- achwak
- الجنس :
عدد المساهمات : 4671 نقاط التميز : 11991 تاريخ التسجيل : 24/03/2011 العمر : 47
جيشٌ من 850 عميل يتعب الثورة في الولاية الرابعة...
السبت 30 نوفمبر - 18:45
بعد هذه المساءلة من طرف سي بوقرة، فرَّ بن السعيدي إلى أحضان فرنسا خوفا من تصفيته من طرف جيش التحرير، إذ استسلم بن السعيدي لفرقة الدرك بعين بوسيف، ورحبت فرنسا بعميلها الجديد، ومنحته رتبة عقيد، ودعمته بالمال والسلاح، وشكل بن السعيدي جيشا قوامه حوالي 850 رجل، استقروا في منطقة جواب بالمدية، وامتد نشاطُه إلى سيدي عيسى وسور الغزلان، والشهبونية، قصر البخاري، عين بوسيف، شلالة لعذاورة، وصولا إلى الجلفة في مناطق حد الصحاري، عين وسارة، وقصر الشلالة بولاية تيارت.
إذا كان عملاء فرنسا المعروفون قد عادوا ثورتنا المباركة بطريق مباشر، فإن الشريف بن سعيدي عادى الجبهة لأطماع قيادية، حيث كان يريد تبوأ أعلى المناصب في الثورة، ولو أن هناك من طرح احتمال خيانته منذ كان مقاتلا على جبهة الهند الصينية، كما يرى الحاج لخضر بورقعة.
وُلد شريف بن السعيدي عام 1925 بماجينو (شلالة لعذاورة) ولاية المدية، تطوّع في الجيش الفرنسي عندما كان عمره 21 سنة، عمل ضابطا في الجيش الفرنسي ومقاتلا في الهند الصينية عام 1956، يتمتع بن سعيدي ببنية جسدية قوية، وعُرف عنه حبه لتولي القيادة والمسؤولياتبعد انعقاد مؤتمر الصومام.
وتدعيماً للنشاط الثوري، قررت قيادتا الولايتين الرابعة والثالثة البحث عن أكفأ العناصر لتولي زمام المبادرة في حدودها الإقليمية، وجاءت الخطوة الأولى من خلال تعيين مؤتمر الصومام علي ملاح رحمه الله كقائد ميداني للولاية السادسة، هذا الأخير الذي شرع في البحث عن الخبرات القتالية لجيش التحرير الوطني، من أجل تطوير أداء المجاهدين، وكان طبعا الخبرات السابقة في الجيش الفرنسي هي الحل الوحيد المتاح، فاغتنم سي الشريف فرصة تواجد الضابط المقاتل الشريف بن سعيدي في إجازة بمسقط رأسه بدوار أولاد العقون ولاية المدية واتصل به كي يلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني، إلا أن ما يعاب على المتصلين به هو عدم إجراء أي تحقيق عنه أو عن هويته، ليلتحق بن السعيدي بجيش التحرير وهو في سن الثلاثين عام 1956، وتدرج في المسؤوليات حتى أصبح على رأس كتيبة لجيش التحرير، وواحدا من الضباط الذين شكلوا نواة الولاية السادسة.
من الأرجح أن تلك الناحية التحقت بحرب التحرير في السداسي الثاني من سنة 1955 بدفع من الشمال، من منطقة باليسترو (الأخضرية) عبر عين بسام وسور الغزلان، التي كانت تابعة للولاية الرابعة، لتدمج تلك الجهة في الولاية السادسة بعد مؤتمر الصومام.
كانت مدينة قصر البخاري وتحديدا دوار أولاد عياد، مركزا لقيادته، وقسمت الضفة الشمالية للولاية إلى منطقتين: الأولى بسور الغزلان وعُين قائدا لها عمار الروجي وينوبه الشريف بن سعيدي، وفي نهاية ديسمبر 1956 كان بن سعيدي واحدا من ثلاثة قادة فضلا عن عبد الرحمن جوادي، عمار الروجي يشرفون على تأطير 300 مسلح، وتوجهوا جنوبا لمحاصرة جيش بلونيس. اشتبك عناصر جيش التحرير مع الجيش الفرنسي في حد الصحاري، شمال الجلفة، عام 1957 وفقدوا أكثر من 80 مجاهداً، بعضهم استشهد وبعضهم أُسر، وبعد انتهاء الاشتباك تلاسن أحمد الروجي مع نائبه الشريف بن سعيدي عن سبب هذه الخسارة البشرية الثقيلة.
هنا بدأت تلوح حركة تمرد بن السعيدي على قادته في جيش التحرير الوطني.
بن السعيدي يشرع في تصفية قادته
وبعد هذه الحادثة، تنقل علي ملاح والشريف بن سعيدي إلى القطاع الوهراني من أجل استلام شحنة من الأسلحة لجنوده، فتم المسير. وعند الوصول إلى جبال الناظور وقع اشتباك مع الجيش الفرنسي، واصل علي ملاح طريقه لكن بن السعيدي رفض المواصلة غير آبهٍ بتحذير علي ملاح له، بل وأقنع جنودا تابعين له بالعودة إلى قرية السواقي بالمدية، وهناك بدأ تمرّده على قيادة الولاية السادسة، وشرع في تصفية قادتها، والتنقل بين القرى والمداشر ونفث الاشاعات حولهم، وزرع الفتنة بين القبائل والعرب والتي أتت أكلها حتى في أوساط الجنود.
وفي ثاني وثالث يومين من أفريل 1957، استشهد أحمد الشافعي المدعو الروجي في كمين نصبه له الشريف بن سعيدي في المكان المسمى كرمة شيخة، لينصِّب بن السعيدي نفسه قائدا للمنطقة وعيَّن اثنين من أبناء عشيرته نائبين له.
وبعدها جاء الدور على إطارات أخرى، أوهمهم بن السعيدي بأنه سيعرِّفهم بالمنطقة، بعد حضورهم اجتماعا ترأسه علي ملاح، وهناك استفرد بهم وقتلهم، وكان من بين الضحايا: الرائد عبد الرحمان جوادي، سي بلعيد، سي حسن.
بن السعيدي، وقصد الوصول إلى قيادة الولاية وهو ما لن يتأتى إلا بعد تصفية قائدها علي ملاح، ولتحقيق مآربه توجه بن السعيدي إلى عين بوسيف، وراسل قائده علي ملاح طالبا منه الحضور إلى عين بوسيف لتدارس الأوضاع التي تزداد سوءاً بالمنطقة، حضر قائد الولاية السادسة ولم يكن يعلم أنها مكيدة من بن السعيدي، فالتقى الرجلان بجبل الشاون قرب دائرة عزيز حاليا، فقتل بن السعيدي علي ملاح وكاتبه الخاص في 31 ماي 1957.
بوقرّة يتحرّك
وأمام تزايد خطره على الثورة، تحرك سي أحمد بوقرة قائد الولاية الرابعة للقضاء على هذا الخائن، ما جعله يلجأ وأتباعه إلى الاحتماء بالجيش الفرنسي، فاكتشفت حقيقتُه وأزيح الغموض عن حركته وعلاقته بالثورة.
بعد وصول أنباء اغتيال سي الشريف، تنقل سي أمحمد بوقرة لتفقد الولاية السادسة بمعية لخضر مقراني والرائد علي خوجة، وعقد بوقرة لقاءً مع بن سعيدي بدوار أولاد عقون وأخذ يستفسر منه عن سقوط قادة المنطقة، لكن بن سعيدي كان يكذب ويراوغ، وأُخبر حينها بن السعيدي من بعض أعوانه أن سي بوقرة جاء قاتلاً له، ففر بن السعيدي وارتمى في أحضان المستعمِر.
بن السعيدي يتحالف مع "مينا"
بعد هذه المساءلة من طرف سي بوقرة، فرَّ بن السعيدي إلى أحضان فرنسا خوفا من تصفيته من طرف جيش التحرير، إذ استسلم بن السعيدي لفرقة الدرك بعين بوسيف، ورحبت فرنسا بعميلها الجديد، ومنحته رتبة عقيد، ودعمته بالمال والسلاح، وشكل بن السعيدي جيشا قوامه حوالي 850 رجل، استقروا في منطقة جواب بالمدية، وامتد نشاطُه إلى سيدي عيسى وسور الغزلان، والشهبونية، قصر البخاري، عين بوسيف، شلالة لعذاورة، وصولا إلى الجلفة في مناطق حد الصحاري، عين وسارة، وقصر الشلالة بولاية تيارت.
تحالف بن السعيدي مع حركة بلونيس "مينا" واتفق معها على تصفية ما أمكن من قادة جيش التحرير الوطني والوشاية بهم إلى المستعمِر، ووقعت اشتباكاتٌ كبيرة بين قوات جيش التحرير الوطني وقوات موالية لبن السعيدي، الذي سبَّب مصاعب لجيش التحرير كونه خبيراً بالمنطقة التي بادرت الجبهة إلى تغيير إستراتيجيتها فيها والتي لم تلق ارتياح لجنة التنسيق والتنفيذ التي اعتبرتها اعتداءً على صلاحياتها، فتمّ إلحاق المنطقتين الأولى والثانية للولاية السادسة وضمّهما إليها، لتصبح المنطقة الرابعة التابعة لها، وتمّ تعيين مجلس جديد للمنطقة بحث سبل إعادة الثقة بين جيش التحرير والأهالي هناك بعد كل ما زرعه العميل من فتنة، في الوقت الذي تم فيه تكليف الرائد علي خوجة بتشديد الخناق على أتباع السعيدي. تفوُّق الجبهة كان واضحا وجليا في المنطقة، ولم يلبث جيش العقيد العميل وأن تلاشى وخارت قواه بسبب ما تكبده من ضربات موجعة أتت على عدته وعدده، حتى قطعت فرنسا عنه المؤونة خوفا من وقوعها بيد أفذاذ جيش التحرير، وعند تيقنه من تلاشي أهدافه وطموحاته، فر بن السعيدي في شهر جوان 1962، أي قبل الاستقلال بأيام، إلى فرنسا وانخرط في جيشها برتبة نقيب، قبل أن يتوفى هناك، وجمعت قواتُ جيش التحرير أتباعه يوما واحدا قبل إعلان الاستقلال ببلدية ماجينو (شلالة لعذاورة) وأعدمت عددا منهم قدّره البعض بـ18 عميلاً، ليُسدل الستار على فصل آخر من فصول العمالة لفرنسا بالولاية الرابعة التاريخية.
أكد أن نشاطها استمر إلى غاية الاستقلال.. بلعليا الطيب:
"الشعب انقلب على أتباع بلونيس ورجمهم حتى الموت"
أكد الأستاذ بلعليا الطيب أستاذ وباحث في التاريخ في شهادته لـ"الشروق" أن جماعة بلونيس استمرت في عملها المسلح باستهداف المجاهدين وأتباع جبهة التحرير الوطني إلى غاية الاستقلال، حيث انقلب عليها الشعب، ورجم بعض أتباعها وقيادييها بالحجارة حتى الموت، وكذّب المتحدث الروايات التاريخية التي تقول إن جماعة بلونيس انتهت بوفاة هذا الأخير سنة 1958، مستندا في حديثه إلى العديد من الوقائع والاعتداءات التي شنها أتباع بلونيس قبيل الاستقلال، حيث كانوا منتشرين في العديد من المناطق على غرار "حوش النعاس" بالولاية السادسة، قائلا "في 18 مارس 1962، اي عشية الاعلان عن وقف إطلاق النار بين المجاهدين وفرنسا، قام أتباع بلونيس "فرقة المينا" بالهجوم على قرية الشريعة ببلدية تاكديت بولاية "تيتري" المدية سابقا والبويرة حاليا وأخذوا منها 15 مناضلا في صفوف جبهة التحرير، أخذهم أحد القياديين بالجماعة المدعو "لخضر طوجين"، الذي كان مركزه العسكري بمنطقة "كاف الناقة" فقتل 10 منهم بالرصاص بعد التعذيب، أما الخمسة البقية فأطلق سراحهم بعد التعذيب لمدة 10 أيام".
أما الحادثة الثانية التي تبين نشاط جماعة بلونيس إلى غاية الاستقلال فقد كانت حسب المتحدث في مدينة سيدي عيسى حيث هوجم المواطنون المحتفلون بتوقف القتال شهر مارس سنة 1962 وقتلوا جميعا رميا بالرصاص على متن السيارات والشاحنات التي كانت تقلهم للاحتفال، وكانت هذه الجريمة النكراء من أبشع الجرائم التي قادتها جماعة بلونيس وساهمت في انقلاب الشعب عليها بعد الاستقلال.
ويضيف السيد بلعليا الطيب قائلاً "أهم المعارك الكبيرة التي وقعت بين مجاهدي جبهة التحرير وجنود بلونيس، هي معركة "جبل تاقديت" خريف سنة 1957 في شهر رمضان حيث كان جنود بلونيس غير صائمين، عكس مجاهدي جبهة التحرير الوطني الذين كانوا جميعا صائمين، وقُتل فيها من جيش بلونيس 75 رجلا، إلا من فرَّ برقبته، وعلى رأس الفارين القائد بن عيسى، الذي كان يمتطي جوادا سريعا".
أما المعركة الثانية التي جمعت جماعة بلونيس بمجاهدي جبهة التحرير الوطني فأكد محدثنا أنها معركة جبل "العطش" في يناير 1958، حيث بلغ بين القتيل والجريح في جماعة بلونيس ما يزيد عن 80 فردا، وهكذا انتقل مركز التجمع للجماعة من سوق الخميس إلى "واد جنان" ببلدية الحاكمية حاليا، إذ صار مركزاً للتعذيب من طرف بلونيس جنباً إلى جنب مع فرنسا، وهكذا نستطيع القول إن بقايا جماعة بلونيس بقيت تعمل في الخفاء إلى غاية الاستقلال، حيث ثار الشعب عليهم وقتل من قتل وعذب من عذب على غرار القيادي في الجماعة لخضر طوجين الذي قُتل رجما بالحجارة في قرية "الديس" بمنطقة بوسعادة.
وفي ختام شهادته أكد السيد بلعليا "أن قادة جبهة التحرير الوطني يشهدون أن شمال الولاية السادسة "الجلفة بوسعادة بسكرة..." شهدت معارك طاحنة بين مجاهدي الجبهة وجيش بلونيس، أكثر من المعارك التي وقعت مع الجيش الفرنسي، وهذا يؤكد أن الثورة التحريرية لم تكن مفروشة بالحرير بل هناك عقبات من طرف الخونة.
إذا كان عملاء فرنسا المعروفون قد عادوا ثورتنا المباركة بطريق مباشر، فإن الشريف بن سعيدي عادى الجبهة لأطماع قيادية، حيث كان يريد تبوأ أعلى المناصب في الثورة، ولو أن هناك من طرح احتمال خيانته منذ كان مقاتلا على جبهة الهند الصينية، كما يرى الحاج لخضر بورقعة.
وُلد شريف بن السعيدي عام 1925 بماجينو (شلالة لعذاورة) ولاية المدية، تطوّع في الجيش الفرنسي عندما كان عمره 21 سنة، عمل ضابطا في الجيش الفرنسي ومقاتلا في الهند الصينية عام 1956، يتمتع بن سعيدي ببنية جسدية قوية، وعُرف عنه حبه لتولي القيادة والمسؤولياتبعد انعقاد مؤتمر الصومام.
وتدعيماً للنشاط الثوري، قررت قيادتا الولايتين الرابعة والثالثة البحث عن أكفأ العناصر لتولي زمام المبادرة في حدودها الإقليمية، وجاءت الخطوة الأولى من خلال تعيين مؤتمر الصومام علي ملاح رحمه الله كقائد ميداني للولاية السادسة، هذا الأخير الذي شرع في البحث عن الخبرات القتالية لجيش التحرير الوطني، من أجل تطوير أداء المجاهدين، وكان طبعا الخبرات السابقة في الجيش الفرنسي هي الحل الوحيد المتاح، فاغتنم سي الشريف فرصة تواجد الضابط المقاتل الشريف بن سعيدي في إجازة بمسقط رأسه بدوار أولاد العقون ولاية المدية واتصل به كي يلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني، إلا أن ما يعاب على المتصلين به هو عدم إجراء أي تحقيق عنه أو عن هويته، ليلتحق بن السعيدي بجيش التحرير وهو في سن الثلاثين عام 1956، وتدرج في المسؤوليات حتى أصبح على رأس كتيبة لجيش التحرير، وواحدا من الضباط الذين شكلوا نواة الولاية السادسة.
من الأرجح أن تلك الناحية التحقت بحرب التحرير في السداسي الثاني من سنة 1955 بدفع من الشمال، من منطقة باليسترو (الأخضرية) عبر عين بسام وسور الغزلان، التي كانت تابعة للولاية الرابعة، لتدمج تلك الجهة في الولاية السادسة بعد مؤتمر الصومام.
كانت مدينة قصر البخاري وتحديدا دوار أولاد عياد، مركزا لقيادته، وقسمت الضفة الشمالية للولاية إلى منطقتين: الأولى بسور الغزلان وعُين قائدا لها عمار الروجي وينوبه الشريف بن سعيدي، وفي نهاية ديسمبر 1956 كان بن سعيدي واحدا من ثلاثة قادة فضلا عن عبد الرحمن جوادي، عمار الروجي يشرفون على تأطير 300 مسلح، وتوجهوا جنوبا لمحاصرة جيش بلونيس. اشتبك عناصر جيش التحرير مع الجيش الفرنسي في حد الصحاري، شمال الجلفة، عام 1957 وفقدوا أكثر من 80 مجاهداً، بعضهم استشهد وبعضهم أُسر، وبعد انتهاء الاشتباك تلاسن أحمد الروجي مع نائبه الشريف بن سعيدي عن سبب هذه الخسارة البشرية الثقيلة.
هنا بدأت تلوح حركة تمرد بن السعيدي على قادته في جيش التحرير الوطني.
بن السعيدي يشرع في تصفية قادته
وبعد هذه الحادثة، تنقل علي ملاح والشريف بن سعيدي إلى القطاع الوهراني من أجل استلام شحنة من الأسلحة لجنوده، فتم المسير. وعند الوصول إلى جبال الناظور وقع اشتباك مع الجيش الفرنسي، واصل علي ملاح طريقه لكن بن السعيدي رفض المواصلة غير آبهٍ بتحذير علي ملاح له، بل وأقنع جنودا تابعين له بالعودة إلى قرية السواقي بالمدية، وهناك بدأ تمرّده على قيادة الولاية السادسة، وشرع في تصفية قادتها، والتنقل بين القرى والمداشر ونفث الاشاعات حولهم، وزرع الفتنة بين القبائل والعرب والتي أتت أكلها حتى في أوساط الجنود.
وفي ثاني وثالث يومين من أفريل 1957، استشهد أحمد الشافعي المدعو الروجي في كمين نصبه له الشريف بن سعيدي في المكان المسمى كرمة شيخة، لينصِّب بن السعيدي نفسه قائدا للمنطقة وعيَّن اثنين من أبناء عشيرته نائبين له.
وبعدها جاء الدور على إطارات أخرى، أوهمهم بن السعيدي بأنه سيعرِّفهم بالمنطقة، بعد حضورهم اجتماعا ترأسه علي ملاح، وهناك استفرد بهم وقتلهم، وكان من بين الضحايا: الرائد عبد الرحمان جوادي، سي بلعيد، سي حسن.
بن السعيدي، وقصد الوصول إلى قيادة الولاية وهو ما لن يتأتى إلا بعد تصفية قائدها علي ملاح، ولتحقيق مآربه توجه بن السعيدي إلى عين بوسيف، وراسل قائده علي ملاح طالبا منه الحضور إلى عين بوسيف لتدارس الأوضاع التي تزداد سوءاً بالمنطقة، حضر قائد الولاية السادسة ولم يكن يعلم أنها مكيدة من بن السعيدي، فالتقى الرجلان بجبل الشاون قرب دائرة عزيز حاليا، فقتل بن السعيدي علي ملاح وكاتبه الخاص في 31 ماي 1957.
بوقرّة يتحرّك
وأمام تزايد خطره على الثورة، تحرك سي أحمد بوقرة قائد الولاية الرابعة للقضاء على هذا الخائن، ما جعله يلجأ وأتباعه إلى الاحتماء بالجيش الفرنسي، فاكتشفت حقيقتُه وأزيح الغموض عن حركته وعلاقته بالثورة.
بعد وصول أنباء اغتيال سي الشريف، تنقل سي أمحمد بوقرة لتفقد الولاية السادسة بمعية لخضر مقراني والرائد علي خوجة، وعقد بوقرة لقاءً مع بن سعيدي بدوار أولاد عقون وأخذ يستفسر منه عن سقوط قادة المنطقة، لكن بن سعيدي كان يكذب ويراوغ، وأُخبر حينها بن السعيدي من بعض أعوانه أن سي بوقرة جاء قاتلاً له، ففر بن السعيدي وارتمى في أحضان المستعمِر.
بن السعيدي يتحالف مع "مينا"
بعد هذه المساءلة من طرف سي بوقرة، فرَّ بن السعيدي إلى أحضان فرنسا خوفا من تصفيته من طرف جيش التحرير، إذ استسلم بن السعيدي لفرقة الدرك بعين بوسيف، ورحبت فرنسا بعميلها الجديد، ومنحته رتبة عقيد، ودعمته بالمال والسلاح، وشكل بن السعيدي جيشا قوامه حوالي 850 رجل، استقروا في منطقة جواب بالمدية، وامتد نشاطُه إلى سيدي عيسى وسور الغزلان، والشهبونية، قصر البخاري، عين بوسيف، شلالة لعذاورة، وصولا إلى الجلفة في مناطق حد الصحاري، عين وسارة، وقصر الشلالة بولاية تيارت.
تحالف بن السعيدي مع حركة بلونيس "مينا" واتفق معها على تصفية ما أمكن من قادة جيش التحرير الوطني والوشاية بهم إلى المستعمِر، ووقعت اشتباكاتٌ كبيرة بين قوات جيش التحرير الوطني وقوات موالية لبن السعيدي، الذي سبَّب مصاعب لجيش التحرير كونه خبيراً بالمنطقة التي بادرت الجبهة إلى تغيير إستراتيجيتها فيها والتي لم تلق ارتياح لجنة التنسيق والتنفيذ التي اعتبرتها اعتداءً على صلاحياتها، فتمّ إلحاق المنطقتين الأولى والثانية للولاية السادسة وضمّهما إليها، لتصبح المنطقة الرابعة التابعة لها، وتمّ تعيين مجلس جديد للمنطقة بحث سبل إعادة الثقة بين جيش التحرير والأهالي هناك بعد كل ما زرعه العميل من فتنة، في الوقت الذي تم فيه تكليف الرائد علي خوجة بتشديد الخناق على أتباع السعيدي. تفوُّق الجبهة كان واضحا وجليا في المنطقة، ولم يلبث جيش العقيد العميل وأن تلاشى وخارت قواه بسبب ما تكبده من ضربات موجعة أتت على عدته وعدده، حتى قطعت فرنسا عنه المؤونة خوفا من وقوعها بيد أفذاذ جيش التحرير، وعند تيقنه من تلاشي أهدافه وطموحاته، فر بن السعيدي في شهر جوان 1962، أي قبل الاستقلال بأيام، إلى فرنسا وانخرط في جيشها برتبة نقيب، قبل أن يتوفى هناك، وجمعت قواتُ جيش التحرير أتباعه يوما واحدا قبل إعلان الاستقلال ببلدية ماجينو (شلالة لعذاورة) وأعدمت عددا منهم قدّره البعض بـ18 عميلاً، ليُسدل الستار على فصل آخر من فصول العمالة لفرنسا بالولاية الرابعة التاريخية.
أكد أن نشاطها استمر إلى غاية الاستقلال.. بلعليا الطيب:
"الشعب انقلب على أتباع بلونيس ورجمهم حتى الموت"
أكد الأستاذ بلعليا الطيب أستاذ وباحث في التاريخ في شهادته لـ"الشروق" أن جماعة بلونيس استمرت في عملها المسلح باستهداف المجاهدين وأتباع جبهة التحرير الوطني إلى غاية الاستقلال، حيث انقلب عليها الشعب، ورجم بعض أتباعها وقيادييها بالحجارة حتى الموت، وكذّب المتحدث الروايات التاريخية التي تقول إن جماعة بلونيس انتهت بوفاة هذا الأخير سنة 1958، مستندا في حديثه إلى العديد من الوقائع والاعتداءات التي شنها أتباع بلونيس قبيل الاستقلال، حيث كانوا منتشرين في العديد من المناطق على غرار "حوش النعاس" بالولاية السادسة، قائلا "في 18 مارس 1962، اي عشية الاعلان عن وقف إطلاق النار بين المجاهدين وفرنسا، قام أتباع بلونيس "فرقة المينا" بالهجوم على قرية الشريعة ببلدية تاكديت بولاية "تيتري" المدية سابقا والبويرة حاليا وأخذوا منها 15 مناضلا في صفوف جبهة التحرير، أخذهم أحد القياديين بالجماعة المدعو "لخضر طوجين"، الذي كان مركزه العسكري بمنطقة "كاف الناقة" فقتل 10 منهم بالرصاص بعد التعذيب، أما الخمسة البقية فأطلق سراحهم بعد التعذيب لمدة 10 أيام".
أما الحادثة الثانية التي تبين نشاط جماعة بلونيس إلى غاية الاستقلال فقد كانت حسب المتحدث في مدينة سيدي عيسى حيث هوجم المواطنون المحتفلون بتوقف القتال شهر مارس سنة 1962 وقتلوا جميعا رميا بالرصاص على متن السيارات والشاحنات التي كانت تقلهم للاحتفال، وكانت هذه الجريمة النكراء من أبشع الجرائم التي قادتها جماعة بلونيس وساهمت في انقلاب الشعب عليها بعد الاستقلال.
ويضيف السيد بلعليا الطيب قائلاً "أهم المعارك الكبيرة التي وقعت بين مجاهدي جبهة التحرير وجنود بلونيس، هي معركة "جبل تاقديت" خريف سنة 1957 في شهر رمضان حيث كان جنود بلونيس غير صائمين، عكس مجاهدي جبهة التحرير الوطني الذين كانوا جميعا صائمين، وقُتل فيها من جيش بلونيس 75 رجلا، إلا من فرَّ برقبته، وعلى رأس الفارين القائد بن عيسى، الذي كان يمتطي جوادا سريعا".
أما المعركة الثانية التي جمعت جماعة بلونيس بمجاهدي جبهة التحرير الوطني فأكد محدثنا أنها معركة جبل "العطش" في يناير 1958، حيث بلغ بين القتيل والجريح في جماعة بلونيس ما يزيد عن 80 فردا، وهكذا انتقل مركز التجمع للجماعة من سوق الخميس إلى "واد جنان" ببلدية الحاكمية حاليا، إذ صار مركزاً للتعذيب من طرف بلونيس جنباً إلى جنب مع فرنسا، وهكذا نستطيع القول إن بقايا جماعة بلونيس بقيت تعمل في الخفاء إلى غاية الاستقلال، حيث ثار الشعب عليهم وقتل من قتل وعذب من عذب على غرار القيادي في الجماعة لخضر طوجين الذي قُتل رجما بالحجارة في قرية "الديس" بمنطقة بوسعادة.
وفي ختام شهادته أكد السيد بلعليا "أن قادة جبهة التحرير الوطني يشهدون أن شمال الولاية السادسة "الجلفة بوسعادة بسكرة..." شهدت معارك طاحنة بين مجاهدي الجبهة وجيش بلونيس، أكثر من المعارك التي وقعت مع الجيش الفرنسي، وهذا يؤكد أن الثورة التحريرية لم تكن مفروشة بالحرير بل هناك عقبات من طرف الخونة.
- قلب الثورة التحريرية "الولاية الرابعة...نريد أسرارهم !؟
- الولاية التاريخية السادسة: إغتيال "الجغلالي"..سيطرة "شعبان" و استيقاظ الفتن مع الولاية الرابعة
- الولاية التاريخية السادسة: إغتيال "الجغلالي"..سيطرة "شعبان" و استيقاظ الفتن مع الولاية الرابعة..
- الولاية الأولى والصراع بين ممثلي الثورة..
- الولاية الرابعة....4
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى