- منتديات العماريةالمدير الفنى للمنتدى
- الجنس :
عدد المساهمات : 6535 نقاط التميز : 16175 تاريخ التسجيل : 18/04/2009 العمر : 35 الموقع : http://bit.ly/Llerty
القاضي الأكثر إثارة للجدل ( قاضي التحقيق )
الإثنين 7 فبراير - 16:19
هذا المقال أعزائي الأعضاء يناقش ويسلط الضوء على أحد أهم المناصب المثيرة للجدل في الهيكل القضائي ألا وهو ( قاضي التحقيق ) أرجو منك قراءة الموضوع بتركيز وتأني من أجل الفهم الصحيح للموضوع وأي إشكال يواجهكم أرجو مراسلتي لتوضيح ما أمكن توضيحه لكل قارئ مهتم
قاضي التحقيق القاضي الأكثر إثارة للجدل
عندما نقرأ بعض الكتابات عن القضاء والإصلاح القضائي في منطقتنا, نقرأ فنون تورية, وغموض ومواربة, في محاولات لقول شيء يصعب أو يتعذر قوله, محاولات تبقى دون مستوى القول ولا ترقى, رغم الجهد, إليه. فتحسبنا نقرأ شعرا دون شاعرية, ودون وزن, ولا قافية, ولا قواعد أو أعراف, أو محتوى.
كتابات, لترى النور, تغطي نفسها بالاستشهاد بأقوال وتوجيهات هذا الزعيم أو ذاك, في منطقة يتجاوز عدد سكانها أكثر من 200 مليون نسمة. وبشعارات تشبه القصائد المحفوظة "صما" وعن ظهر قلب, تتراوح بين الروحي, والقومي, والوطني, والخيالي, لا تقنع حتى مطلقيها ورافعيها والمصفقين لها.
كتابات نرى فيها ــ رغم التغطية المذكورة والمرجعيات المشار إليها, بعيدا عن أي مرجع قانوني مختص أو واقع معاش ــ فنونا مبتكرة في الهروب من مواجهة الحقائق وقولها, وتحريف الوقائع, والتخفي وراء الكلمات الواسعة المعاني والدلائل. وكأن الأمر سعي لابتكار أساليب مستحدثة لتبرير القائم من أنظمة قضائية, برياء مدبلج, وليس لتصحيحها.
كتابات في القضاء و الإصلاح القضائي, لا تتعدى بأي حال الخطوط الحمراء المرسومة لها, ولا تتصدى بجرأة وحزم للمسألة الرئيسية المتمثلة في تبعية القضاء والقضاة تبعية مطلقة للسياسي, والأمني, وحتى للاقتصادي الذي يريده قضاء "حماية" يصون مصالحه, المشروع منها وغير المشروع, على حساب الحق و المصلحة العامة ومصالح المجتمع والوطن.
كتابات تطالب القاضي, القاضي وحده, في الظروف والشروط التي تحيط به, أن يتحلى بصفات لا يملكها أو يرقى إليها من البشر إلا من انفصل حديثا عن البشر, وأصبح قاب قوسين أو ادني من الملائكة وعوالمها.
كتابات القاضي فيها كشخص, هو موضوع الحديث عند الإشارة إلى الإصلاح القضائي, وليس القاضي كجزء من الجسم القضائي, ومن سلطة قضائية يراد لها ليس فقط الدوران في فلك السلطة التنفيذية, وإنما أن تُكرّس كذلك كجهاز من أجهزتها, لا يميزه عن الأجهزة الأمنية إلا الاسم وبعض الاستثناءات.
في الإشارة لهذا الواقع لا ندعي النباهة, أخي القارئ, و لا اكتشاف ما هو محجوب عنك, وقد نكون أقل علما منك بها وبتفاصيلها بحكم المكان. وإنما أردنا الإشارة إليها, ونحن نرى حولنا عالما, نحن جزء منه, يسعى دون توقف للوصول إلى كل ما هو ضروري لتطوير القضاء فيه, وإقامة العدالة بنزاهة وشفافية. فالإنسان إنسان أينما كان, يؤلمه الظلم وتسعده العدالة. سعى منذ بدء البشرية ويسعى لدفع هذا الظلم والتطلع لعدالة حلم و يحلم بها. ولا يعيبه أن يستوحي التجارب الإنسانية في هذا المجال أينما كانت. فالقضاء متعلق بالإنسان, يقوم به الإنسان, من اجل الإنسان.
في أوروبا ــ التي أخذت عنها غالبية بلداننا هياكلها القضائية ــ محاولات غير منقطعة منذ ع..... للإصلاح القضائي, تدفع إليها, حديثا, إرادة التمهيد لتقريب الأنظمة القضائية الأوروبية في الاتحاد الأوروبي. ترفدها كتابات متخصصين, وقضاة, ورجال قانون, وأساتذة جامعات, ومواطنين عاديين لهم تجارب وقضايا مع القضاء. كتابات صريحة وجريئة لا تستلهم الزعماء, ولا تُرسم لها خطوط تنبيه أو تحذير, أو تحريم وجزر وقمع.
ليس التمهيد لتوحيد القضاء في أوروبا الموحدة وحده سبب العمل المستمر للإصلاح. السبب الأساسي هو خدمة المواطن, وإرضائه, وإعادة الاعتبار للقضاء الذي كاد أن يفقد ثقة هذا المواطن به. فالمجتمع اليوم لا يقبل أن يرتكب القضاء أخطاء, حتى وان كانت نسبتها قليلة جدا بالنسبة لمئات آلاف القرارات التي يصدرها كل سنة.
كتب ايف بول, المحامي العام في محكمة العدل للجماعة الأوربية في بروكسل, بان على القضاء أن لا يحمر خجلا من حصيلة أفعاله, حتى ولو كان يرتكب أخطاء بين حين وآخر. عليه الاعتراف بأخطائه وعدم السكوت عن جموده. على القضاء الالتزام بالشفافية وقبول الحوار والنقد, عليه ـ مع الاحتفاظ الكامل باستقلاله ــ قبول حكم المواطنين. فمكانه في حضن المجتمع وليس على هامشه. عليه لإعادة ثقة المواطنين به أن يغير طريقة تعامله معهم على مستوى مهامه ومؤسساته. فالرأي العام اليوم أكثر من أي وقت مضى شاهد متيقظ على العدالة التي تقاضيه. و يدخل كفاعل في النظام القضائي نفسه. ( Ma justice ).
مجال الإصلاحات القضائية واسع جدا, ولكن الأكثر استعجالا فيها والأكثر ضرورة, كما هو مطروح في فرنسا للاندماج في الوحدة الأوروبية والعولمة والإصلاح الداخلي, هو إلغاء مؤسسة قاضي التحقيق, واستقلال النيابة العامة, واستحداث نائب عام للأمة procureur général de la nation ). وسنشير هنا فقط إلى قاضي التحقيق, والجدل بشان بقائه أو ذهابه. على أن نعود لاحقا لاستقلال النيابة العامة. واقتراح خلق منصب النائب العام للأمة.
إلغاء مؤسسة قاضي التحقيق
استحدث المجموعة القانونية للتحقيق الجنائي عام 1808, قانون نابليون, قاضي التحقيق. وهو ما تنفرد به الإجراءات الجزائية الفرنسية. فقاضي التحقيق محقق وقاض في الوقت نفسه. وظيفتان غير منفصلتين في كل المهام التي يقوم بها هذا القاضي.
عام 1847 كتب بلزاك لا توجد قوة, سواء أكانت عائدة للملك, أو لوزير العدل, أو للوزير الأول, تستطيع التعدي على سلطات قاضي التحقيق. فلا شيء يوقفه ولا احد يأمره. فهو سيد يخضع فقط لضميره وللقانون.. المجتمع الذي يهزه فقدان الفطنة وضعف هيئة المحلفين سيصبح مهددا بالخراب إذا ما دُمّر العمود الداعم لقانوننا الجنائي Splendeurs et misères des courtisanes..
وكتب حديثا القاضي رينود فان ريمبيك : قاضي التحقيق هو القاضي الأكثر إثارة للجدل في الجسم القضائي. فصورته تجمع التناقضات. أليس هذا الرجل القوى في فرنسا أداة في الجهاز الزجري؟. أليس, وهو الضامن للحريات الفردية, هو نفسه من يملئ السجون بموقفين لم تجر بعد محاكمتهم, وبالتالي براءتهم مفترضة؟. Le juge d’instruction, P.U.F.
كما يتساءل جان بيير دينتيلاك, رئيس غرفة في محكمة النقض الفرنسية, هل عمل قاضي التحقيق يتلاءم مع عصرنا الذي لم يعد يتحمل وجود قاض منفرد يأخذ على عاتق ضميره وحده قرارات خطيرة؟ وتبعا لمزاجه و شخصيته, يأمر بالحبس الاحتياطي أو يعفي منه؟.
في كل محكمة ابتدائية كبرى tribunal de grande instance يوجد قاض تحقيق أو أكثر وذلك يتبع كبر المحكمة وأهميتها. ففي محكمة باريس يوجد 70 قاض تحقيق.
في القضايا الجنائية يكون رفع الدعوى أمام قاضي التحقيق إجباريا. أما في قضايا الجنح فهو اختياري. وفي حالات استثنائية ترفع الدعوى أمامه في قضايا المخالفات. فيعد الملف, ويبحث عن المجرمين, ويوقفهم, ويلقي الضوء على شخصياتهم, يجمع الأدلة ويدققها. فإذا كانت النتائج سلبية يصدر أمرا بان لا وجه للمحاكمة. أما إذا جاءت ايجابية فيقفل الملف بعد انتهاء التحقيق ويحيله إما إلى الغرفة الجنائية, إذا كان الفعل جريمة, أو إلى محكمة الجنح, إذا كان جنحة, والى محكمة المخالفات إذا كان مخالفة.
فهو يملك الصلاحيات الكاملة على ملفاته, ويحقق فيها بسرية تامة. ويتخذ قراراته باستقلال كامل, ولا يتلقى تعليمات من أي كان, وبشكل خاص من نائب الجمهورية الذي لا يمكنه إلا إبداء آراء بصيغة مطالب. ولا يمكن الطعن بقراراته إلا بطريق الاستئناف أمام غرفة الاتهام, التي تملك وحدها اختصاص تعديلها أو إلغائها. هذه الاستقلالية تبدأ من فتح الدعوى عند اختيار قاض تحقيق إلى اتخاذه قرارا بشأنها. شروط إجراءات سحب الدعوى منه تخضع لإجراءات قانونية صارمة.
استقلالية قاضي التحقيق وسيادته, فيما يتعلق بملفات القضايا الخاضعة له, لا يمنع أن تكون إدارة مكتبه خاضعة لرقابة قاض حكم في محكمة الاستئناف, هو رئيس غرفة الاتهام.
قانون كيكو Guigou ,15 جوان/حزيران 2000 , سحب من قاضي التحقيق اختصاص الحبس الاحتياطي ليسنده لقاضي الحريات والحجز juge de liberté et de tension . ومع ذلك بقي السؤال كيف يمكن لقاضي التحقيق, ممارسا مهامه كمحقق, بناء فرضيات حول إجرامية هذا الشخص وبراءة ذاك. ثم يقرر بضرورة الإحالة إلى المحاكمة أو بان لا وجه للمحاكمة؟. هل عليه وهو ي..... عمليات التحقيق أن يضحي بدوره كقاض فيفوض تحقيقاته للشرطة, ويكرس نفسه لإظهار الحقيقة؟. هذه من بعض الأمور التي جعلت دولا أوروبية, مثل المانيا وايطاليا, تلغي قاضي التحقيق وبعض منها يقلص دوره ومهامه.
في التسعينات سجل بعض قضاة التحقيق في فرنسا صفحات أبرزت استقلالية القضاة, بتصديهم للنخب وللأحزاب السياسية في قضايا اقتصادية ومالية, أجبرت هذه النخب على تقديم حسابات لهم متعلقة بالفساد في تمويل الأحزاب. "مما شهد إعادة ولادة سلطة قضائية في بلد كان يرفضها". وقد لاقى هذا مساندة شعبية كبيرة. ( Denis Salas et Andrea Carstoiu, la Justice ).
اُعتبرت قضية اترو Outreau كارثة بالنسبة للقضاء الفرنسي. وقد كشفت لجنة التحقيق البرلمانية بجلساتها العلنية العديدة المتلفزة, ما يعانينه القضاء في فرنسا. وعلى إثرها تشوهت كثيرا الصورة المرسومة منذ القديم لقاضي التحقيق في الذهنية الشعبية. عندما كان الجميع يتابع أعمال اللجنة في القضية المذكورة, ويرى ويسمع المداخلات والشهادات والتقييم, ورؤية قاض التحقيق المعني بالقضية المذكورة, بضعفه ونقص خبرته, وضعف دفاعه, رغم إحاطته بعدد من المحامين المشهورين.
وقد اتخذ المطالبون بإلغاء مؤسسة قاضي التحقيق من ذلك حجة لدعم وجهات نظرهم. ورأت النخب السياسية في سلطات وفاعلية قاضي التحقيق التي بدأت تطال مصالحهم ــ مما لم يكن يحدث قبل قرن ونصف ــ فرصة مواتية للإلغاء تُطرح باسم الإصلاح القضائي. وهذا يبين تصدي السلطة السياسية للمهام القضائية الجنائية والاصطدام بها في كل مرة يمس القضاء مصالحها ونفوذها.
المآخذ الأولى كانت في غالبيتها تتعلق بفاعلية قاضي التحقيق . وقد علق على ذلك ايف بوت في كتابه المشار إليه أعلاه بقوله, لو أن هذا هو المأخذ الوحيد عليه فسأبقى, كما كنت إلى عهد قريب, من اشد المساندين للداعين للاحتفاظ به. ولكنه اليوم لم يعد يملك نفس الفاعلية والقوة التي كان يملكها سابقا بسبب التطور العميق والنوعي للجرائم الكبرى.
النقد الموجه لمؤسسة قاضي التحقيق كان يرفع باسم تعزيز الضمانات في وجه الإجراءات الجزائية التي هي تحت تصرف قضاة التحقيق, ومنها الحبس الاحتياطي, مما يؤثر في مفهوم الدعوى المنصفة. ولكن كما اشرنا أعلاه قد سحبت صلاحية الحجز والحبس الاحتياطي من قضاة التحقيق لتصبح من اختصاص قاضي الحريات والحجز.
وبشكل عام فان من الأسباب التي يقدمها دعاة إلغاء مؤسسة قاضي التحقيق, أسباب تقنية, فتعقد القضايا المالية وتطور الجريمة وتعقيدها, مثل جرائم الإرهاب والمخدرات بكل أنواعها ووسائلها, أصبح يتطلب تك.....ا فعالا ومتطورا وعملا جماعيا, يعجز عنه قاضي التحقيق. وان كان الاحتفاظ بمؤسسة قضاء التحقيق ضرورة, يجب أن لا ينفرد قاض واحد باحتكار التحقيق, وان يكون هناك قضاة ثلاثة في القضية الواحدة.
غير أن مثل هذا الطرح يثير الكثير من الأسئلة, منها ما هو متعلق بجدوى مثل هذا الحل, ومنها ما يتعلق بصعوبة العمل الجماعي من قبل قضاة متساوين في الاستقلال والمرتبة, ومختلفين في التفكير وطرق العمل. ولعل ما أورده قاضي التحقيق الأول في المحكمة الابتدائية الكبرى في باريس رينود فان Renaud Van والذي يتمتع بشهرة كبيرة في فرنسا, في جريدة لموند 19, جانفي 2006 , دليل على صعوبة العمل الجماعي في التحقيق, حيث يشير إلى مهمته مع زميلين له للتحقيق في قضية ELF " كان لنا نظرات مختلفة للملف, وطرق عمل مختلفة. ولكن هذا تم تسويته عند ذهاب زملائي الاثنين".
أما مؤيدو بقاء المؤسسة المذكورة فيقدمون أن قاضي التحقيق رمز لقضاء أصبح يملك وسائل سلطة المعارضة. وأصبح فاعلا في الديمقراطية. ومعترف له من الجميع. فهل من الضروري إلغاء هذا الرمز. ( دنيس سالاس واندريا كارستوي . العدالة) .حتى ولو وقع قاضي التحقيق في الخطأ, حتى ولو تعسف في قضايا الحبس الاحتياطي والحجز, وهذا قد سحب منه, فهو يبقى أفضل وسيلة للحماية من الجريمة. ويضيفون إن وظيفته المستندة للأسطورة ومزاياه تتفوق عيوبه. إضافة إلى أن الغالبية في المجتمع الفرنسي تعتقد بضرورة بقاء قاضي التحقيق ومؤسسته.
لم ينته الجدل بين أنصار ومعارضي قاضي التحقيق, ولن ينته في وقت قريب, خاصة وانه, زيادة على بعض ما اشرنا إليه أعلاه, مرتبط بتاريخ القضاء الفرنسي. وإلغاء جزء من التاريخ ليس أمرا سهلا, ولا ويتم قبوله, أو فرض قبوله, بسهولة على شعوب لا تنسب صنع التاريخ لفرد أو مجموعة أفراد. و لا تقبل أن يكتبه لها فرد أو مجموعة أفراد حسب المعتقدات و الأهواء. ولا أن يصنع لها مستقبلها, ومنه القضائي, فرد أو مجموعة أفراد
مع تحيات الأستاذ/ سنوسي علي
المحضر القضائي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى