العهدة الرابعة تفرز ثلاثة طوائف سياسية ...بين من يحاربون لأجلها ومن يرفضونها ومن ينتظرون اتجاه الرياح

أفرز الجدل حول العهدة الرابعة لرئيس الجمهورية في الأشهر الأخيرة حالة استقطاب حادة في الساحة السياسية قسمت الأحزاب، وحتى الشخصيات الوطنية، إلى ثلاث طوائف سياسية: الأولى منغمسة حتى النخاع في هذا الحلم، والثانية ترفضه من حيث المبدأ وتكافح من أجل عدم تجسيد المشروع، وتنتظر فئة أخرى اتجاه الرياح للسير معها خوفا من انعكاس أي قرار خاطئ على مستقبلها.
يبدو حزب جبهة التحرير الوطني بقيادة عمار سعداني رأس الحربة في مشروع العهد ة الرابعة إلى درجة انه لا يترك مناسبة سياسية صغيرة كانت أم كبيرة للنفخ فيه، خوفا من أن يخبو لهيبه بشكل يجعله عرضة لسهام معارضيه داخل الحزب العتيد وخارجه، بتهمة تحويل الأفلان إلى أداة سياسية لتحقيق طموحات شخصية.
"ويت أند سي"..
وإذا كان سعداني قد فشل في تجسيد حلمه بتعديل الدستور قبل الرئاسيات، فإنه نجح إلى حد كبير في الإبقاء على جذوة العهدة الرابعة مشتعلة، بل وسار في فلكه عدد كبير من الأحزاب، خاصة شريكاه في الحكومة حزب تجمع أمل الجزائر "تاج" والجبهة الشعبية لعمارة بن يونس، في الوقت الذي يتريث "الأرندي" في إعلان موقفه صراحة، رغم تأكيده دعمه لاستمرار الرئيس بوتفليقة في الحكم، حيث ينتظر التجمع الوطني الديمقراطي قرارا رسميا بالترشح من الرئيس للإنخراط في المسعى.. وهذا ما يسميه الانجليز "وايت أند سي"..
وحذت أحزاب أخرى مجهرية حذو الأفلان في دعم العهدة الرابعة، فضلا عن المركزية النقابية ومنظمات طلابية وجماهيرية أخرى، سعيا منها لتحقيق الأسبقية في الدفاع عن المشروع.
ومقابل هذا الحماس للعهدة الرابعة، يقف في الطرف الآخر معارضون حتى للفكرة في حد ذاتها، بل ويعتبرون ذلك تحريفا للنقاش الذي كان ينبغي أن يكون حول ضمانات نزاهة الإنتخابات، بدل تلخيص المشهد في مساند ومعارض للعهدة الرابعة.
مجموعات.. وسياسة الكرسي الشاغر
وت..... مجموعة العشرين منذ أسابيع حملة سياسية لإجهاض هذا المشروع، لكن صوتها وإن كان إعلاميا حقق صدى كبيرا، لكن سياسيا ليس بتلك القوة التي قد تُؤثر على توجهات الرأي العام والسلطة.
وتُمني هذه الأحزاب نفسها بتحقيق انتصار سياسي جديد، على غرار نجاح معارضتها لتعديل الدستور قبل الرئاسيات، بإجهاض المشروع رغم أن الأمر له علاقة بازدحام الأجندة السياسية وخلافات حتى بين المؤيدين للمشروع.. والمعارضين له.
وتحاول هذه الأحزاب والشخصيات الوطنية عدم الانسياق وراء جدل العهدة الرابعة، الذي دفع به الأفلان إلى الواجهة، لكنها وجدت نفسها مرغمة على مسايرته بشكل جعل مطالبها الرئيسية بتغيير الحكومة واستحداث لجنة وطنية مستقلة للإشراف على الإنتخابات تبدو مطالب ثانوية أمام العاصفة السياسية التي أحدثها سعداني.
ومع بداية العد التنازلي لتنظيم الانتخابات ستدخل هذه الأحزاب مرغمة في سباق سياسي لم تشارك في تحديد معالمه، وبالتالي فهي مخيرة بين التكيف مع الأوضاع أو سياسة الكرسي الشاغر، التي ستُحدث انقسامات بين أعضائها، وتجعلها غير قادرة على مقاومة قوة السلطة وأحزابها.
وبين طائفتي دعاة العهدة الرابعة ومعارضيها، تبقى فئة سياسية أخرى تنتظر تبيان الخيط الأبيض من الأسود في سباق الرئاسيات للتخندق في "المكان الصحيح"، خوفا من تداعيات أي "خطأ سياسي" أو تقدير سياسي على مستقبلها، بحكم أن تجربة عام 2004 حطمت العديد من السياسيين تسرعوا في اتخاذ "الموقف المناسب".
سوناطراك 1 و2 والخليفة والجدل السياسي القائم
ملفات فساد.. قد تتحول إلى و..... للحملة الإنتخابية
رمت قضايا الفساد التي عاشتها الجزائر في السنوات والأشهر الأخيرة بكل ثقلها على الاستحقاق الرئاسي القادم، بحكم أن عدة اطراف سياسية على علاقة مباشرة أو غير مباشرة بها بشكل سيجعل من هذه الملفات و.....ا للحملة الإنتخابية القادمة، رغم أن القضاء لن ينظر فيها قبل هذا الموعد السياسي.
تُعد قضيتا سوناطراك 1 و2 أهم ملف فساد أخذت بعدا دوليا وسبّب هزة عنيفة داخليا خلال الأشهر الماضية، لكن التطورات السياسية الأخيرة ساهمت بشكل كبير في تراجع الجدل بشأنه في الواجهة السياسية.
ويبدو أن هناك قرار سياسي بتأجيل البّت في هذه القضية إلى ما بعد الرئاسيات، تجنبا لتوظيفها في الجدل السياسي المتصاعد، بحكم أن الساحة السياسية التي تشهد غليانا كبيرا عشية الرئاسيات لا تحتمل النفخ في هذا الملف في الوقت الراهن.
ويظهر قرار السلطات بإعادة النظر في الإجراءات القانونية لمتابعة المتهم الأول في قضية سوناطراك، وزير الطاقة السابق شكيب خليل، محاولة لإبعاد القضية عن التوظيف السياسي على الأقل في الوقت الراهن، غير أن هذا القرار لن يمنع استغلالها كو..... للحملة الإنتخابية القادمة، خاصة من المعارضة لكسب أوراق سياسية.
وبالنسبة للسلطة، وجود الملف على مستوى العدالة يُعد حجة قوية للدفاع عن نفسها تحت شعار "اتركوا العدالة تعمل بشكل مستقل"، ورفض التوظيف السياسي للقضية في هذا الوقت بالذات.
وساهم قرار ترحيل المتهم الأول في فضيحة القرن عبد المومن خليفة من بريطانيا الى الجزائر، في التغطية على ملف سوناطراك، في وقت تريد السلطة توظيف قضية الخليفة كورقة سياسية تدخل في إطار مساعيها لمواجهة آفة الفساد وتسخير كل الإمكانيات لمحاسبة المتورطين فيها حتى الفارين منهم بالخارج.
ويؤكد تأجيل الملف على مستوى العدالة إلى ما بعد الإنتخابات الرئاسية أن هناك رغبة في تحييد هذه القضية عن الجدل السياسي أيضا، شأنها شأن ملف سوناطراك في انتظار طي ملف الرئاسيات، والتعامل مع قضايا الفساد وفق المعطيات السياسية المستجدة.
رموا بكل ثقلهم لتجسيد مشروع العهدة الرابعة
"رعب" لدى رجال الأعمال الجدد من حدوث تغيير جذري
وضع غموض ينتهجه رئيس الجمهورية بشأن مستقبله السياسي مع بداية العد التنازلي للرئاسيات، عددا من رجال الأعمال والسياسيين في حالة ارتباك تخوفا من "مستقبل غامض"، في حال قرر الرئيس الإنسحاب من الساحة السياسية.
شهدت العشرية الأخيرة من حكم الرئيس بوتفليقة ظهور طبقة جديدة من رجال الأعمال استفادت من علاقاتها السياسية والبحبوحة المالية التي تعيشها البلاد لتضخيم ثرواتها بسرعة كبيرة بشكل جعلها عنصرا هاما في المعادلة السياسية الحالية، بل أن هناك من يعتبرهم القوة التي رمت بكل ثقلها في مشروع العهدة الرابعة في الإنتخابات القادمة.
واستطاعت هذه الطبقة من رجال الأعمال الجُدد النفاذ بصورة سريعة إلى مستويات سياسية رفيعة، بل وأصبحت تتحكم حتى في مصير أحزاب كبيرة في الساحة على غرار حزب جبهة التحرير الوطني بشكل جعل قرارات الحزب تتأثر إلى حد كبير بتوجهات هذه الفئة، ومنه الحديث القديم الجديد عن "المال الفاسدّ في الافلان، وهو تعبير صرح به عدد كبير من قياديي هذا الحزب أكثر من مرة، وأثير حوله نقاش كبير داخل وخارج الحزب العتيد.
وتشير مصادر من المعارضة في الأفلان إلى أن الحملة التي أطلقت منذ أشهر للضغط من أجل عهدة رابعة للرئيس بوتفليقة، مصدرها رجال أعمال استطاعوا التحكم في أهم مفاصل الحزب والتأثير على توجهاته من أجل الحفاظ على مصالحهم.
ووفق المصادر، تعيش هذه الفئة من رجال الأعمال "حالة رعب حقيقية من احتمال رفض الرئيس بوتفليقة التقدم لسباق الرئاسيات لعهدة رابعة"، كون الأمر سيعود بنتائج سياسية وخيمة عليها في حال وصول شخصية سياسية جديدة لمنصب رئاسة الجمهورية.
وتدفع هذه التحالفات، التي نسجها رجال الأعمال الجدد، إلى فرض خيار ثان بمساندة شخصية سياسية مقربة منها، في حال قرر الرئيس بوتفليقة عدم خوض غمار الرئاسيات، بشكل سيخفف الأضرار السياسية عليها بعد الإنتخابات الرئاسية في انتظار التأقلم مع الوضع الجديد.