*-*- ان الاْْْْولاد بدون تربية لا قيمة لهم بين صفوف الاْْْْْولاد *-*-
الإثنين 22 فبراير - 19:13
إِنَّ الأَوْلادَ بدُونِ تَرْبيةٍ لا قِيمَةَ لَهُمْ بَيْنَ صُفُوفِ الأَوْلادِ
الحمد لله رب العلمين و الصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين
أما بعد:
--------
: عِبَادَ اللهِ إِنَّ الأَوْلادَ بدُونِ تَرْبيةٍ لا قِيمَةَ لَهُمْ بَيْنَ صُفُوفِ الأَوْلادِ ، بَلْ هُمْ بِدُونِ تَرْبِيَةٍٍ مُصِيبَةٌ كُبْرَى على الوَالِدَيْنِ خَاصةً وعلى الْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ وَخَيرٌ مِنْ وُجُودِهِمْ بِدُونِ تَرْبِيَةٍ أَوْ بِتَرْبِيَةٍ فَاسِدَةٍ عَدَمُهُمْ ، لأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَدَمِهِمْ ضَرَرٌ ، لا عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَلا عَلَى الْجَمَاعَةِ وَلا عَلَى الأفرادِ ، بَلْ في عَدَمِهِمْ مَصَالِحُ مُتَعَددةٌ ، هَذَا بَيَانُ حَالِهِمْ بِلا تَرْبِيَةٍ أَوْ بِتَرْبِيَةٍ فَاسِدَةٍ ، فَلْيَعْلَمْهُ الرَّجُلُ الْحَكِيمُ ، أَمَّا التَّرْبِيَةُ فَشَيْءٌ هَيِّنٌ
يَسِيرٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَمِنَ الأَسْبَابِ إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ لا تَعْمَلَ أَنْتَ وَزَوْجَتُكَ أمامَ أَوْلادِكُمَا شَيْئًا يَكُونُ فَاعلُهُ مُتَوَجِّهًا عَلَيْهِ قَدْرٌ مِنْ اللوْمِ ، بَلْ تَلْزمانِ الآدَابَ السَّامِيةَ وَالأَخْلاقَ الفَاضِلَةِ لِيَقْتَدُوا بِكُمَا ، ذَلِكَ لأَنَّ الولدَ يُقَلِّدُ غَالِبًا أُمَّهُ وَأَبَاهُ تَقْلِيدًا مُطْلَقًا لا عِقَالَ لَهُ ولا زِمَامَ وَيَتَحَدَّثُ عَنْ سِيرةِ أَبَوَيْهِ وَأَفْعَالِهمَا وَيَفْتَخِرُ بِهِمَا وَبِمَا لَهُمَا مِنْ سَجَايَا وَيَمْدَحُهُمَا وَيذُبُّ عَنْهُمَا بِكُلِّ مَا يَسْتَطِيعُ هذا في الغالبِ كَمَا ذَكَرْنَا ويندُرُ خِلافُه تَأمَّلْ مَا حَكَاهُ القُرْآنُ الكريمُ لِتَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ صِدْقٌ وَأَنَّ صَلاحَ الأبَوَيْنِ وَتَوْجِيهَهُمَا تَوْجِيهًا حَسَنًا عَلَيْهِ مَدَارٌ عَظِيمٌ ذَكَرَ اللهُ في كِتَابِهِ العَزِيز مَرَّاتٍ أَنَّ الرُّسُلَ بَعْدَ إظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ يَدْعُونَ قَوْمَهُمْ لِلْكَمَالِ فَيُكَذِّبُونَهُم في دَعْوَتِهِمْ وَهُمْ رُسُلُ اللهِ بِحُجّةِ أَنَّ آبائهُمْ لَيْسَتْ أَعْمَالُهُمْ كَهِذِهِ الأَعْمَالِ فَيُرَجّحُونَ عَمَلَ آبَائِهِمْ وَهُمْ كَفْرٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ وَهُوَ دِينُ رَبِّنَا ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ قَالَ تَعَالى عَنْ مَا قالوه : ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾ وفي الآيةِ الأُخْرى : ﴿ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ﴾ هكذا الآباءُ عِنْدَ الأَبْنَاءِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ العُظْمَى التي عِنْدَهُمْ لا تُدَانِيهَا مَنْزِلَةُ عَظِيمٍ ، وَاسْمَعْ إِلى قَوْلِ الفَرَزْدَق يَتَحَدَّى جَرِيرًا :
أُولئكَ آبائِي فجِئنِي بمِثْلِهِم ....إِذَا جَمَعَتْنَا يا جَرِيرُ الْمَجَامِعُ
ويقول الآخر :
إِنَّا َنَبْنِي عَلى مَا شَيَّدَتْهُ لَنَا....آبَاؤُنا الغُرُّ مِنْ مَجدِوِ مِن كَرَمِ
آخر :
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ مِنَّا.....عَلَى مَا كَانَ عَوَدَهُ أَبُوهُ
حَتَّى إِنَّهُم كَانُوا في الْجَاهِلِيةِ يَحْلفونَ بآبائِهِمْ حَتَّى نَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : « لا تَحْلِفُوا بآبائكم » . وكذلك نَهَى عَن الْحَلْفِ بِغَيْرِ الآباءِ ، وَلِذَلِكَ أَبْنَاءُ الوَالِدَيْنِ الكَامِلَيْنِ لا يَعْمَلانِ إِلا الأَعْمَالَ الحسنةَ التِي رَأَوْا وَالِدَيْهِم يَعْمَلانِهَا فَيشِبُّونَ وَيَشِيبُونَ لا يَعْرِفونَ إِلا الكَمَالَ ولو كَلفْتَهُم غَيْرَهُ قَالُوا : إِنَّ هَذَا وَالِدَانا لا يَعْرِفَانِهِ ، وَتَجِدُ أَبناءَ الْمُنْحَرِفِينَ الفَاسِدِينَ فَاسِدِينَ كَآبَائِهِمْ غَالِبًا ، لأَنَّهُمْ وَرِثُوا الفَسَادَ مِنْ أَبَوَيْهِمْ ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ أَبْنَاءَ الفَاسِدِينَ الفَاسِقِينَ يَحْكُونَ عَنْ آبائِهِمْ مَا يَتَغَيَّرُ لَهُ وَجْهُ صَاحِبِ الدِّينِ وَمِنَ النَّادِرِ أَنْ تَجِدَ وَلَدَ الفَاسِدينَ لَيْسَ فَاسِدًا وَمِنْ الشُّذوذِ أَيْضًا أَنْ تَجِدَ وَلَدَ التَّقِيِّ وَالتَّقِيّةِ شَقِيًّا فَاسِدًا هَذَا يُعْرَفُ قَدِيمًا قَبْلَ أَنْ يَتَوَلَّى تَعْلِيمَ الشَّبَابِ ضِعَافُ الدِّينِ وَمَنْ لا دِينَ لَهُمْ وَلا أَخْلاقَ وَإِنْ شِئْتَ فَاقَرأ قَوْلَ اللهِ تَعَالى : ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾ وَلَمْ يُبَرِّئَهَا قَوْمُهَا مِنْ الفَاحِشَةِ إِلا بَعْدَ أَنْ بَرَّأَهَا اللهُ جَلَّ وَعَلا عَقِبَ الوِلادَةِ عَلَى لِسَانِ وَلَدِهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ عَرَفَ قَوْمُهَا أَنَّ الوَلدَ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الغَالِب حَسْبَ العَادَةِ التِي أَجْرَاهَا اللهُ جَلَّ وَعَلا في الصَّلاحِ والفسادِ في الأَبَوَيْنِ فَاسْتَغْرَبُوا مِنْ مَرْيَمَ الطَّاهِرَةِ العَفِيفَةِ أَنْ تَفْعَلَ الفَاحِشَةَ لَمَّا رَأَوْا بأَعْيُنِهِمْ عَلَى كَتِفِهَا وَلدًا مِنْ الأَوْلادِ وَيَحَسْبِ مَا أَجْرَى اللهُ مِنْ العَادَةِ أَنَّهُ لا يَجِيءُ الوَلدُ إِلا مِنْ وَالِدٍ لِذَلِكَ فَهِمَ قومُها فِيهَا أَنَّهَا جَاءَتْ هَكَذَا مِنْ وَالِدَيْنِ صَالِحِينَ عَلى خِلافِ الْمُعْتَادِ وَلَمْ يَعْرِفُوا أَنَّهَا جَاءَتْ كَالْعَادَةِ صَالِحَةً مِنْ الصَّالِحِينِ إِلا
بَعْدَ أَنْ كَلَّمَهُمْ وَلَدُهَا عِيسَى عَلَيْهِ السلامُ عَقِبَ ولادَتِهِ بِمَا يُبِرِّؤُهَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ كَلامَهُمْ أَقْبَلَ عليهِمْ وَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَأَشَارَ بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ بَدَأَ يَتَكَلَّمُ فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِجُمْلَةِ صِفَاتٍ فَقَالَ : ﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ﴾ .فَوِلادَةُ عِيسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسلامِ عَجِيبَةٌ حَقًّا بالقِيَاسِ إِلى مَأْلُوفِ البَشَرِ وَلَكِنْ لا غَرَابَةَ فِيهَا عِنْدَمَا تُقَاسُ إِلى خَلْقِ آدَمَ أَبِي البَشَرِ قَالَ اللهُ تَعَالى : ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ فاللهُ جَلَّ وَعَلا لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلا في السَّمَاءِ وَالْهَدَفَ الْمَقْصُودُ مِنْ مَا تَقَدَّمَ الْحِرْصُ وَالْجِدُّ وَالاجْتِهَادُ عَلَى تَوْجِيهِ الأَوْلادِ إِلى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالأَخْلاقِ الفَاضِلَةِ وَأَنْ يَحْرِصُوا جَدًّا على مُلاحَظَتِهمْ وَحِفْظِهمْ عَنْ مُرَافَقَةِ الأَشْرَارِ وَمَنْعِهمْ مِنْ حُضُورِ الْمَلاهِي وَالْمُنْكَرَاتِ كَالتِّلِفِزيُون مَقْبَرَةُ الأَخْلاقِ والفِيدْيُو مُعَلِّمِ الفَسَاد وَالكُورةِ مُورِثَةِ العَدَاوَةِ وَالفُرقَةِ بَيْنَ القُلُوبِ وَالأَبْدَان وَمِنَ الْخُرُوجِ لَيْلاً حَسْبَ الاسْتِطَاعَةِ وَالقُدْرَةِ وَالْهِدَايَةُ وَالتَّوْفِيقُ بِيدِ اللهِ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَلَوْ كَانَ مِنْ ذُرِيَّةِ الرُّسُلِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَوْلادِ الفَرَاعِنَةِ وَالْكَفَرَةِ :
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلاً مُتَقَبِّلاً وَرِزْقًا وَاسِعًا نَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى طَاعَتِكَ ، وَقَلْبًا خَاشِعًا ، وَلِسَانًا ذَاكِرًا ، وَإِيمَانًا خَالِصًا ، وَهَبْ لَنَا إِنَابَةَ الْمُخْلِصِينَ وَخُشُوعَ الْمُخْبِتِينَ ، وَأَعْمَالَ الصَّالِحِينَ ، وَيَقِينَ الصَّادِقِينَ ،
وَسَعَادَةَ الْمُتَّقِينَ ، وَدَرَجَاتِ الفَائِزِينَ ، يَا أَفْضَلَ مَنْ رُجِيَ وَقُصِدَ ، وَأَكْرَمَ مَنْ سُئِلَ .
اللَّهُمَّ يا مَنْ لا تَضُرَّهُ الْمَعْصِيةُ ولا تَنْفَعَهُ الطَّاعَةِ أَيْقِظْنَا مِنْ نَوْمِ الغَفْلَةِ وَنَبَّهْنَا لاغْتِنَامِ أَوْقَاتِ الْمُهْلَةِ وَوِفِّقْنَا لِمَصَالِحْنَا وَاعْصِمْنَا مِنْ قَبَائِحْنَا وَذُنُوبِنَا وَلا تُؤاخِذْنَا بِمَا انْطَوَتَ عَلَيْهِ ضَمَائِرُنَا وَأَكَنَّتْهُ سَرائِرُنَا مِنْ أَنْوَاعِ القَبَائِحِ والْمَعَائِبِ .
اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًا وَارْزُقْنَا إتِّبَاعَه ، وَأرِنا الباطل باطلاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
الحمد لله رب العلمين و الصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين
أما بعد:
--------
: عِبَادَ اللهِ إِنَّ الأَوْلادَ بدُونِ تَرْبيةٍ لا قِيمَةَ لَهُمْ بَيْنَ صُفُوفِ الأَوْلادِ ، بَلْ هُمْ بِدُونِ تَرْبِيَةٍٍ مُصِيبَةٌ كُبْرَى على الوَالِدَيْنِ خَاصةً وعلى الْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ وَخَيرٌ مِنْ وُجُودِهِمْ بِدُونِ تَرْبِيَةٍ أَوْ بِتَرْبِيَةٍ فَاسِدَةٍ عَدَمُهُمْ ، لأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَدَمِهِمْ ضَرَرٌ ، لا عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَلا عَلَى الْجَمَاعَةِ وَلا عَلَى الأفرادِ ، بَلْ في عَدَمِهِمْ مَصَالِحُ مُتَعَددةٌ ، هَذَا بَيَانُ حَالِهِمْ بِلا تَرْبِيَةٍ أَوْ بِتَرْبِيَةٍ فَاسِدَةٍ ، فَلْيَعْلَمْهُ الرَّجُلُ الْحَكِيمُ ، أَمَّا التَّرْبِيَةُ فَشَيْءٌ هَيِّنٌ
يَسِيرٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَمِنَ الأَسْبَابِ إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ لا تَعْمَلَ أَنْتَ وَزَوْجَتُكَ أمامَ أَوْلادِكُمَا شَيْئًا يَكُونُ فَاعلُهُ مُتَوَجِّهًا عَلَيْهِ قَدْرٌ مِنْ اللوْمِ ، بَلْ تَلْزمانِ الآدَابَ السَّامِيةَ وَالأَخْلاقَ الفَاضِلَةِ لِيَقْتَدُوا بِكُمَا ، ذَلِكَ لأَنَّ الولدَ يُقَلِّدُ غَالِبًا أُمَّهُ وَأَبَاهُ تَقْلِيدًا مُطْلَقًا لا عِقَالَ لَهُ ولا زِمَامَ وَيَتَحَدَّثُ عَنْ سِيرةِ أَبَوَيْهِ وَأَفْعَالِهمَا وَيَفْتَخِرُ بِهِمَا وَبِمَا لَهُمَا مِنْ سَجَايَا وَيَمْدَحُهُمَا وَيذُبُّ عَنْهُمَا بِكُلِّ مَا يَسْتَطِيعُ هذا في الغالبِ كَمَا ذَكَرْنَا ويندُرُ خِلافُه تَأمَّلْ مَا حَكَاهُ القُرْآنُ الكريمُ لِتَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ صِدْقٌ وَأَنَّ صَلاحَ الأبَوَيْنِ وَتَوْجِيهَهُمَا تَوْجِيهًا حَسَنًا عَلَيْهِ مَدَارٌ عَظِيمٌ ذَكَرَ اللهُ في كِتَابِهِ العَزِيز مَرَّاتٍ أَنَّ الرُّسُلَ بَعْدَ إظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ يَدْعُونَ قَوْمَهُمْ لِلْكَمَالِ فَيُكَذِّبُونَهُم في دَعْوَتِهِمْ وَهُمْ رُسُلُ اللهِ بِحُجّةِ أَنَّ آبائهُمْ لَيْسَتْ أَعْمَالُهُمْ كَهِذِهِ الأَعْمَالِ فَيُرَجّحُونَ عَمَلَ آبَائِهِمْ وَهُمْ كَفْرٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ وَهُوَ دِينُ رَبِّنَا ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ قَالَ تَعَالى عَنْ مَا قالوه : ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾ وفي الآيةِ الأُخْرى : ﴿ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ﴾ هكذا الآباءُ عِنْدَ الأَبْنَاءِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ العُظْمَى التي عِنْدَهُمْ لا تُدَانِيهَا مَنْزِلَةُ عَظِيمٍ ، وَاسْمَعْ إِلى قَوْلِ الفَرَزْدَق يَتَحَدَّى جَرِيرًا :
أُولئكَ آبائِي فجِئنِي بمِثْلِهِم ....إِذَا جَمَعَتْنَا يا جَرِيرُ الْمَجَامِعُ
ويقول الآخر :
إِنَّا َنَبْنِي عَلى مَا شَيَّدَتْهُ لَنَا....آبَاؤُنا الغُرُّ مِنْ مَجدِوِ مِن كَرَمِ
آخر :
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ مِنَّا.....عَلَى مَا كَانَ عَوَدَهُ أَبُوهُ
حَتَّى إِنَّهُم كَانُوا في الْجَاهِلِيةِ يَحْلفونَ بآبائِهِمْ حَتَّى نَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : « لا تَحْلِفُوا بآبائكم » . وكذلك نَهَى عَن الْحَلْفِ بِغَيْرِ الآباءِ ، وَلِذَلِكَ أَبْنَاءُ الوَالِدَيْنِ الكَامِلَيْنِ لا يَعْمَلانِ إِلا الأَعْمَالَ الحسنةَ التِي رَأَوْا وَالِدَيْهِم يَعْمَلانِهَا فَيشِبُّونَ وَيَشِيبُونَ لا يَعْرِفونَ إِلا الكَمَالَ ولو كَلفْتَهُم غَيْرَهُ قَالُوا : إِنَّ هَذَا وَالِدَانا لا يَعْرِفَانِهِ ، وَتَجِدُ أَبناءَ الْمُنْحَرِفِينَ الفَاسِدِينَ فَاسِدِينَ كَآبَائِهِمْ غَالِبًا ، لأَنَّهُمْ وَرِثُوا الفَسَادَ مِنْ أَبَوَيْهِمْ ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ أَبْنَاءَ الفَاسِدِينَ الفَاسِقِينَ يَحْكُونَ عَنْ آبائِهِمْ مَا يَتَغَيَّرُ لَهُ وَجْهُ صَاحِبِ الدِّينِ وَمِنَ النَّادِرِ أَنْ تَجِدَ وَلَدَ الفَاسِدينَ لَيْسَ فَاسِدًا وَمِنْ الشُّذوذِ أَيْضًا أَنْ تَجِدَ وَلَدَ التَّقِيِّ وَالتَّقِيّةِ شَقِيًّا فَاسِدًا هَذَا يُعْرَفُ قَدِيمًا قَبْلَ أَنْ يَتَوَلَّى تَعْلِيمَ الشَّبَابِ ضِعَافُ الدِّينِ وَمَنْ لا دِينَ لَهُمْ وَلا أَخْلاقَ وَإِنْ شِئْتَ فَاقَرأ قَوْلَ اللهِ تَعَالى : ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾ وَلَمْ يُبَرِّئَهَا قَوْمُهَا مِنْ الفَاحِشَةِ إِلا بَعْدَ أَنْ بَرَّأَهَا اللهُ جَلَّ وَعَلا عَقِبَ الوِلادَةِ عَلَى لِسَانِ وَلَدِهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ عَرَفَ قَوْمُهَا أَنَّ الوَلدَ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الغَالِب حَسْبَ العَادَةِ التِي أَجْرَاهَا اللهُ جَلَّ وَعَلا في الصَّلاحِ والفسادِ في الأَبَوَيْنِ فَاسْتَغْرَبُوا مِنْ مَرْيَمَ الطَّاهِرَةِ العَفِيفَةِ أَنْ تَفْعَلَ الفَاحِشَةَ لَمَّا رَأَوْا بأَعْيُنِهِمْ عَلَى كَتِفِهَا وَلدًا مِنْ الأَوْلادِ وَيَحَسْبِ مَا أَجْرَى اللهُ مِنْ العَادَةِ أَنَّهُ لا يَجِيءُ الوَلدُ إِلا مِنْ وَالِدٍ لِذَلِكَ فَهِمَ قومُها فِيهَا أَنَّهَا جَاءَتْ هَكَذَا مِنْ وَالِدَيْنِ صَالِحِينَ عَلى خِلافِ الْمُعْتَادِ وَلَمْ يَعْرِفُوا أَنَّهَا جَاءَتْ كَالْعَادَةِ صَالِحَةً مِنْ الصَّالِحِينِ إِلا
بَعْدَ أَنْ كَلَّمَهُمْ وَلَدُهَا عِيسَى عَلَيْهِ السلامُ عَقِبَ ولادَتِهِ بِمَا يُبِرِّؤُهَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ كَلامَهُمْ أَقْبَلَ عليهِمْ وَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَأَشَارَ بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ بَدَأَ يَتَكَلَّمُ فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِجُمْلَةِ صِفَاتٍ فَقَالَ : ﴿ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ﴾ .فَوِلادَةُ عِيسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسلامِ عَجِيبَةٌ حَقًّا بالقِيَاسِ إِلى مَأْلُوفِ البَشَرِ وَلَكِنْ لا غَرَابَةَ فِيهَا عِنْدَمَا تُقَاسُ إِلى خَلْقِ آدَمَ أَبِي البَشَرِ قَالَ اللهُ تَعَالى : ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ فاللهُ جَلَّ وَعَلا لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلا في السَّمَاءِ وَالْهَدَفَ الْمَقْصُودُ مِنْ مَا تَقَدَّمَ الْحِرْصُ وَالْجِدُّ وَالاجْتِهَادُ عَلَى تَوْجِيهِ الأَوْلادِ إِلى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالأَخْلاقِ الفَاضِلَةِ وَأَنْ يَحْرِصُوا جَدًّا على مُلاحَظَتِهمْ وَحِفْظِهمْ عَنْ مُرَافَقَةِ الأَشْرَارِ وَمَنْعِهمْ مِنْ حُضُورِ الْمَلاهِي وَالْمُنْكَرَاتِ كَالتِّلِفِزيُون مَقْبَرَةُ الأَخْلاقِ والفِيدْيُو مُعَلِّمِ الفَسَاد وَالكُورةِ مُورِثَةِ العَدَاوَةِ وَالفُرقَةِ بَيْنَ القُلُوبِ وَالأَبْدَان وَمِنَ الْخُرُوجِ لَيْلاً حَسْبَ الاسْتِطَاعَةِ وَالقُدْرَةِ وَالْهِدَايَةُ وَالتَّوْفِيقُ بِيدِ اللهِ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَلَوْ كَانَ مِنْ ذُرِيَّةِ الرُّسُلِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَوْلادِ الفَرَاعِنَةِ وَالْكَفَرَةِ :
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلاً مُتَقَبِّلاً وَرِزْقًا وَاسِعًا نَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى طَاعَتِكَ ، وَقَلْبًا خَاشِعًا ، وَلِسَانًا ذَاكِرًا ، وَإِيمَانًا خَالِصًا ، وَهَبْ لَنَا إِنَابَةَ الْمُخْلِصِينَ وَخُشُوعَ الْمُخْبِتِينَ ، وَأَعْمَالَ الصَّالِحِينَ ، وَيَقِينَ الصَّادِقِينَ ،
وَسَعَادَةَ الْمُتَّقِينَ ، وَدَرَجَاتِ الفَائِزِينَ ، يَا أَفْضَلَ مَنْ رُجِيَ وَقُصِدَ ، وَأَكْرَمَ مَنْ سُئِلَ .
اللَّهُمَّ يا مَنْ لا تَضُرَّهُ الْمَعْصِيةُ ولا تَنْفَعَهُ الطَّاعَةِ أَيْقِظْنَا مِنْ نَوْمِ الغَفْلَةِ وَنَبَّهْنَا لاغْتِنَامِ أَوْقَاتِ الْمُهْلَةِ وَوِفِّقْنَا لِمَصَالِحْنَا وَاعْصِمْنَا مِنْ قَبَائِحْنَا وَذُنُوبِنَا وَلا تُؤاخِذْنَا بِمَا انْطَوَتَ عَلَيْهِ ضَمَائِرُنَا وَأَكَنَّتْهُ سَرائِرُنَا مِنْ أَنْوَاعِ القَبَائِحِ والْمَعَائِبِ .
اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًا وَارْزُقْنَا إتِّبَاعَه ، وَأرِنا الباطل باطلاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى