.
ب


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مبعوثة الشروق إلى تلمسان: نائلة

عندما
زار سفير الولايات المتحدة الأمريكية السابق في الجزائر روبرت فورد،
مغارة "بني عاد" الواقعة في تراب ولاية تلمسان، اندهش لوجود " تمثال
الحرية" رمز مدينة نيويورك في إحدى الزوايا، وظل يتأمل التمثال الحجري
الذي يعود إلى عدة قرون، أنا أيضا رأيت هذا التمثال، ورأيت عدة تماثيل
أخرى منها ما يجسد الفيلسوف اليوناني سقراط، وقصر الملك وقاعة الجلسات،
وصورا لحيوانات منها قطط، فيلة، جمال، أسود وطيور، خاصة الصقور التي تعرف
بأنها طيور الملوك وتعود إلى قرون سابقة.



  • المغارة
    ليست عادية، لكنها أجمل بكثير من مغارة علي بابا واللصوص الأربعين التي
    كنا نقرأ عنها في الكتب ونحن أطفال، لأنها تحفة تاريخية غنية وفي كل
    زاوية فيها حكاية عن حقبة من التاريخ القديم. زرت المغارة في يوم شتوي
    خلال تنقلي إلى ولاية تلمسان؛ يوم تساقطت فيه الثلوج بشكل رهيب، وكان
    البرد قاسيا، لكن داخل المغارة، كانت ثمة برودة لذيذة منعشة. ولفت
    انتباهي في الداخل تساقط قطرات ماء من الأعلى لتصنع موسيقى جميلة هادئة،
    وتضفي جوا رومنسيا داخل الكهف الذي يشبه مشاهد الأفلام التاريخية التي
    كان يتحصن فيها الجنود الرومان، إضافة إلى النور الخافت المنبعث من بعض
    المصابيح الأرضية المحدودة المنتشرة في بعض الأرضيات. أسراب الحمام كانت
    تغزو المكان، ويتردد أن الحمام يتمركز في الأماكن الآمنة، ما بعث
    الطمأنينة في نفسي، خاصة وأني عادة أكره المناطق المغلقة والكهوف
    والأنفاق و»الكازمات«.
  • في المدخل، وجدنا الدليل الذي حرص على مرافقتنا
    وكان يشرح بلغة عربية تميل الى اللهجة الشرقية، علمنا لاحقا أنه كان كثير
    الاحتكاك بالسياح من الشرق الأوسط خاصة من سورية ولبنان، إضافة إلى
    الأوروبيين الذين يتوافدون على المغارة طيلة أشهر السنة.
  • نزلنا أسفل مغارة "بني عاد" عبر سلالم حجرية،
    ونبهنا الدليل إلى السير بحذر، لوجود طلاء جديد، حيث أمر والي تلمسان
    بتسييج ممر الراجلين لمنع إتلاف الأحجار والكتابة عليها وتخريبها، بعد أن
    كانت محاطة بحزام حديدي كان يتسلل منه الزوار. ولاحظنا وجود كتابات على
    بعض الأحجار مثل »فلان يحب فلانة« متبوعة برسم قلب أو »فلان من عين طاية«
    وآخر من تيزي وزو. واللافت أن أغلب الكتابات كانت خلال فترة الصيف، ما
    يعكس لجوء المصطافين إلى زيارة المغارة عند التخييم.
  • قطعنا مسافة قصيرة، ولفت الدليل انتباهي إلى كهف صغير مشيرا إلى أنه
    مركز مخصص للحراسة في تلك الحقبة التاريخية، قبل الولوج الى القاعة الكبرى
    حيث الصواعد الكلسية. في أعلى السطح، يمكن أن تسبح مخيلة الزائر في عدة
    أشياء، هناك واحات من النخيل، وفي المقابل مساحات ثلجية حسب نوعية
    الحيوانات، المكان مليء بالتناقضات لكن كل زاوية فيه تؤرخ لمرحلة من
    التاريخ القديم.
  • القسم الأول من المغارة الكبرى ـ حسب الدليل ـ طوله 150 كلم، لكن ما
    استوقفني هو النفق الذي يمتد إلى مغارة »الحوريات« في سيدي يحيى على حدود
    مدينة وجدة، مرورا بنفق بومعزة في سبدو جنوب تلمسان، حيث لاحظنا مساحة
    ترابية ضخمة وركاما. وأوضح دليلنا أن قوات الاحتلال الفرنسي قامت بتفجير
    هذا النفق الذي كان ممرا للمجاهدين إبان الثورة التحريرية المباركة، لتهريب
    الأسلحة حيث تم غلق النفق بحوالي 60 مترا مكعبا من الإسمنت المسلح. ولفت
    الدليل انتباهنا إلى عدم إمكانية فتح النفق من جديد لأن ذلك يلحق أضرارا
    بالكهف.
  • على بعد أمتار، تسلل الدليل من ممر الراجلين إلى جدار صخري أبيض يميل
    إلى لون الرخام، قام بالدق عليه باستعمال قضيب خشبي وكانت المفاجأة بسماع
    صوت موسيقى إفريقية عريقة.
  • رحلة الاستكشاف لم تتوقف ولم نشعر بمرور الوقت، وقفنا بعدها عند »قاعة
    السيوف«، وأوضح الدليل أنها استمدت اسمها من العدد الكبير لـ»النوازل«
    التي تشبه السيوف العربية البيضاء التي تبدو من الأعلى كأنها موجهة إلينا.
    وانتهت الزيارة عند تماثيل الحيوانات الصخرية، لمستها فوجدتها باردة،
    وكان الجو كذلك في الخارج. غادرنا المغارة التي تقع في منطقة كانت معقلا
    للإرهاب في سنوات سابقة، ليستعيد الكهف معالم الحياة بعد تجنيد أفراد
    الدرك وأعوان الحرس البلدي لحراسته في ظل توافد العديد من الزوار على
    المكان من باحثين، طلبة، سياح أجانب، تلاميذ المدارس وأيضا الفضوليين
    مثلنا...