إذا لم تستطع أن تبني زواجاً ناجحا فيمكنك أن تصنع طلاقا سعيدا

إذا لم تستطع أن تبني زواجاً ناجحا فيمكنك أن تصنع طلاقا سعيدا

الاقتصادية

د. سعيد بن على العضاضي

تبدأ العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة يحدوهما الأمل في مستقبل واعد،
والإفادة من هذه الشراكة على مبدأ أنت تربح وأنا أربح. الزواج مشروع يتعرض
لجميع الاحتمالات، فيمكن أن ينجح، وقد تتعثر بعض الزيجات في مراحل مختلفة
من الحياة الزوجية، ولكنها ما تلبث أن تستقر وتعود الأمور إلى وضعها
الطبيعي، إلا أن بعضها قد يشتد وتصبح الحياة شاقة فيضطران إلى الانفصال
وإعلان الطلاق.

عندما تستقر الحياة الزوجية وتبدأ ملامح نجاحها تظهر، فإن كلا الزوجين
يُخرج للناس أطيب ما في صاحبه، ويذب عن عيوبه، ويبرز محاسنه، ولا يقبل أن
ينتقص أحد منه. أما إذا لم يجد في شريكة مبتغاه، ولم يتفق وهواه، ويتيقن أن
حظه عاثر، وأن هذا الذي ربط حياته معه لم يكن كما يريد، الدلائل تقول
إنهما يجب أن يفترقا. عندها يبدأ كلا الطرفين ينتقص من صاحبه، ويظهر ما
خفي، ويكشف المستور، ويضخم العيوب، ويختلق الأكاذيب. وقد يستعين بمن يسانده
من أقاربه وأصدقائه، ويستثمر كل ما لديه لقمع من كان بالأمس رفيق دربه.

ما ضر عندما تسوء العلاقة بين الزوجين ويظنان ألا تصافيا، لو أقدم أحدهما
ــــــــــ وأحسبه الرجل ـــــــــ بدعوة شريكه إلى كلمة سواء، يتفقان على
مخرج لهذه الرابطة وفض لتلك الشركة، ويناقشان كل الأمور، ويطرحان أدق
التفاصيل المتعلقة بنتاج هذا الزواج من النفقة وحضانة الأبناء وغيرها، ثم
يفترقان في هدوء؟! فلعل الله يغني كلا من فضله. والرجل هو الذي يجب أن يمهد
لطلاق سعيد إذا عجزا عن بناء زواج ناجح، فهو الذي وضع يده بيد الولي أثناء
كتابة عقد النكاح، وتلا على مسامع الشهود قوله تعالى "فإمساك بمعروف أو
تسريح بإحسان". وقد فعلها الدكتور أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل في
العلوم عندما ساءت علاقته بزوجته الأولى وقررا الانفصال، فلم ينتقص منها بل
أزجل لها المديح مدرارا، وما فتئ يذكر مروءتها، وبيّن أن سبب الطلاق لم
يكن عيبا خًلقيا، أو أخُلاقيا، بل اختلاف ثقافي. وقد كان بوسعه أن يكسب
معركة ما بعد الطلاق، ويصور طليقته بأبشع صورة، وسيصدقه الناس، فالمنبر له
وحده، ولكنه لم يفعل، بل تصرف تصرف الرجال الأفذاذ ـــــــــــ والعظماء
كذلك يفعلون.

ما يحدث في مجتمعنا يتنافى مع كل هذه القيم، فبعد الطلاق تبدأ معركة ما بعد
الطلاق، وعادة ما تكون ضحيتها المرأة لأنه يسهل القصاص منها، وقد يُستخدم
أطفالها كوسيلة ضغط، يداسون بالأقدام فيتذوقون الذل منذ الطفولة. وهذا
الكلام ليس من نسج الخيال، فوسائل الإعلام تنقل لنا بعض ما يحدث في مجتمعنا
من بطولات الرجال في قمع وإهانة طليقاتهم، عندما ُيستثمر الفهم الخاطئ
للدين لقمعها وإهانتها وتجريدها من كل شيء. وهنا تستوقفني قصة المرأة
السعودية التي أطلت علينا بصورتها في صحيفة عكاظ نهاية الأسبوع الماضي
والبؤس يشع من عينيها. فقد تسلط عليها طليقها بعد أن قضى منها وطرا فطردها
من منزلها ذليلة صاغرة فعادت من حيث أتت مهانة الكرامة، مكسورة القلب،
مقطوعة الجناح، مسلوبة من كل شيء حتى من الأوراق التي تثبت إنسانيتها،
فاضطرت أن تعمل خادمة بمبلغ 800 ريال لتعول أطفالها، لا لشيء إلا أن الحياة
بينهما أصبحت مريرة فكان الحل الوحيد هو الطلاق. والسؤال: طالما أن الطلاق
كان المخرج الوحيد لعلاقة زوجية بائسة، فلماذا يتبعه الإذلال والانتقام؟
ترى ماذا ستفعل هذه المرأة كي تسد رمقها، وتطعم أطفالها، وتحفظ إنسانيتها
في مجتمع ينظر إلى معاناتها في صمت فلا تدمع له عين، ولا تثور له عاطفة،
ولا تتحرك في نفسه مروءة؟! أين الآباء؟ أين الجهات ذات العلاقة؟ أين جمعية
حقوق الإنسان؟ أين وزارة الشؤون الاجتماعية؟ أين الذين ينعقون في الفضائيات
حتى ملت آذاننا من سماع المثاليات عن حقوق المرأة في الإسلام؟

إن ترك المطلقات بين انتقام الزوج، وسخط الأهل، وريبة المجتمع، لظلم عظيم.
وأرى أن الجهة التي يقع عليها الدور الأكبر في حياة ما بعد الطلاق هي وزارة
الشؤون الاجتماعية، التي لم تؤد دورها كما يجب. فمنسوبوها جاثمون في
مكاتبهم الفارهة ينتظرون حتى تأتي المطلقة تتسول حقها، أو يُفتضح أمرها
وتُروى قصتها في وسائل الإعلام. عندها ينفضون الغبار عن سجلاتهم، ويتصلون
بالصحيفة، وتراهم يعملون في تثاقل ببيروقراطيتهم المعهودة. أما الرجل
المٌطَلِق، فأقول له إذا لم تخف الله فلن يخيفك أحد، لأن كل الظروف تعمل
لصالحك، وكل الجهات تلبي طلبك، من الأحوال المدنية، مرورا بالمحكمة، حتى
مكتب التطعيمات في وزارة الصحة لا يعترف إلا بك. وإنني أتساءل: كيف تجرؤ
على طرد طليقتك التي كانت بالأمس زوجك، والله سبحانه وتعالى يقول "ولا
تخرجوهن من بيوتهن" وترغمها على شروطك لمجرد حياة زوجية فاشلة لم تخترها
ولم تسع إلى نهايتها، وكنت أنت أحد أطرافها؟ كيف تفعل كل هذا وقد أفضى
بعضكم إلى بعض؟ ألم تسمع قول الحق تبارك وتعالى "ولا تنسوا الفضل بينكم"؟
ألم تعلم أن الرسول ـــــــــــــ صلى الله عليه وسلم ــــــــــــــ كانت
آخر وصيته لأمته "استوصوا بالنساء خيرا"؟ وكأنه يرى صنيعك، وقلة مروءتك،
وعظمة لؤمك. وإذا كنت في ريب من كل هذا، فإنني أختم بمقولة للدكتور"فِل"
صاحب البرنامج الاجتماعي الأمريكي الشهير، عندما قال لزوج مثلك أساء صنع
نهاية موفقة مع رفيقة دربه، ودخل غمار معركة ما بعد الطلاق، فقال "إذا لم
تستطع أن تبني زواجا ناجحا فيمكنك أن تصنع طلاقا سعيداً".

أستاذ إدارة الأعمال المساعد - جامعة الملك خالد

منقول للفائدة

مشكور اخي موضوع رائع [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

إذا لم تستطع أن تبني زواجاً ناجحا فيمكنك أن تصنع طلاقا سعيدا

إذا لم تستطع أن تبني زواجاً ناجحا فيمكنك أن تصنع طلاقا سعيدا

رد: إذا لم تستطع أن تبني زواجاً ناجحا فيمكنك أن تصنع طلاقا سعيدا