محمد البشير الإبراهيمي.. المسيرة والجهود
الأربعاء 6 يناير - 18:49
(في ذكرى مولده: 15 من شوال 1306 هـ) | |||
| | ||
منذ عشرات القرون والعالم العربي والإسلامي محط أطماع كثير من الدول الاستعمارية المتربصة به، والتي استهدفت دائما تفكيك أوصاله واستنزاف ثرواته، ونجحت أغلب تلك المحاولات الاستعمارية العديدة المنظمة في أن تفرض سيطرتها وتبسط نفوذها وهيمنتها على بعض أقطار الوطن العربي والإسلامي في فترات متفاوتة من تاريخ الأمة العربية والإسلامية عبر مسيرة تاريخها الطويل، ولكن إرادة التحرر وعزيمة أبناء تلك الأمة كانت دائما تنتصر على أطماع الغزاة والمستعمرين مهما طال الزمان، وكان الله يقيض لهذه الأمة روادا من بين أبنائها يبعثون فيها روح الجهاد، ويشعلون فيها إرادة المقاومة حتى تنتصر على أعدائها وتستعيد حريتها وكرامتها، وتملك زمام أمرها من جديد. وكان "محمد البشير الإبراهيمي" واحدا من هؤلاء الرواد والزعماء الذين أشعلوا تلك الجذوة في نفوس أبناء أمتهم، وساهموا في رفع راية الجهاد ضد الاستعمار في أوطانهم، وفي إيقاظ الوعي بين أبناء أمتهم حتى تحقق لها النصر وتحررت من أغلال الاستعمار البغيض. لقد كان "البشير الإبراهيمي" حلقة من حلقات الجهاد الطويل في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، وأحد الذين شكلوا وعي ووجدان الأمة العربية والإسلامية على امتداد أقطارها؛ حيث كان أحد رواد الحركة الإصلاحية في "الجزائر"، وأحد مؤسسي "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، وكان زميلا للشيخ "عبد الحميد بن باديس" في قيادة الحركة الإصلاحية، ونائبه في رئاسة جمعية العلماء، ورفيق نضاله لتحرير عقل المسلم من الخرافات والبدع. البداية والتعلم ولد "محمد البشير الإبراهيمي" في (15 من شوال 1306 هـ= 16 من يوليو 1889م) في قرية "سيدي عبد الله" قرب "سطيف" غرب مدينة "قسنطينة"، في بيت من أعرق بيوت الجزائر، يرجع نسبه إلى الأدارسة العلويين من أمراء المغرب العربي في أزهى عصوره، وتلقى تعليمه الأوَّلي على والده وعمه الشيخ "محمد المكي الإبراهيمي" الذي كان من أبرز علماء "الجزائر" في عصره؛ فحفظ القرآن ودرس بعض المتون في الفقه واللغة، كما حفظ العديد من متون اللغة ودواوين فحول الشعراء، فلما مات عمه صار يُدَرِّس ما تلقاه عنه، ولم يكن قد جاوز الرابعة عشرة من عمره. لكنه ما لبث أن غادر "الجزائر" إلى "الحجاز" وهو في العشرين من عمره -سنة (1330 هـ = 1911م)- ليلحق بأبيه الذي كان قد سبقه إلى هناك قبل ذلك بنحو أربعة أعوام. وواصل "البشير" تعليمه في "المدينة"، واتصل بعالمين كبيرين كان لهما أثر كبير في توجيهه وتكوين فكره، وهما الشيخ "عبد العزيز الوزير التونسي" وقد درس عليه الفقه المالكي وأخذ عنه "موطأ مالك"، والشيخ "حسين أحمد الفيض آبادي الهندي" الذي أخذ عنه "صحيح مسلم". وكان "البشير" شغوفا بالعلم، يقضي معظم وقته بين المكتبات الشهيرة بـ"المدينة"، ينهل من كنوزها، ليروي ظمأه المعرفي ويشبع نهمه العلمي. علاقة بابن باديس وفي أثناء إقامته في المدينة تعرف على الشيخ "عبد الحميد بن باديس" عندما قدم لأداء فريضة الحج عام (1331 هـ = 1913م)، كما التقى بعالم جزائري آخر هو "الطيب العقبي" وكان قد سبقه إليها قبل سنوات، وجمعت بين ثلاثتهم ألفة ومودة شديدة زادتها اتصالا ميولهم واهتماماتهم المشتركة، وأضفت عليها الغربة مزيدا من القوة والعمق. وعاد "ابن باديس" إلى "الجزائر" ليبدأ بها برنامجه الإصلاحي، بينما ظلَّ "البشير" في المدينة حتى غادرها إلى دمشق سنة (1335هـ = 1916م) حيث اشتغل بالتدريس، وشارك في تأسيس "المجمع العلمي" الذي كان من غاياته تعريب الإدارات الحكومية، وهناك التقى بالعديد من علماء دمشق وأدبائها. تأسيس جمعية العلماء وفي عام (1338هـ = 1920م) غادر "البشير الإبراهيمي" دمشق عائدا إلى "الجزائر"، وبدأ بدعوته إلى الإصلاح ونشر العلم في مدينة "سطيف"، وبدأ في إلقاء الدروس الدينية والمحاضرات العلمية لطلاب العلم من أبناء بلده، وعندما رأى إقبال طلاب العلم على دروسه وخطبه شجعه ذلك على إنشاء مدرسة لتدريب الشباب على الخطابة وفنون اللغة والأدب، ولم تنقطع صلته بصديقه "ابن باديس" طوال تلك الفترة، فكانا يتبادلان الزيارات من حين لآخر. وفي عام (1342 هـ = 1924 م) زاره "ابن باديس" وعرض عليه فكرة إقامة "جمعية العلماء"، فلاقت الفكرة قبولا في نفس "البشير"، فأخذا يدرسانها ويضعان لها الأطر والأهداف التي تقوم عليها تلك الجمعية، وقد استغرق ذلك زمنا طويلا حتى خرجت إلى حيز الوجود، وعقد المؤتمر التأسيسي لها في (17 من ذي الحجة 1349 هـ = 5 من مايو 1931 م)، وذلك في أعقاب احتفال "فرنسا" بالعيد المئوي لاحتلال "الجزائر"، وبعد تأسيس الجمعية اختِير "ابن باديس" رئيسا لها واختير "الإبراهيمي" نائبا لرئيسها، وانتدب من قِبل الجمعية لأصعب مهمة، وهي نشر الإصلاح في غرب "الجزائر" وفي مدينة "وهران" وهي المعقل الحصين للصوفية الطرقيين، فبادر إلى ذلك وبدأ ببناء المدارس الحرة، وكان يحاضر في كل مكان يصل إليه، وبنى أكثر من مائتي مسجد، وامتد نشاطه إلى "تلمسان"، وهي واحة الثقافة العربية في غرب "الجزائر". وقد أثار نشاط "البشير" حفيظة الفرنسيين كما أثار قلقهم ومخاوفهم من نتيجة هذا الغرس الذي يؤدي إلى صحوة إسلامية عارمة، وإيقاظ وعي أبناء الأمة، فأسرعوا باعتقاله ونفيه إلى صحراء "وهران" سنة (1359 هـ = 1940 م)، وبعد أسبوع من اعتقاله توفي "ابن باديس" فاختاره العلماء رئيسا لجمعيتهم خلفا له، ولم يُفرج عنه إلا بعد انتهاء "الحرب العالمية الثانية" سنة (1362 هـ = 1943 م)، لكنه ما لبث أن اعتقل مرة ثانية عام (1364 هـ = 1945 م)، وأفرج عنه بعد عام واحد. وفى عام (1366 هـ = 1947 م) عادت مجلة "البصائر" للصدور، وكانت مقالات "الإبراهيمي" فيها غاية في القوة والبلاغة، وتتسم بقدر كبير من الجرأة والصراحة والنقد القاسي لفرنسا وعملاء "فرنسا". قضايا واهتمامات وقد وقف "البشير" -في "البصائر"- مدافعا عن اللغة العربية ضد حملات التغريب من المستعمر الفرنسي وأعوانه، يقول عن اللغة العربية: "اللغة العربية في القطر الجزائري ليست غريبة، ولا دخيلة، بل هي في دارها وبين حماتها وأنصارها، وهي ممتدة الجذور مع الماضي، مشتدة الأواصر مع الحاضر، طويلة الأفنان في المستقبل".. كما اهتم أيضا بالدفاع عن قضية "فلسطين"، وسخر قلمه للتعريف بها والدفاع عنها. وقد كان "البشير الإبراهيمي" واسع المعرفة، متنوع الثقافة، متعدد الميول والاهتمامات، ألف في الأدب واللغة، كما صنف في الفقه والمعاملات، ونظم الشعر وكتب العديد من المقالات، وترك "البشير" تراثا علميّا وأدبيّا كبيرا ما يزال بعضه حبيسا حتى الآن، ومن أهم تلك الأعمال: - أسرار الضمائر العربية. - الاطراد والشذوذ في العربية. - التسمية بالمصدر. - حكمة مشروعية الزكاة. - رواية "كاهنة أوراس". - شعب الإيمان (في الفضائل والأخلاق الإسلامية). - الصفات التي جاءت على وزن "فُعَل". - عيون "البصائر"، (وهي مجموعة مقالاته التي نشرت في جريدة "البصائر"). - فتاوى متناثرة. - الملحة الرجزية في التاريخ. وقد عاش "البشير الإبراهيمي" حتى استقلت الجزائر، فلما أُعْلِن الاستقلال عاد إلى وطنه، وخطب لأول صلاة جمعة في مسجد "كتشاوة" بالعاصمة الجزائرية، وكان الفرنسيون قد حولوه إلى كنيسة بعد احتلالهم "الجزائر". وقد لزم "البشير" بيته بعد عودته، ولم يشارك في الحياة العامة بعد أن تقدم به العمر ووهنت صحته، إلا أنه لم يكن راضيا عن الاتجاه الذي بدأت تتجه إليه الدولة بعد الاستقلال؛ فأصدر عام (1384 هـ = 1964 م) بيانا قال فيه: "إن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم يجب أن تنبعث من صميم جذورنا العربية الإسلامية لا من مذاهب أجنبية". تُوفي -رحمه الله- يوم الخميس (18 من المحرم 1385 هـ = 19من مايو1965م) عن عمر بلغ (76) سنة، قضاها في خدمة الإسلام والمسلمين. أهم مصادر الدراسة: · الاتجاه العربي والإسلامي ودوره في تحرير الجزائر: نبيل أحمد بلاسي، الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة: [1410 هـ = 1990م]. · الفكر والثقافة المعاصرة في شمال أفريقيا: أنور الجندي، الدار القومية للطباعة والنشر -القاهرة : [1385هـ = 1965م]. · المجمعيون في خمسين عاما: محمد مهدي علام، مجمع اللغة العربية -القاهرة : [1406 هـ = 1986م]. · النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين: د. محمد رجب البيومي، دار القلم -دمشق: [1415 هـ = 1995م]. · من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة: عبد الله العقيل، مكتبة المنار الإسلامية -الكويت: [1422هـ = 2001م]. |
محمدالبشير الإبراهيمي (الشيخ
المجاهد بلسانه وقلمه)
أولاً:
آثار الشيخ الإبراهيمي:
ليس هناك أحبّ إلى
النفس من كلمة حقّ تقال، وموقف وفاء يعلن، يكبر ذلك في حقّ جيل أعطى الكثير لأمته، ولم
يأخذ شيئاً ذا بال، بل كان جزاؤه الصّدود، والتناسي، حتى صارت في هذه السنوات
الأخيرة تمرّ الذكريات الخاصة بوفاة بعض أعلامنا الفكرية في صمت مطبق، في حضور ضجيج
حزبي، وانتهازية سياسية وإعلامية، ومن بين هؤلاء: المفكر والأديب والمصلح الشيخ
(محمد البشير الإبراهيمي 1889-1965م) وإن كان الشيخ غنيا عن التعريف بالنسبة لجيله
ولاحقه، ولبعض الباحثين والمثقفين، فهو يكاد يكون مجهولاً بالنسبة لأغلبية من قراء
العربية في الوطن العربي.
لقد ولد الشيخ
(الإبراهيمي) سنة 1889 في قبيلة (أولاد إبراهيم) بولاية (سطيف) وانتقل إلى (الحجاز)
فأقام مع والده في المدينة المنوّرة، ثم انتقل إلى دمشق (1916) وعاد إلى (الجزائر) في
(1920) حيث استقرّ وأسهم في الحركة الإصلاحية، وكان نائبا لرئيس (جمعية العلماء
المسلمين الجزائريين) (عبد الحميد بن باديس) حين تأسست في (1931) ورئيساً لها بعده
حتى (1952) ثم انتقل إلى (القاهرة) في رحلة، سنة (1952) ليزور عدّة أقطار عربية
وإسلامية، حتى اندلعت ثورة التحرير الجزائرية (نوفمبر 1954) فأقام في القاهرة مؤازرا
للثورة، وبعد الاستقلال سنة (1962) عاد إلى (الجزائر) حيث اندلع الخلاف بينه وبين
النظام الذي لاحظ فيه الشيخ انحرافا على الإسلام في نهجه السياسي والاجتماعي حتى
كانت وفاته في (19 ماي 1965) مخلّفاً وراءه عدة آثار.. وبعض الأثر الأدبي والفكري.
للشيخ إنجازات معتبرة في
الحركة الإصلاحية منذ العشرينيات إذن في هذا القرن: خطيبا، واعظا، وكاتبا، وربّما كان الأثر الأكثر اتساعاً ورسوخاً
بكتاباته في (الشهاب) جريدة أولا، ومجلة ثانيا، و(البصائر) في سلسلتيها، خصوصاً
افتتاحياته في هذه الجريدة الأخيرة التي جمعها في كتاب (عيون البصائر) الذي
صدر أول مرّة في القاهرة سنة 1963 بإشرافه في دار (المعارف) بالقاهرة، فحوى هذا
الكتاب مقالاته التي كانت (افتتاحيات) في السلسلة الثانية من (البصائر)، بين سنوات
(1947) و(1953) وأعيد طبعه مرتين اثنتين في (الجزائر) بعد وفاته واعتبر جزءاً ثانياً،
أما الجزء الأول فقد كان بداية الجهد الذي شرع يبذله بعض تلامذته وأصدقائه بعد وفاته
بمساعدة ابنه (د. أحمد)، من أجل جمع آثاره الفكرية والأدبية ونشرها
هذا الجزء الأول صدر
عن (المؤسسة الوطنية للكتاب) في (الجزائر) سنة (1398هـ /1978م) وهو يشتمل على ما كتبه
بعد عودته الأولى من المشرق العربي ابتداء من منتصف العشرينيات، فضمّ خطباً ومحاضرات
إلى جانب ما نشره في (الشهاب) و(البصائر) في سلسلتها الأولى، أما الجزء الثالث فقد صدر سنة (1982م) عن نفس الدار، بينما
صدر الجزء الرابع سنة (1985) فضمّ الثالث ما نشره في (البصائر) خصوصاً، ممّا لم يتضمّنه
الجزء الثاني، أما الجزء الرابع فمعظم مادته سبق نشرها خارج (الجزائر) في
الصحافة العربية: جرائد ومجلات، مثل (الأخوة الإسلامية)، (المسلمون)، (المنهل)،
(منبر الشرق)، (الإرشاد)، (الأهرام).
