- منتديات العماريةالمدير الفنى للمنتدى
- الجنس :
عدد المساهمات : 6535 نقاط التميز : 16186 تاريخ التسجيل : 18/04/2009 العمر : 35 الموقع : http://bit.ly/Llerty
التوحيد هو الأصل في القرآن الكريم
الخميس 27 يناير - 21:04
الـسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
عجبني هذا الموضوع ونقلته لكم و ان شاء الله يتقبل منا الله هذه الأعمال
التوحيد هو الأصل الذي بنيت عليه الملة الحنيفية؛
فالاهتمام به اهتمام بالأصل، وإذا تدبرنا القرآن الكريم وجدنا أنه بيَّن
التوحيد تبيانًا كاملاً، حتى إنه لا تخلو سورة من سور القرآن إلا وفيها
تناول للتوحيد، وبيان له ونهى عن ضده. وقد قرر الإمام ابن القيم رحمه
الله أن القرآن كله في التوحيد؛ لأنه:
- إما إخبار عن الله وأسمائه وصفاته، وهذا هو التوحيد العلمي الذي هو توحيد الربوبية.
- وإما أمر بعبادة الله وحده لا شريك له ونهي عن الشرك، وهذا هو التوحيد العملي الطلبي، وهو توحيد الألوهية.
-
وإما أمر بطاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ونهي عن معصية الله
ومعصية رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا من حقوق التوحيد ومكملاته.
-
وإما إخبار عما أعد الله للموحدين من النعيم والفوز والنجاة والنصر في
الدنيا والآخرة، أو إخبار عما حل بالمشركين من النكال في الدنيا والآخرة،
أو إخبار عما حل بالمشركين من النكال في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة من
العذاب الدائم والخلود المؤبد في جهنم، وهذا فيمن حقق التوحيد، وفيمن أهمل
التوحيد. (1) [مدارج السالكين: 468/3 بتصرف]
إذن
فالقرآن كله يدور على التوحيد. وأنت إذا تأملت السور المكية تجد غالبها
في التوحيد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- مكث في مكة ثلاث عشرة سنة
يدعو إلى التوحيد وينهى عن الشرك. ما نزلت عليه أغلب الفرائض من زكاة
وصيام وحج وغير ذلك من أمور الحلال والحرام، وأمور المعاملات، ما نزل هذا
إلا بعد الهجرة في المدينة. إلا الصلاة فقد فرضت عليه في مكة ليلة
المعراج حين أسري به -صلى الله عليه وسلم- (2) ولكن كان هذا قبيل الهجرة
بقليل.
ولذلك كان غالب السور المكية التي نزلت على النبي -صلى
الله عليه وسلم- قبل الهجرة، كلها في قضايا التوحيد، مما يدل على أهميته،
وأن الفرائض لم تنزل إلا بعد أن تقرر التوحيد، ورسخ في النفوس، وبانت
العقيدة الصحيحة؛ لأن الأعمال لا تصح إلا بالتوحيد، ولا تؤسس إلا على
التوحيد.
وقد أوضح القرآن أن الرسل عليهم الصلاة والسلام أول ما يبدءون دعوتهم بالدعوة إلى التوحيد قبل كل شيء، قال تعالى: ﴿ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿ ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُون ﴾ [الأنبياء: 25]، وكل نبي يقول لقومه: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 59]، ها هو شأن الرسل البُداءةُ بالتوحيد.
وكذلك
أتباع الرسل من الدعاة والمصلحين أول ما يهتمون بالتوحيد؛ لأن كل دعوة لا
تقوم على التوحيد فإنها دعوة فاشلة، لا تحقق أهدافها، ولا تكون لها
نتيجة. كل دعوة تهمش التوحيد ولا تهتم به؛ فإنها تكون دعوة خاسرة في
نتائجها. وهذا شيء مشاهد ومعروف.
وكل دعوة تركز على التوحيد؛ فإنها تنجح بإذن الله وتثمر وتفيد المجتمع، كما هو معروف من قضايا التاريخ.
ونحن
لا نهمل قضايا المسلمين بل نهتم بها، ونناصرهم ونحاول كف الأذى عنهم بكل
وسيلة، وليس من السهل علينا أن المسلمين يقتلون ويشردون، ولكن ليس
الاهتمام بقضايا المسلمين أننا نبكي ونتباكى، ونملأ الدنيا بالكلام
والكتابة، والصياح والعويل؛ فإن هذا لا يجدي شيئًا.
لكن العلاج الصحيح لقضايا المسلمين، أن نبحث أولاً عن الأسباب التى أوجبت هذه العقوبات التي حلت بالمسلمين، وسلطت عليهم عدوهم.
1- ما السبب في تسليط الأعداء على المسلمين؟
حينما
ننظر في العالم الإسلامي، لا نجد عند أكثر المنتسبين إلى الإسلام تمسكًا
بالإسلام، إلا من رحم الله، إنما هم مسلمون بالاسم؛ فالعقيدة عند أكثرهم
ضائعة: يعبدون غير الله، يتعلقون بالأولياء والصالحين، والقبور
والأضرحة، ولا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يصومون، ولا يقومون
بما أوجب الله عليهم، ومن ذلك إعداد القوة لجهاد الكفار!! هذا حال
كثير من المنتسبين إلى الإسلام، ضيعوا دينهم فأضاعهم الله عز وجل.
وأهم
الأسباب التي أوقعت بهم هذه العقوبات هو إهمالهم للتوحيد، ووقوعهم في
الشرك الأكبر، ولا يتناهون عنه ولا ينكرونه! من لا يفعله منهم فإنه لا
ينكره؛ بل لا يعده شركًا. كما يأتي بيانه إن شاء الله. فهذه أهم
الأسباب التي أحلت بالمسلمين هذه العقوبات.
ولو أنهم تمسكوا
بدينهم، وأقاموا توحيدهم وعقيدتهم على الكتاب والسنة، واعتصموا بحبل الله
جميعًا ولم يتفرقوا لما حل بهم ما حل؛ قال الله تعالى: ﴿ولَيَنصُرَنَّ
اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَويٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِن
مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وآتَوا الزَّكَاةَ
وأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونَهَوا عَنِ المُنكَرِ ولِلَّهِ عَاقِبَةُ
الأُمُورِ﴾ [الحج: 40-41]، فبين أنه
لا يحصل النصر للمسلمين إلا بهذه الركائز التي ذكرها الله سبحانه وتعالى
وهي: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأين هذه الأمور في واقع المسلمين اليوم؟ أين الصلاة عند كثير ممن يدَّعون الإسلام؟!
وقال تعالى: ﴿وعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوفِهِمْ أَمْناًَ﴾ لكن أين الشرط لهذا الوعد؟ ﴿يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [النور: 55]،
فبين أن هذا الاستخلاف وهذا التمكين لا يتحقق إلا بتحقق شرطه الذي ذكره
وهو عبادته وحده لا شريك له، وهذا هو التوحيد، فلا تحصل هذه الوعود
الكريمة إلا لمن حقق التوحيد بعبادة الله وحده لا شريك له، وعبادة الله
تدخل فيها الصلاة والصيام والزكاة والحج، وجميع الطاعات.
ولم يقل سبحانه: يعبدونني فقط بل أعقب ذلك بقوله: ﴿لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾؛
لأن العبادة لا تنفع مع وجود الشرك، بل لا بد من اجتناب الشرك أيًّا كان
نوعه، وأيًّا كان شكله، وأيًّا كان اسمه. وهو: "صرف شيء من العبادة
لغير الله عز وجل".
هذا هو سبب النجاة والسلامة والنصر
والتمكين في الأرض، صلاح العقيدة وصلاح العمل. وبدون ذلك فإن العقوبات
والنكبات، والمثلات قد تحل بمن أخل بشيء مما ذكره الله من القيام بهذا
الشرط، وهذه النكبات، وهذا التسلط من الأعداء سببه إخلال المسلمين بهذا
الشرط وتفريطهم في عقيدتهم ودينهم، واكتفاؤهم بالتسمي بالإسلام فقط.
2- معنى التوحيد:
إذن ما التوحيد الذي هذه أهميته، وهذه مكانته؟
التوحيد [في اللغة]: مأخوذ
من وحَّد الشيء إذا جعله واحدًا، والواحد ضد الاثنين والثلاثة فأكثر،
فحاصله أنه ضد الكثرة, فالشيء الواحد هو الشيء المستقل المتوحد الذي لا
يشاركه غيره.
وأما في الشرع فالتوحيد هو: "إفراد الله بالعبادة" بمعنى: أن تجعل العبادة كلها لله عز وجل ﴿ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال:39]؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وقوله تعالى: ﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]، وقوله تعالى: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ولَو كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾ [غافر: 14]
هذا هو التوحيد في الشرع: إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه.
3- أنواع التوحيد:
التوحيد: أنواع
ثلاثة مستقرأة من كتاب الله عز وجل. وليس تقسيم التوحيد إلى ثلاثة جاء
من قبيل الرأي، أو من قبيل الاصطلاح، وإنما هو مستقرأ من كتاب الله عز
وجل.
النوع الأول:
توحيد الربوبية وهو: "إفراد الله جل وعلا بأفعاله"؛ من الخلق والرزق
والإحياء والإماتة وتدبير الأمور، فيعتقد المرء أن الله وحده الخالق
الرازق المدبر الحي الذي لا يموت.
النوع الثاني:
توحيد الألوهية وهو: "إفراد الله جل وعلا بأفعال العباد التي يتقربون
بها إليه سبحانه وتعالى"؛ كالدعاء والخوف والرجاء والرهبة والرغبة
والتوكل والاستقامة والاستغاثة والذبح والنذر، وغير ذلك من أنواع
العبادة. فيجب أن تكون العبادة بجميع أنواعها لله سبحانه لا يصرف منها
شيء لغير الله. هذا هو توحيد العبادة، أو توحيد الألوهية، وهو التوحيد
العملي، وهو توحيد الطلب والقصد وتوحيد الطاعة.
النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات وهو: "الإيمان بما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصفات".
هذه أنواع التوحيد مستقرأة من كتاب الله عز وجل.
فكل
آية في القرآن تتحدث عن أفعال الله من الخلق والرزق والإحياء والإماتة
وتدبير الأمور فهي في توحيد الربوبية، وهذا كثير في القرآن:
- قال تعالى: ﴿قُل
لِّمَنِ الأَرْضُ ومَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ
لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ. قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَواتِ
السَّبْعِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ
أَفَلاَ تَتَّقُونَ. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وهُو
يُجِيرُ ولاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ
لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون: 84-89].
- وقال تعالى: ﴿قُلْ
مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ
والأَبْصَارَ ومَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ويُخْرِجُ المَيِّتَ
مِنَ الحَيِّ ومَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ
أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31].
وهكذا كل آية فيها ذكر خلق السماوات والأرض، وخلق المخلوقات، فإن هذا في توحيد الربوبية.
وكل آية فيها ذكر العبادة: بأن تتحدث عن الأمر بعبادة الله والنهي عن الشرك، فإن هذا في توحيد الألوهية.
وكل آية تتحدث عن أسماء الله وصفاته، فإن هذا في توحيد الأسماء والصفات.
فكل
هذه الأنواع في كتاب الله، ولذلك قال العلماء: التوحيد ثلاثة أقسام:
توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.
ما جاءوا بهذا من عندهم، وإنما استقرءوه من كتاب الله سبحانه وتعالى، وسيأتي لهذا زيادة بيان إن شاء الله.
4- التوحيد عند المتكلمين
هناك من يقول:
التوحيد نوع واحد فقط، وهو توحيد الربوبية وهو: الاعتراف بأن الله هو
الخالق الرازق المحي المميت، إلى آخر ما جاء من أفعال الله وصفاته جل
وعلا. وعلى هذا جميع علماء الكلام والنظار الذين بنوا عقيدتهم على علم
الكلام. ,عقائدهم موجودة، وإذا قرأت في كتبهم لا تجد فيها إلا إثبات
توحيد الربوبية، فمن اعترف به عندهم فهو الموحد وليس عندهم توحيد الألوهية
ولا توحيد الأسماء والصفات، ولذلك لا يعدون عبادة القبور ودعاء الأموات
شركًا، وإنما يقول أماثلهم: هذا توجه لغير الله، وهو خطأ. ولا
يقولون: هذا شرك.
وبعضهم يقول:
إن هؤلاء الذين يدعون الأموات، ويستغيثون بالمقبورين ليسوا بمشركين؛ لأنهم
لا يعتقدون أن هؤلاء الأموات أو هذه المعبودات تخلق وترزق وتدبر مع الله،
فما داموا لم يعتقدوا ذلك فإنهم ليسوا مشركين، ولا يعد عملهم هذا شركًا.
وهو إنما اتخذوا هذه الأشياء وسائل و وسائط بينهم وبين الله شفعاء.
هذه مقالتهم، كما قال المشركون من قبل: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، وقال تعالى عنهم: ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ ولاَ يَنفَعُهُمْ ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18]
ويقول علماء الكلام:
إن عبادة القبور والتعلق بالأموات والاستغاثة بهم ليس بشرك، وإنما هي
توسل، وطلب للشفاعة، واتخاذ وسائط إلى الله عز وجل. ولا يكون شركًا إلا
إذا اعتقدوا أن هذه الأشياء تخلق وترزق وتدبر مع الله عز وجل!!
هذا يصرحون به في كتبهم وفي كلامهم.
والذي
ينكر من أهل الكلام على من يقع في هذا الأمر يقول: هذا من باب الخطأ،
وهؤلاء جهال وقعوا في هذا الجهل لا عن قصد؛ بل لجهلهم.
لكن الأكثر لا ينكرون عليهم؛ بل يقولون: هذا اتخاذ وسائط وشفعاء عند الله عز وجل، وليس شركًا.
وأنا لم أتقول على القوم شيئًا لم يقولوه؛ بل هذا موجود في كتبهم التي ردوا بها على أهل التوحيد، ودافعوا بها عن أهل الشرك.
وأما
الأسماء والصفات فإثباتها عندهم يقتضي التشبيه، فنفوها عن الله عز وجل،
وهؤلاء هم: الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية، كلهم نفوا توحيد
الأسماء والصفات، تنزيهًا لله –بزعمهم- عن مشابهة المخلوقين، فصار التوحيد
منحصرًا عندهم في توحيد الربوبية فقط، وليس عندهم توحيد الألوهية ولا
توحيد الأسماء والصفات.
وينكرون على من يقسم التوحيد إلى ثلاثة
أقسام، حتى إن كاتبًا عصريًا منهم يقول: تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام
هو من التثليث! بلغت الوقاحة به إلى أن يشبهه بدين النصارى. والعياذ
بالله.
5- الخطأ في تقسيم التوحيد:
ومن المعاصرين من يقسم التوحيد إلى أربعة أقسام، فيقول:
التوحيد أربعة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء
والصفات، وتوحيد الحاكمية. ويستند في هذا إلى أن التقسيم اصطلاحي، وليس
توقيفيًا، فلا مانع من الزيادة على الثلاثة.
ويقال لهذا:
ليس التقسيم اصطلاحيًا، وإنما يرجع في التقسيم إلى الكتاب والسنة.
والسلف حينما قسموا التوحيد إلى ثلاثة أقسام استقرءوها من الكتاب
والسنة.
أما الحاكمية فهي حق. يجب أن يكون التحاكم إلى شرع
الله عز وجل، لكن هذا داخل في توحيد العبادة لأنه "طاعة الله عز وجل"،
السلف ما أهملوا توحيد الحاكمية حتى يأتي واحد متأخر فيضيفه، بل هو عندهم
داخل في توحيد العبادة "توحيد الألوهية"! لأن من عبادة الله جل وعلا
طاعته بتحكيم شرعه، فلا يجعل قسمًا مستقلاً. وإلا لزم من ذلك أن تجعل
الصلاة قسمًا من أقسام التوحيد، وتجعل الزكاة قسمًا، والصيام قسمًا، والحج
قسمًا، وكل أنواع العبادة أقسامًا للتوحيد، ويجعل التوحيد أقسامًا لا
نهاية لها! وهذا غلط. بل أنواع العبادة كلها تندرج تحت قسم واحد وهو
توحيد الألوهية، فإنه جامع لها مانع من دخول غيرها معها.
ومنهم من يزيد على الأقسام الأربعة قسمًا خامسًا ويسميه:
اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وهذا غلط. فاتباع الرسول -صلى
الله عليه وسلم- حق ولا بد منه، لكن اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من
لوازم التوحيد، ولذلك لا تصح شهادة: أن لا إله إلا الله، إلا بشهادة أن
محمدًا رسول الله.
فمن لازم الشهادة لله بالتوحيد الشهادة
للرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، وهذا من لوازم التوحيد وليس قسمًا
مستقلاً من أقسام التوحيد. ومخالف التوحيد يقال له مشرك أو كافر.
ومخالف المتابعة يكون مبتدعًا.
هذه أقوال المخالفين لأهل السنة في تقسيم التوحيد وهم بين مفرط ومفرط.
المُفرِط هو: الذي زاد على تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام.
والمفرِّط هو: الذي اقتصر على نوع واحد وأهمل البقية؛ بل أهمل الأهم، الذي هو المطلوب، وهو توحيد الألوهية.
أما
توحيد الربوبية، فجميع الأمم مقرة به، لم ينكره إلا شذاذ من الخلق، أنكروه
تكبرًا وعنادًا مع اعترافهم به في قرارة أنفسهم. فجميع الخلق مقرون بأن
الله هو الخالق الرازق المحي المميت المدبر، لكن ليس هذا هو التوحيد
المطلوب.
6- التوحيد الذي طولب به البشر:
التوحيد المطلوب هو توحيد الألوهية، ولهذا كان الرسل كلهم يبدءون دعوتهم لأقوامهم بقولهم: ﴿اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ يدعون إلى توحيد الألوهية كما أخبر القرآن عنهم ذلك لأن توحيد الألوهية هو الذي تنكر له البشر واجتالتهم الشياطين عنه.
وأما
توحيد الربوبية فهو شيء حاصل وموجود ومستقر في النفوس. والاقتصار عليه
والاكتفاء به لا ينجي العبد، ولا يدخله في زمرة الموحدين المؤمنين، ولذلك
قاتل الرسول -صلى الله عليه وسلم- كفار قريش، وهم يقرون بأن الله هو
الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، قاتلهم واستحل دماءهم حتى يقروا
بتوحيد الألوهية؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى
يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا
بحقها، وحسابهم على الله).(3)
فهذا دليل على أن المطلوب الأعظم
من الخلق هو توحيد الألوهية، ولذلك لم يقل -صلى الله عليه وسلم-: أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقروا بأن الله هو الخالق الرازق المحي المميت؛ لأنهم
مقرون بهذا. بل قال: (حتى يقولوا لا إله إلا الله) أو "يشهدوا
أن لا إله إلا الله".
7- بيان أنواع التوحيد الثلاثة من القرآن:
سبق أن قلنا: إنها مستقرأة من القرآن الكريم. والآيات التي تؤخذ منها أنواع التوحيد الثلاثة كثيرة، منها:
سورة الفاتحة – وهي أول سورة في المصحف – فيها أنواع التوحيد الثلاثة: فقوله: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فيه توحيد الربوبية؛ لأن الآية أثبتت ربوبية الله لجميع العالمين- وهم كل ما سوى الله – والرب هو المالك المدبر.
وقوله: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مَالِكِ يَومِ الدِّينِ﴾ فيه توحيد الأسماء والصفات؛ لإثبات وصف الله في الآيتين بالرحمة والملك، وإثبات أسمائه: الرحمن، الرحيم، المالك، وقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فيه توحيد الألوهية؛ لدلالة الآية على وجوب إفراد الله تعالى بالعبادة والاستعانة.
كذلك سورة الناس –وهي آخر سورة في المصحف- فيها أنواع التوحيد الثلاثة:
فقوله: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ هذا توحيد الربوبية. ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ هذا توحيد الأسماء والصفات. ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ هذا توحيد الألوهية.
كذلك أول نداء في المصحف هو في نوعي التوحيد، وذلك في قوله تعالى: ﴿يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ والَّذِينَ مِن
قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ
فِرَاشاً والسَّمَاءَ بِنَاءً وأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ
بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ
أَندَاداً وأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 21-22].
لما
ذكر سبحانه وتعالى أقسام الناس الثلاثة (المؤمنين والكافرين
والمنافقين) وجه عباده نحو الاهتداء بهداية القرآن، فعقب ذلك بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ﴾ وهو نداء عام لكافة الخلق لأمرهم جميعًا بإفراد الله بالعبادة وعدم إشراك أي أحد معه. وهذا هو توحيد الألوهية.
ثم جاء بتوحيد الربوبية دليلاً عليه، فقال: ﴿الَّذِي
خَلَقَكُمْ والَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً والسَّمَاءَ بِنَاءً وأَنزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ﴾
أليست
هذه أفعال الله جل وعلا؟ هذا توحيد الربوبية، ذكره سبحانه وتعالى دليلاً
على توحيد الألوهية وبرهانًا عليه. فكما أنه يفعل هذه الأشياء وحده فإنه
لا يستحق العبادة أحد غيره؛ بل هي حق خالص له سبحانه.
ذكر في
هذه الآية نوعي التوحيد: توحيد الألوهية؛ لأنه المقصود الأعظم، وذكر
توحيد الربوبية دليلاً على الألوهية ومستلزمًا له، وأمر بذلك جميع الناس
كما قال في آية أخرى: ﴿ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56] فأخبر أن هذين العالمين العظيمين (عالم الجن وعالم الإنس) لم يخلقا إلا للقيام بعبادة الله وإفراده بها وتوحيده في ألوهيته.
ثم نهى عن الشرك في آخرها فقال: ﴿فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾: ﴿أَندَاداً﴾: أي: شركاء تصرفون لهم شيئًا من العبادة ﴿وأَنتُمْ تَعْلَمُون﴾
أنه لا شريك له في ربوبيته يشاركه في هذه الأمور: خلق السموات والأرض
وإنزال المطر وإنبات النبات. أنتم تعلمون أنه لا أحد يشارك الله في هذه
الأمور، فكيف تشركون معه غيره في العبادة؟ !
وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ [البقرة: 163] هذا في توحيد الألوهية، والإله معناه: المعبود، والألوهية: العبادة والحب.
ومعنى الآية: ومعبودكم بحق معبود واحد، ﴿لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُو﴾، أي: لا معبود بحق سواه.
وقوله: ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ هذا داخل في توحيد الأسماء والصفات؛ إذ فيه إثبات اسمين لله، وإثبات صفة الرحمة.
وقوله: ﴿إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّمَواتِ والأَرْضِ واخْتِلافِ الَليْلِ والنَّهَارِ
والْفُلْكِ الَتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ ومَا
أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ
بَعْدَ مَوتِهَا وبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ
والسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَومٍ
يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 164] هذا في
توحيد الربوبية، ذكره الله دليلاً وبرهانًا على توحيد الألوهية؛ ولذا أخبر
أن في ذلك آيات، أي دلالات وبراهين على استحقاق الله للعبادة دون غيره.
ففي هذه الآية أقسام التوحيد الثلاثة، وهكذا تجدها متجاورة في القرآن الكريم.
8- الحكمة من تقرير القرآن لتوحيد الربوبية:
والقرآن
إنما يذكر توحيد الربوبية –مع أن الكفار مقرون به – من أجل أن يبين دلالته
ويقيمه برهانًا على توحيد الألوهية، فيحتج عليهم بما أقروا به من باب
الإلزام لهم:
كيف تقرون لله بالربوبية، ولا تقرون له بالألوهية والعبودية؟!
كيف تصرفون العبادة لمن لا يشارك الله في شيء من مخلوقاته؟! هذا من التناقض.
﴿قُلْ
أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا
مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَواتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ
مِّن قَبْلِ هَذَا أَو أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأحقاف: 4]، ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ [لقمان: 11]، ﴿يَا
أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً ولَو اجْتَمَعُوا
لَهُ وإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ
ضَعُفَ الطَّالِبُ والْمَطْلُوبُ﴾ [الحج: 73]
لو سلط الله عليهم الذباب ما استطاعوا أن ينتصروا لأنفسهم منه، والذباب
أضعف شيء، فلو سلط الله الذباب والبعوض على الناس ما استطاعوا أن يتخلصوا
منه، يقتلون منه ما يقتلون ثم يكثر عليهم ويغمرهم.
وقيل:
المعنى لو أن الذباب أخذ شيئًا مما على الصنم من الطيب والزينات التي
يجعلونها عليه، فإن الصنم لا يستطيع أن يسترد ما أخذه الذباب منه.
﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ والْمَطْلُوبُ﴾: ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ﴾: هو المشرك، ﴿والْمَطْلُوبُ﴾: هو الصنم، وقيل الذباب.
إذا
كان كذلك فكيف تُجعل هذه شركاء الله الخالق الرازق المحي المميت القوي
العزيز الذي لا يعجزه شيء، سبحانه وتعالى؟! أين العقول؟! وأين
الأفهام؟! نسأل الله العافية.
9- التوحيد في آية الكرسي:
آية الكرسي: ﴿اللَّهُ
لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو الحَيُّ القَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولاَ
نَومٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَواتِ ومَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي
يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ومَا
خَلْفَهُمْ ولاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ
وسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَواتِ والأَرْضَ ولاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وهُو
العَلِيُّ العَظِيمُ﴾: [البقرة: 255]
هذه
أعظم آية في كتاب الله عز وجل، تشتمل على ربوبية الله وعبادته وعلى أسماء
الله وصفاته، جمع الله فيها بين النفي والإثبات: نفي النقائص والعيوب
عنه، وإثبات الكمال له سبحانه وتعالى.
وفي أولها توحيد الألوهية: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو﴾ أي: لا معبود بحق إلا هو. ثم ذكر توحيد الربوبية بقوله: ﴿الحَيُّ القَيُّومُ﴾ وهذا فيه إثبات الحياة والقيومية لله.
وقوله: ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولاَ نَومٌ﴾: هذا نفي، نفى الله عن نفسه النقص والعيب، من صفات النقص المنفية (النوم والسِّنة).
قوله: ﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَواتِ ومَا فِي الأَرْضِ﴾: هذا إثبات لربوبيته، فهو مالك السماوات والأرض ومن فيهن.
وقوله: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾: هذا نفي، نفى أن يشفع أحد عنده إلا بإذنه؛ وذلك لكمال عظمته سبحانه وتعالى. وأن أحدًا لا يجرؤ أن يشفع عنده إلا بعد إذنه.
قوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ومَا خَلْفَهُمْ﴾: هذا إثبات، فيه إثبات كمال العلم لله عز وجل، يعلم كل شيء: الماضي والحاضر والمستقبل، لا يخفى عليه شيء، علمه شامل محيط.
قوله: ﴿ولاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ﴾:
هذا نفي، نفى عن الخلق أن يعلموا شيئًا من علم الله، إلا بما أطلعهم الله
عليه، وإلا فإنهم لا يعلمون الغيب، لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه.
وقوله: ﴿وسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَواتِ والأَرْضَ﴾:
الكرسي مخلوق من مخلوقات الله، وهو مخلوق عظيم، السماوات والأرض بالنسبة
إليه كسبعة دراهم ألقيت في فلاة –وهي الصحراء الواسعة- أو في ترس –وهو صحن
كبير- ما تكون سبعة دراهم في فلاة أو في ترس؟! فكرسي الله جل وعلا
أكبر من السماوات والأرض، وهو غير العرش، والعرش أعظم من الكرسي.
وما الكرسي في العرش إلا كحلقة حديد ألقيت في أرض فلاة.
هذا الكرسي، فكيف بعرش الرحمن سبحانه وتعالى؟!
إذن
فالمخلوقات بالنسبة لله صغيرة جدًا وليست بشيء. وإذا كان مخلوق من
مخلوقات الله -وهو الكرسي- وسع السماوات والأرض وهو دون العرض، فالله جل
وعلا أعظم من كل شيء.
وقوله: ﴿ولاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾ أي: لا يشق عليه سبحانه ولا يثقله، ولا يكرثه حفظ السماوات والأرض، وحمايتهما من الفساد والتغير، وإمساكهما ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [الحج: 65]، ﴿رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ [الرعد: 2] ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَواتِ والأَرْضَ أَن تَزُولا..﴾ [فاطر: 41]
والله سبحانه ليس محتاجًا إلى السماوات والأرض، ولا إلى العرش، ولا إلى
الكرسي، وليس محتاجًا إلى المخلوقات، وإنما مخلوقاته هي المحتاجة إليه
سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿وهُو العَلِيُّ﴾ بذاته وقدره وقهره فوق عباده ﴿العَظِيمُ﴾ الجامع لصفات العظمة والكبرياء.
فهذه الآية اشتملت على أنواع التوحيد الثلاثة.
10- التوحيد في سورة الكافرون والإخلاص:
في القرآن الكريم سور اختصت بتوحيد الألوهية مثل: ﴿قُلْ
يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ. لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. ولاَ
أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. ولاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا
عَبَدتُّمْ. ولاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ
ولِيَ دِينِ﴾ هذه السورة مخصصة لتوحيد الألوهية، توحيد العبادة.
وسبب
نزولها هو: أن المشركين طلبوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعبدوا
ربه سنة، وهو يعبد آلهتهم سنة (5)(4) فأنزل الله هذه السورة في البراءة
من عبادة الأوثان وتخصيص الله جل وعلا بالعبادة.
وقوله: ﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ كرر هذه الجمل للتأكيد.
وقوله: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ ولِيَ دِينِ﴾ هذا من باب البراءة وتيئيس المشركين من هذا المطمع.
وفي القرآن أيضًا سورة خاصة بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، هي: سورة الإخلاص ﴿قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ. ولَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾،
فيها نفي وفيها إثبات، نفي النقائص عن الله، وإثبات صفات الكمال له سبحانه
وتعالى، كما في آية الكرسي. وهذه السورة خالصة في صفات الله عز وجل،
ولهذا جاء أن صحابيًا كان يكثر قراءة هذه السورة، فسئل عن ذلك؟ فقال:
إني أحبها؛ لأنها صفة الرحمن، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-
فقال: (أخبروه أن الله تعالى يحبه). (5)
11- أنواع التوحيد في سورة الزمر:
سورة
الزمر من أولها إلى آخرها تدور على التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحد
الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. وأنت إذا تأملت
السورة من أولها إلى آخرها وجدتها كذلك.
فقوله: ﴿تَنزِيلُ
الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ. إِنَّا أَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ
الدِّينَ. أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِصُ﴾ [الزمر: 1-3] وقوله: ﴿قُلْ
عجبني هذا الموضوع ونقلته لكم و ان شاء الله يتقبل منا الله هذه الأعمال
التوحيد هو الأصل الذي بنيت عليه الملة الحنيفية؛
فالاهتمام به اهتمام بالأصل، وإذا تدبرنا القرآن الكريم وجدنا أنه بيَّن
التوحيد تبيانًا كاملاً، حتى إنه لا تخلو سورة من سور القرآن إلا وفيها
تناول للتوحيد، وبيان له ونهى عن ضده. وقد قرر الإمام ابن القيم رحمه
الله أن القرآن كله في التوحيد؛ لأنه:
- إما إخبار عن الله وأسمائه وصفاته، وهذا هو التوحيد العلمي الذي هو توحيد الربوبية.
- وإما أمر بعبادة الله وحده لا شريك له ونهي عن الشرك، وهذا هو التوحيد العملي الطلبي، وهو توحيد الألوهية.
-
وإما أمر بطاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ونهي عن معصية الله
ومعصية رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا من حقوق التوحيد ومكملاته.
-
وإما إخبار عما أعد الله للموحدين من النعيم والفوز والنجاة والنصر في
الدنيا والآخرة، أو إخبار عما حل بالمشركين من النكال في الدنيا والآخرة،
أو إخبار عما حل بالمشركين من النكال في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة من
العذاب الدائم والخلود المؤبد في جهنم، وهذا فيمن حقق التوحيد، وفيمن أهمل
التوحيد. (1) [مدارج السالكين: 468/3 بتصرف]
إذن
فالقرآن كله يدور على التوحيد. وأنت إذا تأملت السور المكية تجد غالبها
في التوحيد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- مكث في مكة ثلاث عشرة سنة
يدعو إلى التوحيد وينهى عن الشرك. ما نزلت عليه أغلب الفرائض من زكاة
وصيام وحج وغير ذلك من أمور الحلال والحرام، وأمور المعاملات، ما نزل هذا
إلا بعد الهجرة في المدينة. إلا الصلاة فقد فرضت عليه في مكة ليلة
المعراج حين أسري به -صلى الله عليه وسلم- (2) ولكن كان هذا قبيل الهجرة
بقليل.
ولذلك كان غالب السور المكية التي نزلت على النبي -صلى
الله عليه وسلم- قبل الهجرة، كلها في قضايا التوحيد، مما يدل على أهميته،
وأن الفرائض لم تنزل إلا بعد أن تقرر التوحيد، ورسخ في النفوس، وبانت
العقيدة الصحيحة؛ لأن الأعمال لا تصح إلا بالتوحيد، ولا تؤسس إلا على
التوحيد.
وقد أوضح القرآن أن الرسل عليهم الصلاة والسلام أول ما يبدءون دعوتهم بالدعوة إلى التوحيد قبل كل شيء، قال تعالى: ﴿ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿ ومَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُون ﴾ [الأنبياء: 25]، وكل نبي يقول لقومه: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 59]، ها هو شأن الرسل البُداءةُ بالتوحيد.
وكذلك
أتباع الرسل من الدعاة والمصلحين أول ما يهتمون بالتوحيد؛ لأن كل دعوة لا
تقوم على التوحيد فإنها دعوة فاشلة، لا تحقق أهدافها، ولا تكون لها
نتيجة. كل دعوة تهمش التوحيد ولا تهتم به؛ فإنها تكون دعوة خاسرة في
نتائجها. وهذا شيء مشاهد ومعروف.
وكل دعوة تركز على التوحيد؛ فإنها تنجح بإذن الله وتثمر وتفيد المجتمع، كما هو معروف من قضايا التاريخ.
ونحن
لا نهمل قضايا المسلمين بل نهتم بها، ونناصرهم ونحاول كف الأذى عنهم بكل
وسيلة، وليس من السهل علينا أن المسلمين يقتلون ويشردون، ولكن ليس
الاهتمام بقضايا المسلمين أننا نبكي ونتباكى، ونملأ الدنيا بالكلام
والكتابة، والصياح والعويل؛ فإن هذا لا يجدي شيئًا.
لكن العلاج الصحيح لقضايا المسلمين، أن نبحث أولاً عن الأسباب التى أوجبت هذه العقوبات التي حلت بالمسلمين، وسلطت عليهم عدوهم.
1- ما السبب في تسليط الأعداء على المسلمين؟
حينما
ننظر في العالم الإسلامي، لا نجد عند أكثر المنتسبين إلى الإسلام تمسكًا
بالإسلام، إلا من رحم الله، إنما هم مسلمون بالاسم؛ فالعقيدة عند أكثرهم
ضائعة: يعبدون غير الله، يتعلقون بالأولياء والصالحين، والقبور
والأضرحة، ولا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يصومون، ولا يقومون
بما أوجب الله عليهم، ومن ذلك إعداد القوة لجهاد الكفار!! هذا حال
كثير من المنتسبين إلى الإسلام، ضيعوا دينهم فأضاعهم الله عز وجل.
وأهم
الأسباب التي أوقعت بهم هذه العقوبات هو إهمالهم للتوحيد، ووقوعهم في
الشرك الأكبر، ولا يتناهون عنه ولا ينكرونه! من لا يفعله منهم فإنه لا
ينكره؛ بل لا يعده شركًا. كما يأتي بيانه إن شاء الله. فهذه أهم
الأسباب التي أحلت بالمسلمين هذه العقوبات.
ولو أنهم تمسكوا
بدينهم، وأقاموا توحيدهم وعقيدتهم على الكتاب والسنة، واعتصموا بحبل الله
جميعًا ولم يتفرقوا لما حل بهم ما حل؛ قال الله تعالى: ﴿ولَيَنصُرَنَّ
اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَويٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِن
مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وآتَوا الزَّكَاةَ
وأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونَهَوا عَنِ المُنكَرِ ولِلَّهِ عَاقِبَةُ
الأُمُورِ﴾ [الحج: 40-41]، فبين أنه
لا يحصل النصر للمسلمين إلا بهذه الركائز التي ذكرها الله سبحانه وتعالى
وهي: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأين هذه الأمور في واقع المسلمين اليوم؟ أين الصلاة عند كثير ممن يدَّعون الإسلام؟!
وقال تعالى: ﴿وعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوفِهِمْ أَمْناًَ﴾ لكن أين الشرط لهذا الوعد؟ ﴿يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [النور: 55]،
فبين أن هذا الاستخلاف وهذا التمكين لا يتحقق إلا بتحقق شرطه الذي ذكره
وهو عبادته وحده لا شريك له، وهذا هو التوحيد، فلا تحصل هذه الوعود
الكريمة إلا لمن حقق التوحيد بعبادة الله وحده لا شريك له، وعبادة الله
تدخل فيها الصلاة والصيام والزكاة والحج، وجميع الطاعات.
ولم يقل سبحانه: يعبدونني فقط بل أعقب ذلك بقوله: ﴿لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾؛
لأن العبادة لا تنفع مع وجود الشرك، بل لا بد من اجتناب الشرك أيًّا كان
نوعه، وأيًّا كان شكله، وأيًّا كان اسمه. وهو: "صرف شيء من العبادة
لغير الله عز وجل".
هذا هو سبب النجاة والسلامة والنصر
والتمكين في الأرض، صلاح العقيدة وصلاح العمل. وبدون ذلك فإن العقوبات
والنكبات، والمثلات قد تحل بمن أخل بشيء مما ذكره الله من القيام بهذا
الشرط، وهذه النكبات، وهذا التسلط من الأعداء سببه إخلال المسلمين بهذا
الشرط وتفريطهم في عقيدتهم ودينهم، واكتفاؤهم بالتسمي بالإسلام فقط.
2- معنى التوحيد:
إذن ما التوحيد الذي هذه أهميته، وهذه مكانته؟
التوحيد [في اللغة]: مأخوذ
من وحَّد الشيء إذا جعله واحدًا، والواحد ضد الاثنين والثلاثة فأكثر،
فحاصله أنه ضد الكثرة, فالشيء الواحد هو الشيء المستقل المتوحد الذي لا
يشاركه غيره.
وأما في الشرع فالتوحيد هو: "إفراد الله بالعبادة" بمعنى: أن تجعل العبادة كلها لله عز وجل ﴿ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال:39]؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، وقوله تعالى: ﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]، وقوله تعالى: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ولَو كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾ [غافر: 14]
هذا هو التوحيد في الشرع: إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه.
3- أنواع التوحيد:
التوحيد: أنواع
ثلاثة مستقرأة من كتاب الله عز وجل. وليس تقسيم التوحيد إلى ثلاثة جاء
من قبيل الرأي، أو من قبيل الاصطلاح، وإنما هو مستقرأ من كتاب الله عز
وجل.
النوع الأول:
توحيد الربوبية وهو: "إفراد الله جل وعلا بأفعاله"؛ من الخلق والرزق
والإحياء والإماتة وتدبير الأمور، فيعتقد المرء أن الله وحده الخالق
الرازق المدبر الحي الذي لا يموت.
النوع الثاني:
توحيد الألوهية وهو: "إفراد الله جل وعلا بأفعال العباد التي يتقربون
بها إليه سبحانه وتعالى"؛ كالدعاء والخوف والرجاء والرهبة والرغبة
والتوكل والاستقامة والاستغاثة والذبح والنذر، وغير ذلك من أنواع
العبادة. فيجب أن تكون العبادة بجميع أنواعها لله سبحانه لا يصرف منها
شيء لغير الله. هذا هو توحيد العبادة، أو توحيد الألوهية، وهو التوحيد
العملي، وهو توحيد الطلب والقصد وتوحيد الطاعة.
النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات وهو: "الإيمان بما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصفات".
هذه أنواع التوحيد مستقرأة من كتاب الله عز وجل.
فكل
آية في القرآن تتحدث عن أفعال الله من الخلق والرزق والإحياء والإماتة
وتدبير الأمور فهي في توحيد الربوبية، وهذا كثير في القرآن:
- قال تعالى: ﴿قُل
لِّمَنِ الأَرْضُ ومَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ
لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ. قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَواتِ
السَّبْعِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ
أَفَلاَ تَتَّقُونَ. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وهُو
يُجِيرُ ولاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ
لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون: 84-89].
- وقال تعالى: ﴿قُلْ
مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ
والأَبْصَارَ ومَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ويُخْرِجُ المَيِّتَ
مِنَ الحَيِّ ومَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ
أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31].
وهكذا كل آية فيها ذكر خلق السماوات والأرض، وخلق المخلوقات، فإن هذا في توحيد الربوبية.
وكل آية فيها ذكر العبادة: بأن تتحدث عن الأمر بعبادة الله والنهي عن الشرك، فإن هذا في توحيد الألوهية.
وكل آية تتحدث عن أسماء الله وصفاته، فإن هذا في توحيد الأسماء والصفات.
فكل
هذه الأنواع في كتاب الله، ولذلك قال العلماء: التوحيد ثلاثة أقسام:
توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.
ما جاءوا بهذا من عندهم، وإنما استقرءوه من كتاب الله سبحانه وتعالى، وسيأتي لهذا زيادة بيان إن شاء الله.
4- التوحيد عند المتكلمين
هناك من يقول:
التوحيد نوع واحد فقط، وهو توحيد الربوبية وهو: الاعتراف بأن الله هو
الخالق الرازق المحي المميت، إلى آخر ما جاء من أفعال الله وصفاته جل
وعلا. وعلى هذا جميع علماء الكلام والنظار الذين بنوا عقيدتهم على علم
الكلام. ,عقائدهم موجودة، وإذا قرأت في كتبهم لا تجد فيها إلا إثبات
توحيد الربوبية، فمن اعترف به عندهم فهو الموحد وليس عندهم توحيد الألوهية
ولا توحيد الأسماء والصفات، ولذلك لا يعدون عبادة القبور ودعاء الأموات
شركًا، وإنما يقول أماثلهم: هذا توجه لغير الله، وهو خطأ. ولا
يقولون: هذا شرك.
وبعضهم يقول:
إن هؤلاء الذين يدعون الأموات، ويستغيثون بالمقبورين ليسوا بمشركين؛ لأنهم
لا يعتقدون أن هؤلاء الأموات أو هذه المعبودات تخلق وترزق وتدبر مع الله،
فما داموا لم يعتقدوا ذلك فإنهم ليسوا مشركين، ولا يعد عملهم هذا شركًا.
وهو إنما اتخذوا هذه الأشياء وسائل و وسائط بينهم وبين الله شفعاء.
هذه مقالتهم، كما قال المشركون من قبل: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، وقال تعالى عنهم: ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ ولاَ يَنفَعُهُمْ ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18]
ويقول علماء الكلام:
إن عبادة القبور والتعلق بالأموات والاستغاثة بهم ليس بشرك، وإنما هي
توسل، وطلب للشفاعة، واتخاذ وسائط إلى الله عز وجل. ولا يكون شركًا إلا
إذا اعتقدوا أن هذه الأشياء تخلق وترزق وتدبر مع الله عز وجل!!
هذا يصرحون به في كتبهم وفي كلامهم.
والذي
ينكر من أهل الكلام على من يقع في هذا الأمر يقول: هذا من باب الخطأ،
وهؤلاء جهال وقعوا في هذا الجهل لا عن قصد؛ بل لجهلهم.
لكن الأكثر لا ينكرون عليهم؛ بل يقولون: هذا اتخاذ وسائط وشفعاء عند الله عز وجل، وليس شركًا.
وأنا لم أتقول على القوم شيئًا لم يقولوه؛ بل هذا موجود في كتبهم التي ردوا بها على أهل التوحيد، ودافعوا بها عن أهل الشرك.
وأما
الأسماء والصفات فإثباتها عندهم يقتضي التشبيه، فنفوها عن الله عز وجل،
وهؤلاء هم: الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية، كلهم نفوا توحيد
الأسماء والصفات، تنزيهًا لله –بزعمهم- عن مشابهة المخلوقين، فصار التوحيد
منحصرًا عندهم في توحيد الربوبية فقط، وليس عندهم توحيد الألوهية ولا
توحيد الأسماء والصفات.
وينكرون على من يقسم التوحيد إلى ثلاثة
أقسام، حتى إن كاتبًا عصريًا منهم يقول: تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام
هو من التثليث! بلغت الوقاحة به إلى أن يشبهه بدين النصارى. والعياذ
بالله.
5- الخطأ في تقسيم التوحيد:
ومن المعاصرين من يقسم التوحيد إلى أربعة أقسام، فيقول:
التوحيد أربعة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء
والصفات، وتوحيد الحاكمية. ويستند في هذا إلى أن التقسيم اصطلاحي، وليس
توقيفيًا، فلا مانع من الزيادة على الثلاثة.
ويقال لهذا:
ليس التقسيم اصطلاحيًا، وإنما يرجع في التقسيم إلى الكتاب والسنة.
والسلف حينما قسموا التوحيد إلى ثلاثة أقسام استقرءوها من الكتاب
والسنة.
أما الحاكمية فهي حق. يجب أن يكون التحاكم إلى شرع
الله عز وجل، لكن هذا داخل في توحيد العبادة لأنه "طاعة الله عز وجل"،
السلف ما أهملوا توحيد الحاكمية حتى يأتي واحد متأخر فيضيفه، بل هو عندهم
داخل في توحيد العبادة "توحيد الألوهية"! لأن من عبادة الله جل وعلا
طاعته بتحكيم شرعه، فلا يجعل قسمًا مستقلاً. وإلا لزم من ذلك أن تجعل
الصلاة قسمًا من أقسام التوحيد، وتجعل الزكاة قسمًا، والصيام قسمًا، والحج
قسمًا، وكل أنواع العبادة أقسامًا للتوحيد، ويجعل التوحيد أقسامًا لا
نهاية لها! وهذا غلط. بل أنواع العبادة كلها تندرج تحت قسم واحد وهو
توحيد الألوهية، فإنه جامع لها مانع من دخول غيرها معها.
ومنهم من يزيد على الأقسام الأربعة قسمًا خامسًا ويسميه:
اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وهذا غلط. فاتباع الرسول -صلى
الله عليه وسلم- حق ولا بد منه، لكن اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من
لوازم التوحيد، ولذلك لا تصح شهادة: أن لا إله إلا الله، إلا بشهادة أن
محمدًا رسول الله.
فمن لازم الشهادة لله بالتوحيد الشهادة
للرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، وهذا من لوازم التوحيد وليس قسمًا
مستقلاً من أقسام التوحيد. ومخالف التوحيد يقال له مشرك أو كافر.
ومخالف المتابعة يكون مبتدعًا.
هذه أقوال المخالفين لأهل السنة في تقسيم التوحيد وهم بين مفرط ومفرط.
المُفرِط هو: الذي زاد على تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام.
والمفرِّط هو: الذي اقتصر على نوع واحد وأهمل البقية؛ بل أهمل الأهم، الذي هو المطلوب، وهو توحيد الألوهية.
أما
توحيد الربوبية، فجميع الأمم مقرة به، لم ينكره إلا شذاذ من الخلق، أنكروه
تكبرًا وعنادًا مع اعترافهم به في قرارة أنفسهم. فجميع الخلق مقرون بأن
الله هو الخالق الرازق المحي المميت المدبر، لكن ليس هذا هو التوحيد
المطلوب.
6- التوحيد الذي طولب به البشر:
التوحيد المطلوب هو توحيد الألوهية، ولهذا كان الرسل كلهم يبدءون دعوتهم لأقوامهم بقولهم: ﴿اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ يدعون إلى توحيد الألوهية كما أخبر القرآن عنهم ذلك لأن توحيد الألوهية هو الذي تنكر له البشر واجتالتهم الشياطين عنه.
وأما
توحيد الربوبية فهو شيء حاصل وموجود ومستقر في النفوس. والاقتصار عليه
والاكتفاء به لا ينجي العبد، ولا يدخله في زمرة الموحدين المؤمنين، ولذلك
قاتل الرسول -صلى الله عليه وسلم- كفار قريش، وهم يقرون بأن الله هو
الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، قاتلهم واستحل دماءهم حتى يقروا
بتوحيد الألوهية؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى
يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا
بحقها، وحسابهم على الله).(3)
فهذا دليل على أن المطلوب الأعظم
من الخلق هو توحيد الألوهية، ولذلك لم يقل -صلى الله عليه وسلم-: أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقروا بأن الله هو الخالق الرازق المحي المميت؛ لأنهم
مقرون بهذا. بل قال: (حتى يقولوا لا إله إلا الله) أو "يشهدوا
أن لا إله إلا الله".
7- بيان أنواع التوحيد الثلاثة من القرآن:
سبق أن قلنا: إنها مستقرأة من القرآن الكريم. والآيات التي تؤخذ منها أنواع التوحيد الثلاثة كثيرة، منها:
سورة الفاتحة – وهي أول سورة في المصحف – فيها أنواع التوحيد الثلاثة: فقوله: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فيه توحيد الربوبية؛ لأن الآية أثبتت ربوبية الله لجميع العالمين- وهم كل ما سوى الله – والرب هو المالك المدبر.
وقوله: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مَالِكِ يَومِ الدِّينِ﴾ فيه توحيد الأسماء والصفات؛ لإثبات وصف الله في الآيتين بالرحمة والملك، وإثبات أسمائه: الرحمن، الرحيم، المالك، وقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فيه توحيد الألوهية؛ لدلالة الآية على وجوب إفراد الله تعالى بالعبادة والاستعانة.
كذلك سورة الناس –وهي آخر سورة في المصحف- فيها أنواع التوحيد الثلاثة:
فقوله: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ هذا توحيد الربوبية. ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ هذا توحيد الأسماء والصفات. ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ هذا توحيد الألوهية.
كذلك أول نداء في المصحف هو في نوعي التوحيد، وذلك في قوله تعالى: ﴿يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ والَّذِينَ مِن
قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ
فِرَاشاً والسَّمَاءَ بِنَاءً وأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ
بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ
أَندَاداً وأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 21-22].
لما
ذكر سبحانه وتعالى أقسام الناس الثلاثة (المؤمنين والكافرين
والمنافقين) وجه عباده نحو الاهتداء بهداية القرآن، فعقب ذلك بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ﴾ وهو نداء عام لكافة الخلق لأمرهم جميعًا بإفراد الله بالعبادة وعدم إشراك أي أحد معه. وهذا هو توحيد الألوهية.
ثم جاء بتوحيد الربوبية دليلاً عليه، فقال: ﴿الَّذِي
خَلَقَكُمْ والَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً والسَّمَاءَ بِنَاءً وأَنزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ﴾
أليست
هذه أفعال الله جل وعلا؟ هذا توحيد الربوبية، ذكره سبحانه وتعالى دليلاً
على توحيد الألوهية وبرهانًا عليه. فكما أنه يفعل هذه الأشياء وحده فإنه
لا يستحق العبادة أحد غيره؛ بل هي حق خالص له سبحانه.
ذكر في
هذه الآية نوعي التوحيد: توحيد الألوهية؛ لأنه المقصود الأعظم، وذكر
توحيد الربوبية دليلاً على الألوهية ومستلزمًا له، وأمر بذلك جميع الناس
كما قال في آية أخرى: ﴿ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56] فأخبر أن هذين العالمين العظيمين (عالم الجن وعالم الإنس) لم يخلقا إلا للقيام بعبادة الله وإفراده بها وتوحيده في ألوهيته.
ثم نهى عن الشرك في آخرها فقال: ﴿فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾: ﴿أَندَاداً﴾: أي: شركاء تصرفون لهم شيئًا من العبادة ﴿وأَنتُمْ تَعْلَمُون﴾
أنه لا شريك له في ربوبيته يشاركه في هذه الأمور: خلق السموات والأرض
وإنزال المطر وإنبات النبات. أنتم تعلمون أنه لا أحد يشارك الله في هذه
الأمور، فكيف تشركون معه غيره في العبادة؟ !
وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ [البقرة: 163] هذا في توحيد الألوهية، والإله معناه: المعبود، والألوهية: العبادة والحب.
ومعنى الآية: ومعبودكم بحق معبود واحد، ﴿لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُو﴾، أي: لا معبود بحق سواه.
وقوله: ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ هذا داخل في توحيد الأسماء والصفات؛ إذ فيه إثبات اسمين لله، وإثبات صفة الرحمة.
وقوله: ﴿إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّمَواتِ والأَرْضِ واخْتِلافِ الَليْلِ والنَّهَارِ
والْفُلْكِ الَتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ ومَا
أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ
بَعْدَ مَوتِهَا وبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ
والسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَومٍ
يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 164] هذا في
توحيد الربوبية، ذكره الله دليلاً وبرهانًا على توحيد الألوهية؛ ولذا أخبر
أن في ذلك آيات، أي دلالات وبراهين على استحقاق الله للعبادة دون غيره.
ففي هذه الآية أقسام التوحيد الثلاثة، وهكذا تجدها متجاورة في القرآن الكريم.
8- الحكمة من تقرير القرآن لتوحيد الربوبية:
والقرآن
إنما يذكر توحيد الربوبية –مع أن الكفار مقرون به – من أجل أن يبين دلالته
ويقيمه برهانًا على توحيد الألوهية، فيحتج عليهم بما أقروا به من باب
الإلزام لهم:
كيف تقرون لله بالربوبية، ولا تقرون له بالألوهية والعبودية؟!
كيف تصرفون العبادة لمن لا يشارك الله في شيء من مخلوقاته؟! هذا من التناقض.
﴿قُلْ
أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا
مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَواتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ
مِّن قَبْلِ هَذَا أَو أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأحقاف: 4]، ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ [لقمان: 11]، ﴿يَا
أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً ولَو اجْتَمَعُوا
لَهُ وإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ
ضَعُفَ الطَّالِبُ والْمَطْلُوبُ﴾ [الحج: 73]
لو سلط الله عليهم الذباب ما استطاعوا أن ينتصروا لأنفسهم منه، والذباب
أضعف شيء، فلو سلط الله الذباب والبعوض على الناس ما استطاعوا أن يتخلصوا
منه، يقتلون منه ما يقتلون ثم يكثر عليهم ويغمرهم.
وقيل:
المعنى لو أن الذباب أخذ شيئًا مما على الصنم من الطيب والزينات التي
يجعلونها عليه، فإن الصنم لا يستطيع أن يسترد ما أخذه الذباب منه.
﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ والْمَطْلُوبُ﴾: ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ﴾: هو المشرك، ﴿والْمَطْلُوبُ﴾: هو الصنم، وقيل الذباب.
إذا
كان كذلك فكيف تُجعل هذه شركاء الله الخالق الرازق المحي المميت القوي
العزيز الذي لا يعجزه شيء، سبحانه وتعالى؟! أين العقول؟! وأين
الأفهام؟! نسأل الله العافية.
9- التوحيد في آية الكرسي:
آية الكرسي: ﴿اللَّهُ
لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو الحَيُّ القَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولاَ
نَومٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَواتِ ومَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي
يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ومَا
خَلْفَهُمْ ولاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ
وسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَواتِ والأَرْضَ ولاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وهُو
العَلِيُّ العَظِيمُ﴾: [البقرة: 255]
هذه
أعظم آية في كتاب الله عز وجل، تشتمل على ربوبية الله وعبادته وعلى أسماء
الله وصفاته، جمع الله فيها بين النفي والإثبات: نفي النقائص والعيوب
عنه، وإثبات الكمال له سبحانه وتعالى.
وفي أولها توحيد الألوهية: ﴿اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو﴾ أي: لا معبود بحق إلا هو. ثم ذكر توحيد الربوبية بقوله: ﴿الحَيُّ القَيُّومُ﴾ وهذا فيه إثبات الحياة والقيومية لله.
وقوله: ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولاَ نَومٌ﴾: هذا نفي، نفى الله عن نفسه النقص والعيب، من صفات النقص المنفية (النوم والسِّنة).
قوله: ﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَواتِ ومَا فِي الأَرْضِ﴾: هذا إثبات لربوبيته، فهو مالك السماوات والأرض ومن فيهن.
وقوله: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾: هذا نفي، نفى أن يشفع أحد عنده إلا بإذنه؛ وذلك لكمال عظمته سبحانه وتعالى. وأن أحدًا لا يجرؤ أن يشفع عنده إلا بعد إذنه.
قوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ومَا خَلْفَهُمْ﴾: هذا إثبات، فيه إثبات كمال العلم لله عز وجل، يعلم كل شيء: الماضي والحاضر والمستقبل، لا يخفى عليه شيء، علمه شامل محيط.
قوله: ﴿ولاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ﴾:
هذا نفي، نفى عن الخلق أن يعلموا شيئًا من علم الله، إلا بما أطلعهم الله
عليه، وإلا فإنهم لا يعلمون الغيب، لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه.
وقوله: ﴿وسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَواتِ والأَرْضَ﴾:
الكرسي مخلوق من مخلوقات الله، وهو مخلوق عظيم، السماوات والأرض بالنسبة
إليه كسبعة دراهم ألقيت في فلاة –وهي الصحراء الواسعة- أو في ترس –وهو صحن
كبير- ما تكون سبعة دراهم في فلاة أو في ترس؟! فكرسي الله جل وعلا
أكبر من السماوات والأرض، وهو غير العرش، والعرش أعظم من الكرسي.
وما الكرسي في العرش إلا كحلقة حديد ألقيت في أرض فلاة.
هذا الكرسي، فكيف بعرش الرحمن سبحانه وتعالى؟!
إذن
فالمخلوقات بالنسبة لله صغيرة جدًا وليست بشيء. وإذا كان مخلوق من
مخلوقات الله -وهو الكرسي- وسع السماوات والأرض وهو دون العرض، فالله جل
وعلا أعظم من كل شيء.
وقوله: ﴿ولاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾ أي: لا يشق عليه سبحانه ولا يثقله، ولا يكرثه حفظ السماوات والأرض، وحمايتهما من الفساد والتغير، وإمساكهما ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [الحج: 65]، ﴿رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ [الرعد: 2] ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَواتِ والأَرْضَ أَن تَزُولا..﴾ [فاطر: 41]
والله سبحانه ليس محتاجًا إلى السماوات والأرض، ولا إلى العرش، ولا إلى
الكرسي، وليس محتاجًا إلى المخلوقات، وإنما مخلوقاته هي المحتاجة إليه
سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿وهُو العَلِيُّ﴾ بذاته وقدره وقهره فوق عباده ﴿العَظِيمُ﴾ الجامع لصفات العظمة والكبرياء.
فهذه الآية اشتملت على أنواع التوحيد الثلاثة.
10- التوحيد في سورة الكافرون والإخلاص:
في القرآن الكريم سور اختصت بتوحيد الألوهية مثل: ﴿قُلْ
يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ. لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. ولاَ
أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. ولاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا
عَبَدتُّمْ. ولاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ
ولِيَ دِينِ﴾ هذه السورة مخصصة لتوحيد الألوهية، توحيد العبادة.
وسبب
نزولها هو: أن المشركين طلبوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعبدوا
ربه سنة، وهو يعبد آلهتهم سنة (5)(4) فأنزل الله هذه السورة في البراءة
من عبادة الأوثان وتخصيص الله جل وعلا بالعبادة.
وقوله: ﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ كرر هذه الجمل للتأكيد.
وقوله: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ ولِيَ دِينِ﴾ هذا من باب البراءة وتيئيس المشركين من هذا المطمع.
وفي القرآن أيضًا سورة خاصة بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، هي: سورة الإخلاص ﴿قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ. ولَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾،
فيها نفي وفيها إثبات، نفي النقائص عن الله، وإثبات صفات الكمال له سبحانه
وتعالى، كما في آية الكرسي. وهذه السورة خالصة في صفات الله عز وجل،
ولهذا جاء أن صحابيًا كان يكثر قراءة هذه السورة، فسئل عن ذلك؟ فقال:
إني أحبها؛ لأنها صفة الرحمن، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-
فقال: (أخبروه أن الله تعالى يحبه). (5)
11- أنواع التوحيد في سورة الزمر:
سورة
الزمر من أولها إلى آخرها تدور على التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحد
الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. وأنت إذا تأملت
السورة من أولها إلى آخرها وجدتها كذلك.
فقوله: ﴿تَنزِيلُ
الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ. إِنَّا أَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ
الدِّينَ. أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِصُ﴾ [الزمر: 1-3] وقوله: ﴿قُلْ
- الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ( السمع والبصر في القرآن الكريم ) العدد السابع والعشرين من المجلة ال..............بندية
- الروح والنــــــــــــــــفس في القرآن الكريم
- أسرار القرآن العددية العدد 7 في القرآن الكريم
- مثلث التوحيد و تحريف القرآن استكمالا لموضوع طاعة الرحمان اي سراب الخيال
- لفظ (الغيب) في القرآن الكريم ...
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى