موت الرجولة

موت الرجولة
في زمن الرجال قال رجل:

أشهد أن الرجال كانوا ذات زمان و اليوم صرت وحيدا,

فيما مضى كانت الرجولة تحمل أكثر من دلالة و لا يقال عن فلان أنه رجل إلا إذا أفنى عمرا في مخالطة الرجال و كانت له مواقف تشهد له في كثير من الحالات الطارئة و لا يطلق لفظ الرجل جزافا على كل من نبت شاربه أو طالت لحيته أو برزت عضلاته و إنما عندهم الرجولة مواقف و مسؤوليات ,

و كانت كلمة الرجل كلمة يموت الناس و لا يتراجع صاحبها عنها إنها كالرصاصة إذا انطلقت فلا أمل من استردادها و إنما يجب أن تصيب الهدف و تبلّغ المقصد ,

و كانت الكلمة على اعوجاجها و خطئها إلا أنه لا مناص من تقبلها و إلا فالعواقب وخيمة ,

و إن للكلمة عندهم تقديس فان الناس لتعاود مقولة ذات دلالة خرجت من فم رجل أعواما متتالية و إن الأجيال لتظل تذكر فلانا بكلماته و علانا بمواقفه و بطولاته, فكلمات الرجل و مواقفه خير ذاكر له و أفضل موروث يترك أفضل حتى من المال و النخيل و الإبل ,

و لقد كانوا يحرصون على أن تكون لهم في الحياة فضل من كلمات و بطولات تماما كما يكون لهم فضل من أكل و دراهم و ممتلكات يحرصون على الكلمات و المواقف حرصنا اليوم على الأموال و التسابق ,

و إلى اليوم نسمع في شواهد الناس ب: قال فلان و فلان هذا مات من زمن و لكنه ترك الأثر ,

و إلى اليوم يقصّ علينا الكبار بطولات الرجال السّابقين فنحتقر ما نسميه باعتزاز بطولاتنا ,

و ذهب ذاك الزمن و أحسبه ذهب من غير رجعة ذلك أن المعاني تلك لم تعد متقبلّة بل صارت ضرب من ضروب النقص و مدعاة للضحك و صار رجال اليوم هم هم الذين يختبئون استحياءا بالأمس ,

و لم يعد للكلمة معنى إلا عند فئة صغيرة من المجتمع تتسم بالثقافة و الأدب و التذوق و لا صار للمواقف التي كانت وساما تبيّن الرجال نكهة أو ثناء إلا عند فئة تعد بالأصبع من المجتمع تتسم بالروحانية لا بالمادية ,

و صار رجال اليوم يفتخرون بالمساوئ و الأخلاق الرطينة لا بالمحاسن و الأخلاق الحميدة ,

يفتخرون بأكل أموال الناس و بالنظر إلى العورات و بالتعامل البنكي و العلاقات المشبوهة و دفع الرشاوى و المبيت خارج البيوت و السكوت عن الحرمات و تقبل المنكرات ,

صاروا يفتخرون بدنسهم و قد كانوا يفتخرون بنظارتهم و وضائتهم ,

و ببذاءتهم و قد كانوا يعرفون بتأدبهم و تلطفهم ,

و صارت الرجولة بكلمة أكثر اختصارا مادّة أكثر و بحبوحة أوسع و لا معنى للعلم و المواقف و البطولات ,

فالذي يمتلك السيّارة و إن كان جاهلا مركبّا يلقى من الاحترام و الأبّهة اليوم ما كان يلقاه صاحب الجاه و الرأي بالأمس , و الذي يسرق و يرتشي يقال له سي فلان و إن السي بالأمس لا تقال إلا لذي المروءة والكلمة والشأن ,

و لقد قرأت حكمة و كنت صغيرا يومها بالانكليزية تقول بعد تعريبها : مازلت لليوم أبحث عن رجل ,

و أذكر أن صاحبا حكيما قال لي يوما : ألصقت صفة الرجل بكلّ من أعرف ثم رحت أثبت العكس و في النهاية تبيّن أن ليس ثمة منهم رجل ,

و أنا اليوم أقلّب ناظريّ في كثير من النّاس الذين يعتد بهم كرجال فللأسف أجد الصدمة قويّة , و ما كتبت ما كتبت إلا لأن أحدهم قد خان الرجولة التي ألصقتها زمنا به و صار بعينيّ أتفه من القش , و لقد قلت يومها بيني و بين نفسي : أشهد أن الرجال كانوا ذات زمان و اليوم صرت وحيدا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] .

المروءة والكلمة والشأن من صفات الرجال العظماء بارك الله فيك على الموضوع المتميز

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
على المرور الرائع تــــــــــــــــــــسلم لنا يا الغالي