فلو طبقنا مثل هذه القرارات عند كل احتجاج ولدى كل إضراب، لأغلقنا كل أبواب مؤسساتنا،

من هي الهيئات العليا التي يقول عنها مفتش وزارة الثقافة إنها تقف وراء غلق وتعليق نشاطات المعهد العالي لمهن فنون العرض السمعي البصري (ISMAS)، ردا على إضراب عن العطام قام به طلبة المعهد احتجاجا على عدم استجابة الوزارة لمطالبهم؟!
فلو طبقنا مثل هذه القرارات عند كل احتجاج ولدى كل إضراب، لأغلقنا كل أبواب مؤسساتنا، ولكانت المدارس والجامعات كلها خرابا الآن! فلماذا وحده معهد الفنون يقابل بهكذا تصرف، أم أن هذا تأكيد من الوزيرة وممن أوحى لها بالقرار، بأننا مجتمع لا علاقة له بالثقافة، ولا حاجة لنا بالفنون في حياتنا اليومية؟!
فنحن سعداء بأخبار فضائح الفساد والاغتصابات، وبأخبار السلفية ومشتقاتها، لا حاجة لنا بالفن وكل ما له علاقة برقي الإنسان؟!
أعرف أن الوزيرة لن تجيبنا على هذا التساؤل، واتخاذها لموقف مجحف في حق المضربين هو هروب إلى الأمام، وأشك أن يكون القرار اتخذ على مستويات أعلى من الوزيرة. لكن العيب ليس في وزيرة الثقافة وحدها، بل تعداها إلى الأسرة الفنية والثقافية، فهذه لم تحرك ساكنا لإخراج المعهد من الوضع المأساوي الذي يعيشه طلبته، معهد بهذه العراقة كان رمزا للثورة الثقافية التي عرفتها البلاد سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وتخرجت منه ثلة من نساء ورجال الثقافة والفن في بلادنا، يقابل بهذا التعجرف والجحود، من قبل أناس نصبوا في مهمة للارتقاء بالثقافة!؟
أين هي صونيا، أين دليلة حليلو، أين سيد أحمد أڤومي، أين بن ڤطاف؟ وأين غيرهم من الأسماء التي سطعت في نجم المسرح والسينما؟ كيف لا يغضب هؤلاء ويثورون ويحتجون على غلق المعهد؟!
كم من معهد للفنون والثقافة بنينا منذ الاستقلال إلى الآن، حتى تتجرأ الوزيرة أو الوزارة وتتخذ قرارا بهذه الغرابة؟! لا شيء...
المفارقة أن الوزيرة تردد دائما مطالبة المثقفين بالإبداع، وأنها ستشحذ من أجلهم ومن أجل تشجيع إبداعاتهم، لكنها من جهة أخرى تضرب الحركة الثقافية بقرار في مثل هذه الخطورة!؟
فهل هي بداية تكسير الإنجازات الثقافية المحققة في السنوات العشر الأخيرة على قلتها؟!
سؤال نطرحه، خاصة وأن الوزيرة اتخذت منذ أسابيع قرارا لا يقل غرابة عن قرار غلق المعهد محل الحديث، برفعها ثمن تذكرة الدخول إلى المتاحف إلى عشرة أضعاف، مع أن الذين يرتادون المتاحف ودور الثقافة والمهتمين بالحركة الثقافية عموما هم من الطلبة، ومن الطبقة الوسطى واتخاذ قرار كهذا معناه الدعوة إلى هجرة المتاحف والمعارض، معناها القضاء على ما تبقى من اهتمام بالجانب الثقافي في هذه البلاد التي تعيش انفصاما في الهوية وفراغا فكريا، فتح السبيل أمام التطرف بكل أنواعه؟!