وبعد صمت بلغ عشر سنوات
صدر كتاب جديد للشيخ عن (دار الأمة) ذات التوّجّه القومي، بعنوان: (في قلب المعركة 1954-1964) ضمّ كتابات
(الإبراهيمي) في قضايا ساخنة، سواء أثناء الثورة التحريرية أو بعد الاستقلال، منها ما نشر
سابقاً، ومنها ما لم ينشر، حتى كانت الفرصة في هذا الكتاب. وقد أشرف على جمع المادة في
هذه المرة ابنه (د. أحمد طالب الإبراهيمي) الوزير السابق في عهد كلّ من (هواري
بومدين) و(الشاذلي بن جديد) وزيرا للتربية، والإعلام والثقافة، والخارجية.
والكتابة إضافة
جديدة جادّة في المكتبة العربية ومنها الجزائرية، ليس بأسلوبه المتميز دائماً فحسب، وإنما بمادته، وبما
تقدّمه هذه المادة من حقائق موثقة، كانت مجهولة أو غامضة بالنسبة للبعض، من بينها دور
(جمعية العلماء) في الثورة التحريرية (1954-1962م).
وقام بكتابة تصدير
للكتاب الأستاذ الجامعي الباحث المؤرخ الدكتور أبو القاسم سعد الله، الذي قال في
تصديره عن مادة الكتاب، إنها "وثائق حول الثورة من بيانات وبرقيات وتصريحات وخطب
وأحاديث ونداءات حررّها أو ألقاها باسم جمعية العلماء وجبهة التحرير الوطني، وإذا شئت
باسم الشعب الجزائري بين 1954-1964".
كما ذكر صاحب التصدير
في المناسبة بطبعة بيان (أول نوفمبر 1954) الذي أعلن الثورة، حيث يلاحظ غيابا
"لمبادئ" جمعية العلماء التي رسمتها الجزائر ماضيا ومستقبلاً، كما يلاحظ أن البيان
لا يجيب على بعض النقاط بوضوح كالهوية والإسلام والعروبة، وأنه ليس ميثاقاً أو عريضة
مرجعية ذات فلسفة وتصورات حضارية، وإنما هو وثيقة سياسية صحفية"(1) كتبت على عجل، ليس من اليسير أن يبادر فورا
أمثال (الإبراهيمي) لتبنّيها، وهو كلام ينبّه إلى ما يردّد عن تقاعس ينسب للجمعية التي لم
تبادر بإعلان الانضمام إلى الثورة المسلحة حين اندلعت (فجر 1نوفمبر 1954م).
وهذا جانب من التهمة
التي يحاول التيار اليساري بالخصوص إلصاقها بجمعية العلماء، وفي قيادة هذا التيار
ما كان يسمى بالحزب الشيوعي الجزائري قبل الثورة، وخرج في جبة جديدة بعد: (1989)
تحت أسماء مختلفة.
ومن هنا تأتي الأهمية
الكبيرة لهذه الوثائق التي تضمنّها الكتاب، بما فيها من أفكار وآراء ومواقف
وقضايا، وتوقيعات لشخصيات سياسية في قيادة الثورة بالخارج، وفي مقدمتهم (أحمد بن
بلة) و(الورتلاني) و(خيضر) و(آيت أحمد) وغيرهم.
والكتاب حافل
بمقالات ومحاضرات وبيانات وخطب وسواها، بعضها أفكار ملتهبة عن احتدام الصراع الحضاري بين (فرنسا) و(الجزائر)
على مستوى الفكر وبعضها مواقف في المواجهة المسلحة التي خاضها المجاهدون الجزائريون
في وجه الغزاة الفرنسيين، وبعضها الآخر عن مشاكل ذات علاقة بالفعل
الاستعماري خلال قرن واثنتين وثلاثين سنة، ومنها ما هو ذو طابع حضاري بوجهه القومي في
مثل موضوع "مشكلة العروبة في الجزائر" وهو الموضوع الذي لا تزال له حيويته
عربياً عموماً وجزائرياً خصوصاً، وفيه يقول (الإبراهيمي): "أما الأمم الجارية مع الحياة
فإنها تحلّ مشكلاتها القديمة لتتفرغ للمشكلات الجديدة، ومن سلك هذا السبيل لم يبق له
مشكلة، لأن المشكلات إذا وجدت العقول متهيأة لحلها قادرة عليه متفرغة له لم تعد
مشكلة، وما صيّر قضايا العرب مشكلات إلا العرب وعقول العرب، فهم فيها بين حالات ثلاث إما
أن يسكتوا فتبقى إشكالاً، وإما أن يعتمدوا في حلّها على غيرهم فيزيدها
تعقيداً أو يحلّها لصالحه لا لصالحهم، وإما أنّ يعالجوها بأنفسهم ولكن بنيات مدخولة
وضمائر مريضة وعقول ناقصة وغايات متباينة وإرادات مستبعدة ومقاصد تافهة، فلا يكون
العلاج علاجاً، وإنما يكون بلاء مضاعفا"(2) ثم يضيف بعد هذا بقليل "والعروبة
لغة: غمرتها الرطانات الأعجمية واللهجات العامية، واللغات الأجنبية، والرطانات الأعجمية
أخذت منها ثم تعالت عنها، واللهجات العامية مزّقتها، وأصبحت حجّة عليها ومداخل ضيم
لها، واللغات الأجنبية زاحمتها في ضعفاء الهمم والعزائم من أبنائها، وهذه كلها
مشكلات ذات أثر سيء وعميق في المجتمع العربي".
وإن كبرت مشكلات
العروبة، فهي في (الجزائر) صغيرة، كما كان ينظر إليها الرجل، من دون أن يلغي إحساسه بقوى
تجعل من العروبة انتماء: مشكلة وعقدة لدى بعض، تنجب مشكلة أخرى، خصوصاً في
(الجزائر).
أما على المستوى
السياسي فإن بيانات (الإبراهيمي) و(الورتلاني) في إعلان المؤازرة للثورة (54-62)
باسم (جمعية العلماء) واضحة، تتصدّر صفحات الكتاب، وهي بيانات تنطلق ابتداء من (الثاني
نوفمبر 1954) نشرتها صحف وبثّتها إذاعات، كلها تبارك الثورة المسلحة التي انطلقت في وجه الاستعمار الفرنسي بالجزائر في
الفاتح من نوفمبر (1954).
جاء ذلك عموماً بأسلوب
(الإبراهيمي) بعربيته المتينة الغنية، المركّزة كواحد من أمراء البيان في النثر
العربي، ويتجسّد ذلك في أكثر من موقع بهذا الكتاب نفسه، في مثل مقالته (حرية
الأديب) وتدخّله في (مجمع اللغة العربية) بالقاهرة يخاطب زملاء في المجمع - الذي كان
عضواً فيه: "أيها الأخوة الكرام: حيّاكم الله وبيّاكم، وأدامكم وأحياكم، وأبقاكم
للعروبة تصونون عرضها، وتستردّون قرضها، وللغة العرب تجمعون شتاتها وتحيون مواتها، وترعون على تجهّم الأحداث وسفه
الورّاث متاتها، ولهذا المجمع تعلون بنيانه وترفعون على العمل النافع أركانه"(3).
كتاب (في قلب المعركة) إضاءة جديدة لجوانب في فكر (الإبراهيمي)
ومواقف (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) ودورها في ثورة التحرير، كما يتوفّر
على عناصر ذات أهمية كبيرة في كتابة تاريخ الثورة الجزائرية، الموضوع الذي لا
يزال وسيبقى جديراً بالبحث والتقصي والتأمل والفرز والتقييم.
وإني لعلى يقين تام أن
فكر الشيخ (محمد البشير الإبراهيمي) القومي: مؤثرات وآثارا، منطلقات ومقاصد: لا يزال في انتظار جهد كبير، لكن من باحث
متأن في إنجاز جامعي (أكاديمي) ينير تلك الجوانب: من واقع حياة الرجل وآثاره التي
نتمنّى ألا يتأخّر باقيها عن النشر، مهما قلّت مادتها، وضعف شأنها العام:
تاريخيا، وفكرياً وفنياً، تيسيرا على الباحثين، ثم إنصافاً للرجل ولرعيله - في زمن
قلّ الإنصاف فيه وكبر الحجود- وإنصافاً لمرحلة تاريخية من نضال (الجزائر) القومي،
وجهادها دفاعاً عن هويتها وانتمائها الحضاري، وقوفاً بإباء في وجه المسخ
الأوروبي، ومحاولاته الشرسة للهيمنة: لغة وفكراً وقيما.
ثانياً:
الرأي ومسؤولية الكلمة لدى (الإبراهيمي)
الكلمة الصادقة
ضرب من ممارسة الفعل الناقد في (القلوب) وفي (العقول) فوقع قطرة حبر صادقة أشدّ فتكا، بالأعداء من طلقة
رصاص، فالقلم من هذه الزاوية (كتائب) متراصة هادرة: وقليل هو حامله: اقتناعاً
بالمهمة وصدقاً في القول، وطهرا في النيات.. المبرأة من الأهواء الظرفية، أهواء
الذات، والطمع الرخيص كحال زمننا هذا الذي نشهد فيه (ركام) الأقلام (المغلولة) الفاسدة
الأداء، أين هي من تلك الأقلام الرائدة المفعمة، عزماً.. وصدقا.. وإيمانا.. وحبا؟
فهل لي أن أبحث عن (قلم) من تلك الأقلام (المجاهدة) أقدمه صورة من صور (الجهاد)
بالكلمة؟ في زمن غدا (الجبن) سمته الغالبة، والخنوع طابعه، و(التملق) دربه، فإن غفرنا
لأحد هذه في سلوكه اليومي المحدود، فلن نغفره لمن يمسك (القلم) فهكذا علّمنا رجال
بواسل من الرعيل الرائد في نهضتنا الحديثة، فهل أتأخّر في إعلان (قلم) الإبراهيمي من
تلك الأقلام الفذة، لكن ما أقلها، وما أحبّها إلى النفس في الوقت ذاته، وهو الذي
تشبّع منذ شبابه بالفكر القومي الوحدوي، وبالروح الإسلامية، مما عكسه قلمه الذي صال
بمسؤولية كاملة، وعناد وطني شرس، لمحاربة الاستعمار وأذنابه، في الصحافة العربية،
خصوصاً منها جريدة (البصائر) بالجزائر، وبشكل أخصّ في سلسلتها الثانية بعد
الحرب العالمية (من: 1947 حتى 1956) التي كانت افتتاحياتها بقلمه حتى سنة (1952م)
بجرأة وقوة لتشخيص الأدوار بحثاً عن سبل استئصالها، فباتت لقلمه نكهة خاصة من بين سائر
الأقلام الوطنية القومية في (الجزائر) وفي (الوطن العربي) عموماً لتميّز
نثره الذي يعتبر من غرر النثر العربي الحديث بقلم جاد قوي، سيال، انطلق من هموم
وطنية محلية، ليعمّم المعالجة لما تعانيه أمة العرب والإسلام، من مكائد
ومؤامرات، كقضية (فلسطين) التي حذّر مما ينتظرها من مآل قبل الاحتلال الإسرائيلي، حتى صار
هذا الاحتلال واقعا، بل دولة عربيدة.. طاغية تهدّد من حولها، وما حولها.
في وطنه (الجزائر)
صارع الاحتلال: سياسياً، ودينيا، وثقافياً، دفاعاً عن (الجزائر) وطنا، وهوية، فكان
نائباً لرئيس (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) الشيخ (ابن باديس) ثم رئيساً
لها بعد وفاة (ابن باديس) سنة (1940) مسخّرا هذا القلم للدفاع عن (الجزائر) ودينها،
ولغتها (العربية) التي كانت تلقى التشويه، والتعتيم، والعمل لتهميشها والتشكيك فيها لغة لجزائريين حرصاً على (التمكين)
للفرنسية، تحت جناح (البربرية) فكتب سنة (1941) في جريدة (البصائر) مقالة
بعنوان: "اللغة العربية في الجزائر: عقيلة حرة ليس لها ضرّة" قال في مقدمتها:
"اللغة العربية في القطر الجزائري ليست غريبة، ولا دخيلة، بل
هي في دارها
وبين حماتها وأنصارها، وهي ممتدة الجذور مع الماضي، مشتدة الأواخي مع الحاضر، طويلة الأفنان في
المستقبل، ممتدة مع الماضي، لأنها دخلت هذا الوطن مع الإسلام على ألسنة الفاتحين،
ترحل برحيلهم، وتقيم بإقامتهم، فلما أقام الإسلام بهذا الشمال الإفريقي إقامة
الأبد وضرب بجرانه فيه أقامت معه العربية لا تريم ولا تبرح، ما دام الإسلام مقيماً لا
يتزحزح، ومن ذلك الحين بدأت تتغلغل في النفوس، وتنساغ في الألسنة واللهوات، وتنساب
بين الشفاه والأفواه، يزيدها طيباً وعذوبة أن القرآن بها يتلى، وأن الصلوات بها
تبدأ وتختم، فما مضى عليها جيل أو جيلان حتى اتسعت دائرتها وخالطت الحواس والشواعر،
وجاوزت الإبانة عن الدين إلى الإبانة عن الدنيا، فأصبحت لغة دين ودنيا معاً، وجاء
دور القلم والتدوين فدونّت بها علوم الإسلام وآدابه، وفلسفته وروحانيته، وعرف البربر على طريقها ما لم يكونوا يعرفون،
وسعت إليها حكمة يونان تستجديها البيان وتستعديها على الزمان، فأجدت وأعدت، وطار
إلى البربر منها قبس لم تكن لتطيره لغة الرومان.. وسلطت سحرها على النفوس البربرية
فأحالتها عربية، كل ذلك باختيار لا أثر فيه للجبر، واقتناع لا يد فيه للقهر،
وديمقراطية لا شبح فيها للاستعمار، وكذب وفجر كل من يسمي الفتح الإسلامي استعمارا،
وإنما هو راحة من الهمّ الناصب، ورحمة من العذاب الواصب، وإنصاف للبربر من الجور
الروماني البغيض"(4).
وبقدر ما شغل هذا القلم
بالجهاد في صراع (الجزائر) مع محتلها (الفرنسي) الحريص على (إلغاء) لغتها، ومحاربة دينها، اهتم بالقضايا القومية الكبرى
في شؤون العرب والمسلمين، مستغلاً شتى المناسبات التاريخية والدينية، لما
لها من وقع في النفوس، وفي مقدمتها مناسبات (رمضان) و(المولد النبوي) و(العيدين)
محفّزا الهمم للعمل بما يأمر به دينها من محاربة المستعمر الظالم، ففي سنة (1947م) كتب في جريدة
(البصائر) بالجزائر بمناسبة
(عيد الأضحى) قائلاً في ختام مقالته: "أما والله لو ملكت النطق يا عيد لأقسمت بما
عظّم الله من حرماتك، وبما كانت تقسم به العرب من الدماء المراقة في أيامك ومناسكك،
ولقلت لهذه الجموع المهيضة الهضيمة من أتباع محمد، يا قوم: ما أخلف العيد، وما أخلفت
من ربكم المواعيد. ولكنكم أخلفتم، وأسلفتم الشرّ فجزيتم بما أسلفتم.. فلو أنكم آمنتم بالله حقّ الإيمان، وعملتم
الصالحات التي جاء بها القرآن، ومنها جمع الكلمة، وإعداد القوّة، ومحو التنازع من بينكم
لأنجز الله لكم وعده، وجعلكم خلائف الأرض، ولكنكم تنازعتم ففشلتم وذهبت ريحكم،
وما ظلمكم الله، ولكن ظلمتم أنفسكم. أيها المسلمون: عيدكم مبارك إذا أردتم، سعيد
إذا استعددتم، لا تظنوا أن الدعاء وحده يردّ الاعتداء، إن مادة (دعا يدعو) لا تنسخ
مادة (عدا يعدو) وإنما ينسخها (أعدّ يعدّ) و(استعدّ يستعدّ) فأعدّوا واستعدوا
تزدهر أعيادكم، وتظهر أمجادكم"(5).
ولا تزال هذه الكلمات
في حاجة إلى أن تبلغ الأفئدة والعقول بعد أكثر من نصف قرن، والمسلمون على حالهم من (التباغض) و(التدابر).
هذا الهاجس بقي في ذهن
(الإبراهيمي) بعد اندلاع الثورة المسلحة في (الجزائر) فقال في الخامس من (جوان
1955) من إذاعة (صوت العرب) بالقاهرة مخاطباً العيد: كأنك يا عيد تقول لنا:
"لو أحسنا الإصغاء: لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً، ولا خيراً ولا شراً، ولا أسوق إليكم نحساً
ولا سعدا، ولا برقاً ولا رعداً، فأصلحوا أنفسكم واتقوا ربّكم، واعملوا صالحاً،
واجمعوا كلمتكم، وصحّحوا عقائدكم وعزائمكم، وتحابوا في الله، وتآخوا على الحق، وتعاونوا على البر والتقوى.. ولا تقاطعوا
ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا تنازعوا فتفشلوا، وتذهب ريحكم".
همّ (الجزائر) خصوصاً، وهمّ (العرب) عموماً، وهمّ (المسلمين)
بشكل أعمّ كان محط اهتمام الشيخ (محمد البشير الإبراهيمي) وميدان قلمه الذي أبلى
البلاء الحسن، فكان هذا النضال القلمي: اجتماعياً ودينياً، وسياسياً، صورة من صور
الجهاد بالكلمة الحية، القوية الصادقة، يعضدها إيمان الرجل بربّه، وحبه وطنه،
وثقته في أمته، فالرحمة عليه في كل ذكرى تمرّ بعد وفاته.
الشيخ البشير الإبراهيمي الجزائري ومقاومته للصوفية |
|
|
ترتبط مقاومة الصُّوفيَّة المبتدعة بإصلاح العقيدة ارتباطاً وثيقاً, وقدَ كشفَ الإبراهيميُّ رحمه اللَّه عن مخازي هؤلاء وحاربهم بشدَّة, وعاملهم بما يستحقُّون لأَّنهم تاجروا باسم الدِّين, وزجَّت بهم فرنسا في أتون المعركة, فَأَصغِ إليه وهو يقول : "في أيَّام الحملة الكبرى على الحكومة الفرنسيَّة ظهرَ هؤلاء بمظهر مناقض للدِّين، فكشفوا السِّترَ عن حقيقتهم المستوردة، ووقفوا في صفِّ الحكومة مؤيِّدين لها، خاذلين لدينهم وللمدافعين عن حريَّته مطالبين بتأييد استعباده، عاملين بكُلّ جهدهم على بقائه بيد حكومة مستحيِّة تخرِّبه بأيديهم، وتشوِّه حقائقه بألسنتهم، وتلوِّثُ محاربيه ومنابره بضلالتهم" ويقول : "وقد أخَذوا في الزَّمن الأخير ببعض مظاهر العصر ، وتسلَّموا بعضَ أسلحتهم بإملاء من الحكومة للدِّفاع عن الباطل ، فكوَّنوا جمعيَّة ، وأنشأوا مجلَّة ، وجهَّزوا كتيبة من الكُتَّاب يقودها أعمى –ليشترك عاقلهم وسفيههم في هذه المخزيَات ، وبحكم العموميَّة في الجمعيَّة ، والاشتراك في المجلة ،ولو في دائرته الضيِّقَة ومن أهله وجيرانه … دافعناهم –عندما ظهروا بذلك المظهر- بالحق فركبوا رؤوسهم ، فتسامحنا قليلاً إبقاءً على حرمة (المحراب) و (المنبر) التي انتهكوها ، فشدَّدوا إبقاءً على حرمة (الخبزة) !! فكشفنا عن بعض الحقائق المستوردة فلجُّوا وخاضوا ، وثاروا وخاروا ، فلمَّا عَتَوْا من أمر ربِّهم رميناهم بالآبدَة … وهي أنَّ الصَّلاة خلفهم باطلة ، لأنَّ إمامتهم باطلة … لأنَّهم جواسيس" !! وقد عد الشيخ الإبراهيمي الصُّوفيَّةَ داءً عُضالاً يحب التَّخلُّصُ منه، لِتُحَرّر عقيدة المسلم من التَّشويش، وتطلق لعقله العنان في التَّشبُّع وفهم الشريعة ، فتراه يصرِّح بقوله: "إننا علمنا حقَّ العلم بعد التَّروِّي والتَّثبُّت ودراسة أحوال الأُمَّة ومناشئ أمراضها أنَّ هذه الطُّرق المبتدعة في الإسلام هي سببُ تفرُّق المسلمين ، ونعلم أنَّنا حين نقاومها نقاوم كلَّ شر ،إنَّ هذه الطُّرق لم تسلم منها بقعة من بقاع الإسلام ، وإنَّها تختلف في التَّعاليم والرُّسوم الظاهر كثيراً ، ولا تختلف في الآثار النَّفسيَّة إلاّ قليلاً ، وتجتمعُ كلها في نقطة واحدة وهي التَّحذير والإلهاء عن الدِّين والدُّنيا" ويتابعُ شارحاً مخاطرَ الطرقيَّة وبدعها ، حيث تعلَّقَ كثيرٌ من المسلمين بطقوس طريقتهم ، وبطروحات مشايخهم ، ولم يعودوا على اتِّصال مباشر مع الكتاب وصحيح السُّنَّة ، بل أصبحت هذه الطُّرقُ حاجزاً بينهم وبين مصادر الشريعة ، وكأنَّها دين جديد ، لقد أصبحت بعض الطُّرق –كما يرى الإبراهيمي- في بلاد العرب والمسلمين ، وفي الجزائر بخاصَّة ، إضافة جديدة إلى محاولات الدَّس التي قام بها أعداء كثيرون للإسلام ، إن كان بنحل الأحاديث ، أو بالتَّأويلات المزِّورة للحقيقة ، أو ما شاع عند العديد من الحركات الباطنيَّة ، ولكن يعود ليؤكِّد أن هذا كان خطره أقل بكثير من خطر هذه الطَّريقة ، فيقول: "أما والله ما بلغَ الوضَّاعون للحديث ، ولا بلغت الجمعيَّات السريَّة والعلنيَّة الكائدة للإسلام من هذا الدِّين عشر معشار ما بلغتهُ من هذه الطُّرق المشؤومة … إنَّ هذه الهَّوة العميقة التي أصبحت حاجزة بين الأمَّة وقرآنها هي من صنع أيدي الطرقيِّين" . ويقول مقرِّعاً والطَّرقيَّة وفَهْمَهم الخاطئ للإسلام: " .. فكل راقصٍ صوفي ، وكل ضاربٍ بالطَّبل صوفي ، وكل عابثٍ بأحكام الله صوفي ، وكل ماجنٍ خليعٍ صوفي ، وكل مسلوب العَقل صوفي ، وكل آكل للدُّنيا بالدين صوفي ، وكل ملحدٍ بآيات الله صوفي ، وهَلُّم سحباً ، أَفيَجْمُلُ بجنودِ الإصلاح أن يَدَعُوا هذه القلعة تحمي الضَّلال وتُؤْويه ، أم يجب عليهم أن يحملوا عليها حملةً صادقَةً شعارهم: (لا صوفيَّــة في الإســلام) حتى يدكُّوها دكَّاً ، وينسفوها نسفاً ، ويذروها خاويةً على عروشها" . وقد كان رحمه الله تعالى في محاربتهِ للصُّوفيَّة وخرافاتها وتُرّهاتهم متأثِّراً بتعاليم حركة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب الإصلاحيَّة ،ويتَّضحُ ذلك عندما نراه يُعَلّل هجوم المتاجرين بالدَّين على هذه الدَّعوةِ السُّنِّيَّة الإصلاحيَّـة في البلاد الحجازيَّة التي سَّماها خصومُها بِـ(ـالوهَّابيَّـة) –تنفيراً وتَشويهاً- لأنَّها قضت على بدعهم ، وحاربت خرافاتهم ، فيقول: "إنَّهم موتورون لهذه الوهَّابيَّة التي هدمت أنصابهم ، ومحت بدعهم فيما وقعَ تحتَ سلطانهم من أرضِ الله ، وقَد ضجَّ مبتدعة الحجاز فضجَّ هؤلاء لضجيجهم والبدعة رحم ماسة ، فليس ما نسمعهُ هنا من ترديد كلمة (وهابي) تُقذف في وجه كل داعٍ إلى الحقِّ إلاّ نواحاً مردَّداً على البدع التي ذهبت صرعى هذه الوهَّابيَّة" . |
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى