- منتديات العماريةالمدير الفنى للمنتدى
- الجنس :
عدد المساهمات : 6535 نقاط التميز : 16186 تاريخ التسجيل : 18/04/2009 العمر : 35 الموقع : http://bit.ly/Llerty
عاش نبيلا .. ومات فقيرا .. إلا من المسرح
السبت 29 يناير - 16:59
حقي الشبلي تاريخ مضئ في سجل المسرح العراقي
مؤسس لحداثة التجربة المسرحية
كتابة : ظافر جلود
• نعش المسرح بيد الابناء
لن ابدا من الماضي البعيد بالتجوال في حياة واحد من الفنانين العرب الذين تبنوا فكرة زرع شجرة المسرح في ارض جرداء وظل يسقيها حتى توهجت واورقت وانبتت من ظلالها حكايات تكوين طبقات الصراع الدرامي شكلا ومضمونا ، انه الراحل الكبير حقي الشبلي ( 1913 – 1985 ) ، الذي قررت وانا استوحي جوانب مرحلة مبكرة بل تاسيس نهضة المسرح العراقي ان اقف عند السنوات الاخيرة التي عرفت بها استاذي واستاذ كل من امتهن المسرح ممثلا او مخرجا او مؤلفا في العراق ، على الرغم انني لم اكن تلميذا مباشرا لدي والدي الراحل حقي الشبلي بقدر ما تواترت السنين واصبحنا بحكم التبعية الثقافية والمهنية المسرحية جزءا من مخاض التجربة التي سعى اليها الشبلي بكل جوارحه.
تعرفت على الاستاذ حقي الشبلي اولا بعد الشغف الذي كان يدفعنا نحوه ليس لكونه علامة مشرقة في الجياة المسرحية بل لكونه الشخصية الاكثر تاثيرا في جيل تدرب في المسرح المدرسي الذي كان الشبلي يعده الخزين الدائم لتجديد روح المسرح من خلال المواهب المكتنزة لخصوصيات مسرح جاد واعمال مهمة كانت تمثل صراعا مستديما بين الاجيال ، لاسيما ان السشبلي كان قد عمل لسنوات طويلة مشرفا على هذا القطاع .
اما اللقاء المباشر معه فقد كان في معهد الفنون الجميلة / قسم المسرح ، وكنا حينذاك نقدم مسرحية ( اوديب ملكا ) تاليف سوفوكلس واخراج الفنان المصري مدرس مادة التمثيل والاخراج ممدوح عقل وبطولة جواد الشكرجي وميمون الخالدي واحلام عرب وحافظ العادلي ، وكنت حينها طالبا في المرحلة الاولى قسم التمثيل وفي الوقت نفسه نلعب ادوار ( الجوقة ) التي كانت توجج الصراع بين الابطال للوصول الى الثيمة او الختام لسقوط البطل التراجيدي وضمن قواعد سلوك الكتابة المسرحية عند الاغريق .
وتطورت علاقتي بالفنان الشبلي بعد هذا اللقاء المسرحي ، ربما لاني كنت اقدر كل مجهوداته الخلاقة في تاسيس وتحديث المسرح بالرغم من جفاء تلاميذه الاوائل والخروج من مظلته التي كانوا جميعا يتفيؤن بها ، وهذا الانشطار كان الشبلي ينظر اليه من زوايا مختلفة غير مكترث بما يجري امامه من تهويل وتصدير الافكارلانه بالذات يرى ان زرعه قد اثمر وان تفتت الفنانين الى اهواء ومذاهب فنية مختلفة نتيجة حتمية لتطور الزمن وهخا بدوره سيحمل المسرح الى افكار وبنى حديثة لاتغرب الواقع بل تستمد منه الفعل المنظور في الحياة الاجتماعية كانعكاس مرئي يرتبط بالاساس الى المحرك الحقيقي الذي ياتي من خارج اسوار المسرح ، انه بدون طلاء او تزيف بل الثورة على القيم البالية دون تجميل واستنهاض الهمم في التصدي لحالات الفلاتان السياسي والاجتماعي الذي كان يضرب في الثقافة والفن عموما .
إن غياب حقي الشبلي القسري عن الفعل المسرحي العراقي بعد سنوات الاحتراب السياسي بين الكتل والاحزاب والشخصيات مطلع الستينات من القرن الماضي وانزوائه بعيدا عن صومعة معبده المقدس ( المسرح ) لانه شعر بخيبة امل من جيل مهوس بالتغيرولو على حراب البنادق لانه كان يريد ان يسيس كل شئ لصالح الايدلوجيات السائدة التي ترى ان الفن وسيلة تبررلغايتهم ، وبما ان المسرح كان هو الاكثر تاثيرا بالناس في معركة وجودهم فقد شرعوا باغتيال جهود الشبلي الذي كان لا يتوافق معهم في تحريف المسرح من مهمته الانسانية الثقافية الى الدعائية .
فذهب الشبلي الى المسرح المدرسي وعمل سنوات كثيرة من عمره مع جيل كان يرى فيه نفسه ، وبعد تقاعده اتجه الى نقابة الفنانين العراقيين وعمل في امور ادارية اكثر منها مهنية ، فقد وضعه ظرفه الصحي وكبر سنه في مكان يدار بخيوط خفية تاتي وفق حاجة المرحلة الانية السائدة في العراق انذاك ، قليل الكلام ، قليل الفعل ، وواجهة لغسيل افعال السلطة القابضة على حياة الناس جميعا .
وحينما ودعنا الراحل الشبلي الى مثواه الاخير كان من يرفع جنازته تلاميذه النجباء في منظر رهيب وحزين تساقطت فيه دموع وفاء ابراهيم جلال ، يوسف العاني ، جعفر ألسعدي ، جاسم العبودي ، قاسم محمد ، سامي عبد الحميد ،اسعد عبد الرزاق ، جعفر علي ، بدري حسون فريد ، بهنام ميخائيل ، ومن جيل اخر ، محسن العزاوي ، صلاح القصب ، فاضل خليل ، طعمة التميمي ، فخري العقيدي ، فاضل القزاز ، عوني كرومي ، جواد الاسدي . عزيز عبد الصاحب ، كامل القيسي .
فاذا كان الاختلاف على الاسلوب والمعالجة بين الشبلي وتلاميذه فان ذوبانه قد تلاشى في وداع أب المسرح العراقي ومؤسس حداثته ونهضته التي جعلت منه واحدا من المسارح العربية الحديثة والمتطورة .
• قصة الشبلي والمسرح
حدث غير عادي في بغداد ، جورج ابيض وفرقته المسرحية ،كان ذلك في صباحات احد ايام سنة 1926 ، كانت صالة سينما الوطني قد ضجت بالحضور ، مئات من المشاهدين البغدادين غصت بهم القاعة فيما ينتظر المئات فرصة دورهم لمشاهدة مسرحية ( الملك اوديب ) ، كان هناك بين الممثلين صبي لا يتجاوز عمره عن ( 13 ) عاما الوحيد بينهم لهجته بغدادية ، ضعيف البنية ، سريع الحركة ، طافح بالامل والاشراق ، اسمه حقي الشبلي وقد اختاره ابيض ضمن اسرة المسرحية بعد ان اعجب بحماسته وقدرته على التمثيل ، فصحبه معاه في جولته الى البصرة حيث عرفه الناس ، واصبح من ذلك الوقت رمزا لفن التمثيل في العراق .
هذا التعلق دفع باساتذته بمدرسة ثانوية التفيض ببغداد بتحسين نطقه وتعليمه اصول التمثيل من خلال العروض المسرحية التي كانت تقدمها الثانوية للطلاب وعوائلهم ، كان الصبي حقي يتقدم الجميع فشارك بمسرحيات ، صلاح الدين الايوبي ، فتح الاندلس ، في سبيل التاج ، هارون الرشيد ، باشراف الاساتذة حسين الصافي ، رؤوف الكرخي ، فائق شاكر ، عبد الوهاب العاني ، والمقرئ محمود عبد الوهاب .
اندفع الطالب حقي الشبلي بعد ذلك وبتشجيع عدد من زملائه بالدعوة الى تشكيل فرقة مسرحية عراقية تحت اسم ( الفرقة التمثيلية الوطنية ) وقدموا طلبا الى وزارة الداخلية لاجازاتها عام ( 1927 ) ،وبذلك يكون الشبلي مؤسسا لاول فرقة مسرحية عراقية خالصة تبنت في اعمالها الدعوة الى تحقيق طموحات مسرح عراقي مستقل من تاثيرات بعض التيارات التي سادت في التجارب الصغيرة التي سبقت هذه الفرقة ، فقدمت مسرحيات مختلفة منها ، جزاء الشهامة ، في سبيل التاج ، يوليوس قيصر ، دموع بائسة ، وحيدة ، فقام بجولة واسعة شملت ألمدن الجنوبية وبعض من مدن وسط العراق حيث يقدر عدد المسرحيات التي قدمت من الفترة ( 1927_ 1934 ) اكثر من ( 120 ) مسرحية اجتماعية ووطنية وشعرية وشعبية واخرى مترجمة من الادب العالمي .
• فاطمة رشدي في بغداد
جاء الفنان عزيز عيد الى بغداد الذي كان يشرف على فرقة فاطمة رشدي للتمثيل عام ( 1929 ) وكانوا بحاجة الى ممثلين عراقيين ، وفي الواجهة طبعا كان حقي الشبلي ، لم يقتنع عيد في بداية الامر بهؤلاء المندفعين ، لكنه قرر ان يجتهد معهم فهو معروف عنه بامكانياته العالية في تدريب الممثل وقدرته على تفسير النص وتحليله وتحسين طريقة الاداء عند الممثل دون افعال او الايغال في الحركة ، لقد كانت فرصة رائعة للشبلي ان يتعرف اكثر على تقنيات الممثل وتقنيات العرض المسرحي ، فكان بارعا ومجسدا .
الى القاهرة
اقتنع الفنان عيد وفاطمة رشدي بموهبته ، فاتفق الطرفان على انضمام الشبلي رسميا للفرقة بعد ان سعت فاطمة رشدي وتوسطت عند الملك فيصل الاول شخصيا بالموافقة للسفر معها الى القاهرة لزيادة خبرته وتطوير موهبته وعلى حسابها الخاص ، وبالفعل غادر الشبلي بغداد باتجاه القاهرة ، سنة كاملة كان هناك محط اهتمام ورعاية الفنانة رشدي ، شاهد الجمهور المصري وراح يلتهم ترجمات الكتب وامهات كتب المسرح التي كانت مكتبات مصر تنفرد بها .
وفي عام 1930 عاد الشبلي الى بغداد من رحلته التعلمية فوجد ان فرقته قد انشطرت الى قسمين بعد ان تاثر المسرحيين الشباب بفرق عديدة زارت بغداد منها ، فرقة امين عطا الله المصرية ، فرقة أرطغرلبك التركية ، فرقة يوسف وهبي المصرية ، فحاول ان يجمع شتات فرقته فشكل مع الفنان محي الدين محمد موسى ( فرقة حقي الشبلي التمثيلية ) واضاف اليها نجوم التمثيل من مصر واقطار عربية اخرى من امثال ، بشاره واكيم ، عبد الحميد البدوي ، نور الدين المصري ، سرعان ما أصبحت اشهر فرقة ويعيد الاضواء اليها ويقدم المسرحيات بمصاحبة فرقة فاطمة رشدي التي جاءت الى العراق مرة ثانية في كافة المدن العراقية .
لقد دعمت الدولة كثيرا فرقة حقي الشبلي بعد ان وجدت فيه اخلاصه للمسرح اكثر مما يزج نفسه في اعمال تقلق الشارع السياسي وتثير الحسياسية المفطرة ، كما انه يملك كرازما قيادية ووعي بدور المسرح في الحياة الاجتماعية فهو لم يتخلى مطلقا عن تقديم الرموز التاريخية والوطنية التي لعبت دورا حيويا في التاريخ العربي والاسلامي ، لكنه في نهاية الامر لم يسيس الفن ، بل يجعل المتفرج شاهد على مايجري امامه وبالتالي فهو يدمجه مع الاحداث دون ان يؤثر عليه مباشرة او يجعله مطية لافكاره ، لقد كان مسرح حقي الشبلي في هذه الفترة مزيجا من اسلوب ابيض وفاطمة رشدي ويوسف وهبي بيك مع انه يميل ان يقدم الشخصية العراقية بكل عنفوانها وفعلها ، لذلك برز كظاهرة لفتت الانتباه اليه .
• منحة ملكية
في مطلع عام 1934 كان العراق يضع في اولوياته ارسال البعثات الدراسية العلمية لمختلف انواع العلوم الانسانية متجاهلا دراسة فن المسرح اكاديميا ، في حين كان الشبلي يتحين الفرص لكي يحصل على زمالة دراسية في الخارج ، وفي احدى العروض المسرحية التي كان يقدمها للجمهور في قاعة الثانوية المركزية ببغداد مسرحية باسم ( الحاكم بامر الله ) وكان من مشاهدي العرض رئيس الوزراء ياسين الهاشمي الذي اعجب بالمسرحية واشاد بموهبة الشبلي في تجسيد الدور ، فاستغل الشبلي المناسبة وطلب من الهاشمي مساعدته للحصول على بعثة دراسية ، فوعده خيرا ، وبالفعل طلب الهاشمي من وزير المعارف تخصيص زمالة للشبلي بمنحة ملكيةلدراسة فن المسرح في باريس لمدة اربع سنوات .
غادر بعدها بغداد سنة ( 1935 ) في اول بعثة تتخذ من المسرح منهجا علميا بشخصية حقي ألشبلي .
التحق الشبلي بدراسته بباريس وتتلمذ باشراف اساتذة متخصصين ، ونفتحت امامه سبل المعرفة والتدريب حتى حصل على الشهادة العليا في تخصص الاخراج والتمثيل ، وكان عليه ان يكون تلميذا نجيبا معطاء ، وهكذا نال الشبلي جائزته واصبح اول عراقي يدرس المسرح علميا .
• نظريات المسرح تطبيقيا
عاد الشبلي الى بغداد عام 1939 من باريس وكانت الحرب العالمية الثانية قد بدات نيرانها تلتهب الساحة الثقافية والفكرية وقد تركت تاثيراتها الواضحة على العراق اثر اعلان الباشا نوري السعيد رئيس الوزراء انذاك بالدخول بجانب الحلفاء ضد الالمان ، وكما تاثرت الساحة السياسية بهذا القرار بين رافض زج العراق الفتي بحرب كونية مدمرة ،فيما يرى البعض ان الالمان اقرب من الانكليز للعرب ، هذا السجال ترك اثره على المسرح فقد شتت الفرق وتفرق الفنانين بين هذه الكتل واغلقت المسارح وعاد المسرح الى المدارس كما بدأ ، لهذا قرر الشبلي ان يخطو باتجاه منهجة المسرح كعلم وذوق وهو المتسلح بالثقافة المسرحية التي تزود بها وخبرها من فرنسا ، كان معهد الموسيقى قد افتتح ببغداد عام نهاية 1936 بمبادرة من وزارة المعارف وكان يشرف عليه الشريف حيدر محي الدين ، ثم لحق فيه قسم الرسم واشرف عليه الفنان الكبير فائق حسن ، فيم افتتح بعد ذلك قسم النحت واشرف عليه الفنان جواد سليم ، لذلك ولكي يلتحق قسم التمثيل بالمعهد تقدم حقي الشبلي بمذكرة الى وزارة المعارف يقترح تاسيس قسم المسرح بالمعهد ،وفعلا تمت الموافقة وبدات الدراسة فعليا به عام 1940 وتحت اشراف
منقوووول للامانة
مؤسس لحداثة التجربة المسرحية
كتابة : ظافر جلود
• نعش المسرح بيد الابناء
لن ابدا من الماضي البعيد بالتجوال في حياة واحد من الفنانين العرب الذين تبنوا فكرة زرع شجرة المسرح في ارض جرداء وظل يسقيها حتى توهجت واورقت وانبتت من ظلالها حكايات تكوين طبقات الصراع الدرامي شكلا ومضمونا ، انه الراحل الكبير حقي الشبلي ( 1913 – 1985 ) ، الذي قررت وانا استوحي جوانب مرحلة مبكرة بل تاسيس نهضة المسرح العراقي ان اقف عند السنوات الاخيرة التي عرفت بها استاذي واستاذ كل من امتهن المسرح ممثلا او مخرجا او مؤلفا في العراق ، على الرغم انني لم اكن تلميذا مباشرا لدي والدي الراحل حقي الشبلي بقدر ما تواترت السنين واصبحنا بحكم التبعية الثقافية والمهنية المسرحية جزءا من مخاض التجربة التي سعى اليها الشبلي بكل جوارحه.
تعرفت على الاستاذ حقي الشبلي اولا بعد الشغف الذي كان يدفعنا نحوه ليس لكونه علامة مشرقة في الجياة المسرحية بل لكونه الشخصية الاكثر تاثيرا في جيل تدرب في المسرح المدرسي الذي كان الشبلي يعده الخزين الدائم لتجديد روح المسرح من خلال المواهب المكتنزة لخصوصيات مسرح جاد واعمال مهمة كانت تمثل صراعا مستديما بين الاجيال ، لاسيما ان السشبلي كان قد عمل لسنوات طويلة مشرفا على هذا القطاع .
اما اللقاء المباشر معه فقد كان في معهد الفنون الجميلة / قسم المسرح ، وكنا حينذاك نقدم مسرحية ( اوديب ملكا ) تاليف سوفوكلس واخراج الفنان المصري مدرس مادة التمثيل والاخراج ممدوح عقل وبطولة جواد الشكرجي وميمون الخالدي واحلام عرب وحافظ العادلي ، وكنت حينها طالبا في المرحلة الاولى قسم التمثيل وفي الوقت نفسه نلعب ادوار ( الجوقة ) التي كانت توجج الصراع بين الابطال للوصول الى الثيمة او الختام لسقوط البطل التراجيدي وضمن قواعد سلوك الكتابة المسرحية عند الاغريق .
وتطورت علاقتي بالفنان الشبلي بعد هذا اللقاء المسرحي ، ربما لاني كنت اقدر كل مجهوداته الخلاقة في تاسيس وتحديث المسرح بالرغم من جفاء تلاميذه الاوائل والخروج من مظلته التي كانوا جميعا يتفيؤن بها ، وهذا الانشطار كان الشبلي ينظر اليه من زوايا مختلفة غير مكترث بما يجري امامه من تهويل وتصدير الافكارلانه بالذات يرى ان زرعه قد اثمر وان تفتت الفنانين الى اهواء ومذاهب فنية مختلفة نتيجة حتمية لتطور الزمن وهخا بدوره سيحمل المسرح الى افكار وبنى حديثة لاتغرب الواقع بل تستمد منه الفعل المنظور في الحياة الاجتماعية كانعكاس مرئي يرتبط بالاساس الى المحرك الحقيقي الذي ياتي من خارج اسوار المسرح ، انه بدون طلاء او تزيف بل الثورة على القيم البالية دون تجميل واستنهاض الهمم في التصدي لحالات الفلاتان السياسي والاجتماعي الذي كان يضرب في الثقافة والفن عموما .
إن غياب حقي الشبلي القسري عن الفعل المسرحي العراقي بعد سنوات الاحتراب السياسي بين الكتل والاحزاب والشخصيات مطلع الستينات من القرن الماضي وانزوائه بعيدا عن صومعة معبده المقدس ( المسرح ) لانه شعر بخيبة امل من جيل مهوس بالتغيرولو على حراب البنادق لانه كان يريد ان يسيس كل شئ لصالح الايدلوجيات السائدة التي ترى ان الفن وسيلة تبررلغايتهم ، وبما ان المسرح كان هو الاكثر تاثيرا بالناس في معركة وجودهم فقد شرعوا باغتيال جهود الشبلي الذي كان لا يتوافق معهم في تحريف المسرح من مهمته الانسانية الثقافية الى الدعائية .
فذهب الشبلي الى المسرح المدرسي وعمل سنوات كثيرة من عمره مع جيل كان يرى فيه نفسه ، وبعد تقاعده اتجه الى نقابة الفنانين العراقيين وعمل في امور ادارية اكثر منها مهنية ، فقد وضعه ظرفه الصحي وكبر سنه في مكان يدار بخيوط خفية تاتي وفق حاجة المرحلة الانية السائدة في العراق انذاك ، قليل الكلام ، قليل الفعل ، وواجهة لغسيل افعال السلطة القابضة على حياة الناس جميعا .
وحينما ودعنا الراحل الشبلي الى مثواه الاخير كان من يرفع جنازته تلاميذه النجباء في منظر رهيب وحزين تساقطت فيه دموع وفاء ابراهيم جلال ، يوسف العاني ، جعفر ألسعدي ، جاسم العبودي ، قاسم محمد ، سامي عبد الحميد ،اسعد عبد الرزاق ، جعفر علي ، بدري حسون فريد ، بهنام ميخائيل ، ومن جيل اخر ، محسن العزاوي ، صلاح القصب ، فاضل خليل ، طعمة التميمي ، فخري العقيدي ، فاضل القزاز ، عوني كرومي ، جواد الاسدي . عزيز عبد الصاحب ، كامل القيسي .
فاذا كان الاختلاف على الاسلوب والمعالجة بين الشبلي وتلاميذه فان ذوبانه قد تلاشى في وداع أب المسرح العراقي ومؤسس حداثته ونهضته التي جعلت منه واحدا من المسارح العربية الحديثة والمتطورة .
• قصة الشبلي والمسرح
حدث غير عادي في بغداد ، جورج ابيض وفرقته المسرحية ،كان ذلك في صباحات احد ايام سنة 1926 ، كانت صالة سينما الوطني قد ضجت بالحضور ، مئات من المشاهدين البغدادين غصت بهم القاعة فيما ينتظر المئات فرصة دورهم لمشاهدة مسرحية ( الملك اوديب ) ، كان هناك بين الممثلين صبي لا يتجاوز عمره عن ( 13 ) عاما الوحيد بينهم لهجته بغدادية ، ضعيف البنية ، سريع الحركة ، طافح بالامل والاشراق ، اسمه حقي الشبلي وقد اختاره ابيض ضمن اسرة المسرحية بعد ان اعجب بحماسته وقدرته على التمثيل ، فصحبه معاه في جولته الى البصرة حيث عرفه الناس ، واصبح من ذلك الوقت رمزا لفن التمثيل في العراق .
هذا التعلق دفع باساتذته بمدرسة ثانوية التفيض ببغداد بتحسين نطقه وتعليمه اصول التمثيل من خلال العروض المسرحية التي كانت تقدمها الثانوية للطلاب وعوائلهم ، كان الصبي حقي يتقدم الجميع فشارك بمسرحيات ، صلاح الدين الايوبي ، فتح الاندلس ، في سبيل التاج ، هارون الرشيد ، باشراف الاساتذة حسين الصافي ، رؤوف الكرخي ، فائق شاكر ، عبد الوهاب العاني ، والمقرئ محمود عبد الوهاب .
اندفع الطالب حقي الشبلي بعد ذلك وبتشجيع عدد من زملائه بالدعوة الى تشكيل فرقة مسرحية عراقية تحت اسم ( الفرقة التمثيلية الوطنية ) وقدموا طلبا الى وزارة الداخلية لاجازاتها عام ( 1927 ) ،وبذلك يكون الشبلي مؤسسا لاول فرقة مسرحية عراقية خالصة تبنت في اعمالها الدعوة الى تحقيق طموحات مسرح عراقي مستقل من تاثيرات بعض التيارات التي سادت في التجارب الصغيرة التي سبقت هذه الفرقة ، فقدمت مسرحيات مختلفة منها ، جزاء الشهامة ، في سبيل التاج ، يوليوس قيصر ، دموع بائسة ، وحيدة ، فقام بجولة واسعة شملت ألمدن الجنوبية وبعض من مدن وسط العراق حيث يقدر عدد المسرحيات التي قدمت من الفترة ( 1927_ 1934 ) اكثر من ( 120 ) مسرحية اجتماعية ووطنية وشعرية وشعبية واخرى مترجمة من الادب العالمي .
• فاطمة رشدي في بغداد
جاء الفنان عزيز عيد الى بغداد الذي كان يشرف على فرقة فاطمة رشدي للتمثيل عام ( 1929 ) وكانوا بحاجة الى ممثلين عراقيين ، وفي الواجهة طبعا كان حقي الشبلي ، لم يقتنع عيد في بداية الامر بهؤلاء المندفعين ، لكنه قرر ان يجتهد معهم فهو معروف عنه بامكانياته العالية في تدريب الممثل وقدرته على تفسير النص وتحليله وتحسين طريقة الاداء عند الممثل دون افعال او الايغال في الحركة ، لقد كانت فرصة رائعة للشبلي ان يتعرف اكثر على تقنيات الممثل وتقنيات العرض المسرحي ، فكان بارعا ومجسدا .
الى القاهرة
اقتنع الفنان عيد وفاطمة رشدي بموهبته ، فاتفق الطرفان على انضمام الشبلي رسميا للفرقة بعد ان سعت فاطمة رشدي وتوسطت عند الملك فيصل الاول شخصيا بالموافقة للسفر معها الى القاهرة لزيادة خبرته وتطوير موهبته وعلى حسابها الخاص ، وبالفعل غادر الشبلي بغداد باتجاه القاهرة ، سنة كاملة كان هناك محط اهتمام ورعاية الفنانة رشدي ، شاهد الجمهور المصري وراح يلتهم ترجمات الكتب وامهات كتب المسرح التي كانت مكتبات مصر تنفرد بها .
وفي عام 1930 عاد الشبلي الى بغداد من رحلته التعلمية فوجد ان فرقته قد انشطرت الى قسمين بعد ان تاثر المسرحيين الشباب بفرق عديدة زارت بغداد منها ، فرقة امين عطا الله المصرية ، فرقة أرطغرلبك التركية ، فرقة يوسف وهبي المصرية ، فحاول ان يجمع شتات فرقته فشكل مع الفنان محي الدين محمد موسى ( فرقة حقي الشبلي التمثيلية ) واضاف اليها نجوم التمثيل من مصر واقطار عربية اخرى من امثال ، بشاره واكيم ، عبد الحميد البدوي ، نور الدين المصري ، سرعان ما أصبحت اشهر فرقة ويعيد الاضواء اليها ويقدم المسرحيات بمصاحبة فرقة فاطمة رشدي التي جاءت الى العراق مرة ثانية في كافة المدن العراقية .
لقد دعمت الدولة كثيرا فرقة حقي الشبلي بعد ان وجدت فيه اخلاصه للمسرح اكثر مما يزج نفسه في اعمال تقلق الشارع السياسي وتثير الحسياسية المفطرة ، كما انه يملك كرازما قيادية ووعي بدور المسرح في الحياة الاجتماعية فهو لم يتخلى مطلقا عن تقديم الرموز التاريخية والوطنية التي لعبت دورا حيويا في التاريخ العربي والاسلامي ، لكنه في نهاية الامر لم يسيس الفن ، بل يجعل المتفرج شاهد على مايجري امامه وبالتالي فهو يدمجه مع الاحداث دون ان يؤثر عليه مباشرة او يجعله مطية لافكاره ، لقد كان مسرح حقي الشبلي في هذه الفترة مزيجا من اسلوب ابيض وفاطمة رشدي ويوسف وهبي بيك مع انه يميل ان يقدم الشخصية العراقية بكل عنفوانها وفعلها ، لذلك برز كظاهرة لفتت الانتباه اليه .
• منحة ملكية
في مطلع عام 1934 كان العراق يضع في اولوياته ارسال البعثات الدراسية العلمية لمختلف انواع العلوم الانسانية متجاهلا دراسة فن المسرح اكاديميا ، في حين كان الشبلي يتحين الفرص لكي يحصل على زمالة دراسية في الخارج ، وفي احدى العروض المسرحية التي كان يقدمها للجمهور في قاعة الثانوية المركزية ببغداد مسرحية باسم ( الحاكم بامر الله ) وكان من مشاهدي العرض رئيس الوزراء ياسين الهاشمي الذي اعجب بالمسرحية واشاد بموهبة الشبلي في تجسيد الدور ، فاستغل الشبلي المناسبة وطلب من الهاشمي مساعدته للحصول على بعثة دراسية ، فوعده خيرا ، وبالفعل طلب الهاشمي من وزير المعارف تخصيص زمالة للشبلي بمنحة ملكيةلدراسة فن المسرح في باريس لمدة اربع سنوات .
غادر بعدها بغداد سنة ( 1935 ) في اول بعثة تتخذ من المسرح منهجا علميا بشخصية حقي ألشبلي .
التحق الشبلي بدراسته بباريس وتتلمذ باشراف اساتذة متخصصين ، ونفتحت امامه سبل المعرفة والتدريب حتى حصل على الشهادة العليا في تخصص الاخراج والتمثيل ، وكان عليه ان يكون تلميذا نجيبا معطاء ، وهكذا نال الشبلي جائزته واصبح اول عراقي يدرس المسرح علميا .
• نظريات المسرح تطبيقيا
عاد الشبلي الى بغداد عام 1939 من باريس وكانت الحرب العالمية الثانية قد بدات نيرانها تلتهب الساحة الثقافية والفكرية وقد تركت تاثيراتها الواضحة على العراق اثر اعلان الباشا نوري السعيد رئيس الوزراء انذاك بالدخول بجانب الحلفاء ضد الالمان ، وكما تاثرت الساحة السياسية بهذا القرار بين رافض زج العراق الفتي بحرب كونية مدمرة ،فيما يرى البعض ان الالمان اقرب من الانكليز للعرب ، هذا السجال ترك اثره على المسرح فقد شتت الفرق وتفرق الفنانين بين هذه الكتل واغلقت المسارح وعاد المسرح الى المدارس كما بدأ ، لهذا قرر الشبلي ان يخطو باتجاه منهجة المسرح كعلم وذوق وهو المتسلح بالثقافة المسرحية التي تزود بها وخبرها من فرنسا ، كان معهد الموسيقى قد افتتح ببغداد عام نهاية 1936 بمبادرة من وزارة المعارف وكان يشرف عليه الشريف حيدر محي الدين ، ثم لحق فيه قسم الرسم واشرف عليه الفنان الكبير فائق حسن ، فيم افتتح بعد ذلك قسم النحت واشرف عليه الفنان جواد سليم ، لذلك ولكي يلتحق قسم التمثيل بالمعهد تقدم حقي الشبلي بمذكرة الى وزارة المعارف يقترح تاسيس قسم المسرح بالمعهد ،وفعلا تمت الموافقة وبدات الدراسة فعليا به عام 1940 وتحت اشراف
منقوووول للامانة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى