون أن يكون للداخل الحق في ذلك و من ثم فإن القضاة الذين أدان المتهم على أساس على أنه اقتحام المسكن دون علم أو إرادة صاحبه و لا مستأجره و شغله مع عائلته دون وجه شرعي لم يخالف القانون.)
وقد ذهب الاجتهاد القضائي المصري حسب الدكتور/ حسن صادق المرصفاوي في كتابه شرح قانون العقوبات المصري طبعة 1991 إلى اعتبار أن الدخول هنا يفيد كل فعل يعتبر تعرضا ماديا للغير في حيازته للعقار حيازة فعلية
عليها بالقوة سواء كانت شرعية مستندة إلى سند صحيح أم لم تكن ، وسواء كان الحائز للعقار مالكا أو غير ذلك .
-ب- أن يكون عقارا:
يجب أن يكون محل الانتزاع أو التعدي واقعا على العقار أرضا أو بناءا أو عقارات بالتخصيص ، و بالتالي يمكن انتزاع المنقولات بمختلف أنواعها ولمعرفة العقار محل الجريمة يجب الرجوع إلى أحكام القانون المدني الذي عرف في المادة 683 من القانون المدني بأنه كل شيء مستقر بحيزه و ثابت فيه و لا يمكن نقله منه دون تلف فهو عقار ، و كل ماعدا ذلك من شيء فهو منقول، غير أن المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه، رصدا على خدمة هذا العقار أو استغلاله يعتبر عقارا بالتخصيص).
و ينصرف هذا التعريف إلى الأراضي و المباني و الأشجار والطرق و المناجم....الخ، كما ينصرف إلى المنقولات بطبيعتها و التي رصدت خدمة للعقار كالجرار بالنسبة للأرض، و الأبواب و النوافذ للمنزل....الخ.
فيشكل كل اعتداء عليها اعتداءا على العقار حيث له أهمية اقتصادية و اجتماعية في النظم الحالية أين أصبحت التشريعات الحديثة تولي أهمية بالغة لحماية العقار و كل مساس به يعتبر المساس بالنظام العام.
غير أن المشرع الجزائري أعتبر في المادة 350 من قانون العقوبات في فقرتها الأخيرة التي تنص مايلي وتطبق نفس العقوبة على اختلاس المياه،الغاز و الكهرباء)، و يتضح لنا أن العقار بالتخصيص بمفهوم القانون المدني لا يخضع لأحكام حماية العقار المنصوص عليه في المادة 386 من قانون العقوبات بل يخضع لأحكام المادة 350 من نفس القانون ، فالأشجار مثلا متصـلة بالأرض فهي عقـار فإذا تم فصـلها عنها و قطـعت فتصبح منقولا ، و مادام المشرع قد كفـل
الحماية للعقار كما كفلها للمنقول فلا يثور الإشكال حول حماية العقار بالتخصيص فالجرار و باب المنزل و غيرها من المنقولات يمكن سرقتها.
و لا يختلف الأمر إن كانت ملكية العقار المنزوع تابعة للأشخاص الطبيعية أو المعنوية عامة كانت أو خاصة، و يكفي أن يقع الاعتداء على عقار مملوك للغير.
و هناك تساؤل حول العقارات المتروكة أو المهملة ، و في هذه الحالة نفرق بين حالتين و هما:
* الحالة الأولى :
إذا تنازل صاحب العقار المتروك عن ملكيته ، فجاء حائز و احتل العقار بنية تملكه ، فان فعل الانتزاع لم يحدث ، و كذا عنصري الخلسة و التدليس ، وعليه فلا تقوم جريمة الاعتداء على الملكية العقارية ، بل يمكن للحائز الجديد أن يكتسب العقار الذي حاز عليه بالتقادم طبقا لقواعد القانون المدني باستثناء الأملاك الوطنية العمومية فهي لا تخضع للتصرف و لا للتقادم المكسب أو الحجز .
حيث جاءت المادة 23 من القانون 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 المتضمن التوجه العقاري و صنفت الملكية العقارية إلى أملاك وطنية خاصة و أملاك وقفية، و قسمت الأملاك الوطنية إلى الأملاك العامة و الأملاك الخاصة.
ولم تستثني المادة 04 من قانون رقم 90/30 المتعلق بالأملاك الوطنية العمومية فهي غير قابلة للتصرف أو التقادم أو الحج.
و بمفهوم المخالفة يمكن التصرف أو الحجز أو الاكتساب بالتقادم للأملاك الوطنية الخاصة و تبعا لذلك فقد أدمجت أراضي العرش ضمن ملكية الدولة الخاصة بموجب قانون رقم 95/26 المؤرخ في 25/09/1995 المعدل و المتمم لقانون رقم 90/25 المتضمن التوجيه العقاري إذ تنص المادة 85 من قانون 90/25 على انه :
(تبقى ملكا للدولة أراضي العرش و البلديات المدمجة ضمن الصندوق الوطني للثورة الزراعية ).
* الحالة الثانية :
إذا ترك المالك أو الحائز العقار دون أن يتنازل عن ملكيته ففي هذه الحالة الحيازة أو الملكية لا زالت عند صاحبها كما في حالة المستأجر ، و عليه فكل من يقوم بانتزاع الحيازة قد ارتكب جريمة التعدي على الملكية العقارية ما دامت نيته قد انصرفت إلى التملك بعد أن كانت عرضية ، و هذا بعد توافر الشروط المنصوص عليها في المادة 386 من قانون العقوبات التي سوف نتعرض لها لاحقا.
ثانيا- أن يكون العقار مملوك للغير:
- أ – مفهوم ملكية الغير:
يجب أن يكون العقار محل الانتزاع مملوكا للغير أو في حيازته وقت القيام بالفعل المجرم ، و يستفاد من نص المادة 386 من قانون العقوبات أن المراد من بملك الغير هو كل عقار يملكه الغير بموجب سند رسمي مشهر ، أو يكون في حيازة الغير حيازة مشروعة ، إذ لا تتحقق جنحة الاعتداء على الملكية العقارية إلا بانتزاع حيازة عقار مملوك للغير ، و بالرجوع إلى نص المادة 386 من قانون العقوبات نجد أن النص العربي جاء بعبارة انتزاع الملكية ، في حين أن النص الفرنسي جاء بمصطلح DEPOSSEDER و الذي يعني منع الحيازة ، و قد أدى هذا الاختلاف إلى تذبذب فكرة الحماية ، هل تنصب على الملكية الصحيحة التامة أم على الحيازة ؟
و قد جاء في قرار للمحكمة العليا رقم 70 الصادر يوم 02/02/1988 من الغرفة الجنائية الثانية بأنه : (يستفاد من صريح النص للمادة 386 من قانون العقوبات المحررة باللغة الفرنسية أن الجنحة تتحقق بانتزاع حيازة الغير لعقار خلسة أو عن طريق الغش ، و بناء على ذلك فلا جريمة و لا عقاب إذا لم يثبت الاعتداء على الحيازة ).
و في قرار أخر لقضية تحت رقم 141 المؤرخ في 14/02/1989 لنفس المحكمة اعتبرت أن الحائز ليس له الحق في رفع شكوى ضد الحائز الثاني ، الذي قام بانتزاع حيازته بل يحق للمالك ، إذ بالفعل و بالرجوع إلى ملف القضية فان الوقائع المنسوبة إلى الطاعن تتمثل في أن هذا الأخير دخل المنزل التابع لإدارة الغابات و سكنه مع عائلته دون أن يملك أية وثيقة ، و حيث أن المتهم تمت متابعته أمام المحكمة لقضية اقتحام مسكن ، غير أن قضاة الاستئناف كيفوا الوقائع بأنها قضية التعدي على الملكية العقارية ، و حيث انه كان في هذه الحالة أن يقدم الشكوى رئيس البلدية بصفته مالكا للمنزل لا إدارة الغابات التي هي حائزة فقط ، و من جهة أخرى يشترط لقيام جنحة المادة المذكورة أعلاه نية تملك العقار لا مجرد استغلاله أو حيازته فقط ).
-ب – موقف الاجتهاد القضائي :
حسب المحكمة العليا لم تستقر على مفهوم واحد في تفسيرها لملك الغير و إنما إلى اتجاهين مختلفين و هما :
* الاتجاه الأول :
اعتبرت المحكمة العليا أن الغير المراد حمايته هو المالك الذي بيده سند رسمي مشهر، وقد جاء في قرار للقضية رقم 75919 المؤرخة في 05/11/1991 انه: ( المادة 386 من قانون العقوبات تقتضي أن يكون العقار مملوكا للغير ، و من ثم فان قضاة الموضوع الذين أدانوا الطاعنين –في قضية الحال –بجنحة التعدي على الملكية العقارية دون أن يكون الشاكي مالكا حقيقيا للعقار فهم قد أخطئوا في تطبيق القانون ).
و في قرار أخر لها اعتبرت ( أن مرتكب جنحة التعدي على الملكية العقارية للغير هو من صدر عليه حكم نهائي بإخلاء عقار مملوك للغير و امتنع عن مغادرته بإرادته رغم تنفيذ الحكم عليه من طرف المنفذ الشرعي ).
* الاتجاه الثاني :
إن المشرع لا يقصد من عبارة المملوك للغير الملكية الحقيقية للعقار فحسب و إنما يقصد بها أيضا الملكية الفعلية و كذلك حسب تعريفها في القانون المدني هي الحيازة القانونية فإن الحائز هو المالك الظاهر أمام الناس و حسب المفهوم الجديد للملكية العقارية الذي جاء به القانون رقم 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 و المتضمن التوجيه العقاري حيث نصت المادة 27 منه على أن : ( الملكية العقارية الخاصة هي حق التمتع و التصرف في المال العقاري و الحقوق العينية من اجل استعمال الأملاك وفق طبيعتها أو غرضها ).
- الفرع الثاني : اقتران الانتزاع بالخلسة و التدليس:
أولا- مفهوم الخلسة و التدليس :
لم يعرف المشرع الخلسة و التدليس في قانون العقوبات برغم من أهميتها و لم يعتمد على طريقة تحديد المعاني و المقاصد و الألفاظ و إنما اعتمدها عندما تعرض لجريمة السرقة فقد إشارة المادتين 353 و 354 من قانون العقوبات المتعلقتين بالسرقة الموصوفة على أن السرقة و هي اختلاس الشيء المملوك للغير ، ثم تلت هاتين المادتين المذكورتين أعلاه مواد لاحقة حيث عرف من خلالها المنزل
المسكون في المادة 355 و الكسر في المادة 356 و التسلق في المادة 357 و المفاتيح المصطنعة في المادة 358 من قانون العقوبات.
-أ- مفهوم الخلسة:
حسب نص المادة 350 من قانون العقوبات هو الاستلاء أو نزع الحيازة من مالك الشيء دون رضاه .
و الاختلاس في جريمة خيانة الأمانة هو حينما يستولي الجاني على الشيء أو يغير حيازته له من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة.
و يمكن تعريف الخلسة بأنها صورة الفعل الذي يقوم به الجاني و يؤدي إلى الاستيلاء على مال أو عقار الغير بدون علم أو رضا صاحبه ، فالخلسة هي القيام بفعل الانتزاع خفية أي بعيدا عن أنظار المالك و علمه ، و بعبارة أخرى الخلسة هي انعدام عنصر العلم لدى الغير ، فإذا اقترنت مع الانتزاع كان المعنى سلب الحيازة من المالك فجأة دون علمه أو موافقته ، و تختلف الخلسة عن الاختلاس .
فالخلسة هي طريقة احتيالية تؤدي إلى الانتزاع بينما الاختلاس SOUSTRACTION هو مباشرة الفعل المجرم و اخذ أموال الغير ، و انتزاع عقار للغير خلسة وفقا لنص المادة 386 من قانون العقوبات هو سلب الملكية الصحيحة أو الحيازة المشروعة غير متنازع عليها من صاحبها دون علمه و دون وجه حق.
وحسب قرار القضية رقم 57534 المؤرخ في 08/11/1988 للمحكمة العليا فانه إن الخلسة أو طرق التدليس في جريمة انتزاع عقار مملوك للغير تتحقق بتوافر عنصرين ، دخول العقار دون علم صاحبه و رضاه ، و دون أن يكون للداخل الحق في ذلك ، ومن ثم فان القضاة أدانوا المتهم على أساس إن هذا الأخير اقتحم المسكن دون علم أو إرادة صاحبه و لا مستأجره و شغله مع عائلته دون وجه شرعي لم يخالفوا القانون ).
-ب- مفهوم التدليــس:
وفق قواعد التشريع المدني هو التعبير عن عيب في الإرادة أو الرضا من خلال استعمال طرق احتيالية من شأنها أن تخدع المدلس عليه و تدفعه إلى التعاقد بواسطة حيل و مظاهر خادعة سواء بالكذب أو كتمان الحقيقة كما نصت المادة 86 من القانون المدني يجوز إبطال العقد لتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ
إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد ).
و يختلف التدليس في القانون الجنائي عنه في القانون المدني اختلافا كبيرا حيث يحكم ببطلان العقد إذا تم نتيجة تحايل أحد المتعاقدين أيا كان نوع هذه الحيلة سواء كان السكوت المتعمد عن ملابسة أو واقعة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان
ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو الملابسة حسب القانون المدني أما القانون الجنائي لا يتدخل في معاملات الناس إلا عند الضرورة و ذلك كلما رأى أن أفعال الجاني على درجة من الخطورة حسب ما وردت في المادة 372 من قانون العقوبات على سبيل الحصر و هي :
* استعمال طرق احتيالية .
* أن تتخذ هذه الأكاذيب نطاق معين يؤدي إلى التصرف في المال أو منقول ليس ملكا للغير وليس له الحق في التصرف فيه .
* باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة.
و بالرجوع إلى نص المادة 386 من قانون العقوبات نجد أن النص باللغة الفرنسية جاء بعبارة ( fraude) التي تعني الغش ، بينما جاء النص باللغة العربية بعبارة التدليس و التي تعني بالفرنسية(le dol) حيث أن كلمة التدليس بمفهوم (fraude) لا يعادل تماما التدليس بمفهوم (le dol)
-02- موقف الاجتهاد القضائي:
إن غياب تعريف عنصري الخلسة و التدليس من الزاوية الجزائية جعل المحكمة العليا تلجأ إلى الاجتهاد في المسألة حيث جاء في قرارها رقم 52971 المؤرخ في 17/01/1989 يتعين على مجلس القضاء المدني و قبل تطبيق المادة 386 من قانون العقوبات بيان كيفية نزع العقار المملوك للغير خلسة و بطريقة التدليس و هذا خاصة و أن المادة المذكورة أعلاه التي تهدف أساسا إلى معاقبة أولئك الذين يعتدون على عقار مملوك للغير أو يرفضون إخلاءه بعد الحكم عليهم مدني مبلغ تبليغا قانونيا من طرف العون المكلف بالتنفيذ و موضوع موضع التنفيذ
بمقتضى محضر الدخول إلى الأمكنة .
و في القرار رقم 279 المؤرخ في 13/05/1986 للمحكمة العليا عن التدليس ينص مايلي أن التدليس ، العنصر المنصوص عليه في المادة 386 من قانون العقوبات ، يعني إعادة شغل ملكية الغير ، بعد إخلائها ، وهذا بعد أن تتم معاينة ذلك بواسطة محضر الخروج المحرر من طرف العون المكلف بالتنفيذ ).
و تبعا لذاك تنعدم جريمة الاعتداء على الملكية العقارية ما لم تتوفر الشروط و الإجراءات السالفة الذكر ، و هذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرار أخر غير منشور .
و حسب قرار رقم 42266 المؤرخ في 02/12/1984 و القرار الثاني رقم 70 المؤرخ في 02/02/1988 لقضية نظرة فيها المحكمة العليا حيث أنه : ( أن الطرف المدني حصل على قرار مدني صادر في 23/09/1984 ، من مجلس قضاء المسيلة ألزم المتهمين بالخروج من القطعة الأرضية الكائنة ببلدية سيدي عامر ، و تم تبليغ هذا القرار في 20/11/1984 ، و تنفيذا لذلك القرار قام عون التنفيذ بطرد المحكوم عليهما و هما الطاعنان ، و وجد عندئذ القطعة المتنازع عليها محروثة فحرر عن ذلك محضرا في 06/01/1985 ، و بناء على ذلك المحضر قدم المحكوم له الطرف المدني شكوى لدى وكيل الجمهورية ضد المحكوم عليهما و انتهت إلى القرار الجزائي المطعون فيه الآن .
و حيث أن حرث المتهمين القطعة الترابية قبل تنفيذ القرار لا يعتبر فعلا يدان من أجله المتهمان ذلك أن القطعة الترابية المذكورة، لم تخرج من حوزتهما مادام
قرار الطرد لم ينفذ ، و لا تعتبر ملكا للطرف المدني المحكوم له الا ابتداء من تحرير محضر الطرد على يد عون التنفيذ ).
و يتضح من خلال قرارات المحكمة العليا المشار إليهم أعلاه أن عنصر التدليس في جريمة التعدي على الملكية العقارية وفقا للمادة 386 من قانون العقوبات يقتضي توفر العناصر التالية :
-/ صدور حكم قضائي ناطق بالطرد من العقار.
-/إتمام إجراءات التبليغ و التنفيذ .
-/عودة المنفذ عليه لشغل الأماكن من جديد بعد طرده منها .
* صدور حكم قضائي ناطق بالطرد من العقار :
المقصود بالحكم القضائي هو الحكم المدني الذي بموجبه يتم الفصل في الملكية أو تكريس الحيازة في الاعتداء عليها ، ذلك أن القاضي المدني هو المختص بالفصل في النزاعات الخاصة بالملكية العقارية ، و ينبغي بالإضافة إلى ذلك أن يكون الناطق بالطرد حكما نهائيا ، و يضاف إلى ذلك الأمر الصادر عن قاضي الاستعجال طالما انه لا يفصل في الموضوع و لا يمس بأصل الحق .
و حسب القرار رقم 32135 المؤرخ في 09/03/1985 للمحكمة العليا بأن : ( الأوامر التي تصدر في المواد المستعجلة لا تمس أصل الحق ، و من المقرر أيضا أن يتدخل قاضي الاستعجال و هو ضروريا لوضع حد لتعدي مالك المحل التجاري في استيلائه على قاعدة مؤجرة للغير بصورة قانونية ، و من ثم النعي على القرار المطعون فيه بما يثيره الطاعن من تجاوز السلطة و عدم الاختصاص غير سديد و يتعين رفضه ).
و من أمثلة القضايا التي يختص بها قاضي الاستعجال ما نصت عليه المادة 22 من المرسوم التشريعي رقم 93/03 المؤرخ في 01/03/1993 المتضمن
النشاط العقاري و التي تنص على أنه: ( إذا اقتضى أجل عقد إيجار مبرم قانونيا ، يتعين على المستأجر أن يغادر الأمكنة . و كذا دعوى الطرد من السكن الوظيفي بعد انتهاء علاقة العمل ، و دعوى طرد الشاغل بدون سند أو وجه حق من العين التي يشغلها.... ) .
* إتمام إجراءات التبليغ و التنفيذ :
سبق و أن أشرنا إلى أن الحكم القضائي الناطق بالطرد من العقار هو ذلك الحكم النهائي أي القابل للتنفيذ و تتمثل إجراءات التبليغ و التنفيذ في العناصر التالية:
-/ أن يباشر التبليغ و التنفيذ عون مؤهل، و هو المحضر القضائي ( حسب القانون رقم 91/03 المؤرخ في 08/01/1991 المتضمن مهنة المحضر القضائي ) .
-/ أن يتم التبليغ بصورة صحيحة .
-/ أن يباشر التنفيذ بالوسائل الودية أولا.
فان لم يستجب المحكوم ضده رغم صحة الإجراءات المتبعة ، و باءت كل المحاولات الودية بالفشل ، يلجأ إلى التنفيذ الجبري عن طريق القوة العمومية من أجل تمكين المحكوم لصالحه من الملكية المتنازع عليها .
فان لم ينفذ الحكم القاضي بالطرد ، و بقي المتهم حائزا للعقار فلا تقوم جنحة التعدي على الملكية العقارية ، و هذا ما قررته المحكمة العليا في قرارها رقم 70 المؤرخ في 02/02/1988 بقولها : (أن حرث المتهمين القطعة الترابية قبل تنفيذ القرار لا يعتبر فعلا يدان من أجله المتهمان ذلك أن القطعة الترابية المذكورة ، لم تخرج من حوزتهما مادام قرار الطرد لم ينفذ ، و لا تعتبر ملكا للطرف المدني المحكوم له إلا ابتداء من تحرير محضر الطرد على يد عون التنفيذ ).
و جاء في قرار أخر تحت رقم 75 المؤرخ في 15/02/1983 على انه : (حيث أن المادة 386 من قانون العقوبات التي أشار إليها القرار و طبقا على الطاعن تعاقب كل من حكم عليه بحكم نهائي بإخلاء عقار ملك للغير و امتنع عن مغادرته بإرادته رغم صدور أحكام نهائية و تنفيذها عليه من طرف المنفذ الشرعي ).
* عودة المنفذ عليه لشغل الأماكن بعد طرده منها :
لا تنشأ جريمة التعدي على الملكية العقارية إذا تم انتزاع عقار مملوك للغير دون توفر الخلسة أو التدليس وفق منظور المحكمة العليا ، بحيث يستبعد من مجال التجريم لدخول عقار مملوك للغير لأول مرة ، فالمحكمة العليا في قرار القضية رقم 23552 المؤرخ في 12/10/1982 حيث أنها : (اشترطت الرجوع لاحتلال قطعة الأرض من جديد بعدما صدر حكم بإخلائها و كذا تبليغ هذا الحكم و تنفيذه ).
و في حالة عودة المنفذ عليه لشغل الأماكن بعد طرده منها يعتبر من ارتكبوا جنحة حسب القرار رقم 448 المؤرخ في 15/05/1990 للمحكمة العليا إذ جاء فيه يرتكب جنحة من حكم عليهم بالتخلي عن الأرض و نفذت عليهم الأحكام والقرارات و طردوا من قيل المنفذ من العقار فعادوا إليه في الحال و احتلوا الأرض و تصرفوا فيها و في محاصيلها ).
و نستخلص من أن المحكمة العليا و إن حاولت تفسير مفهومي الخلسة و التدليس إلا أنها تستقر بشكل واضح حول مفهوم واحد لكل منهما ، فهي تارة تفسر الخلسة بما تفسر به التدليس ، و تارة تفرق بينهما و تعطي لكل منهما معنى خاص .
كما أن تفسيرها للتدليس مبالغ فيه ذلك أن هذا التفسير لا يمنح الحماية اللازمة التي جاءت من أجـلها المادة 386 من قانون العقوبات، فمن احـتل عقارا
بدون وجه حق لأول مرة لا يعد مرتكبا لجريمة الاعتداء على الملكية العقارية ، و كأنه بها تحمي المعتدي على الملكية العقارية .
الحقيقة أن هذا التفسير له ما يبرره من الناحية الواقعية ، ذلك أن حماية الملكية العقارية يصطدم بواقع مكرس لعدة وضعيات كالحيازة بدون سند ، و هذا حسب ما ذكرته كل من المادتين 835 و 836 من القانون المدني الجزائري ، و ما جعل المحكمة العليا في إحدى قضاياها تصرف الأطراف لتثبيت الحق في الملكية أو الحيازة بحكم قضائي فجعلت أمر الفصل قيدا على نشوء الجريمة .
و هذا اتجاه التزمت به المحكمة العليا لعدة أسباب نذكر أهمها : ( الاستجابة لواقع خاص ، دفع الملاك و الحائزين للحصول على سندات ملكياتهم ، و أن موضوع التعدي على الملكية العقارية يمثل أحد أهم موضوعات القانون المدني ، و من ثمة فلا يتدخل القانون الجزائي إلا إذا استنفدت كل سبل الدعوى العمومية ).
المطلب الثاني: العقـوبة و التشديـد.
إن جريمة التعدي على الملكية العقارية تحدث عنها المشرع الجزائري في المادة 386 من قانون العقوبات حيث في الفقرة الأولى تناول أركانها، أما في الفقرة الثانية تناول العقوبة و التشديد و إن كان لم يوضح المصطلحات الوارد ذكرها في المادة فهي ظروف تضاف إلى أركان الجريمة و تعمل على تشديد العقوبة دون أن تغير من الوصف الجزائي لها.
- الفرع الأول: العقوبـة.
إذا توافرت أركان الجريمة على الوجه آنف البيان حق العقاب على الفاعل ، و ليس من شان الخروج من العقار المنتزع ، أو التنازل للمتعدي ، أن يؤثر في
مسؤوليته عن الجريمة ، ذلك أن الظروف التي تعرض بعد وقوع الجريمة اعتداء على المجتمع فلا يجوز التنازل .
و هذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها لقضية رقم : 113184 المؤرخ في 09/10/1994 أنه إذا كان التنازل للمتهم عن السكن بعد إقدامه على احتلاله بطريقة غير شرعية لا يعد جنحة التعدي على الملكية العقارية التابعة للغير التي تبقى قائمة و لو سوية وضعية شاغلها بعد ارتكاب الجريمة، فان الدعوى المدنية في مثل هذه الحالة تنحصر طبقا لنص المادة 02 من قانون الإجراءات الجزائية الناصة على مايلي يتعلق الحق في الدعوى المدنية للمطالبة بتعويض الضرر الناجم عن جناية أو جنحة أو مخالفة بكل ما أصابهم شخصيا ضرر مباشر تسبب عن الجريمة ) .
فهي تطالب بتعويض الضرر المادي و المعنوي الناجم عن الجريمة الذي يتعين على الطرف المدني تقييمه نقدا أو تحديد مقداره و لا تنصرف بأي حال من الأحوال إلى المطالبة بإخلاء الشقة التي يبقى الفصل فيها من اختصاص الجهات القضائية التي تحكم في القضايا المدنية وحدها)
وهذا العقاب إنما يهدف إلى تحقيق احترام القوانين و الأنظمة و الحماية للملكيات العامة و الخاصة و ذلك بواسطة الردع الذي تكفله القاعدة القانونية عن طريق توقع العقوبة، ولا يتوقع احترام القاعدة القانونية دون ارتباطها بجزاء يوقع على كل مخالف لها
و نظرا لردعية العقوبات على الإفراد و حرياتهم الشخصية يقرر القانون ضمانات منها خضوع العقوبة لمبدأ الشرعية و مبدأ شخصية العقوبة و المساواة و غيرها من المبادئ التي تحرص على حرية الفرد و شرفه.
و في هذا الصدد جاءت عدة قرارات للمحكمة العليا تطبيقا للمادة الأولى من قانون العقوبات و التي تنصلا جريمة و لا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون ) و اعتبرت أنه: يخالف المادة الأولى من قانون العقوبات المجلس الذي قضى على المتهم بغرامة تفوق الحد الأقصى المقرر قانونا .
فالمشرع الجزائري في المادة 386 من قانون العقوبات نص على عقوبتين هما الحبس الغرامة في قضية التعدي على الملكية العقارية، وقام بالتشديد في العقوبة عند توفر الظروف المشددة.
01-عقوبة الحبس:
و هي العقوبة المقررة في الجنح و المخالفات ، و تعني سلب الحرية لمدة معينة، و لأنها عقوبة رادعة و تمس بالحريات الفردية يجب أن توقع من طرف جهاز القضاء،و تراعي فيها شخصية مرتكب الجريمة ، و كذا خضوعها لمبدأ الشرعية ،و يجب أن نميز بين الحالة العادية البسيطة و في حالة التشديد.
-أ-عقوبة الحبس في حالة الجريمة البسيطة ( العادية ):
و هي الحالة التي يقوم فيها الجاني بالاعتداء على حيازة أو ملكية عقار مملوك للغير خلسة أو عن طريق التدليس و في هذه الحالة عند توافر أركان الجريمة فان العقوبة المقررة لهذا الجرم هي الحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات ، و يتفق هذا النص مع نص المادة الخامسة من قانون العقوبات التي صنفت عقوبة الحبس من شهرين إلى خمس سنوات هي جنحة حيث أن المشـرع لم يكن
متساهلا في قيام الجريمة حيث شدد فيها من الحد الأدنى من شهرين إلى سنة واحدة و هذا لا دليلا على أنه اعتبر هذه الجريمة من الجرائم التي يجب ردع مرتكبها حتى لا يفتح الأبواب الاعتداء على الملكية العقارية .
وإذا كان المشرع قد وضع حدودا للعقوبة ، ويمكن النزول في حالة الظروف المخففة عن الحد الأدنى ، إلا أن القاضي بالحد الأقصى فلا يجوز له أن يجاوز عقوبة الحبس لمدة تزيد عن خمس سنوات ، وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا المؤرخ في : 26/03/1968 والذي ينص على مايلي ينقص القرار الذي يصرح بعقوبة الحبس لمدة تزيد عن حدها الأقصى ).
-ب-عقوبة الحبس في حالة الظروف المشددة:
في هذه الحالة نص المشرع الجزائري على ظرف التشديد إن اقترن بفعل الانتزاع رفعت العقوبة إلى الضعف ، فإذا كان الفاعل الذي قام بفعل الانتزاع حاملا للسلاح مخبأ أو ظاهرا سواء كان قد استعمله أو لم يستعمله ، فان عقوبة الحبس تتضاعف إلى سنتين كحد ادني و إلى عشرة سنوات كحد أقصى .
و تجدر الإشارة أن ظرف التشديد يختلف عن عناصر الجريمة ، فمثلا الليل ليس جريمة في حد ذاتها ، ولكنه ظرف من شأنه مساعدة الجاني على فعله ، فاللص يستتر بستار الظلام و ذلك ظرف مشجع على السرقة أو على القتل أو التعدي على ملكية الغير ، وإذا كان ظرف التهديد هو جريمة في حد ذاتها يعاقب عليها القانون ، إلا انه إذا اقترن بفعل الانتزاع المنصب على الملكية العقارية فانه يصبح ظرفا مشددا، و لا يختلف الأمر التهديد المنصوص عليها في المادة 284 من قانون العقوبات تعاقب الجاني بنفس عقوبة التعدي على الملكية العقارية في حالة الظرف المشدد من حيث عقوبة الحبس
كما أن اقتران الفعل المجرم بأكثر من ظرف مشدد ، كما لو اقترن الانتزاع بظرف الليل مع حمل سلاح و تعدد الجناة و استعمالهم للكسر و التسلق و العنف مثلا فان ذلك لا يرفع من شان الجريمة إلى جناية ، و لا من العقوبة إلى السجن المؤبد مثلا ، بل تبقى الجناية هي جنحة مشددة ، و عقوبتها لا تتجاوز الحبس لمدة عشر سنوات .
02-عقوبة الغرامة:
تعتبر الغرامة من أهم العقوبات التي تطبق على الأشخاص الطبيعية أو المعنوية ، وهي عقوبة أصلية في الجنح ، ويقصد بها إلزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى خزينة الدولة مبلغا من المال مقدرا في الحكم ، و تراعى فيها مبدأ الشخصية و الشرعية ، أي أن لا يحكم القاضي بأكثر مما نص عليه القانون و إلا عد الحكم مخالفا للقانون و لا يجري على هذه العقوبة المصالحة و لا يجوز التنازل عنها إلا أنها تخضع لوقف التنفيذ و التقادم و من مزاياها أنها غير مكلفة لخزينة الدولة عكس الحبس أو السجن ، بل إن في تطبيقها مردود مالي للدولة ، و هي رادعة للفقــراء
دون الأثرياء لذلك غالبا ما يقرنها المشرع مع عقوبة الحبس ، و هذا ليبقى المجال مفتوحا للقاضي لاختيار العقوبة الأنسب للجاني حتى تؤدي العقوبة دورها المنوط بها فلا فائدة من عقوبة غير رادعة ، و لا من قسوة لا تبررها مصلحة كما أوردها المشرع في المادة 386 من قانون العقوبات و هما عقوبتين للغرامة :
-أ-عقوبة الغرامة المالية في حالة الجريمة البسيطة
إن تحديد الحد الأدنى و الأقصى للعقوبة أمر ضروري لمعرفة نوع الجريمة و لتمييز الجاني العادي عن الجاني الخطير ، و من ناحية أخرى للتقيد بالقانون الذي هو ضمانة للكافة من التعسف و الحيف .
إن الغرامة هي عقوبة وليست تعويضا فهي تقدر من المشرع بغض النظر عن الضرر الذي أصاب المجني عليه ، و عليه فعقوبة الاعتداء على الملكية العقارية تتراوح ما بين 2000د ج كحد ادني و 20000د ج كحد أقصى ، إلا أن القاضي قد ينزل إلى الحد الأدنى عند إدخال ظروف التخفيف ، التي هي من سلطة القاضي التقديرية ، و لا يجوز للمتهم أن يتذرع بعدم تطبيقها في حالة توافر الشروط القانونية لاستفادته من الظروف المخففة المنصوص عليها في المادة 53 من قانون العقوبات ليست حقا مكتسبا للمتهم و إنما وضعها المشرع في متناول القضاة، وترك تطبيقها لسلطتهم التقديرية ، و عليه فان القضاة الذين لم يسعفوا المتهم من هذا الإجراء لم يخطئوا في تطبيق القانون و هذا ما أدلى به قرار المحكمة العليا رقم:118111 المؤرخ في 24/07/1994 و كذلك القرار رقم : 20147 المؤرخ في :26/07/1999.
-ب- عقوبة الغرامة في حالة الجريمة المشددة :
في حالة ارتكاب الجاني لجنحة التعدي على الملكية العقارية و اقترن هذا التعدي بظرف من ظروف التشديد و إذا كان المشرع قد رسم الحد الأدنى و الأقصى للغرامة في حالة الجريمة البسيطة فانه فعل الشيء نفسه في حالة الجريمة المشددة، و على ذلك نص على عقوبة الغرامة التي تتراوح ما بين 10000 د ج كحد أدنى و 30000 د ج كحد أقصى .
و بمقارنة عقوبة الغرامة في حالة الجريمة العادية و في حالة العقوبة المشددة نجد أن المشرع قد رفع الحد الأدنى إلى خمس مرات ، و الحد الأقصى إلى مرة ونصف.
كما تجدر الإشارة أن المشرع ، جمع بين عقوبة الحبس و عقوبة الغرامة سواء في الحالة العادية أو في حالة الجريمة المشددة ، أي انه يجوز للقاصي أن يحكم بعقوبة الحبس و عقوبة الغرامة معا، كما يجوز له في حالة إفادة المتهم بظروف التخفيف أن يحكم بالغرامة دون الحبس حتى و إن كانت العقوبة المقررة هي الحبس و الغرامة ، و هذا ما قررته المحكمة العليا بقولها: ( ليس ثمة ما يمنع جهات الحكم إذا قررت إفادة المتهم بالظروف المخففة المنصوص عليها في المادة 53 من قانون العقوبات وذلك بالحكم عليه بالغرامة دون العقوبة الحبس، حتــى
و إن كانت العقوبة المقررة هي الحبس و الغرامة ) ، قرار رقم:207752 و كذلك القرار رقم:207753 المؤرخين في:27/07/1999 .
-الفرع الثاني: ظروف التشديد:
أورد المشرع في الفقرة الثانية من المادة 386 عدة عناصر إذا توافر أحدها إلى جانب فعل الانتزاع المقترن بالخلسة أو التدليس عد ظرفا مشددا من شأنه أن يضاعف العقوبة دون أن يغير من وصفها الجنائي و نتناول هذه العناصر المشددة حسب خطورتها وأهميتها و هي :
-01- الليل:
لم يعرف القانون الليل و لم يحدده في الزمن و عرفه الفقه بأنه الوقت الممتد من غروب الشمس إلى شروقها في اليوم التالي، و هي الفترة التي يعم فيها الظلام و تتعسر فيها الرؤية، مما يجعل الفرد بحاجة إلى الاستعانة بالضوء الاصطناعي، و لا يمنع من توافر ظرف الليل ظهور القمر حتى و لو كان بدرا مكتملا ذا ضوء ساطع.
و عرف القانون البلجيكي الليل بأنه الفترة التي تبدأ بعد غروب الشمس بساعة ، و تنتهي قبل شروقها بساعة ، في حين اعتبر القانون السوداني أن الليل هو عبارة عن الفترة بين غروب الشمس و شروقها ، و خلصت المحكمة المصرية للنقض قي حكم حديث أن توافر ظرف الليل مسألة موضوعية ، و ليست مسألة قانونية تخضع لرقابتها ، فقاضي الموضوع يفصل فيها وفق ما يتبينه من ظروف الدعوى مهتديا بالحكمة من توافر ظرف الليل .
أما في القانون الجزائري فان المشرع حدد وقت وقت التفتيش أو المداهمة من الساعة ثامنة مساءا إلى غاية الساعة خامسة صباحا إلا في حالات
استثنائية يقررها القانون حسب المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية .
-02- التهديد :
و هو كل قول أو كتابة من شأنه إلقاء الرعب و الخوف في قلب الشخص المهدد و يمس نفسيته ، و للتهديد أثر خطير في نفوس الإفراد لذلك جرمه المشرع و نص على معاقبة الفاعل وفقا لأحكام المواد من 284 إلى 287 من قانون العقوبات ، و يعرفه الفقه بأنه الإكراه المعنوي الذي يتحقق بمجرد إنذار الشخص المهدد بشر جسيم سوف يلحق به أو بشخص قريب و عزيز عليه و هو نوعين الكتابي و شفاهي :
- أ-التهديد الكتابي :
و هو الذي يحرر كتابة و يتضمن دلالة التهديد، و لا تهم اللغة المحرر بها ،و لا يهم إن كانت ألفاظ التهديد صريحة أم غير صريحة و لكن تفيد التهديد ، حيث أن التهديد الغامض أكثر وقعا على نفس الضحية من التهديد الصريح و المهم أن
يكون جديا لا للمزاح ، كما يقع التهديد كذلك بالرموز و الرسومات أو الشعارات .....الخ.
ب-التهديد الشفهي :
و يتم بواسطة الأقوال و يعد أقل خطورة من التهديد الكتابي ، و يحصل عادة باندفاع أو انفعال شديد اثر غصب أو نقاش حاد بين طرفين أو عدة إطراف ، و لا يعاقب عليه القانون إلا إذا كان مصحوبا بأمر أو شرط شفاهي حسب المادة 286 من قانون العقوبات.
-03-العنف :
و يقصد به أعمال الضرب أو الجرح العمدي التي تترك أثار واضحة للعين المجردة و تؤدي إلى ألم في جسم المعتدى عليه بغض النظر على درجة خطورتها سواء أدت إلى مرض أو عجز جزئي أو كلي عن العمل ، فقد لا ينجم عن أعمال العنف نسبة عجز كأن يمسك الجاني بعنق الضحية أو يدفع بها إلى الخلف أو يطرحها على الأرض مع مسك اليدين ، ويختلف التهديد عن أعمال العنف بأنه يقتصر على الوعد دون أن ينتهي بالضرورة إلى تنفيذ محتواه ، أما أعمال العنف فهي تصرفات غير مشروعة تلحق الأذى و أضرار جسمانية بالغير.
-04-التسلــق:
و هو دخول المساكن المسورة من غير أبوابها مهما كانت طريقته و يستوي في ذلك استعمال سلم أو الصعود على الجدران أو الوثوب إلى الداخل من النافذة أو الدخول إليها من أية ناحية ، و يتوافر ظرف التسلق إذا دخل الجاني المكان من باب مفتوح ثم خرج بتسلق السور ، إذ لا يشترط أن يكون تسلق السور
أثناء الدخول أو عند المغادرة من مكان الجريمة ، و قد عرفت المادة 357 من قانون العقوبات بأنه : ( يوصف بالتسلق الدخول إلى المنازل أو المباني أو الاحواش أو حظائر الدواجن أو أية أبنية أو بساتين أو حدائق أو أماكن مسورة و بطريق تسور الحيطان أو الأبواب أو السقوف أو أية أسوار أخرى ، و الدخول عن طريق مداخل تحت الأرض غير تلك التي أعدت لاستعمالها للدخول يعد ظرفا مشددا كالتسلق ).
-05- الكســـر:
و هو ارتكاب الفاعل عملا من أعمال العنف للدخول إلى المكان المراد و التعدي عليه ، و الكسر معرف بموجب المادة 356 من قانون العقوبات على انه ( يوصف بالكسر فتح أي جهاز من أجهزة الإقفال بالقوة أو الشروع في ذلك سواء بكسره أو بإتلافه أو بأية طريقة أخرى بحيث يسمح لأي شخص بالدخول إلى مكان مغلق أو بالاستلاء على أي شيء يوجد في مكان مقفول أو في أثاث أو وعاء مغلق ).
ويدخل في حكم الكسر ، كسر الباب أو النافذة ، و خلع مسامير الأبواب و النوافذ و ثقب الجدران أو الحائط بالة و خلع القفل أو تحطيمه ، فالكسر هو الطريق الغير مألوف للدخول مع استعمال العنف ، على أن يكون قبل التعدي على ملكية الغير أو أثناء ارتكاب الفعل المجرم .
-06-التعدد:[/color:ec
لم يكن الإنسان قديما في حاجة إلى قواعد قانونية لحماية الملكية العقارية، ذلك لأن الأراضي كانت متوفرة للجميع وبمساحات شاسعة، والمساكن لم تكن سوى أكواخ أو كهوف ومغارات ، ناهيك عن الترحال الدائم للإنسان بحثا عن الصيد والثمار.
وبتزايد التطور أصبح الإنسان ينشد الاستقرار، ويروم إلى التشتيت بالأرض التــــي اعتاد عليها وعلى مناخها، ووجد فيها كل ما يحتاجه من طعام وشراب – الأمر الذي يفســـر قيام الحضارات القديمــة على ضفــاف البحار والأنهـار، فحينــئذ بـدأت تتبلور فكـرة المـلكية العقارية كضرورة ملحة لأجل حماية الأرض من المعتدين ، فاخذ الإنسان يفكر فــي الملكـية ويضع لها القواعد القانونية التي تحميها.
فقـد جاء في شريعة الملك اورنمو ( 2103 – 2111 ق م) المؤسـس لسلالة أور الثالثة التي حكمت مدينة أور جنوب العراق ومقنن أقدم شريعة سومرية ، تحريم التجــاوز في الزراعة وضرورة تقييد الأشخاص بزراعة أراضيهم الحقيقية وعدم اللجوء إلى أراضي الغير وزرعها المادة 27 من شريعة اورنمو ، وفي المادة 28 قضت بالتعويض على من يتسبب في إغراق حقل مزروع يعود لرجل أخر عقابا له ، كما فرضت الجزاء على من بهمل زراعة أرضه ويعطل وظيفتها الاجتماعية.
وفد جاء كذلك في شريعة الملك لبت عشتار( 1924– 1934 ق م) حماية الملكية الخاصة عن طريق فرض الجزاء القانوني عند الاعتداء عليها.
وإذا كانت هذه القواعد القانونية قد رفعت الملكية حد التقديس في العهد الرومــــاني والقرون الوسطى وعهد الثورة الفرنسية إلا انه سرعان ما تلاشت هذه القداسة أمام تــــزايد النزعة الاجتماعية لتتحول الملكية في العصر الحديث إلى حق مقيد بأداء وظيفة اجتماعيــة ونفع عام، فالعقار هو كل ما هو ثابت على الأرض و قابل للبيع و الشراء و التأجير.
ولما كانت الملكية عموما والملكية العقارية خصوصا من أهم المسائل التي اهتمت بها التشريعات قديما وحديثا، وخاصة بعد أن أصبح للملكية وظيفة اجتماعية، وركيزة أساسيـــــة تعتمد عليها الدول في اقتصادياتها وتوجهاتها السياسية لما لها من اثر بالغ في صناعة القرار وخلق الثورة.
فقد حدا المشرع الجزائري حذو بقية التشريعات فنظم الملكية ونــص علــى حمايتـــها دستوريا وافرد لها نصوصا خاصة لمعاقبة المعتدين، سواء في قـــانون العقوبــــات أو فـــي القوانين الخاصة الأخرى، وهذا حماية للنظام العام الدولة، ومنعا للأفراد مـــن اخذ حقوقــهم بأنفسهم، وبسطا لنظام الدولة وقوانينها على إقليميها.....
وأمام الكم الهائل من النصوص المتعلقة بالعقار، والذي يعكس انــعدام بـروز سياســة عقارية واضحة لدى المشرع ، ونظرا لأهمية الموضوع الذي يبحث في إشكاليــــة حمايــــة الملكية العقارية ، وحصر الاعتداءات الواقعة على العقار والتي تشكل جريمة يعاقب عليـــها القانون.
وأمام تذبذب رأي المحكمة العليا ، وعدم استقرارها حول تفسير نـص التجريم لاسيــما تلك المفاهيم التي تعد جوهرية في فهم الجريمة وفي قيامها كلها أسباب تزيـــد مــن صعوبــة البحــث وتعقيده ، كما تزيد في الوقت نفسه من حلاوته فـــي سبيل استجلاء مــا يعتري هــذه الحماية من الغموض.
و رغم اشتراك كل من القانون الإداري القانون المدني والقانون الجزائي في حمايـــة العقار، تبقى الجرائم الواقعة عليه كثيرة، وهو ما يجعلنا نتساءل: هل أن العقار محمي فعلا ؟ وان كان كذلك فهل هذه الحماية كافية ؟
وتبعا لذلك سيقتصر بحثنا على الحماية الجزائية من اجل حصر الجرائم الواقعة على العقار والعقوبة التي قررها المشرع ردعا للمجرمين.
ومن اجل ذلك قسمت دراستنا إلى مبحثين، يتناول المبحث الأول جريمة التعدي على الملكية العقارية أما المبحث الثاني: صور الاعتداء على الملكية العقارية.
المبحث الأول : جريمة التعدي على الملكية العقارية
تمهيـــــد :
أورد المشرع الجزائري عدة نصوص تتضمن تجريم الاعتداء على الملكية العقارية منها المادة 386 من قانون العقوبات، كما أورد نصوصا أخرى هدفها حماية العقار في حد ذاته وبغض النظر عن مالكه من كل أنواع الاعتداءات، فنص في المادة 395 وما بعدها من قانون العقوبات على جريمة الهدم والتخريب التي تستهدف العقارات، ونص في المادة 160 من نفس القانون على جريمة تخريب النصب التذكارية إلى غيرها من النصوص .
بالإضافة إلى كل ذلك فقد نص في عدة نصوص أخرى على تجريم الاعتداء على العقار في قانون الأملاك الوطنية وقانون الغابات، وقانون المياه ، وتجدر الإشارة أن الحماية مكفولة للعقار بغض النظر عن أصل الملكية عامة أو خاصة.
وإذا كانت المادة 386 من قانون العقوبات هي النص العام الذي جاء صراحة لكفالة الحماية الجزائرية للملكية العقارية فإنه من الضروري التعرض لها بالتحليل والتوضيح لإبراز العناصر المكونة للجريمة، وعناصر التشديد والعقاب.
فالمادة 386 من القانون رقم 82/04 المؤرخ في 13 فبراير 1982 المتضمن تعديل قانون العقوبات الصادر بالأمر رقم 66/156 المؤرخ في 08/06/1966 تنص على أنه ‹‹ يعاقب بالحبس من سنة إلى خمسة سنوات وبغرامة مالية من 2000 إلى 20.000 دح كل من انتزع عقارا مملوكا للغير وذلك خلسة ٲو عن طريق التدليس. وإذا كان انتزاع الملكية قد وقع ليلا بالتهديد العنف ٲو بطريق التسلق ٲو الكسر من عدة أشخاص، أو مع حمل سلاح ظاهر ٲو مخبأ بواسطة واحد ٲو أكثر من الجناة فتكون العقوبة الحبس من سنتين إلى عشر سنوات، والغرامة من 10.000 إلى 30.000 ››
المطلب الأول : عناصر الجريمة
تقوم جريمة التعدي على الملكية العقارية متى توافرت أركانها العامة وعناصرها الخاصة، ونعني بالأركان العامة تلك الشروط اللازمة لقيام الجريمة بوجه عام ، و هي الشروط التي تنطبق على كل الجرائم مهما كان نوعها ، و هي الركن المادي و الركن المعنوي و الركن الشرعي طبقا لما جاءت به المادة الأولى من قانون العقوبات على أنه: ‹‹ لا جريمة و لا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون››.
بالإضافة إلى هذه الأركان العامة اشترط القانون في المادة 386 من قانون العقوبات عنصرين آخرين تختص بهما جريمة الاعتداء على الملكية العقارية وهما انتزاع عقار مملوك للغير واقتران الانتزاع بالخلسة أو التدليس كما جاء في قرار المحكمة العليا رقم:52971 المؤرخ في 17/01/1989 مايلي: ( من المقرر قانونا أن جريمة الاعتداء على ملكية الغير لا تقوم إلا إذا توافرت الأركان الآتية :
نزع عقار مملوك للغير، و ارتكاب الفعل خلسة أو بطريق التدليس ).
* الفـرع الأول: انتزاع العقار المملوك للغير :
-أولا-انتزاع عقار :
ما هو فعل الانتزاع ؟ و ما هو العقار حسب المشرع الجزائري ؟
-أ- فعل انتزاع: هي قيام الفاعل بسلوك ايجابي هو النزع أو الانتزاع أي الأخذ بالعنف وبدون رضا المالك، و قد يختلط الأمر بين الانتزاع المجرم بنص المادة 386 من
قانون العقوبات و نزع الملكية للمنفعة العامة الذي تقوم به الإدارة وهي للمصلحة العامة ولها ضوابط تتمثل في إجراءاتها الصارمة المنصوص عليها قانونا ، و التي يشكل تخلف أحدها سببا من أسباب إلغاء قرار نزع الملكية .
ويلزم أن يقع الانتزاع بفعل الجاني أو تخطيطه، ولا يشترط أن يقوم الجاني بنفسه بالفعل المجرم بل قد يستعمل غيره للقيام بذلك كأن يرسل من يقوم مقامه بانتزاع العقار أو دخول المسكن و احتلاله لفائدته ، وفي هذه الحالة أمام فاعل أصلي و شريك كما نصت المادة 44 من قانون العقوبات ( يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة ).
فالشريك هو كل من ساهم مساهمة مباشرة أو غير مباشرة في تنفيذ الجريمة ، وكل من حرض بالفعل أو التهديد أو الوعد أو إساءة استغلال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس أو أعطى تعليمات لذلك وكل من ساعد بكافة الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك.
وقد أخذ المشرع الجزائري بفكرة المسؤولية الجزائية لأشخاص المعنوية مسايرا بذلك ما توصل إليه الفقه الجنائي الحديث على الرغم من النقد الشديد لفكرة الشخص المعنوي وعدم قبولها لدى الكثير من الفقهاء و حتى التشريعات و مثالهم في ذلك ( أن الأشخاص المعنوية ليس لها أجسام تحبس ولا أعناق تشنق ) و يجب أن نفرق بين نوعين من الأشخاص المعنوية :
- العامـة: كالدولة و الولاية و البلدية لا يمكن مسائلتها و إنما يمكن اللجوء إلى القضاء لإلغاء قراراتها الماسة بالملكية العقارية خاصة في حالتي التعدي أو الإستلاء – الخاصة: كالشركات و الجمعيات فيمكن مسائلتها و معاقبتها بما يتناسب و طبيعتها كعقوبة الغرامة و الحل و المصادرة ...الخ.
وقد اشترط القانون أن تنتقل الحيازة و التي ذكرها بوضوح المشرع في المواد من 808 إلى 843 من القانون المدني إلى من قام بفعل الانتزاع ، حيث تتحقق هذه الأخيرة و ذلك بانتقالها من الحائز إلى المنتزع مثل دخول المسكن و البقاء فيه بدون رضا المالك غير أن الشروع في الفعل لا يعاقب عليه لعدم وجود نصوص قانونية على ذلك، و الأصل في الدخول أن يكون بغير وجه قانوني و بغير علم أي خلسة أو بغير رضا صاحب العقار وبمفهوم المخالفة إذا تم التسليم العقار طواعية وبدون اختلاس أو تدليس فلا جرم في ذلك بنص المادة 386 من قانون العقوبات.
وقد جاء في قرار رقم: 57534 المؤرخ في 08/11/1988 للمجلة القضائية العدد الثاني لسنة 1993 الصفحة 192:( بأن الخلسة أو طرق التدليس في جريمة انتزاع عقار مملوك للغير تتحقق بتوافر عنصرين هما دخول العقار دون علم صاحبه أو رضاه ، و دون أن يكون للداخل الحق في ذلك و من ثم فإن القضاة الذين أدان المتهم على أساس على أنه اقتحام المسكن دون علم أو إرادة صاحبه و لا مستأجره و شغله مع عائلته دون وجه شرعي لم يخالف القانون.)
وقد ذهب الاجتهاد القضائي المصري حسب الدكتور/ حسن صادق المرصفاوي في كتابه شرح قانون العقوبات المصري طبعة 1991 إلى اعتبار أن الدخول هنا يفيد كل فعل يعتبر تعرضا ماديا للغير في حيازته للعقار حيازة فعلية
عليها بالقوة سواء كانت شرعية مستندة إلى سند صحيح أم لم تكن ، وسواء كان الحائز للعقار مالكا أو غير ذلك .
-ب- أن يكون عقارا:
يجب أن يكون محل الانتزاع أو التعدي واقعا على العقار أرضا أو بناءا أو عقارات بالتخصيص ، و بالتالي يمكن انتزاع المنقولات بمختلف أنواعها ولمعرفة العقار محل الجريمة يجب الرجوع إلى أحكام القانون المدني الذي عرف في المادة 683 من القانون المدني بأنه كل شيء مستقر بحيزه و ثابت فيه و لا يمكن نقله منه دون تلف فهو عقار ، و كل ماعدا ذلك من شيء فهو منقول، غير أن المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه، رصدا على خدمة هذا العقار أو استغلاله يعتبر عقارا بالتخصيص).
و ينصرف هذا التعريف إلى الأراضي و المباني و الأشجار والطرق و المناجم....الخ، كما ينصرف إلى المنقولات بطبيعتها و التي رصدت خدمة للعقار كالجرار بالنسبة للأرض، و الأبواب و النوافذ للمنزل....الخ.
فيشكل كل اعتداء عليها اعتداءا على العقار حيث له أهمية اقتصادية و اجتماعية في النظم الحالية أين أصبحت التشريعات الحديثة تولي أهمية بالغة لحماية العقار و كل مساس به يعتبر المساس بالنظام العام.
غير أن المشرع الجزائري أعتبر في المادة 350 من قانون العقوبات في فقرتها الأخيرة التي تنص مايلي وتطبق نفس العقوبة على اختلاس المياه،الغاز و الكهرباء)، و يتضح لنا أن العقار بالتخصيص بمفهوم القانون المدني لا يخضع لأحكام حماية العقار المنصوص عليه في المادة 386 من قانون العقوبات بل يخضع لأحكام المادة 350 من نفس القانون ، فالأشجار مثلا متصـلة بالأرض فهي عقـار فإذا تم فصـلها عنها و قطـعت فتصبح منقولا ، و مادام المشرع قد كفـل
الحماية للعقار كما كفلها للمنقول فلا يثور الإشكال حول حماية العقار بالتخصيص فالجرار و باب المنزل و غيرها من المنقولات يمكن سرقتها.
و لا يختلف الأمر إن كانت ملكية العقار المنزوع تابعة للأشخاص الطبيعية أو المعنوية عامة كانت أو خاصة، و يكفي أن يقع الاعتداء على عقار مملوك للغير.
و هناك تساؤل حول العقارات المتروكة أو المهملة ، و في هذه الحالة نفرق بين حالتين و هما:
* الحالة الأولى :
إذا تنازل صاحب العقار المتروك عن ملكيته ، فجاء حائز و احتل العقار بنية تملكه ، فان فعل الانتزاع لم يحدث ، و كذا عنصري الخلسة و التدليس ، وعليه فلا تقوم جريمة الاعتداء على الملكية العقارية ، بل يمكن للحائز الجديد أن يكتسب العقار الذي حاز عليه بالتقادم طبقا لقواعد القانون المدني باستثناء الأملاك الوطنية العمومية فهي لا تخضع للتصرف و لا للتقادم المكسب أو الحجز .
حيث جاءت المادة 23 من القانون 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 المتضمن التوجه العقاري و صنفت الملكية العقارية إلى أملاك وطنية خاصة و أملاك وقفية، و قسمت الأملاك الوطنية إلى الأملاك العامة و الأملاك الخاصة.
ولم تستثني المادة 04 من قانون رقم 90/30 المتعلق بالأملاك الوطنية العمومية فهي غير قابلة للتصرف أو التقادم أو الحج.
و بمفهوم المخالفة يمكن التصرف أو الحجز أو الاكتساب بالتقادم للأملاك الوطنية الخاصة و تبعا لذلك فقد أدمجت أراضي العرش ضمن ملكية الدولة الخاصة بموجب قانون رقم 95/26 المؤرخ في 25/09/1995 المعدل و المتمم لقانون رقم 90/25 المتضمن التوجيه العقاري إذ تنص المادة 85 من قانون 90/25 على انه :
(تبقى ملكا للدولة أراضي العرش و البلديات المدمجة ضمن الصندوق الوطني للثورة الزراعية ).
* الحالة الثانية :
إذا ترك المالك أو الحائز العقار دون أن يتنازل عن ملكيته ففي هذه الحالة الحيازة أو الملكية لا زالت عند صاحبها كما في حالة المستأجر ، و عليه فكل من يقوم بانتزاع الحيازة قد ارتكب جريمة التعدي على الملكية العقارية ما دامت نيته قد انصرفت إلى التملك بعد أن كانت عرضية ، و هذا بعد توافر الشروط المنصوص عليها في المادة 386 من قانون العقوبات التي سوف نتعرض لها لاحقا.
ثانيا- أن يكون العقار مملوك للغير:
- أ – مفهوم ملكية الغير:
يجب أن يكون العقار محل الانتزاع مملوكا للغير أو في حيازته وقت القيام بالفعل المجرم ، و يستفاد من نص المادة 386 من قانون العقوبات أن المراد من بملك الغير هو كل عقار يملكه الغير بموجب سند رسمي مشهر ، أو يكون في حيازة الغير حيازة مشروعة ، إذ لا تتحقق جنحة الاعتداء على الملكية العقارية إلا بانتزاع حيازة عقار مملوك للغير ، و بالرجوع إلى نص المادة 386 من قانون العقوبات نجد أن النص العربي جاء بعبارة انتزاع الملكية ، في حين أن النص الفرنسي جاء بمصطلح DEPOSSEDER و الذي يعني منع الحيازة ، و قد أدى هذا الاختلاف إلى تذبذب فكرة الحماية ، هل تنصب على الملكية الصحيحة التامة أم على الحيازة ؟
و قد جاء في قرار للمحكمة العليا رقم 70 الصادر يوم 02/02/1988 من الغرفة الجنائية الثانية بأنه : (يستفاد من صريح النص للمادة 386 من قانون العقوبات المحررة باللغة الفرنسية أن الجنحة تتحقق بانتزاع حيازة الغير لعقار خلسة أو عن طريق الغش ، و بناء على ذلك فلا جريمة و لا عقاب إذا لم يثبت الاعتداء على الحيازة ).
و في قرار أخر لقضية تحت رقم 141 المؤرخ في 14/02/1989 لنفس المحكمة اعتبرت أن الحائز ليس له الحق في رفع شكوى ضد الحائز الثاني ، الذي قام بانتزاع حيازته بل يحق للمالك ، إذ بالفعل و بالرجوع إلى ملف القضية فان الوقائع المنسوبة إلى الطاعن تتمثل في أن هذا الأخير دخل المنزل التابع لإدارة الغابات و سكنه مع عائلته دون أن يملك أية وثيقة ، و حيث أن المتهم تمت متابعته أمام المحكمة لقضية اقتحام مسكن ، غير أن قضاة الاستئناف كيفوا الوقائع بأنها قضية التعدي على الملكية العقارية ، و حيث انه كان في هذه الحالة أن يقدم الشكوى رئيس البلدية بصفته مالكا للمنزل لا إدارة الغابات التي هي حائزة فقط ، و من جهة أخرى يشترط لقيام جنحة المادة المذكورة أعلاه نية تملك العقار لا مجرد استغلاله أو حيازته فقط ).
-ب – موقف الاجتهاد القضائي :
حسب المحكمة العليا لم تستقر على مفهوم واحد في تفسيرها لملك الغير و إنما إلى اتجاهين مختلفين و هما :
* الاتجاه الأول :
اعتبرت المحكمة العليا أن الغير المراد حمايته هو المالك الذي بيده سند رسمي مشهر، وقد جاء في قرار للقضية رقم 75919 المؤرخة في 05/11/1991 انه: ( المادة 386 من قانون العقوبات تقتضي أن يكون العقار مملوكا للغير ، و من ثم فان قضاة الموضوع الذين أدانوا الطاعنين –في قضية الحال –بجنحة التعدي على الملكية العقارية دون أن يكون الشاكي مالكا حقيقيا للعقار فهم قد أخطئوا في تطبيق القانون ).
و في قرار أخر لها اعتبرت ( أن مرتكب جنحة التعدي على الملكية العقارية للغير هو من صدر عليه حكم نهائي بإخلاء عقار مملوك للغير و امتنع عن مغادرته بإرادته رغم تنفيذ الحكم عليه من طرف المنفذ الشرعي ).
* الاتجاه الثاني :
إن المشرع لا يقصد من عبارة المملوك للغير الملكية الحقيقية للعقار فحسب و إنما يقصد بها أيضا الملكية الفعلية و كذلك حسب تعريفها في القانون المدني هي الحيازة القانونية فإن الحائز هو المالك الظاهر أمام الناس و حسب المفهوم الجديد للملكية العقارية الذي جاء به القانون رقم 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 و المتضمن التوجيه العقاري حيث نصت المادة 27 منه على أن : ( الملكية العقارية الخاصة هي حق التمتع و التصرف في المال العقاري و الحقوق العينية من اجل استعمال الأملاك وفق طبيعتها أو غرضها ).
- الفرع الثاني : اقتران الانتزاع بالخلسة و التدليس:
أولا- مفهوم الخلسة و التدليس :
لم يعرف المشرع الخلسة و التدليس في قانون العقوبات برغم من أهميتها و لم يعتمد على طريقة تحديد المعاني و المقاصد و الألفاظ و إنما اعتمدها عندما تعرض لجريمة السرقة فقد إشارة المادتين 353 و 354 من قانون العقوبات المتعلقتين بالسرقة الموصوفة على أن السرقة و هي اختلاس الشيء المملوك للغير ، ثم تلت هاتين المادتين المذكورتين أعلاه مواد لاحقة حيث عرف من خلالها المنزل
المسكون في المادة 355 و الكسر في المادة 356 و التسلق في المادة 357 و المفاتيح المصطنعة في المادة 358 من قانون العقوبات.
-أ- مفهوم الخلسة:
حسب نص المادة 350 من قانون العقوبات هو الاستلاء أو نزع الحيازة من مالك الشيء دون رضاه .
و الاختلاس في جريمة خيانة الأمانة هو حينما يستولي الجاني على الشيء أو يغير حيازته له من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة.
و يمكن تعريف الخلسة بأنها صورة الفعل الذي يقوم به الجاني و يؤدي إلى الاستيلاء على مال أو عقار الغير بدون علم أو رضا صاحبه ، فالخلسة هي القيام بفعل الانتزاع خفية أي بعيدا عن أنظار المالك و علمه ، و بعبارة أخرى الخلسة هي انعدام عنصر العلم لدى الغير ، فإذا اقترنت مع الانتزاع كان المعنى سلب الحيازة من المالك فجأة دون علمه أو موافقته ، و تختلف الخلسة عن الاختلاس .
فالخلسة هي طريقة احتيالية تؤدي إلى الانتزاع بينما الاختلاس SOUSTRACTION هو مباشرة الفعل المجرم و اخذ أموال الغير ، و انتزاع عقار للغير خلسة وفقا لنص المادة 386 من قانون العقوبات هو سلب الملكية الصحيحة أو الحيازة المشروعة غير متنازع عليها من صاحبها دون علمه و دون وجه حق.
وحسب قرار القضية رقم 57534 المؤرخ في 08/11/1988 للمحكمة العليا فانه إن الخلسة أو طرق التدليس في جريمة انتزاع عقار مملوك للغير تتحقق بتوافر عنصرين ، دخول العقار دون علم صاحبه و رضاه ، و دون أن يكون للداخل الحق في ذلك ، ومن ثم فان القضاة أدانوا المتهم على أساس إن هذا الأخير اقتحم المسكن دون علم أو إرادة صاحبه و لا مستأجره و شغله مع عائلته دون وجه شرعي لم يخالفوا القانون ).
-ب- مفهوم التدليــس:
وفق قواعد التشريع المدني هو التعبير عن عيب في الإرادة أو الرضا من خلال استعمال طرق احتيالية من شأنها أن تخدع المدلس عليه و تدفعه إلى التعاقد بواسطة حيل و مظاهر خادعة سواء بالكذب أو كتمان الحقيقة كما نصت المادة 86 من القانون المدني يجوز إبطال العقد لتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ
إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد ).
و يختلف التدليس في القانون الجنائي عنه في القانون المدني اختلافا كبيرا حيث يحكم ببطلان العقد إذا تم نتيجة تحايل أحد المتعاقدين أيا كان نوع هذه الحيلة سواء كان السكوت المتعمد عن ملابسة أو واقعة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان
ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو الملابسة حسب القانون المدني أما القانون الجنائي لا يتدخل في معاملات الناس إلا عند الضرورة و ذلك كلما رأى أن أفعال الجاني على درجة من الخطورة حسب ما وردت في المادة 372 من قانون العقوبات على سبيل الحصر و هي :
* استعمال طرق احتيالية .
* أن تتخذ هذه الأكاذيب نطاق معين يؤدي إلى التصرف في المال أو منقول ليس ملكا للغير وليس له الحق في التصرف فيه .
* باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة.
و بالرجوع إلى نص المادة 386 من قانون العقوبات نجد أن النص باللغة الفرنسية جاء بعبارة ( fraude) التي تعني الغش ، بينما جاء النص باللغة العربية بعبارة التدليس و التي تعني بالفرنسية(le dol) حيث أن كلمة التدليس بمفهوم (fraude) لا يعادل تماما التدليس بمفهوم (le dol)
-02- موقف الاجتهاد القضائي:
إن غياب تعريف عنصري الخلسة و التدليس من الزاوية الجزائية جعل المحكمة العليا تلجأ إلى الاجتهاد في المسألة حيث جاء في قرارها رقم 52971 المؤرخ في 17/01/1989 يتعين على مجلس القضاء المدني و قبل تطبيق المادة 386 من قانون العقوبات بيان كيفية نزع العقار المملوك للغير خلسة و بطريقة التدليس و هذا خاصة و أن المادة المذكورة أعلاه التي تهدف أساسا إلى معاقبة أولئك الذين يعتدون على عقار مملوك للغير أو يرفضون إخلاءه بعد الحكم عليهم مدني مبلغ تبليغا قانونيا من طرف العون المكلف بالتنفيذ و موضوع موضع التنفيذ
بمقتضى محضر الدخول إلى الأمكنة .
و في القرار رقم 279 المؤرخ في 13/05/1986 للمحكمة العليا عن التدليس ينص مايلي أن التدليس ، العنصر المنصوص عليه في المادة 386 من قانون العقوبات ، يعني إعادة شغل ملكية الغير ، بعد إخلائها ، وهذا بعد أن تتم معاينة ذلك بواسطة محضر الخروج المحرر من طرف العون المكلف بالتنفيذ ).
و تبعا لذاك تنعدم جريمة الاعتداء على الملكية العقارية ما لم تتوفر الشروط و الإجراءات السالفة الذكر ، و هذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرار أخر غير منشور .
و حسب قرار رقم 42266 المؤرخ في 02/12/1984 و القرار الثاني رقم 70 المؤرخ في 02/02/1988 لقضية نظرة فيها المحكمة العليا حيث أنه : ( أن الطرف المدني حصل على قرار مدني صادر في 23/09/1984 ، من مجلس قضاء المسيلة ألزم المتهمين بالخروج من القطعة الأرضية الكائنة ببلدية سيدي عامر ، و تم تبليغ هذا القرار في 20/11/1984 ، و تنفيذا لذلك القرار قام عون التنفيذ بطرد المحكوم عليهما و هما الطاعنان ، و وجد عندئذ القطعة المتنازع عليها محروثة فحرر عن ذلك محضرا في 06/01/1985 ، و بناء على ذلك المحضر قدم المحكوم له الطرف المدني شكوى لدى وكيل الجمهورية ضد المحكوم عليهما و انتهت إلى القرار الجزائي المطعون فيه الآن .
و حيث أن حرث المتهمين القطعة الترابية قبل تنفيذ القرار لا يعتبر فعلا يدان من أجله المتهمان ذلك أن القطعة الترابية المذكورة، لم تخرج من حوزتهما مادام
قرار الطرد لم ينفذ ، و لا تعتبر ملكا للطرف المدني المحكوم له الا ابتداء من تحرير محضر الطرد على يد عون التنفيذ ).
و يتضح من خلال قرارات المحكمة العليا المشار إليهم أعلاه أن عنصر التدليس في جريمة التعدي على الملكية العقارية وفقا للمادة 386 من قانون العقوبات يقتضي توفر العناصر التالية :
-/ صدور حكم قضائي ناطق بالطرد من العقار.
-/إتمام إجراءات التبليغ و التنفيذ .
-/عودة المنفذ عليه لشغل الأماكن من جديد بعد طرده منها .
* صدور حكم قضائي ناطق بالطرد من العقار :
المقصود بالحكم القضائي هو الحكم المدني الذي بموجبه يتم الفصل في الملكية أو تكريس الحيازة في الاعتداء عليها ، ذلك أن القاضي المدني هو المختص بالفصل في النزاعات الخاصة بالملكية العقارية ، و ينبغي بالإضافة إلى ذلك أن يكون الناطق بالطرد حكما نهائيا ، و يضاف إلى ذلك الأمر الصادر عن قاضي الاستعجال طالما انه لا يفصل في الموضوع و لا يمس بأصل الحق .
و حسب القرار رقم 32135 المؤرخ في 09/03/1985 للمحكمة العليا بأن : ( الأوامر التي تصدر في المواد المستعجلة لا تمس أصل الحق ، و من المقرر أيضا أن يتدخل قاضي الاستعجال و هو ضروريا لوضع حد لتعدي مالك المحل التجاري في استيلائه على قاعدة مؤجرة للغير بصورة قانونية ، و من ثم النعي على القرار المطعون فيه بما يثيره الطاعن من تجاوز السلطة و عدم الاختصاص غير سديد و يتعين رفضه ).
و من أمثلة القضايا التي يختص بها قاضي الاستعجال ما نصت عليه المادة 22 من المرسوم التشريعي رقم 93/03 المؤرخ في 01/03/1993 المتضمن
النشاط العقاري و التي تنص على أنه: ( إذا اقتضى أجل عقد إيجار مبرم قانونيا ، يتعين على المستأجر أن يغادر الأمكنة . و كذا دعوى الطرد من السكن الوظيفي بعد انتهاء علاقة العمل ، و دعوى طرد الشاغل بدون سند أو وجه حق من العين التي يشغلها.... ) .
* إتمام إجراءات التبليغ و التنفيذ :
سبق و أن أشرنا إلى أن الحكم القضائي الناطق بالطرد من العقار هو ذلك الحكم النهائي أي القابل للتنفيذ و تتمثل إجراءات التبليغ و التنفيذ في العناصر التالية:
-/ أن يباشر التبليغ و التنفيذ عون مؤهل، و هو المحضر القضائي ( حسب القانون رقم 91/03 المؤرخ في 08/01/1991 المتضمن مهنة المحضر القضائي ) .
-/ أن يتم التبليغ بصورة صحيحة .
-/ أن يباشر التنفيذ بالوسائل الودية أولا.
فان لم يستجب المحكوم ضده رغم صحة الإجراءات المتبعة ، و باءت كل المحاولات الودية بالفشل ، يلجأ إلى التنفيذ الجبري عن طريق القوة العمومية من أجل تمكين المحكوم لصالحه من الملكية المتنازع عليها .
فان لم ينفذ الحكم القاضي بالطرد ، و بقي المتهم حائزا للعقار فلا تقوم جنحة التعدي على الملكية العقارية ، و هذا ما قررته المحكمة العليا في قرارها رقم 70 المؤرخ في 02/02/1988 بقولها : (أن حرث المتهمين القطعة الترابية قبل تنفيذ القرار لا يعتبر فعلا يدان من أجله المتهمان ذلك أن القطعة الترابية المذكورة ، لم تخرج من حوزتهما مادام قرار الطرد لم ينفذ ، و لا تعتبر ملكا للطرف المدني المحكوم له إلا ابتداء من تحرير محضر الطرد على يد عون التنفيذ ).
و جاء في قرار أخر تحت رقم 75 المؤرخ في 15/02/1983 على انه : (حيث أن المادة 386 من قانون العقوبات التي أشار إليها القرار و طبقا على الطاعن تعاقب كل من حكم عليه بحكم نهائي بإخلاء عقار ملك للغير و امتنع عن مغادرته بإرادته رغم صدور أحكام نهائية و تنفيذها عليه من طرف المنفذ الشرعي ).
* عودة المنفذ عليه لشغل الأماكن بعد طرده منها :
لا تنشأ جريمة التعدي على الملكية العقارية إذا تم انتزاع عقار مملوك للغير دون توفر الخلسة أو التدليس وفق منظور المحكمة العليا ، بحيث يستبعد من مجال التجريم لدخول عقار مملوك للغير لأول مرة ، فالمحكمة العليا في قرار القضية رقم 23552 المؤرخ في 12/10/1982 حيث أنها : (اشترطت الرجوع لاحتلال قطعة الأرض من جديد بعدما صدر حكم بإخلائها و كذا تبليغ هذا الحكم و تنفيذه ).
و في حالة عودة المنفذ عليه لشغل الأماكن بعد طرده منها يعتبر من ارتكبوا جنحة حسب القرار رقم 448 المؤرخ في 15/05/1990 للمحكمة العليا إذ جاء فيه يرتكب جنحة من حكم عليهم بالتخلي عن الأرض و نفذت عليهم الأحكام والقرارات و طردوا من قيل المنفذ من العقار فعادوا إليه في الحال و احتلوا الأرض و تصرفوا فيها و في محاصيلها ).
و نستخلص من أن المحكمة العليا و إن حاولت تفسير مفهومي الخلسة و التدليس إلا أنها تستقر بشكل واضح حول مفهوم واحد لكل منهما ، فهي تارة تفسر الخلسة بما تفسر به التدليس ، و تارة تفرق بينهما و تعطي لكل منهما معنى خاص .
كما أن تفسيرها للتدليس مبالغ فيه ذلك أن هذا التفسير لا يمنح الحماية اللازمة التي جاءت من أجـلها المادة 386 من قانون العقوبات، فمن احـتل عقارا
بدون وجه حق لأول مرة لا يعد مرتكبا لجريمة الاعتداء على الملكية العقارية ، و كأنه بها تحمي المعتدي على الملكية العقارية .
الحقيقة أن هذا التفسير له ما يبرره من الناحية الواقعية ، ذلك أن حماية الملكية العقارية يصطدم بواقع مكرس لعدة وضعيات كالحيازة بدون سند ، و هذا حسب ما ذكرته كل من المادتين 835 و 836 من القانون المدني الجزائري ، و ما جعل المحكمة العليا في إحدى قضاياها تصرف الأطراف لتثبيت الحق في الملكية أو الحيازة بحكم قضائي فجعلت أمر الفصل قيدا على نشوء الجريمة .
و هذا اتجاه التزمت به المحكمة العليا لعدة أسباب نذكر أهمها : ( الاستجابة لواقع خاص ، دفع الملاك و الحائزين للحصول على سندات ملكياتهم ، و أن موضوع التعدي على الملكية العقارية يمثل أحد أهم موضوعات القانون المدني ، و من ثمة فلا يتدخل القانون الجزائي إلا إذا استنفدت كل سبل الدعوى العمومية ).
المطلب الثاني: العقـوبة و التشديـد.
إن جريمة التعدي على الملكية العقارية تحدث عنها المشرع الجزائري في المادة 386 من قانون العقوبات حيث في الفقرة الأولى تناول أركانها، أما في الفقرة الثانية تناول العقوبة و التشديد و إن كان لم يوضح المصطلحات الوارد ذكرها في المادة فهي ظروف تضاف إلى أركان الجريمة و تعمل على تشديد العقوبة دون أن تغير من الوصف الجزائي لها.
- الفرع الأول: العقوبـة.
إذا توافرت أركان الجريمة على الوجه آنف البيان حق العقاب على الفاعل ، و ليس من شان الخروج من العقار المنتزع ، أو التنازل للمتعدي ، أن يؤثر في
مسؤوليته عن الجريمة ، ذلك أن الظروف التي تعرض بعد وقوع الجريمة اعتداء على المجتمع فلا يجوز التنازل .
و هذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها لقضية رقم : 113184 المؤرخ في 09/10/1994 أنه إذا كان التنازل للمتهم عن السكن بعد إقدامه على احتلاله بطريقة غير شرعية لا يعد جنحة التعدي على الملكية العقارية التابعة للغير التي تبقى قائمة و لو سوية وضعية شاغلها بعد ارتكاب الجريمة، فان الدعوى المدنية في مثل هذه الحالة تنحصر طبقا لنص المادة 02 من قانون الإجراءات الجزائية الناصة على مايلي يتعلق الحق في الدعوى المدنية للمطالبة بتعويض الضرر الناجم عن جناية أو جنحة أو مخالفة بكل ما أصابهم شخصيا ضرر مباشر تسبب عن الجريمة ) .
فهي تطالب بتعويض الضرر المادي و المعنوي الناجم عن الجريمة الذي يتعين على الطرف المدني تقييمه نقدا أو تحديد مقداره و لا تنصرف بأي حال من الأحوال إلى المطالبة بإخلاء الشقة التي يبقى الفصل فيها من اختصاص الجهات القضائية التي تحكم في القضايا المدنية وحدها)
وهذا العقاب إنما يهدف إلى تحقيق احترام القوانين و الأنظمة و الحماية للملكيات العامة و الخاصة و ذلك بواسطة الردع الذي تكفله القاعدة القانونية عن طريق توقع العقوبة، ولا يتوقع احترام القاعدة القانونية دون ارتباطها بجزاء يوقع على كل مخالف لها
و نظرا لردعية العقوبات على الإفراد و حرياتهم الشخصية يقرر القانون ضمانات منها خضوع العقوبة لمبدأ الشرعية و مبدأ شخصية العقوبة و المساواة و غيرها من المبادئ التي تحرص على حرية الفرد و شرفه.
و في هذا الصدد جاءت عدة قرارات للمحكمة العليا تطبيقا للمادة الأولى من قانون العقوبات و التي تنصلا جريمة و لا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون ) و اعتبرت أنه: يخالف المادة الأولى من قانون العقوبات المجلس الذي قضى على المتهم بغرامة تفوق الحد الأقصى المقرر قانونا .
فالمشرع الجزائري في المادة 386 من قانون العقوبات نص على عقوبتين هما الحبس الغرامة في قضية التعدي على الملكية العقارية، وقام بالتشديد في العقوبة عند توفر الظروف المشددة.
01-عقوبة الحبس:
و هي العقوبة المقررة في الجنح و المخالفات ، و تعني سلب الحرية لمدة معينة، و لأنها عقوبة رادعة و تمس بالحريات الفردية يجب أن توقع من طرف جهاز القضاء،و تراعي فيها شخصية مرتكب الجريمة ، و كذا خضوعها لمبدأ الشرعية ،و يجب أن نميز بين الحالة العادية البسيطة و في حالة التشديد.
-أ-عقوبة الحبس في حالة الجريمة البسيطة ( العادية ):
و هي الحالة التي يقوم فيها الجاني بالاعتداء على حيازة أو ملكية عقار مملوك للغير خلسة أو عن طريق التدليس و في هذه الحالة عند توافر أركان الجريمة فان العقوبة المقررة لهذا الجرم هي الحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات ، و يتفق هذا النص مع نص المادة الخامسة من قانون العقوبات التي صنفت عقوبة الحبس من شهرين إلى خمس سنوات هي جنحة حيث أن المشـرع لم يكن
متساهلا في قيام الجريمة حيث شدد فيها من الحد الأدنى من شهرين إلى سنة واحدة و هذا لا دليلا على أنه اعتبر هذه الجريمة من الجرائم التي يجب ردع مرتكبها حتى لا يفتح الأبواب الاعتداء على الملكية العقارية .
وإذا كان المشرع قد وضع حدودا للعقوبة ، ويمكن النزول في حالة الظروف المخففة عن الحد الأدنى ، إلا أن القاضي بالحد الأقصى فلا يجوز له أن يجاوز عقوبة الحبس لمدة تزيد عن خمس سنوات ، وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا المؤرخ في : 26/03/1968 والذي ينص على مايلي ينقص القرار الذي يصرح بعقوبة الحبس لمدة تزيد عن حدها الأقصى ).
-ب-عقوبة الحبس في حالة الظروف المشددة:
في هذه الحالة نص المشرع الجزائري على ظرف التشديد إن اقترن بفعل الانتزاع رفعت العقوبة إلى الضعف ، فإذا كان الفاعل الذي قام بفعل الانتزاع حاملا للسلاح مخبأ أو ظاهرا سواء كان قد استعمله أو لم يستعمله ، فان عقوبة الحبس تتضاعف إلى سنتين كحد ادني و إلى عشرة سنوات كحد أقصى .
و تجدر الإشارة أن ظرف التشديد يختلف عن عناصر الجريمة ، فمثلا الليل ليس جريمة في حد ذاتها ، ولكنه ظرف من شأنه مساعدة الجاني على فعله ، فاللص يستتر بستار الظلام و ذلك ظرف مشجع على السرقة أو على القتل أو التعدي على ملكية الغير ، وإذا كان ظرف التهديد هو جريمة في حد ذاتها يعاقب عليها القانون ، إلا انه إذا اقترن بفعل الانتزاع المنصب على الملكية العقارية فانه يصبح ظرفا مشددا، و لا يختلف الأمر التهديد المنصوص عليها في المادة 284 من قانون العقوبات تعاقب الجاني بنفس عقوبة التعدي على الملكية العقارية في حالة الظرف المشدد من حيث عقوبة الحبس
كما أن اقتران الفعل المجرم بأكثر من ظرف مشدد ، كما لو اقترن الانتزاع بظرف الليل مع حمل سلاح و تعدد الجناة و استعمالهم للكسر و التسلق و العنف مثلا فان ذلك لا يرفع من شان الجريمة إلى جناية ، و لا من العقوبة إلى السجن المؤبد مثلا ، بل تبقى الجناية هي جنحة مشددة ، و عقوبتها لا تتجاوز الحبس لمدة عشر سنوات .
02-عقوبة الغرامة:
تعتبر الغرامة من أهم العقوبات التي تطبق على الأشخاص الطبيعية أو المعنوية ، وهي عقوبة أصلية في الجنح ، ويقصد بها إلزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى خزينة الدولة مبلغا من المال مقدرا في الحكم ، و تراعى فيها مبدأ الشخصية و الشرعية ، أي أن لا يحكم القاضي بأكثر مما نص عليه القانون و إلا عد الحكم مخالفا للقانون و لا يجري على هذه العقوبة المصالحة و لا يجوز التنازل عنها إلا أنها تخضع لوقف التنفيذ و التقادم و من مزاياها أنها غير مكلفة لخزينة الدولة عكس الحبس أو السجن ، بل إن في تطبيقها مردود مالي للدولة ، و هي رادعة للفقــراء
دون الأثرياء لذلك غالبا ما يقرنها المشرع مع عقوبة الحبس ، و هذا ليبقى المجال مفتوحا للقاضي لاختيار العقوبة الأنسب للجاني حتى تؤدي العقوبة دورها المنوط بها فلا فائدة من عقوبة غير رادعة ، و لا من قسوة لا تبررها مصلحة كما أوردها المشرع في المادة 386 من قانون العقوبات و هما عقوبتين للغرامة :
-أ-عقوبة الغرامة المالية في حالة الجريمة البسيطة
إن تحديد الحد الأدنى و الأقصى للعقوبة أمر ضروري لمعرفة نوع الجريمة و لتمييز الجاني العادي عن الجاني الخطير ، و من ناحية أخرى للتقيد بالقانون الذي هو ضمانة للكافة من التعسف و الحيف .
إن الغرامة هي عقوبة وليست تعويضا فهي تقدر من المشرع بغض النظر عن الضرر الذي أصاب المجني عليه ، و عليه فعقوبة الاعتداء على الملكية العقارية تتراوح ما بين 2000د ج كحد ادني و 20000د ج كحد أقصى ، إلا أن القاضي قد ينزل إلى الحد الأدنى عند إدخال ظروف التخفيف ، التي هي من سلطة القاضي التقديرية ، و لا يجوز للمتهم أن يتذرع بعدم تطبيقها في حالة توافر الشروط القانونية لاستفادته من الظروف المخففة المنصوص عليها في المادة 53 من قانون العقوبات ليست حقا مكتسبا للمتهم و إنما وضعها المشرع في متناول القضاة، وترك تطبيقها لسلطتهم التقديرية ، و عليه فان القضاة الذين لم يسعفوا المتهم من هذا الإجراء لم يخطئوا في تطبيق القانون و هذا ما أدلى به قرار المحكمة العليا رقم:118111 المؤرخ في 24/07/1994 و كذلك القرار رقم : 20147 المؤرخ في :26/07/1999.
-ب- عقوبة الغرامة في حالة الجريمة المشددة :
في حالة ارتكاب الجاني لجنحة التعدي على الملكية العقارية و اقترن هذا التعدي بظرف من ظروف التشديد و إذا كان المشرع قد رسم الحد الأدنى و الأقصى للغرامة في حالة الجريمة البسيطة فانه فعل الشيء نفسه في حالة الجريمة المشددة، و على ذلك نص على عقوبة الغرامة التي تتراوح ما بين 10000 د ج كحد أدنى و 30000 د ج كحد أقصى .
و بمقارنة عقوبة الغرامة في حالة الجريمة العادية و في حالة العقوبة المشددة نجد أن المشرع قد رفع الحد الأدنى إلى خمس مرات ، و الحد الأقصى إلى مرة ونصف.
كما تجدر الإشارة أن المشرع ، جمع بين عقوبة الحبس و عقوبة الغرامة سواء في الحالة العادية أو في حالة الجريمة المشددة ، أي انه يجوز للقاصي أن يحكم بعقوبة الحبس و عقوبة الغرامة معا، كما يجوز له في حالة إفادة المتهم بظروف التخفيف أن يحكم بالغرامة دون الحبس حتى و إن كانت العقوبة المقررة هي الحبس و الغرامة ، و هذا ما قررته المحكمة العليا بقولها: ( ليس ثمة ما يمنع جهات الحكم إذا قررت إفادة المتهم بالظروف المخففة المنصوص عليها في المادة 53 من قانون العقوبات وذلك بالحكم عليه بالغرامة دون العقوبة الحبس، حتــى
و إن كانت العقوبة المقررة هي الحبس و الغرامة ) ، قرار رقم:207752 و كذلك القرار رقم:207753 المؤرخين في:27/07/1999 .
-الفرع الثاني: ظروف التشديد:
أورد المشرع في الفقرة الثانية من المادة 386 عدة عناصر إذا توافر أحدها إلى جانب فعل الانتزاع المقترن بالخلسة أو التدليس عد ظرفا مشددا من شأنه أن يضاعف العقوبة دون أن يغير من وصفها الجنائي و نتناول هذه العناصر المشددة حسب خطورتها وأهميتها و هي :
-01- الليل:
لم يعرف القانون الليل و لم يحدده في الزمن و عرفه الفقه بأنه الوقت الممتد من غروب الشمس إلى شروقها في اليوم التالي، و هي الفترة التي يعم فيها الظلام و تتعسر فيها الرؤية، مما يجعل الفرد بحاجة إلى الاستعانة بالضوء الاصطناعي، و لا يمنع من توافر ظرف الليل ظهور القمر حتى و لو كان بدرا مكتملا ذا ضوء ساطع.
و عرف القانون البلجيكي الليل بأنه الفترة التي تبدأ بعد غروب الشمس بساعة ، و تنتهي قبل شروقها بساعة ، في حين اعتبر القانون السوداني أن الليل هو عبارة عن الفترة بين غروب الشمس و شروقها ، و خلصت المحكمة المصرية للنقض قي حكم حديث أن توافر ظرف الليل مسألة موضوعية ، و ليست مسألة قانونية تخضع لرقابتها ، فقاضي الموضوع يفصل فيها وفق ما يتبينه من ظروف الدعوى مهتديا بالحكمة من توافر ظرف الليل .
أما في القانون الجزائري فان المشرع حدد وقت وقت التفتيش أو المداهمة من الساعة ثامنة مساءا إلى غاية الساعة خامسة صباحا إلا في حالات
استثنائية يقررها القانون حسب المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية .
-02- التهديد :
و هو كل قول أو كتابة من شأنه إلقاء الرعب و الخوف في قلب الشخص المهدد و يمس نفسيته ، و للتهديد أثر خطير في نفوس الإفراد لذلك جرمه المشرع و نص على معاقبة الفاعل وفقا لأحكام المواد من 284 إلى 287 من قانون العقوبات ، و يعرفه الفقه بأنه الإكراه المعنوي الذي يتحقق بمجرد إنذار الشخص المهدد بشر جسيم سوف يلحق به أو بشخص قريب و عزيز عليه و هو نوعين الكتابي و شفاهي :
- أ-التهديد الكتابي :
و هو الذي يحرر كتابة و يتضمن دلالة التهديد، و لا تهم اللغة المحرر بها ،و لا يهم إن كانت ألفاظ التهديد صريحة أم غير صريحة و لكن تفيد التهديد ، حيث أن التهديد الغامض أكثر وقعا على نفس الضحية من التهديد الصريح و المهم أن
يكون جديا لا للمزاح ، كما يقع التهديد كذلك بالرموز و الرسومات أو الشعارات .....الخ.
ب-التهديد الشفهي :
و يتم بواسطة الأقوال و يعد أقل خطورة من التهديد الكتابي ، و يحصل عادة باندفاع أو انفعال شديد اثر غصب أو نقاش حاد بين طرفين أو عدة إطراف ، و لا يعاقب عليه القانون إلا إذا كان مصحوبا بأمر أو شرط شفاهي حسب المادة 286 من قانون العقوبات.
-03-العنف :
و يقصد به أعمال الضرب أو الجرح العمدي التي تترك أثار واضحة للعين المجردة و تؤدي إلى ألم في جسم المعتدى عليه بغض النظر على درجة خطورتها سواء أدت إلى مرض أو عجز جزئي أو كلي عن العمل ، فقد لا ينجم عن أعمال العنف نسبة عجز كأن يمسك الجاني بعنق الضحية أو يدفع بها إلى الخلف أو يطرحها على الأرض مع مسك اليدين ، ويختلف التهديد عن أعمال العنف بأنه يقتصر على الوعد دون أن ينتهي بالضرورة إلى تنفيذ محتواه ، أما أعمال العنف فهي تصرفات غير مشروعة تلحق الأذى و أضرار جسمانية بالغير.
-04-التسلــق:
و هو دخول المساكن المسورة من غير أبوابها مهما كانت طريقته و يستوي في ذلك استعمال سلم أو الصعود على الجدران أو الوثوب إلى الداخل من النافذة أو الدخول إليها من أية ناحية ، و يتوافر ظرف التسلق إذا دخل الجاني المكان من باب مفتوح ثم خرج بتسلق السور ، إذ لا يشترط أن يكون تسلق السور
أثناء الدخول أو عند المغادرة من مكان الجريمة ، و قد عرفت المادة 357 من قانون العقوبات بأنه : ( يوصف بالتسلق الدخول إلى المنازل أو المباني أو الاحواش أو حظائر الدواجن أو أية أبنية أو بساتين أو حدائق أو أماكن مسورة و بطريق تسور الحيطان أو الأبواب أو السقوف أو أية أسوار أخرى ، و الدخول عن طريق مداخل تحت الأرض غير تلك التي أعدت لاستعمالها للدخول يعد ظرفا مشددا كالتسلق ).
-05- الكســـر:
و هو ارتكاب الفاعل عملا من أعمال العنف للدخول إلى المكان المراد و التعدي عليه ، و الكسر معرف بموجب المادة 356 من قانون العقوبات على انه ( يوصف بالكسر فتح أي جهاز من أجهزة الإقفال بالقوة أو الشروع في ذلك سواء بكسره أو بإتلافه أو بأية طريقة أخرى بحيث يسمح لأي شخص بالدخول إلى مكان مغلق أو بالاستلاء على أي شيء يوجد في مكان مقفول أو في أثاث أو وعاء مغلق ).
ويدخل في حكم الكسر ، كسر الباب أو النافذة ، و خلع مسامير الأبواب و النوافذ و ثقب الجدران أو الحائط بالة و خلع القفل أو تحطيمه ، فالكسر هو الطريق الغير مألوف للدخول مع استعمال العنف ، على أن يكون قبل التعدي على ملكية الغير أو أثناء ارتكاب الفعل المجرم .
-06-التعدد:[/color:ec
- achwak
- الجنس :
عدد المساهمات : 4671 نقاط التميز : 11973 تاريخ التسجيل : 24/03/2011 العمر : 47
رد: التعدي على الملكية العقارية
الخميس 15 مارس - 20:03
العقار في بلادنا معقد شكرا اختي ندى على التوضيح القانوني
- العربي صحراوي
- الجنس :
عدد المساهمات : 1 نقاط التميز : 4556 تاريخ التسجيل : 17/05/2012 العمر : 34
رد: التعدي على الملكية العقارية
الخميس 17 مايو - 15:02
مشكوووووووووووور على هذا العمل الرائع [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
- طرق اكتساب الملكية العقارية والطبيعةالقانونيةلفعل نزع الملكية
- نزع الملكية من اجل المنفعة العامة كوسيلة لاكتساب الملكية في القانون الجزائري
- تابع *نزع الملكية من اجل المنفعة كوسيلة لاكتساب الملكية في القانون الجزائري *
- الدعاوى العقارية
- فدرالية العدالة تتهم مسؤولي الوصايا ب"التعدي" على الدستور والقوانين ...
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى