- achwak
- الجنس :
عدد المساهمات : 4671 نقاط التميز : 11990 تاريخ التسجيل : 24/03/2011 العمر : 47
النُّخب السياسية و متطلبات التَغْيير ..
الجمعة 1 مارس - 18:22
لَقد عَرَّت ثورات الربيع العربي النُّخب السياسية و أظهرت مدى حَجم الدمار و التّفكُك الذي لَحق بها في عهد حُكم الجَبابرة، كما بَيَّنت أن هناك تَيّارين كبيرين ما سُمِّيَ : – بالتيّار العلماني – و التيّار الإسلامي. و قَد ظَهر أيضا عُمق الفَجوة التي بينهما، إذا لم نقل عُمق العِداء و مدى بُعدهما عن الواقع المَعِيش و تَنافسهما الشرِس عنْ سُلطة وهميَّة، حيثُ لم يُدركا معًا التَرِكة الثقيلة التي زرعها الإستعمار ونمَّتهَا الأنظمة الدّكتاتورية من بعدهِ، و أخطر ما في هذه التَرِكة أنّ كِلاهما فَاقِد لمقوم أسَاسِي لبناء – بمفرده – دولة مستقرة .
- فالتيّار الإسلامي -و من يتوافق معه من الوطنيّين الشُرفاء مع وجود الإرادة لديه- فاقد للفعالية -أي الكفاءة- على إدارة المرحلة الإنتقالية بالسُّرعة المرجُوة لما يفتقده من خبرة فى التسيّير و معرفة تعقيدات بنية الدولة الموروثة و التي كان يكْتَنفها كثير من الغموض و الفساد إضافة إلى التناقضات و المعوِّقات الموضوعية من جهلٍ و فقر و بطالة و روح اللامبالاة لدى العامّة الموروثة على عُ..... من الجفوة بين الشعب و السلطة. كما ان هذا التيار -الذي إعتاد ان تتواصل قياداته مع المواطنين في المساجد و الذي حصل على ثقتهم في الإنتخابات- يعتقد أنّ سلوك الناخبين إتجاهه لن يتغير عندما يكون في الحكم.
– فإختيار الناس للإسلاميين كلّما كانت الإنتخابات نزيهة -كما أظهرته التّجارب المتكررة في عدة بلدان عربية إضافة إلى العاطفة الجماعية نحو الإسلام- مبني على ما يُتوقع من الإسلاميين من تمسُّك بقيم العدل و النزاهة و الإخلاص في العمل كما تحتمه شريعة الإسلام، ما يجعلهم قادرين في نظر هؤلاء الناخبين على حل كل المشاكل وتلبية كل المطالب، خاصة أنّ هذا ما كان يعِد به الشعوب كلّ المترشحين بما فيهم الإسلاميين، و الكل -في نشوة أجواء التّحرر من قيود النّظام المستبد- قد نسي الأخذ في الحُسبان تلك المعوقات السّابِق ذِكرها، و ما يضاف لها من معوقات خارجية من ضغوط إلتزامات سابقة و تدخُّلات سَافرة حالية.
- أمّا التّيار العلماني زِيَادة على فُقدانه مُقوم الفَعالية كما أسلفنا، فهو فاقد لرابط ضروري يربطه بالمواطن و هو رابط الهوية، إذ نرى كثير من ممثّليه و رموزه لا يمتُّون بصلة إلى غالبية مواطنيهم حتى و إن زعمو الدّفاع عن مصالحها و مطالبها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية. فنمط عيشهم في كثير من الاحيان و تصريحاتهم وتوجهاتهم الفكرية ليست ولن تكون مقنعة لشعوب هويتها اسلامية مهما كانت مشوَّهة في الواقع المعيش، لكنها متجذّرة في ضمير و وُجدان هذه الشعوب. وما يعزّز هذه النّظرة السلبية اتجاه التيّار العلماني هو إتّهام بعض رموزه بالارتباط بأجندات خارجية ومنظمات دولية لا يَخفى انحيازها ضد قضايا المسلمين إلاّ على مُغرِضٍ.
– و قبل كل هذا يجب ان يُدرك الجميع موقعهم و موقع دولهم في العالم الحديث الذي تشكل في غِيابهم جميعًا، و لمجتمعاتٍ غير مجتمعاتهم، و بمفاهيم متعارضة في كثير من الاحيان مع قيمهم. فقد أخذ هذا العالم شكله و عنفوانه و هم في قبضته حيث ادخلهم في تشكيلته كفضاء يتوسع فيه الاقوياء منه، و مصدرًا ليدٍ عاملة غير مكلفة و للمواد الاولية من معادن وطاقة و باقي الخامات اللّازمة لتحريك اقتصاده. آنذاك لم تكن الشعوب المستعمرة محسوبة حتى في موازين سوق الاستهلاك العالمي الذي هو محرك الانتاج عنده، لتبقى المستعمرات التي افقرها و جهلها الاحتلال تعيش بوسائل بدائية كي لا تتفطن لما يُسلب من خيرات أراضيها و جهد أبنائها.
– نظرا لكل ما سبق لا يتوقع عاقل أن تكون الطريق مفروشة بالورود لتطبيق الديمقراطية في البلاد المستعمرة سابقا و هي اسلوب الحكم الحديث الذي طبّقته الحضارة الحالية، و كان من اهم دعائم نهضتها التي حررت الانسان الغربي من ظلم الإقطَاع و طغيان الكنيسة و تسلُّط الملوك.
- يجب ألاّ ننسى أيضا انه في الوقت الذي كانت فيه شعوب الغرب في أوج ثوراتها على الطغيان في اوطانها و رفعها شعارات الحرية و المساواة و الاخوة كانت جيوشها تقوم بغزو اوطان امم اخرى و إبادة سكانها و تهجيرهم عن اراضيهم و طمس هويتهم في آسيا و افريقيا و هذا ما يبرز الهوة السَحيقة بين التنظير و التطبيق لمبدأ الديمقراطية.
- نحن الآن واقعون في نفس التناقض ، فبالرّغم من رفع شعارات الدّيمقراطية و الحرّية و المشاركة نرى التّنافر و التدابر و عدم قبول الرأي المخالف و الافتراء و تزييف الحقائق احيانا، ما يعني اننا ورثنا اخطاء من كان يستعبدنا في تطبيقنا المنحرف للدّيمقراطية، مع الفارق أن هذا الإنحراف على حسابنا نحن وليس على حساب الآخرين كما حصل فى الغرب.
– بعضنا يرفض الديمقراطية جهلا لكونها منهج غربي لائكي إلحادي، و يغالي الآخرون في مفهومها للحرية الى درجة الاخلال بأخلاق وقيم شعوبهم بما تشبعوا به من نظرة تقديسية لكل ما يأتي من الغرب.
– إنه يتوجب على الجميع ان يسلموا بأن لا بديل لنا اليوم عن اعتماد آليات الديمقراطية لبناء مؤسسات قوية تمثل كل اطياف المجتمع لتنظيم حياتنا و كمنهج واضح للتداول على السلطة. كما أنه من الواجب ايضا ان نعترف جميعا أن لنا خصوصيات فكرية و عقدية و اخلاقية لابد من مراعاتها و الحفاظ عليها، لأنها كانت دوما -و ستبقى- الرابط المتين لتماسك مجتمعاتنا و تميزنا على الاخرين. فالحكمة تقتضي ان نأخذ من غيرنا ما يفيدنا و يوحدنا، و نترك منه ما يفرقنا ويخل بشخصيتنا.
- ان الشعوب العربية تمر اليوم بمرحلة خطيرة وهامة تمكنها ان احسنت استغلالها من اعادة تشكيل الدولة على اسس متينة بمساهمة الجميع دون إقصاء، ما يجعلها قادرة على الشروع في القيام بنهضة حقيقية علمية واجتماعية و اقتصادية، واللحاق بركب الدول المتطورة و التمتع بالاستقرار و الحرية و الرفاه.
- لقد فوتت النخب العربية عن شعوبها فرصة التحرر من الاستعمار لإرساء قواعد دولة العدل و الحرية الضامنتان لنمو الانسان و الاوطان، فلا يجوز لها تضييع فرصة الوعي الحالي لدى االشعوب -من قام بثورة و من لم يقم- وعيها بمرارة حالة التخلف و الهوان التي هي فيها و بضرورة التغيير الفعلي و اطلاق جميع الطاقات للنهوض الحضاري.
- انه من المفيد لنا جميعا ان نراعي في مرحلة بناء المؤسسات، اننا كالطفل الذي يتعلم المشي ان لم يؤخذ بيده سقط. فتطبيق الديمقراطية يتطلب تربصا و تدريبا على آلياتها. ولقد ثبت بالتجربة في الجزائر و غزة من قبل و الآن في تونس و مصر ان تطبيق آليات الديمقراطية لا يفيد في شيء إذا لم يكن لها مؤسسات تحميها و إذا لم تكن ثقافة الديمقراطية متجذرة لدى جميع الفرقاء السياسيين.
- فمن المفارقات العجيبة أنه أول من انقلب على الديمقراطية في الوطن العربي هم ادعياؤها الذين سمو انفسهم بالاتجاه الديمقراطي بمساندة من لا يؤمن بِها أساسًا، فكان الثمن باهظا على الجميع خلّف شُروخ في المجتمع ما كان ينبغي لها ان تكون لو ساد العقل و تنازل الفرقاء عن كبريائهم و عكفوا على استقراء التاريخ و الاستفادة من تجارب من سبقنا من الامم في تطبيق الديمقراطية. فليس بالبعيد عنّا ما جرى من انتقال سلِس و حضاري من سلطة شمولية صرفة، الى ديمقراطية حقيقية في اغلب بلدان شرق اوروبا و ما كان يسمى بالكتلة الشيوعية، بإستثناء دولة يوغوسلافيا السابقة حين لم يقبل المتعصبون الصرب -بتواطئ وصمت عالمي حتى أوشك المسلمون على الإبادة- ان تقوم دولة مستقلة باغلبية مسلمة في قلب اوروبا فوقعت جرائم يندى لها جبين الانسانية جمعاء، و رغم كل هذا اقيمت دولة البوسنة فوق انقاض ابنائها.
- فالجميع مدعو إن كان مخلصا لوطنه و شعبه، ان يستمع للرأي الآخر المخالف و يبحث عما قد يكون فيه من الايجابيات، فهذا الآخر موجود وله حقوقه، و لا يمكن ازالته فهو شريكك في الوطن، فقد يكون جارك او صهرك او حتى اخوك او ابنك، لذا ففي هذه المرحلة بالذات يجب ان تتجه كل الجهود الى البحث عن الحل الأنجع، مما يتطلب التكامل الصادق و البنّاء بين دعاة التوافق الوطني الذي يضمن للأقلية مشاركتها الفاعلة في صنع المسقبل، و دعاة التمسك بشرعية الاغلبية التي كفلتها صناديق الاقتراع، فهذه الآخيرة مطالبة بمراعاة التدرج و الاقناع و التشاور مع الجميع فما لا يدرك كله لا يترك جله . فأعداء التغيير و المتربصون بالبلاد كثيرون، و إشاعة الفوضى سهلة كما نرى في الواقع المرير من عداء مقَنَّع وسافر أحياناً لمقومات هوية الشعوب، وما يشيعه الاعلام المغرض من افتراءات و نفخ في نار الفتنة و التحريض ضد شرعية لا تزال هشة وغير واثقة من نفسها.
- إن الإنقسام يعطل التغيير ويشغل القوة الفاعلة فى نزاعات هامشية تربك الصف الثورى الحقيقى وتستنزف طاقاته. فعلى الجميع أن يدرك أن الإنتقال من نظام دكتاتوري وطنى لا يقل صعوبة عن التحرر من قيد المستعمر، بل يكون أحيانا أكثر تعقيدا. فكما أقيمت جبهات وحركات موحدة لإستعادة الأوطان من المستعمر يجب ان تكون حركات التغيير الآن جبهة واحدة لإستعادة السيادة للشعوب فى إختيار من يحكمها . وعلى كل فصيل أن يدرك أنه لن يستطيع بمفرده إنجاز هذه المهمة الكبرى وأن لا يلهث وراء سراب الحكم وجني ثمار تغيير لم تكتمل بعد معالمه.
- إن إقامة هذا التكامل المنشود يشترط ان يكون هناك ميثاق شرف تلتزم به الاطراف الفاعلة في المجتمع، اساسه نبذ العنف بجميع اشكاله المادية و المعنوية، و النية الصادقة للوصول معاً الى بر الأمان بإرساء قواعد دولة القانون والمواطنة يبنيها الجميع و يعيش فيها بتساوٍ في كنف العدل و الامن و التراحم.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى