- achwak
- الجنس :
عدد المساهمات : 4671 نقاط التميز : 11973 تاريخ التسجيل : 24/03/2011 العمر : 47
ما أعظم هذا الحديث..
الخميس 8 نوفمبر - 19:34
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الدين يُسْر، ولن
يَشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه، فسَدِّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا
بالغدْوة والروحة، وشيء من الدُّلجة" متفق عليه. وفي لفظ "والقصدَ القصدَ
تَبْلُغوا".
ما أعظم هذا الحديث، وأجمعه للخير والوصايا النافعة، والأصول الجامعة. فقد
أسّس صلى الله عليه وسلم في أوله هذا الأصل الكبير. فقال: "إن الدين يسر"
أي ميسر مسهل في عقائده وأخلاقه وأعماله، وفي أفعاله وتُروكه. فإن عقائده
التي ترجع إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر
خيره وشره: هي العقائد الصحيحة التي تطمئن لها القلوب، وتوصِّل مقتديها
إلى أجلِّ غاية وأفضل مطلوب وأخلاقه وأعماله أكمل الأخلاق، وأصلح الأعمال،
بها صلاح الدين والدنيا والآخرة. وبفواتها يفوت الصلاح كله. وهي كلها
ميسرة مسهلة، كل مكلف يرى نفسه قادراً عليها لا تشق عليه، ولا تكلفه،
عقائده صحيحة بسيطة. تقبلها العقول السليمة، والفطر المستقيمة. وفرائضه
أسهل شيء.
أما الصلوات الخمس: فإنها تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات في أوقات مناسبة
لها. وتمم اللطيف الخبير سهولتها بإيجاب الجماعة والاجتماع لها؛ فإن
الاجتماع في العبادات من المنشطات والمسهلات لها ورتب عليها من خير الدين
وصلاح الإيمان، وثواب الله العاجل والآجل ما يوجب للمؤمن أن يستحليها،
ويحمد الله على فرضه لها على العباد؛ إذ لا غنى لهم عنها.
وأما الزكاة: فإنها لا تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي. وإنما تجب على
الأغنياء تتميماً لدينهم وإسلامهم، وتنمية لأموالهم، وأخلاقهم، ودفعاً
للآفات عنهم وعن أموالهم، وتطهيراً لهم من السيئات، ومواساة لمحاويجهم،
وقياماً لمصالحهم الكلية. وهي مع ذلك جزءٌ يسير جدًّا بالنسبة إلى ما
أعطاهم الله من المال والرزق.
وأما الصيام: فإن المفروض شهر واحد من كل عام، يجتمع فيه المسلمون كلهم،
فيتركن فيه شهواتهم الأصلية – من طعام وشراب ونكاح – في النهار – ويعوضهم
الله على ذلك من فضله وإحسانه تتميم دينهم وإيمانهم، وزيادة كمالهم، وأجره
العظيم، وبره العميم، وغير ذلك مما رتبه على الصيام من الخير الكثير،
ويكون سبباً لحصول التقوى التي ترجع إلى فعل الخيرات كلها، وترك المنكرات.
وأما الحج: فإن الله لم يفرضه إلا على المستطيع، وفي العمر مرة واحدة.
وفيه من المنافع الكثيرة الدينية والدنيوية ما لا يمكن تعداده. قال تعالى:
{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} أي: دينية ودنيوية.
ثم بعد ذلك بقية شرائع الإسلام التي هي في غاية السهولة الراجعة لأداء حق
الله وحق عباده. فهي في نفسها ميسرة. قال تعالى {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ومع ذلك إذا عرض للعبد عارض
مرض أو سفر أو غيرهما، رتب على ذلك من التخفيفات، وسقوط بعض الواجبات، أو
صفاتها وهيئتها ما هو معروف.
ثم إذا نظر العبد إلى الأعمال الموظفة على العباد في اليوم والليلة
المتنوعة من فرض ونفل، وصلاة وصيام وصدقة وغيرها، وأراد أن يقتدي فيها
بأكمل الخلق وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم رأى ذلك غير شاق عليه، ولا
مانع له عن مصالح دنياه، بل يتمكن معه من أداء الحقوق كلها: حقّ الله،
وحقّ النفس، وحقّ الأهل والأصحاب، وحقّ كلّ من له حقّ على الإنسان برفق
وسهولة، وأما من شدد على نفسه فلم يكتف بما اكتفى به النبي صلى الله عليه
وسلم ، ولا بما علَّمه للأمة وأرشدهم إليه، بل غلا، وأوغل في العبادات:
فإن الدين يغلبه، وآخر أمره العجز والانقطاع، ولهذا قال: "ولن يَشادَّ
الدينَ أحد إلا غلبه" فمن قاوم هذا الدين بشدة وغلو، ولم يقتصد: غلبه
الدين، واستحسر ورجع القهقرى. ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم بالقصد، وحثّ
عليه. فقال: "والقصد القصد تبلغوا".
ثم وصى صلى الله عليه وسلم بالتسديد والمقاربة، وتقوية النفوس بالبشارة
بالخير، وعدم اليأس فالتسديد: أن يقول الإنسان القول السديد، ويعمل العمل
السديد، ويسلك الطريق الرشيد، وهو الإصابة في أقواله وأفعاله من كل وجه.
فإن لم يدرك السداد من كل وجه فليتق الله ما استطاع، وليقارب الغرض. فمن
لم يدرك الصواب كله فليكتف بالمقاربة. ومن عجز عن العمل كله فليعمل منه ما
يستطيعه.
ويؤخذ من هذا أصل نافع دلّ عليه أيضاً قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ
مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا أمرتكم بأمر فائتوا
منه ما استطعتم" والمسائل المبنية على هذا الأصل لا تنحصر. وفي حديث آخر
"يسِّروا، ولا تعسروا. وبَشِّروا ولا تنفروا".
ثم ختم الحديث بوصية خفيفة على النفوس، وهي في غاية النفع. فقال:
"واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدُّلجة" وهذه الأوقات الثلاثة كما
أنها السبب الوحيد لقطع المسافات القريبة والبعيدة في الأسفار الحسِّية،
مع راحة المسافر، وراحة راحلته، وصوله براحة وسهولة، فهي السبب الوحيد
لقطع السفر الأخروي، وسلوك الصراط المستقيم، والسير إلى الله سيراً
جميلاً. فمتى أخذ العامل نفسه، وشغلها بالخير والأعمال الصالحة المناسبة
لوقته – أوّل نهاره وآخر نهاره وشيئاً من ليله، وخصوصاً آخر الليل – حصل
له من الخير ومن الباقيات الصالحات أكمل حظ، وأوفر نصيب. ونال السعادة
والفوز والفلاح وتم له النجاح في راحة وطمأنينة، مع حصول مقاصده الدنيوية،
وأغراضه النفسية. وهذا من أكبر الأدلة على رحمة الله بعباده بهذا الدين
الذي هو مادة السعادة الأبدية؛ إذ نصبه لعباده، وأوضحه على ألسنة رسله،
وجعله ميسراً مسهلاً، وأعان عليه من كل وجه. ولطف بالعاملين، وحفظهم من
القواطع والعوائق.
فعلمت بهذا: أنه يؤخذ من هذا الحديث العظيم عدة قواعد:
القاعدة الأولى: التيسير الشامل للشريعة على وجه العموم.
القاعدة الثانية: المشقة تجلب التيسير وقت حصولها.
القاعدة الثالثة: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم.
القاعدة الرابعة: تنشيط أهل الأعمال، وتبشيرهم بالخير والثواب المرتب على
الأعمال.
القاعدة الخامس: الوصية الجامعة في كيفية السير والسلوك إلى الله، التي
تغني عن كل شيء ولا يغني عنها شيء.
فصلوات الله وسلامه على من أوتي جوامع الكلم ونوافعها.
(اهـ نقلا عن كتاب بهجة قلوب الأبرار للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي).
يَشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه، فسَدِّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا
بالغدْوة والروحة، وشيء من الدُّلجة" متفق عليه. وفي لفظ "والقصدَ القصدَ
تَبْلُغوا".
ما أعظم هذا الحديث، وأجمعه للخير والوصايا النافعة، والأصول الجامعة. فقد
أسّس صلى الله عليه وسلم في أوله هذا الأصل الكبير. فقال: "إن الدين يسر"
أي ميسر مسهل في عقائده وأخلاقه وأعماله، وفي أفعاله وتُروكه. فإن عقائده
التي ترجع إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر
خيره وشره: هي العقائد الصحيحة التي تطمئن لها القلوب، وتوصِّل مقتديها
إلى أجلِّ غاية وأفضل مطلوب وأخلاقه وأعماله أكمل الأخلاق، وأصلح الأعمال،
بها صلاح الدين والدنيا والآخرة. وبفواتها يفوت الصلاح كله. وهي كلها
ميسرة مسهلة، كل مكلف يرى نفسه قادراً عليها لا تشق عليه، ولا تكلفه،
عقائده صحيحة بسيطة. تقبلها العقول السليمة، والفطر المستقيمة. وفرائضه
أسهل شيء.
أما الصلوات الخمس: فإنها تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات في أوقات مناسبة
لها. وتمم اللطيف الخبير سهولتها بإيجاب الجماعة والاجتماع لها؛ فإن
الاجتماع في العبادات من المنشطات والمسهلات لها ورتب عليها من خير الدين
وصلاح الإيمان، وثواب الله العاجل والآجل ما يوجب للمؤمن أن يستحليها،
ويحمد الله على فرضه لها على العباد؛ إذ لا غنى لهم عنها.
وأما الزكاة: فإنها لا تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي. وإنما تجب على
الأغنياء تتميماً لدينهم وإسلامهم، وتنمية لأموالهم، وأخلاقهم، ودفعاً
للآفات عنهم وعن أموالهم، وتطهيراً لهم من السيئات، ومواساة لمحاويجهم،
وقياماً لمصالحهم الكلية. وهي مع ذلك جزءٌ يسير جدًّا بالنسبة إلى ما
أعطاهم الله من المال والرزق.
وأما الصيام: فإن المفروض شهر واحد من كل عام، يجتمع فيه المسلمون كلهم،
فيتركن فيه شهواتهم الأصلية – من طعام وشراب ونكاح – في النهار – ويعوضهم
الله على ذلك من فضله وإحسانه تتميم دينهم وإيمانهم، وزيادة كمالهم، وأجره
العظيم، وبره العميم، وغير ذلك مما رتبه على الصيام من الخير الكثير،
ويكون سبباً لحصول التقوى التي ترجع إلى فعل الخيرات كلها، وترك المنكرات.
وأما الحج: فإن الله لم يفرضه إلا على المستطيع، وفي العمر مرة واحدة.
وفيه من المنافع الكثيرة الدينية والدنيوية ما لا يمكن تعداده. قال تعالى:
{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} أي: دينية ودنيوية.
ثم بعد ذلك بقية شرائع الإسلام التي هي في غاية السهولة الراجعة لأداء حق
الله وحق عباده. فهي في نفسها ميسرة. قال تعالى {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ومع ذلك إذا عرض للعبد عارض
مرض أو سفر أو غيرهما، رتب على ذلك من التخفيفات، وسقوط بعض الواجبات، أو
صفاتها وهيئتها ما هو معروف.
ثم إذا نظر العبد إلى الأعمال الموظفة على العباد في اليوم والليلة
المتنوعة من فرض ونفل، وصلاة وصيام وصدقة وغيرها، وأراد أن يقتدي فيها
بأكمل الخلق وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم رأى ذلك غير شاق عليه، ولا
مانع له عن مصالح دنياه، بل يتمكن معه من أداء الحقوق كلها: حقّ الله،
وحقّ النفس، وحقّ الأهل والأصحاب، وحقّ كلّ من له حقّ على الإنسان برفق
وسهولة، وأما من شدد على نفسه فلم يكتف بما اكتفى به النبي صلى الله عليه
وسلم ، ولا بما علَّمه للأمة وأرشدهم إليه، بل غلا، وأوغل في العبادات:
فإن الدين يغلبه، وآخر أمره العجز والانقطاع، ولهذا قال: "ولن يَشادَّ
الدينَ أحد إلا غلبه" فمن قاوم هذا الدين بشدة وغلو، ولم يقتصد: غلبه
الدين، واستحسر ورجع القهقرى. ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم بالقصد، وحثّ
عليه. فقال: "والقصد القصد تبلغوا".
ثم وصى صلى الله عليه وسلم بالتسديد والمقاربة، وتقوية النفوس بالبشارة
بالخير، وعدم اليأس فالتسديد: أن يقول الإنسان القول السديد، ويعمل العمل
السديد، ويسلك الطريق الرشيد، وهو الإصابة في أقواله وأفعاله من كل وجه.
فإن لم يدرك السداد من كل وجه فليتق الله ما استطاع، وليقارب الغرض. فمن
لم يدرك الصواب كله فليكتف بالمقاربة. ومن عجز عن العمل كله فليعمل منه ما
يستطيعه.
ويؤخذ من هذا أصل نافع دلّ عليه أيضاً قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ
مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا أمرتكم بأمر فائتوا
منه ما استطعتم" والمسائل المبنية على هذا الأصل لا تنحصر. وفي حديث آخر
"يسِّروا، ولا تعسروا. وبَشِّروا ولا تنفروا".
ثم ختم الحديث بوصية خفيفة على النفوس، وهي في غاية النفع. فقال:
"واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدُّلجة" وهذه الأوقات الثلاثة كما
أنها السبب الوحيد لقطع المسافات القريبة والبعيدة في الأسفار الحسِّية،
مع راحة المسافر، وراحة راحلته، وصوله براحة وسهولة، فهي السبب الوحيد
لقطع السفر الأخروي، وسلوك الصراط المستقيم، والسير إلى الله سيراً
جميلاً. فمتى أخذ العامل نفسه، وشغلها بالخير والأعمال الصالحة المناسبة
لوقته – أوّل نهاره وآخر نهاره وشيئاً من ليله، وخصوصاً آخر الليل – حصل
له من الخير ومن الباقيات الصالحات أكمل حظ، وأوفر نصيب. ونال السعادة
والفوز والفلاح وتم له النجاح في راحة وطمأنينة، مع حصول مقاصده الدنيوية،
وأغراضه النفسية. وهذا من أكبر الأدلة على رحمة الله بعباده بهذا الدين
الذي هو مادة السعادة الأبدية؛ إذ نصبه لعباده، وأوضحه على ألسنة رسله،
وجعله ميسراً مسهلاً، وأعان عليه من كل وجه. ولطف بالعاملين، وحفظهم من
القواطع والعوائق.
فعلمت بهذا: أنه يؤخذ من هذا الحديث العظيم عدة قواعد:
القاعدة الأولى: التيسير الشامل للشريعة على وجه العموم.
القاعدة الثانية: المشقة تجلب التيسير وقت حصولها.
القاعدة الثالثة: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم.
القاعدة الرابعة: تنشيط أهل الأعمال، وتبشيرهم بالخير والثواب المرتب على
الأعمال.
القاعدة الخامس: الوصية الجامعة في كيفية السير والسلوك إلى الله، التي
تغني عن كل شيء ولا يغني عنها شيء.
فصلوات الله وسلامه على من أوتي جوامع الكلم ونوافعها.
(اهـ نقلا عن كتاب بهجة قلوب الأبرار للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي).
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى