ماهو مسجد الضرار؟؟؟  Www.hh50.com-Images-Islam-0733


قصة مسجد الضرار وردت في القرآن الكريم ، في سورة التوبة ، الآية/107-108 ،
حيث يقول الله تعالى : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا
وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ
حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا
إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لَا
تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ
يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ
يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ )
وتفاصيل القصة وردت في كتب التفسير المسندة من طريق علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس – كما في تفسير ابن أبي حاتم (رقم/10060) بسند صحيح ، ومن طرق
صحيحة أخرى إلى جماعة من التابعين ، ولما كان أصل تفسير القصة ثابتا عن ابن
عباس رضي الله عنهما بالسند الصحيح ، كان ذلك كافيا في توضيح الحادثة ،
والآثار الأخرى الواردة عن تلاميذ ابن عباس من التابعين وغيرهم تزيد القصة
وضوحا وبيانا .
وقد جمع الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية جمعا حسنا ومرتبا يغني عن التطويل في النقل عن الكتب والتحقيق فيها .
قال رحمه الله :
" سبب نزول هذه الآيات الكريمات : أنه كان بالمدينة قبل مَقدَم رسول الله
صلى الله عليه وسلم إليها رجل من الخزرج يقال له : " أبو عامر الراهبُ " ،
وكان قد تَنَصَّر في الجاهلية وقرأ علْم أهل الكتاب ، وكان فيه عبادة في
الجاهلية ، وله شرف في الخزرج كبير ، فلما قَدم رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم مهاجرًا إلى المدينة ، واجتمع المسلمون عليه ، وصارت للإسلام كلمة
عالية ، وأظهرهم الله يوم بدر ، شَرِق اللعين أبو عامر بريقه ، وبارز
بالعداوة ، وظاهر بها ، وخرج فارًّا إلى كفار مكة من مشركي قريش ،
فألَّبهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاجتمعوا بمن وافقهم من
أحياء العرب ، وقدموا عام أحد ، فكان من أمر المسلمين ما كان ، وامتحنهم
الله ، وكانت العاقبة للمتقين .
وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين ، فوقع في إحداهن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، وأصيب ذلك اليوم ، فجرح في وجهه ، وكُسِرت
ربَاعِيتُه اليمنى السفلى ، وشُجَّ رأسه ، صلوات الله وسلامه عليه . وتقدم
أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار ، فخاطبهم واستمالهم إلى
نصره وموافقته ، فلما عرفوا كلامه قالوا : لا أنعم الله بك عينا يا فاسق
يا عدو الله ، ونالوا منه وسبُّوه . فرجع وهو يقول : والله لقد أصاب قومي
بعدي شَر .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى الله قبل فراره ، وقرأ
عليه من القرآن ، فأبى أن يسلم وتمرَّد ، فدعا عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يموت بعيدًا طريدًا ، فنالته هذه الدعوة .
وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد ، ورأى أمرَ الرسول صلوات الله وسلامه
عليه في ارتفاع وظهور ، ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلى الله
عليه وسلم ، فوعده ومَنَّاه ، وأقام عنده ، وكتب إلى جماعة من قومه من
الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويُمنَّيهم أنه سيقدمُ بجيش يقاتل به
رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه ، وأمرهم أن يتخذوا
له مَعقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كُتُبه ، ويكونَ مرصدًا
له إذا قدم عليهم بعد ذلك ، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء ، فبنوه
وأحكموه ، وفرغوا منه قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ،
وجاءوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في
مسجدهم ، ليحتجوا بصلاته عليه السلام فيه على تقريره وإثباته ، وذكروا
أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية ، فعصمه الله من
الصلاة فيه فقال : ( إنا على سفر ، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله ) ، فلما
قفل عليه السلام راجعًا إلى المدينة من تبوك ، ولم يبق بينه وبينها إلا
يوم أو بعض يوم ، نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضِّرار ، وما اعتمده بانوه
من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أسس من
أول يوم على التقوى ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد
من هَدَمه قبل مقدمه المدينة .
كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا
مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وهم
أناس من الأنصار ، ابتنوا مسجدًا ، فقال لهم أبو عامر : ابنوا مسجدًا
واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح ، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ،
فآتي بجند من الروم وأخرج محمدًا وأصحابه . فلما فرغوا من مسجدهم أتوا
النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : قد فرغنا من بناء مسجدنا ، فنحب أن
تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة . فأنزل الله عز وجل : ( لا تَقُمْ فِيهِ
أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ) إلى (
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )
وكذا رُوي عن سعيد بن جُبير ، ومجاهد ، وعروة بن الزبير ، وقتادة ، وغير واحد من العلماء .
وقال محمد بن إسحاق بن يَسَار ، عن الزهري ، ويزيد بن رومان ، وعبد الله بن أبي بكر ،
وعاصم بن عُمَر بن قتادة ، وغيرهم ، قالوا :
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني من تبوك - حتى نزل بذي أوان -
بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار - وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا
أتوه وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد بنينا مسجدًا
لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن تأتينا
فتصلي لنا فيه . فقال : ( إني على جناح سَفر وحال شُغل - أو كما قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم - ولو قد قدمنا إن شاء الله تعالى أتيناكم فصلينا
لكم فيه ) ، فلما نزل بذي أوان أتاه خبرُ المسجد ، فدعا رسول الله صلى
الله عليه وسلم مالك بن الدُّخْشُم أخا بني سالم بن عوف ، ومعن بن عدي –
أو : أخاه عامر بن عدي - أخا بني العجلان فقال : ( انطلقا إلى هذا المسجد
الظالم أهله فاهدماه وحرقاه ) . فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ،
وهم رهط مالك بن الدّخشم ، فقال مالك لمعن : أنظرني حتى أخرج إليك بنار من
أهلي . فدخل أهله فأخذ سَعَفا من النخل ، فأشعل فيه نارًا ، ثم خرجا
يَشتدَّان حتى دخلا المسجد وفيه أهله ، فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه . ونزل
فيهم من القرآن ما نزل : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا
وَكُفْرًا ) إلى آخر القصة .
وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا :
1-خذام بن خالد ، من بني عُبَيد بن زيد ، أحد بني عمرو بن عوف ، ومن داره أخرج مسجد الشقاق .
2-وثعلبة بن حاطب من بني عبيد وهو إلى بني أمية بن زيد .
3-ومعتِّب بن قُشير ، من بني ضُبَيعة بن زيد .
4-وأبو حبيبة بن الأذعر ، من بني ضُبَيعة بن زيد .
5-وعَبَّاد بن حُنَيف ، أخو سهل بن حنيف ، من بني عمرو بن عوف .
6-وجارية بن عامر .
7-وابناه : مُجَمِّع بن جارية .
8- وزيد بن جارية .
9-ونَبْتَل بن الحارث ، من بني ضبيعة .
10-وبحزج وهو من بني ضبيعة .
11-وبجاد بن عُثمان وهو من بني ضُبَيعة .
12-ووديعة بن ثابت وهو إلى بني أمية رهط أبي لبابة بن عبد المنذر .
وقوله تعالى : ( وَلَيَحْلِفُنَّ ) أي : الذين بنوه : ( إِنْ أَرَدْنَا
إِلا الْحُسْنَى ) أي : ما أردناه ببنيانه إلا خيرًا ورفقًا بالناس .
قال الله تعالى : ( وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) أي :
فيما قصدوا وفيما نوَوا ، وإنما بنوه ضِرارا لمسجد قُباء ، وكفرا بالله ،
وتفريقًا بين المؤمنين ، وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله ، وهو أبو عامر
الفاسق ، الذي يقال له : " الراهب " لعنه الله .
وقوله : ( لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ) نهي من الله لرسوله صلوات الله
وسلامه عليه ، والأمة تَبَع له في ذلك ، عن أن يقوم فيه ، أي : يصلي فيه
أبدا .
ثم حثه على الصلاة في مسجد قُباء الذي أسس من أول يوم بنائه على التقوى ،
وهي طاعة الله وطاعة رسوله ، وجمعا لكلمة المؤمنين ، ومَعقلا وموئلا
للإسلام وأهله ؛ ولهذا قال تعالى : ( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى
مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ) والسياق إنما هو في
معرض مسجد قباء ؛ وقد صرح بأنه مسجد قباء جماعة من السلف ، رواه علي بن
أبي طلحة ، عن ابن عباس . ورواه عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن الزهري ، عن
عُرْوَة بن الزبير . وقاله عطية العوفي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،
والشعبي ، والحسن البصري ، ونقله البغوي عن سعيد بن جُبَير ، وقتادة .
وقد ورد في الحديث الصحيح : أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو في جوف المدينة هو المسجد الذي أسس على التقوى .
وهذا صحيح ، ولا منافاة بين الآية وبين هذا ؛ لأنه إذا كان مسجد قباء قد
أسس على التقوى من أول يوم ، فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق
الأولى والأحرى " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (4/210-214).


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وكان مسجد الضرار قد بني لأبي عامر الفاسق الذي كان يقال له أبو عامر
الراهب ، وكان قد تنصر في الجاهلية ، وكان المشركون يعظمونه ، فلما جاء
الإسلام حصل له من الحسد ما أوجب مخالفته للنبي صلى الله عليه وسلم ،
وفراره إلى الكافرين ، فقام طائفة من المنافقين يبنون هذا المسجد ، وقصدوا
أن يبنوه لأبي عامر هذا ، والقصة مشهورة في ذلك ، فلم يبنوه لأجل فعل ما
أمر الله به ورسوله ، بل لغير ذلك " انتهى.
" اقتضاء الصراط المستقيم " (431)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" مسجد الضرار بني على نية فاسدة ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا
مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) والمتخذون هم المنافقون
، وغرضهم من ذلك :
1- مضارة مسجد قباء : ولهذا يسمى مسجد الضرار .
2- الكفر بالله : لأنه يقرر فيه الكفر - والعياذ بالله - ؛ لأن الذين اتخذوه هم المنافقون.
3- التفريق بين المؤمنين : فبدلا من أن يصلي في مسجد قباء صف أو صفان
يصلي فيه نصف صف ، والباقون في المسجد الآخر ، والشرع له نظر في اجتماع
المؤمنين .
4- الإرصاد لمن حارب الله ورسوله يقال: إن رجلا ذهب إلى الشام ، وهو أبو
عامر الفاسق ، وكان بينه وبين المنافقين الذين اتخذوا المسجد مراسلات ،
فاتخذوا هذا المسجد بتوجيهات منه ، فيجتمعون فيه لتقرير ما يريدونه من
المكر والخديعة للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه ، قال
الله تعالى : ( وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى ) ،
فهذه سنة المنافقين: الأيمان الكاذبة " انتهى.
" مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (9/226-227)
والله أعلم .



المصدر:الاسلام سؤال وجواب