- منتديات العماريةالمدير الفنى للمنتدى
- الجنس :
عدد المساهمات : 6535 نقاط التميز : 16181 تاريخ التسجيل : 18/04/2009 العمر : 35 الموقع : http://bit.ly/Llerty
النظام العدلي الجزائري
الخميس 21 أبريل - 10:52
مقدمة
لاشك في أن جهاز العدالة من أهم الأجهزة في الدولة وأعظمها أثراً، لأنه المقياس الذي يعكس درجة رقي المجتمع وفاعلية مؤسساته. وإقامة العدل التي تعني حفظ النفس، والعرض والمال، هي من المصالح التي جاء الإسلام لحفظها ورعايتها، والمجتمع العادل هو ذاك الذي يهيِّء كل فرد فيه الحياة الآمنة والعيش الكريم، حتى ينتظم المجتمع ويزدهر في جوانبه المختلفة.
والدولة الجزائرية التي ظهرت إلى الوجود، في بداية القرن السادس عشر، كانت تتوفر على جهاز عدلي يستجيب لمتطلبات البلاد والعباد ومنسجماً مع مبادئ العدل وقواعده التي أمر بها ديننا الحنيف ومع موروثنا الحضاري الثري بالقيم النبيلة من عدل وتسامح. لكن بعد نهاية الدولة الجزائرية، بصفتها كياناً سياسيّاً، سنة 1837 ( [1] ) ، أقدمت سلطة الاحتلال الفرنسية، بموجب الأمر الصادر عام 1841، على التضييق على الجهاز العدلي الجزائري، وحصرت مجالاته في بعض القضايا المتعلقة بالع..... المدنية والأحوال الشخصية وما يتعلق بهما.
لقد أقام الاستعمار الفرنسيّ جهازاً عدليّاً استعماريّاً وطبعه بالشكل الذي يخدم أهدافه، ضارباً عرض الحائط بما تعهد به الرسميون الفرنسيون لدى دخولهم مدينة الجزائر عام 1930. لم يكتف الفرنسيون بإقامة أجهزتهم الاستعمارية، بل راحوا يشنون حملة واسعة النطاق لطمس معالم الدولة الجزائرية في جميع المجالات. وكان ذلك بهدف القضاء النهائي على المرجعية التاريخية والحضارية للجزائر بصفتها دولة وأمة. ولتحقيق هذه الغاية، أطلق العنان لمؤرخي الاحتلال وضباطه ليرسموا لوحة قاتمة عن حالة الجزائر بغية تبرير احتلالهم لها، لدرجة أنهم نزعوا عنها صفة الدولة على الرغم من أن دولتهم (فرنسا) كانت تتبادل مع الجزائر الممثلين وتبرم معها المعاهدات وتعمل على كسب ودها وصداقتها بتقديم الهدايا والإتاوات.
تلكم اللوحة القاتمة أصبحت المادة الخام التي ينهل منها غالبية المؤرخين والباحثين، عرباً وغيرهم، حينما يتناولون تاريخ ومؤسسات الدولة الجزائرية الأولى PEA) ). أما المؤرخون العرب، فكانوا يفعلون ذلك ـ كما يقول الدكتور محمد العربي الزبيري ـ » بدافع التقليد الأعمى الناتج عن مركب النقص الذي يكاد يكون عاماً لدى مثقفينا الذين اضمحلت شخصيتهم، فلم يعودوا قادرين على نقد ما يكتبه السادة الأوروبيون حتى ولو كانت تلك الكتابة زوراً وبهتاناً « ( [2] ) .
وقد تصدى لهذا التحريف والتزييف العمدي لتاريخ الجزائر الحديث، الحافل بالأمجاد والبطولات، نخبة من الباحثين والمؤرخين الجزائريين: المرحوم توفيق المدني والدكتور مولاي بلحميسي والدكتور جمال قنان والدكتور محمد العربي الزبيري.... بالرغم من ذلك، يبقى تاريخ هذه الدولة في انتظار المؤرخين ـ الباحثين لإعادة كتابته من جديد، دارسين جوانب الحياة كلها على مدى أكثر من ثلاثة قرون.
وتدعيماً لتلك الجهود الصادقة، أردت بهذا المقال المتواضع تأكيد إحدى الركائز المهمة في بناء الدول وقيام الحضارات، ألا وهو جهاز العدالة، وأن أضع بين يدي كل متطلع إلى المعرفة دليلاً عساه يساعد في كشف الحقيقة، وبالتالي التصدي لكل المغالطات التي يروج لها في كل مناسبة وحتى بغير مناسبة للنيل من عظمة الدولة الجزائرية وفاعلية مؤسساتها، لا لشيء إلاَّ لأن رجالاتها استطاعوا أن يجعلوا من البحر المتوسط بحيرة في » خدمة الجزائر والإسلام « ( [3] ) .
أولا: المبادئ الأساسية والمؤسسات
I ـ المبادئ الأساسية
يرتكز الجهاز العدلي الجزائري على مجموعة المبادئ الأساسية التي وجدت لخدمة غرض واحد يتمثل في السير الحسن لهذا الجهاز بغية نشر ثقافة الأمن وإرساء دعائم الدولة العادلة أو ما يعبر عنه في وقتنا الحاضر بدولة القانون، وفي الوقت نفسه ضمان حصول المواطنين وغيرهم على قضاء عادل بإجراءات مبسطة وتكاليف معقولة.
هذه الأسس نوردها مختصرة في ما يلي:
I ـ 1 ـ الحق في اللجوء إلى العدالة
حق الجميع في التقاضي ثابت من ثوابت النظام السياسي الجزائري. ولتجسيد ذلك، تم تزويد الأشخاص بالوسيلة اللازمة للحصول على حقوقهم، أي العدالة، لأنه وفق ما يقوله القانونيون: » فلا قانون بلا قاض، ولا حق أو واجب قانوني بلا قضاء يفرضه وخصومه تكون أداة له في حمايته « ( [4] ) .
والحق في اللجوء إلى القضاء يعد من الأمور التي لا يجوز للأشخاص التنازل عنها بصورة مطلقة إلا في حالات خاصة كحالة تراضي الأطراف باللجوء إلى صلح الجماعة أو أي وسيط آخر للبت في نزاع ما. وهذا أمر تتفق بشأنه جميع الشرائع والقوانين والأعراف.
I ـ 2 ـ المساواة أمام العدالة
التجسيد الفعلي لهذا المبدإ لا يتأتى، طبعاً، إلا بتحقيق أمرين:
ـ المساواة التامة بين الخصوم أمام القضاء؛
ـ وحدة المعايير الشرعية والقانونية المطبقة، والتي تقتضي أن تكون المعاملة واحدة لجميع الأطراف.
ويستكشف المتصفح النزيه والموضوعي لتاريخ العدالة الجزائرية ـ بطريقة جلية ـ أن اللجوء إلى القضاء كان متاحاً للجميع دون أي تمييز.
I ـ 3 ـ الحرية في اختيار القاضي
هذا المبدأ تنفرد به العدالة الجزائرية، مقارنة بالأنظمة العدلية المعاصرة لها، حيث أن الجميع كانت لهم مطلق الحرية في اختيار القاضي الذي ينظر في نزاعهم دون تحديد جغرافي لمكان إقامتهم ولا لموقع الشيء المتنازع فيه. ولا تنحصر حرية الاختيار هذه في اختيار القاضي، بل تتعداه إلى حرية التقاضي أمام أي من المحكمتين المالكية أو الحنفية ( [5] ) .
I ـ 4 ـ مجانية القضاء
فيما يخص الاختصاص الرئيس للقاضي والمتمثل في المعالجة والبت في ما يعرض عليه من قضايا، فإنه يقوم بذلك دون ان يتلقى أي أجر من المتقاضين، نظراً لكونه موظفاً معيناً من طرف الدولة.
I ـ 5 ـ المسؤولية الجماعية
من المبادئ الأساسية التي كانت تقوم عليها العدالة الجزائرية وتمتاز بها مبدأ المسؤولية الجماعية: فكل حي وكل ناحية، سواء تعلق الأمر بالمناطق الحضرية أو القروية، يكون مسؤولاً عن الجرائم والسرقات المرتكبة ضمن حدوده ( [6] ) . وكان من نتائج ذلك انعدام ظاهرة السرقة كما يؤكد ذلك عديد المؤلفين ( [7] ) .
I ـ 6 ـ استقلالية العدالة وحيادها
المقصود بذلك هو أن تقوم الهيئات القضائية (محاكم ومجالس) بعملها مستقلة عن سائر الدوائر الحكومية مركزية كانت أو بايليكية: فالفصل في المنازعات المختلفة يبقى من اختصاص السلطة القضائية، التي لا تخضع في عملها لغير الشريعة والقانون والعرف. فليس لأي جهة الحق في أن تملي على الهيئات المذكورة أو توحي إليها بوجه الحكم في أيّ قضية معروضة أمامها، أو أن تعدل الحكم الذي أصدره القاضي أو تحول دون تنفيذه.
مما سبق يتضح أن الجهاز العدلي الجزائري كان يتمتع باستقلالية مطلقة عن السلطة سواء على مستوى دار السلطان أو على المستوى الإقليمي: فكل أجهزة الدولة تخضع لوصاية، ما عدا جهاز العدالة فلا وصاية عليه إلا في أواخر عهد الدايات، حين صار شيخ الإسلام بمثابة وزير العدل والثقافة ( [8] ) .
II ـ المؤسسات
بعد قيام الـ PEA ، عملت السلطات الجزائرية على إقامة وتنظيم جهاز قضائي مغاير للشكل التقليدي السابق ومتمشٍّ مع متطلبات المرحلة الجديدة ومُراعٍ لخصوصياتها المتمثلة في الانتقال من مجتمع القبيلة إلى مجتمع الدولة ـ الأمة وتقسيم البلاد إلى أربع بايليكات (أقاليم) ( [9] ) ، وكل بايلك إلى عدة أوطان، وكل وطن إلى عدد من الأعراش. ولم يلغ إنشاء الجهاز العدلي الجديد بفرعيه ـ العادي (مدني وجزائيّ) والعسكري ـ القضاء التقليدي، بل حافظ عليه وشجعه، باعتباره إرثاً حضارياً ولبنة مهمة في الصرح القضائي الجزائري القائم على حرية التعددية المذهبية ( [10] ) .
أنواعها:
أصبح جهاز العدالة يتشكل من المؤسسات القضائية التالية:
1 ـ القضاء التقليدي
لقد كان سكان المغرب الأوسط يلجأون في حل مشاكلهم وفض نزاعاتهم، مهما كان نوعها إلى شخصيات محلية مشهور لها بالعلم والتقوى والصلاح .
القائمون عليه:
يقوم على هذا النوع من القضاء شخصيات يمكن حصرها في ما يلي ( [11] ) :
أ ـ الجواب وبيان المعارف: هاتان الشخصيتان يلجأ إليهما الناس في البوادي والمدن على التوالي من أجل الحسم في الخلافات التي تقع بين الفلاحين والخماسين والرعاة.
ب ـ شيوخ الزوايا: يقوم هؤلاء الشيوخ بالفصل في ما يعرض عليهم من قضايا ذات علاقة خاصة بالأحوال الشخصية والمواريث والملكيات.
ج ـ الأئمة: لم تكن لهؤلاء مسؤوليات قضائية، ولكنهم كانوا كثيراً ما يطلب منهم الناس الإدلاء بآرائهم في كثير من الحالات لحسم خلافاتهم.
د ـ الجماعة: كانت الجماعة تمثل هيئة » القضاء « ، خاصة في منطقة القبائل ( [12] ) والمناطق الجبلية في الأوراس وغيرها. لقد كانت الجماعة تعتمد على العرف تشريعاً لحل الخلافات المعروضة عليها ( مدنية كانت أم جزائية)، خاصة ما يتعلق بجرائم القتل والقضايا التي تمس الشرف أو العرض. وما زال دور الجماعة في رأب الصَّدْع وإصلاح ذات البين تقليداً معمولاً به حتى الآن في كامل أنحاء الوطن. هذا النوع من القضاء، بالرغم من تقليديته وبساطته، ساهم بصورة ملحوظة في تحقيق العدل ونشر الأمن.
2 ـ القضاء العادي
فروعه:
تم إنشاء هذا النوع من القضاء ليواكب الانتقال من مجتمع القبيلة إلى مجتمع الدولة ـ الأمة، وينقسم إلى فرعين: مدني وجزائي.
أ ـ الفرع المدني
خصائصه:
يكتسي هذا الفرع ثلاث خصوصيات:
1 ـ التفويض ( [13] )
تكمن هذه الخاصية في كون الرئيس، الذي هو القاضي الأول في البلاد، يفوض هذا الاختصاص إما إلى أحد المسؤولين السامين في الدولة أو إلى شخصية مختصة كالقاضي.
وقياساً على ذلك، يمكن الباي، باعتباره القاضي الأول في بايلكه، أن يقوم بتفويض مماثل.
هذا التفويض يمكن أن يسحبه مانحه متى حدث ما يدعو إلى اتخاذ مثل هذا الإجراء.
2 ـ السرعة
هذه الخاصية تفسر على أساس أن العدالة الجزائرية لا تهتم بالجانب الشكلي: فالمثول الشخصي للطرفين المتخاصمين إجباري، بمعنى أن المدعي مطالب بإحضار المدعى عليه أمام المحكمة ( [14] ) . ولو كان هذا الأخير عاصياً، كُلِّفَ الشاوش بإحضاره شخصياً. أما إذا تمكن من الإفلات، فيعتبر عاصياً فعلاً ( [15] ) . والحكم الغيابيّ غير معمول به في القضاء الجزائري خلال هذه الفترة، كما أن المحاكمات لم تكن لتستمر أكثر من بضع ساعات إلا نادراً ( [16] ) .
3 ـ قلة التكلفة
هذه الخاصية مردها إلى مجانيّة التقاضي والسرعة في إصدار الأحكام وتنفيذها وبساطة الإجراءات؛ كما أن الأحكام القضائية لم تكن تسجل بالاسم، وإنما بالختم أو الطابع المميز الذي يضعه القاضي على أيّ شهادة مسجلة ( [17] ) . وأخيراً، نجد أنه يمكن عقد جلسات المحاكمة في أي مكان عام كالأسواق والساحات أو أي مكان تتم فيه مقابلة القاضي ( [18] ) .
ب ـ الفرع الجزائي
هذا الفرع يتولاه الرئيس شخصياً في دار السلطان بمساعدة أعضاء ديوانه أو أشخاص ينوبون عنه، وهم: الباي والقائد والشيخ، سواء كان ذلك في دار السلطان أو في عواصم البايليكات أو في الأوطان أو في الأعراش.
ويفصل في الجنح مجلس الكاهية، وهو المخول له النظر في القضايا الإجرامية التي تجري حوادثها بين المدنيين. يرأس المجلس المذكور:
ـ بدار السلطان: الحاكم نفسه أو أحد نوابه كخوجة الخيل أو آغا العرب.
ـ بقسنطينة: الباي نفسه أو قائد الدار.
ـ بوهران: الباي نفسه أو القايد أو شيخ البلد.
يضم مجلس الكاهية في عضويته عسكريين متقاعدين برتبة آغا. غير أن هذا المجلس ليس من صلاحياته إلا إصدار عقوبات جسدية أو فرض غرامات ( [19] ) . أما عقوبة الإعدام، فلا تصدر إلا عن الرئيس أو الباي؛ ما عدا دار السلطان، فإن آغا العرب ( [20] ) وخوجة الخيل ( [21] ) يمكنهما إصدار هذه العقوبة. كان تنفيذ العقوبات يتم على مستوى دار السلطان في ثلاثة أماكن:
ـ باب عزون.
ـ دار الصابون.
ـ الزمبوج.
ويحدث في بعض الحالات أن يقوم الرئيس بإحالة بعض القضايا الجزائية على القضاء المدني للفصل فيها طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن جرائم القتل، التي لم تكن ذات طابع سياسي، كانت تعالج عن طريق صلح الجماعة، الذي يتوج بدفع الدية ( [22] ) .
3 ـ القضاء العسكري
المتعارف عليه أن العسكريين لا يحاكمون بواسطة القوانين المدنية، وإنما بواسطة القوانين العسكرية. وعليه، فحينما يخل العسكريون بقواعد الانضباط أو يتعدون القوانين، يتوجه رؤساء المحاكم الجنائية والتأديبية العسكرية إلى القاضي لمعرفة رأيه في تطبيق القانون ( [23] ) .
وعند صدور الأحكام، وتوجُّب عقوبة، فإن رئيس الديوان أو آغا العرب هما اللذان يأمران بتنفيذها في مقر الديوان سراً ( [24] ) ، حتى لا تهان كرامتهم ( [25] ) ، بينما غيرهم يشهر البراح بجرائمهم ( [26] ) . ففي دار آغا الهلالين والتي تسمى دار السركاجي يتم تنفيذ ما أصدرته المحاكم العسكرية وأمر الداي بتنفيذه من أحكام في المخالفات التي ارتكبها أفراد المليشية ( [27] ) . غير أنه في عهد علي باشا، تم إعدام سبعة ضباط في قصر الجنينة وتعليق جثتهم أمام الملإ ( [28] ) .
ثانياً: المحاكم والمجالس
I ـ المحاكم
أ ـ أنواعها:
تنوعت المحاكم بتنوع التركيبة المذهبية للمجتمع الجزائري. وتبعاً لذلك، فقد تم إنشاء ثلاث محاكم تعمل وفق ما يقتضيه كل مذهب.
أ ـ 1 ـ المحاكم المالكية
تنظر في القضايا وفق مذهب الإمام مالك، الذي تتبعه الغالبية العظمى من سكان الجزائر.
أ ـ 2 ـ المحاكم الحنفية
تختص في معالجة ما يعرض عليها من قضايا وفق مذهب الإمام أبي حنيفة، الذي يعتبر المذهب الثاني في الجزائر؛ وغالبية أتباعه من الجزائريين ذوي الأصول العثمانية والأندلسية.
أ ـ 3 ـ المحكمة الإباضية
تعالج هذه المحكمة ما يعرض عليها من قضايا تخص أتباع المذهب الإباضي، خاصة في منطقة وادي ميزاب. وتنقسم هذه المنطقة قضائياً إلى سبعة قرى ( [29] ) ، ولكل قرية قانونها ونظامها القضائي، الذي قد يتفق وقد يختلف مع نظام غيرها من القرى الأخرى.
ومن الأحكام التي تصدر عن القضاء العرفي في محكمة غرداية معاقبة الشخص الذي يكلم المرأة في الشارع العام أو المدخن أو شارب الخمر، بالغرامة والجلد بالعصا ثمانين جلدة ( [30] ) .
إضافة إلى ما سبق ذكره، توجد هيئات قضائية عديدة نوردها باختصار في التالي:
ـ هناك قضاء مختص في معالجة القضايا ذات الطابع التجاري والمهني، إضافة إلى علاقات العمل بين المالكين والعمال.
ـ هناك قضاء خاص بالمسيحيين واليهود يقوم به على التوالي القناصل والحاخامات. وهذا النوع يمكن أن يطلق عليه اليوم مصطلح الاختصاص النوعي أو المذهبي ( [31] ) .
غير أن هذه المحاكم تفقد حق الاختصاص في مقاضاة رعاياها ( [32] ) ، إذا كانت المخالفات المرتكبة تمس أمن الدولة الجزائرية أو كان المواطنون الجزائريون طرفاً فيها: ففي هاتين الحالتين، يعود الاختصاص إلى القضاء الجزائري.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الجيجليين كان لهم أمين خاص بهم، كما أن مقاضاتهم وعقابهم كان يتولاهما الداي مباشرة ( [33] ) . وهذا الامتياز مرده ـ في رأيي ـ إلى المواقف التاريخية لهذه المدينة: فهي التي استقبلت الفاتحين (1514) وساعدتهم في طرد الاستعمار الجنوي، كما أنه بعد الفتن التي أعقبت وفاة بابا عروج، والتي قام بها بالقاضي، بتحريض من الحفصيين والإسبان، وجد خير الدين في هذه المدينة الملاذ الآمن الذي ساعده وجنوده في القضاء على المتمردين والعودة ثانية إلى مدينة الجزائر.
ب ـ تشكيلها: تتشكل المحاكم الجزائرية من:
ب ـ 1 ـ القاضي (مالكي أو حنفي): وهو يتولى الفصل في القضايا والمنازعات المعروضة على المحكمة، كما سنفصل ذلك لاحقاً.
ب ـ 3 ـ المفتي: وهو بمثابة رئيس شرفي مهمته تقديم الاستشارة الشرعية أو القانونية حول المسائل التي تعرض عليه، وليس حول طبيعة الأحكام. ويتم تعيين المفتبن من طرف السلطات العليا بناء على علمهم ونزاهتهم، وكان يمكن تمييزهم عن غيرهم بواسطة القفطان الأبيض ( [34] ) الذي كانوا يرتدونه.
ب ـ 3 ـ العدول ( [35] ) : يقوم هؤلاء بتحريـر الإجراءات القضائية وتوقيعها. وسنتعرض بالتفصيل إلى العدول ودورهم فيما بعد.
ب ـ 4 ـ الكتّاب : هؤلاء مهمتهم تحرير بعـض الأعمال القضائية وتدوين الملاحظات أثناء جلسات المحاكم.
ب ـ 5 ـ الشواش : يقوم هؤلاء بحفظ الأمن والنظام داخل المحاكم، وإحضار المطلوبين أمام العدالة.
ج ـ أسلاكها:
سوف نقصر الحديث على سلكي القضاة والعدول، نظراً لأهمية الدور الذي يؤدِّيه كل من القاضي والعدل:
1 ـ القضاة
يعتبر القضاة الدعامة الأساسية للجهاز العدلي، لأن بيدهم أهم ما يملكه الإنسان، روحه وماله وعرضه. ومن هنا كان حرص المسؤولين على اختيارهم كبيراً، فكان يتم استناداً إلى ما لهم من درجات علمية في الفقه وأصول الدين، إلى جانب ما يشتهرون به من نزاهة وخلق كريم. كما أن هؤلاء القضاة كانوا من الحاصلين على شهادات عليا ( [36] ) من القاهرة أو إسطانبول. ويتم اختيار هؤلاء مباشرة من قبل السلطات العليا في البلاد ( [37] ) باقتراح من المفتي وموافقته.
ويتم هذا الاختيار في شكل رسالة تعيين تسمى رسالة إنعام أو تولية، كما توضح ذلك رسالة تعيين في منصب قاضٍ بعث بها الحاج أحمد، باي قسنطينة، إلى علي الزغداني مولياً إياه قاضياً على نجع لحراكتة بالأوراس.
يقول الباي في هذه الرسالة ( [38] ) :
الحمد لله. أمرنا بهذا المنصب المبارك بحول الله تعالى وقوته المهيب سي الفقيه الأجل أبتنا علي الزغداني على أننا أنعمنا عليه ووليناه قاضياً بنجع لحراكتة أولاد عيسى وأوصيناه بأن يحكم بمشهور مذهب الإمام مالك بن أنس الذي به الفتوى وأوصيناه بتقوى الله العظيم وطاعته في السر والعلانية ومراقبة من لا تخفاه خافية وأمرنا بطاعته والإذعان لحكمه مع الإيصاء عليه بالحرمة والاحترام والمبرة والإكرام بحسب الواجب على أمرنا هذا أن يعمل بمقتضاه ولا يخالفه ولا يتعداه. ومن خالف الأمر، استوجب العقوبة والحبل والمشنقة من المنعم سمو مولانا السيد الحاج أحمد باشا أيده الله تعالى ونصره آمين.
أواسط جمادى الأول سنة 1350 هـ.
تبين لنا رسالة التعيين هذه من جهة مدى الاهتمام الذي كان يليه المسؤولون الجزائريون للعدالة ولرجالها، وتوضح بجلاء حقوق القاضي وواجباته من جهة أخرى: ففيما يخص الحقوق، تلتزم الدولة بأن تأخذ على عاتقها حماية القاضي من جميع التجاوزات قولية كانت أو فعلية، حتى يتمكن هذا القاضي من ممارسة وظيفته بكل حرية ليفصل في القضايا والمنازعات المعروضة عليه بالعدل والمساواة دون إفراط أو تفريط، وحتى يكون حكمه عنواناً لعدالة عادلة وقاضٍ نزيه. وفيما يخص الواجبات، فالقاضي مطالب بأن يكون نزيهاً محايداً بعيداً عن كل الضغوط والمغريات من أي نوع كانت ومهما كان مصدرها، وإلا تعرض لأقسى أنواع العقوبات.
أ ـ اختصاصاتهم:
1 ـ أساسية: اختصاصات القاضي عديدة وواسعة، إذ تشمل في جانبها النوعي كل القضايا المدنية وبعض القضايا الجزائية، وتشمل في جانبها المكاني كامل أراضي القطر الجزائري، هذه الاختصاصات تعد المهمة الأساسية للقاضي.
2 ـ ثانوية: غير أن القاضي يضطلع، زيادة على ما تقدم، بمهام أخرى ليصدر فيها أحكاماً خارج أي نزاع. من هذه المهام التي تعد اختصاصاً ثانوياً نذكر ما يلي:
2 ـ أ ـ الوصاية على القصر: في القانون الإسلامي توجد ست حالات لعدم الأهلية وبالتالي للمنع من التصرف. وهذه الحالات هي:
ـ العبودية.
ـ القصر.
ـ الخبل العقلي.
ـ السفه.
ـ الإفلاس.
ـ الخطر العمومي.
الحالات الأكثر أهمية هي رعاية القصر والتي تكون احتياطية، ولا يلجأ إليها إلا في حالة عدم وجود الوصي الشرعي: الأب أو الجد أو وصي موصى به. وحتى في حالة وجود الوصي، فالقاضي له سلطة الرقابة على الأوصياء ( [39] ) للتأكُّد من قيامهم بتنفيذ ما أوصوا به.
2 ـ ب ـ الموافقة على الهبات
وهي عطايا تقدم للمؤسسات الخيرية من أجل تحسين أوضاع الفقراء والتخفيف من معاناتهم. ووفقاً لمبادئ المذهب المالكي، فإن الذي يهب ملكاً ما لا يعتبر مقبولاً إلا إذا كان التمتع به حالاً ودون أية قيود ( [40] ) .
أما المذهب الحنفي، فيرى أن إرادة الواهب ورغبته في الهبة يكفي للاعتداد بهذه الهبة شرعاً وقانوناً ( [41] ) ، استناداً لما جاء في الأثر: » نوايا المرء الحسنة أبلغ من أفعاله « ؛ وكذلك القاعدة المعتمدة في هذه الفترة والقائلة إن » العوائد المتداولة تتحول إلى قانون « .
فمثلاً، هناك رجل له دار يسكنها ثم يريد أن يقوم بعمل خيري لصالح مؤسسة خيرية: فهذه الهبة لا يعتد بها شرعاً ولا قانوناً حسب القضاء المالكي. أما القضاء الحنفي، فيرى أن صاحب المسكن يواصل التمتع بمسكنه طوال حياته، وبعد ذلك تنفذ الهبة بانتقال الدار إلى الجهة الموهوب لها. هذه المرونة في القضاء الحنفي تضبطها شروط وقواعد صارمة: فالمحكمة لا تصدر حكمها إلا بعد أن يدرس المفتون الحنفيون شروط العقد دراسة دقيقة، وذلك منعاً لأي التباس أو تأويل لدى عموم الناس. ولتوضيح ذلك، نورد ما يلي ( [42] ) :
ـ إذا كان سيستفاد من الهبة خارج الإطار الجغرافي للواهب، فإن إرادته لا تنفذ إلاّ بعد التأكد من عدم وجود فقراء في بلدة الواهب أكثر احتياجاً من غيرهم.
ـ إذا كان الواهب يرغب في أن يعطي حق استثمار أملاكه للفقراء مدة 10 أعوام أو 15 عاماً، تعاد له أملاكه كاملة بعد انقضاء الفترة، فإن ذلك لن يكون شرعياً ولا يستطيع الواهب أو ورثته أن يتصرفوا فيه بعد تلك المدة. ويصبح حق الانتفاع هبة أبدية.
وبناء على ما تقدم، يكاد يكون هناك شبه إجماع بين مفتي المذهبين على تطبيق القضاء الحنفي على كل الهبات المشروطة، خدمة للصالح العام ورفع الموارد الخاصة بالطبقة المحتاجة من أبناء الأمة. وعليه، فقد أصبح على كل من يريد أن يهب شيئاً ما بعد وفاته أن يتوجه إلى القاضي الحنفي.
غير أن هناك حالات تستدعي اتفاقاً بين المحكمتين قبل إصدار حكمها، كما سنرى ذلك فيما يلي ( [43] ) :
ـ إذا كان رب أسرة قد قدم هبة تنقل بعد وفاته إلى مؤسسة خيرية ما، وكانت أسرة الواهب نفسها محتاجة، فإن الهبة تعتبر لاغية، بالرغم من إجازة المذهب الحنفي لها. ذلك لأنه ليس من العدل في شيء أن نساعد الأجانب على حساب أفراد الأسرة المحتاجة بناء على ما جاء في الأثر: » حاولوا أن تقطعوا جذور الشر قبل البحث عن الخير « ، وأيضاً في مورثنا الشعبي: » لا تجوز الصدقات حتى يكتفي العيال « .
ـ إذا كان الواهب غنياً ثم مات ولم يترك وارثاً، فإن تركته تذهب إلى بيت مال المسلمين. غير أنه إذا كان قد أوصى بشيء من ماله، فإن المحكمة تنظر أولاً إلى الوضع الذي يكون عليه صندوق بيت المال لإقرار الوصية أو إلغائها؛ فإذا كانت حسابات الصندوق مدينة، ألغيت الوصية.
لنر الآن موقف المذهبيين إذا كان الواهب غير مسلم ( [44] ) :
ـ إذا أراد أحد المسيحيين أن يهب أملاكه للكنيسة أو لفقراء المسيحيين ( [45] ) ، فإن القاضي يثبت العقد ويعتبره شرعياً ويكون للواهب المسيحي ما للواهب المسلم. أما إذا أوصى بالهبة نفسها لمسجد أو لفقراء المسلمين، فإن القاضي لا يستطيع أن يثبت بنفسه ذلك العقد الذي يعتبر غير شرعي. ومن ثمة لا يعترف بصحته مهما كانت المبررات، ويظل الواهب حائزاً على أملاكه يتصرف فيها كيفما يشاء. والسبب في رفض هذه الهبة من طرف القاضي كون هذا المسيحي لم يقدم على ذلك الفعل الخيري إلا مجاملة أو بدافع له ارتباطات سياسية. غير أنه من الناحية المعاملاتية البحتة تكون هذه الهبة صحيحة ما دامت نية الواهب لم تتغير. وإذا أراد إلغاءها لسبب من الأسباب، كان له ذلك.
مما سبق يتضح أن هذه الثنائية المذهبية وبالتالي القضائبية كانت عامل تكامل عاد بالنفع على جميع أفراد المجتمع.
وبما أن هذه الثنائية القضائية لم تخدم سياسة » فرق تسد « الاستعمارية، فقد أقدم الجنرال الفرنسي بارتراند كلوزيل ( Bertrand Clauzel ) ( [46] ) على إلغاء القضاء الحنفي، لأنه رأى في بقائه عاملاً يشجع الواهبين على تقديم الهبات لدعم جسور التضامن والتآزر بين الجزائريين.
2 ـ ج ـ اختصاصات أخرى
من مهام القاضي أيضاً التصديق على الوثائق في جميع المعاملات التي يحررها ويختمها العدول، حيث يضع عليها طابعه الضابط. ومن مهامه أيضاً الإشراف على مصلحة الجنائز عند غياب رئيسها، فإن القاضي الخاص يقوم صحبة أحد المسؤولين السامين بتعيين وكيل يمثل أهل المتوفى وأوصياء للقاصرين. كما أن وكلاء الأيتام والقصر لا يحق لهم فتح الودائع إلا أمام القاضي، وهو الذي يتولى بنفسه صرف المبلغ المطلوب ثم يضع ختمه على الباقي ( [47] ) ويرسله على الفور إلى وكيل ( [48] ) أملاك المسجد.
والظاهر أن هؤلاء القضاة، على الرغم من كونهم موظفين، لم تكن لهم مرتبات شهرية ثابتة ( [49] ) ، وكل ما كان يحصل عليه هؤلاء هو عبارة عن مكافآت وتشجيعات موسمية تقدم لهم. وربما يعود ذلك إلى الرسوم الإضافية التي كان يحصل عليها القضاة عن أعمالهم القضائية خارج المحاكم: فالقاضي كان يحصل على موزونة ( [50] ) واحدة مقابل تصديقه على كل وثيقة يوقعها ( [51] ) . أما حينما يتعلق الأمر ببيع الأملاك العقارية، حيث تنعقد الإجراءات ويستوجب التحري في مراجعة وثائق الملكية ، فإن الرسوم تكون معتبرة ( [52] ) . وفي قسمة المواريث يأخذ القاضي 10 0 % ( [53] ) .
وفي رأينا أن هذه التشجيعات والرسوم المختلفة التي كان يحصل عليها القاضي كفيلة بأن توفر له دخلاً محترماً.
2 ـ العدول ودورهم
يعتبر العدل أو الشاهد العدل شخصية مهمة في النظام العدلي الجزائري. ومن ثمة كان القضاة لا يختارون العدول إلا بعد التأكد من أخلاقياتهم ونزاهتهم، بمعنى أن يكونوا أشخاصاً لا تقبل شهادتهم التجريح، هؤلاء العدول بعد انتقائهم يصبحون عدولاً مثبتين ورسميين. وكان كل قاضٍ يحيط به اثنا عشر عدلاً ( [54] ) .
والدور الأساسي للعدل هو الشهادة أثناء الجلسات. زيادة على ذلك، يقوم هؤلاء بتحرير جميع المعاملات الخاصة، وكل وثيقة يجب أن تكون ممضية ومختومة من طرف عدلين، قبل أن يضع القاضي ختمه الضابط ( [55] ) ؛ كما أن الوثيقة لا تعد صحيحة ومعترفاً بها قانوناً إلا إذا كان تحريرها على يد عدلين رسميين ( [56] ) .
يستلم العدل أجرة عمله حسب أهمية الوثيقة: فقد تكون بطاقة شيك ( [57] ) أو نصفها أو أكثر قليلاً، على أن لا تتعدى الأجرة في جميع الحالات سكة جزائرية ( [58] ) . غير أن الوثائق والمعاملات المتعلقة بالعقارات تكون أجرتها أكثر لما يترتب على ذلك من مراجعة للرسوم وتحرٍّ في الملكية، كما سبق أن ذكرنا.
ومن مهام العدل أيضاً الذهاب إلى سكن المتوفى لإحصاء الأشياء التي تركها وتقديم جرد لها إلى رئيس مصلحة الجنائز الذي يسمى بيت المالجي ( [59] ) . كما يقوم العدول بالإشراف على نقل الأشياء الثمينة، التي يخشى ضياعها أو اختفاؤها، إلى وكالة الودائع لحفظها، حتى يجتمع الورثة وغيرهم من ذوي الحقوق.
2 ـ د ـ سير محاكمتها
لقد كانت المحاكم تعقد جلساتها يومياً، باستثناء يوم الجمعة. وكان المتحاكمون يعرضون قضاياهم بأنفسهم ( [60] ) ، لأن استعمال المحامين لم يكن مطلوباً ( [61] ) ، ولكنه كان مسموحاً لهم باستعمال الشهود لتدعيم حججهم أمام القاضي ( [62] ) . ولا يمكن هذا الأخير أن يرفض الشهادة مهما كان صاحبها مالكياً أو حنفياً ( [63] ) ، لأن إشكالية الاختلاف المذهبي تزول بأداء القسم.
ولم تكن المحاكمات تستمر أكثر من بضع ساعات إلا نادراً ( [64] ) . بعدها يصدر القاضي حكمه إما بالبراءة أو الإدانة. وفي حالة عدم توافر الحجج، تبرأ ساحة المتهم أو تؤجل محاكمته شهراً ( [65] ) . وفي بعض القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية، كان القاضي يؤجل إصدار الحكم في القضية لمدة سنة ( [66] ) . وقد كانت المحاكمات تتم إما بالعربية أو التركية ( [67] ) ، حسب الظروف وطبيعة الأطراف المتخاصمة. لقد كان القانون يطبق على الجميع بالتساوي، إلا إذا كانت حقيقة الذنب بادية للعيان والجريمة واضحة؛ كما أن حياد المحكمة كان مضموناً للجميع.
لقد كان جهاز العدالة الجزائري، كما سبق أن ذكرنا، يمتاز بالسرعة والحياد. ولتوضيح ذلك، نورد أمثلة على بعض القضايا التي عرضت على القضاة وفصلوا فيها أو فصل فيها الرئيس مباشرة.
1 ـ القضايا التي فصل فيها القاضي
ـ القضية الأولى ( [68] ) : هذه القضية أوردها رونودور ( Renaudort )، ومفادها أنه كان أحد المسيحيين مسجوناً، لأنه ضبط في بيت سَيِّء السمعة مع مسلم كان قد صادفه وأخذه هناك. ولما عرضت القضية على المحكمة، صدر فيها الحكم التالي: المسيحي والمسلم مذنبان بالتساوي: فالأول قد خرق القانون الجاري به العمل بخصوص بيوت الدعارة والتي يمنع على المسيحيين التردد عليها؛ أما الثاني، فلأنه وفر الوسيلة؛ وأما المومسات، فقد حكم عليهن بالسجن والغرامة.
ـ القضية الثانية ( [69] ) : هذه القضية أوردها أندر هيل ( Under Hill ) في مذكراته "الأسير الجزائري" والتي تعطي هي أيضاً مثلاً جيداً عن سير العدالة الجزائرية والتي يقول فيها:
جلس القاضي على وسادة متربعاً وبمعيته عبدان، يحمل الأول منهما كرباجاً وعصاً، والآخر بيده سيفٌ شرقيٌّ جيد الصنع والزركشة. وقد أحضر المدعي بغلاً كان يبدو صحيحاً، ولكنه أثبت أنه أعمى ومكسور القائمة. وهنا دعي الشهود الذي أثبتوا التعاقد بين الرجلين وشهدوا بعيوب البغل. وقد أقر المدعى عليه بالذنب، ولكنه قال: "إن المدعى كان قد باعه قبل أربع سنوات جملاً مهشماً مكسوراً، وبقي كل هذا الوقت ينتظر ليأخذ بالثأر". بعدها تم استدعاء الشهود الذين أثبتوا صحة هذا الادعاء.
وكان حكم القاضي كالتالي: يجلد المدعى عليه خمسين جلدة بالكرباج، ويجلد المدعي خمسين جلدة أيضاً لغشه الأول. وأطلق سراح الاثنين دون دفع التعويضات للمحكمة. أمر القاضي أحد الأعوان ببيع البغل عن طريق المزايدة وتوزيع المبلغ على الفقراء. وبما أن أحد الشهود كان يعتقد أنه أدلى بشهادة زور، فقد تلقى خمسين جلدة وأركب على بغل باتجاه المؤخرة ليطاف به في المدينة، حيث كان يؤمر بالوقوف عند كل زاوية ويردد العبارة التالية: » لقد حدث هذا أمام المستنير العدل الرءوف القاضي مير كارسان، وذلك أثناء محاكمة عثمان بكر وأبو أيسول، وإني أبلغ بهذا وأنا راكب « .
ـ القضية الثالثة ( [70] ) : تخاصم اثنان، ثم تصالحا أمام المحكمة. وكان ثمن الصلح، كما حدده القاضي، يتمثل في أن يدفع المعتدي شاة ونصف الشاة إلى المجني عليه.
2 ـ القضايا التي فصل فيها الرئيس (الداي)
كان رئيس الدولة يعتبر القاضي الأول في البلاد، يسهر شخصياً على نشر العدل وإنصاف المظلومين ومعاقبة المخالفين. ولتوضيح ذلك، نورد القضيتين التاليتين.
ـ القضية الأولى ( [71] ) : لاحظ الداي شعبان ذات مرة أن أحد الأشخاص في الديوان كان يخفي شيئاً ما تحت برنوسه. ولما سأله الداي، أظهر له حبات برقوق قال له إنه اشتراها من تاجر مرسيلي. فقال له الداي: » إذا كنت تتوفر على مثل هذه الفاكهة الجيدة جداً، فإنك تكون قد سرقتها. ولو لم يكن هذا، فالأفضل أن تشتري الخبز لعائلتك. إنك تستحق مائة جلدة بالكرباج، لأنك جعلت عائلتك تعاني لمجرد إشباع جشعك الخاص « . وحينئذ أرسل في إحضار التاجر صاحب البرقوق، الذي تعرف السلة وأكد أنها قد سرقت منه. وهنا أضيفت إلى عقوبة الكذب عقوبة السرقة.
ـ القضية الثانية ( [72] ) : ذهب الداي إبراهيم ذات مرة إلى دكان متنكراً في هيئة خادم. وهذا، ليتأكد بنفسه من مدى صحة ما كان يشاع من أن صاحب الدكان كان يبيع الخبز والأرز بأسعار تفوق السعر المحدد. ولما تأكد له ذلك، أحيل التاجر على العدالة فوراً ليأخذ جزاءه.
يضاف إلى دور رجال العدالة ويقظة المسؤولين دور مختلف أجهزة الشرطة التي كانت تقوم بدوريات دون انقطاع لتراقب التجاوزات القانونية والسلوك الأخلاقي.
ونتيجة لجهود الجميع، سيطر القانون والنظام وعم الأمن والاستقرار في ربوع الوطن، حتى » أصبحت مدينة الجزائر أكثر موانئ البحر الأبيض المتوسط من حيث النظام وحسن التسيير تقصدها السفن المسيحية المتعددة الجنسيات، لأنها تجد فيها سلامة الإرساء أكثر مما يتوفر لها في موانئها الأصلية « ( [73] ) .
هـ ـ أشكال عقابها
يحرص الجهاز العدلي الجزائري، كغيره من الأجهزة العدلية، على حماية حقوق الأفراد ومنع الاعتداء عليها. ويؤدي الاعتداء على هذه الحقوق إلى العقاب بطبيعة الحال. ويختلف هذا الأخير باختلاف الجريمة المرتكبة، كما سنوضح ذلك في ما يلي:
1 ـ السرقة
كان عقابها قطع يد السارق اليمنى وتعليقها على كتفه. وبعدها، يُرْكَب حماراً ويُطَاف به في المدينة ووجهه إلى الخلف يسبقه ممثل للعدالة ينادي: » هؤلاء لصوص عوقبوا « ( [74] ) . والعقوبة عَيْنُهَا كان يتعرض لها المزورون ( [75] ) .
2 ـ الزنا
كانت عقوبة الزنا تتمثل في جلد كل من الطرفين. وكانت عقوبة الجلد تتم بتمديد المخالف وضربه ضرباً خفيفاً بانتظام على مواقع قدميه أو على بطنه بعصا صغيرة في حجم وسمك الإصبع. أما عدد الضربات، فكان يتراوح ما بين 50 و 1000 جلدة حسب طبيعة الجريمة. وبعدها يصب الخل على جروح المخالف حسب ما رواه دافيس ( Davis ) ( [76] ) .
3 ـ التمرد والتآمر والتهريب والغش وعدم احترام القوانين الاقتصادية
هذه الجرائم كانت عقوبة مرتكبيها الشنق والخنق حتى الموت والحرق: فاليهود المتلبسون في المخالفات ذات الطابع الاقتصادي غالباً ما يحرقون، حسب ما أورده شو ( Shaw ) ( [77] ) .
4 ـ القتل: كان يحكم على القاتل بالقتل. غير أنه في المناطق القروية حينما تقع جريمة قتل، فغالباً ما يلجأون إلى صلح الجماعة والذي ينتهي بالصلح الذي يترتب عليه دفع الدية ( [78] ) لأهل الضحية.
ومن أشكال العقاب أيضاً التغريم، حيث كان الغرماء يسجنون حتى تباع كل ممتلكاتهم. فإذا كان ثمنها يفوق قيمة الدين، عاد المبلغ المتبقي إلى السجين؛ وإذا كان العكس، أطلق سراحه ( [79] ) . وفي كلتا الحالتين، كان يتلقى مائة جلدة ويعمل مائة يوم. وكان التغريم يشمل كبار المسؤولين في الدولة على الخصوص ( [80] ) : فقد تم تغريم محمد شاوش، صهر الوزناجي باي قسنطينة، وكذلك تم تغريم الباش سايس ولد عمار.
وكان الحكم بالإعدام ـ حسب دافيس ـ ينفذ بإحدى الطرق الثلاث ( [81] ) : القتل بالسفود، والجلد حتى الموت، والارتماء القسريّ.
الإعدام عن طريق السفود: يتم بالطريقة التالية: تؤخذ قطعة دائرية من الخشب طولها ثلاثة أذرع وعرضها في حجم ساق الرجل، أحد طرفيها حاد، ثم تدخل في جسم المحكوم عليه بين الكتفين وتخرج. وهكذا يتركونه حتى الموت.
الجلد حتى الموت: يتم الجلد على النحو التالي: يجلد المخالف، ويوضع مضطجعاً على ظهره وهو عار. ويقوم خادمان بجلده بحبلين مضاعفين على بطنه وأمعائه حتى الموت.
الارتماء القسريّ: يتم على الطريقة التالية: يجلس المحكوم عليه على حائط طوله خمسة أقدام. وتحت المكان الذي يجلس فيه توجد قلنسوة حديدية حادة جداً. وعندئذ يرمى من على الحائط، فيقع على القلنسوة الحديدية.
ونظراً لقساوة هذه العقوبات، فإنه قلما كان يقع استعمالها ( [82] ) ، لأنها كانت مفزعة جدّاً للمخالفين ورادعة لكل من تسول له نفسه المساس بأمن البلاد والعباد.
II ـ المجالس
أنواعها: في هذا الصدد، يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من المجالس:
1 ـ المجلس الخاص ( [83] ) :
هذا المجلس، الذي يشبه في وقتنا الحاضر المجلس القضائي، يوجد على مستوى كل بايلك من أجل إعادة النظر في الأحكام التي أصدرها قضاة المحاكم الابتدائية. يضم هذا المجلس قاضيبن ومفتيين وعدولاً وناظراً وعلماء. ويجتمع كل يوم جمعة للنظر في الأمور التي تم استئنافها، ويترأس هذا المجلس الباي أو قائد الدار.
وتكون الفتوى الصادرة عن هذا المجلس غير ملزمة للقاضي الذي بإمكانه التمسك بقراره الأول. وأمام إصرار القاضي على حكمه، لم يبق من وسيلة أمام الطرف الذي يرى أنه متضرر إلا اللجوء، في إجراء أخير، إلى طلب الالتماس الذي في حالة قبوله، يتداول بشأنه مجلس المناظرة الذي يسمى أيضاً المجلس الشريف أو المجلس العلمي ـ الشرعي.
2 ـ مجلس المناظرة
يتشكل هذا المجلس، الذي يعتبر بمثابة محكمة عليا، من ( [84] ) قاضيين ومفتيين وكاتبين برتبة باش وعَدْل وعلماء.
يعقد هذا المجلس جلساته يوم الخميس من كل أسبوع للنظر في القضايا التي أحيلت إليه من المحاكم الابتدائية وقبل التداول بشأنها ( [85] ) : ففيما يخص المذهب المالكي، تعقد الجلسات في الجامع الكبير ( [86] ) . وفيما يتعلق بالمذهب الحنفي، تعقد الجلسات في جامع كتشاوة.
وتتمثل مهام هذا المجلس، الذي قد يحضر جلساته الحاكم وقد يترأسها أحياناً بنفسه، في ( [87] ) :
ـ الفصل في القضايا الكبرى؛
ـ مراجعة الأحكام التي أصدرها القضاة في المحاكم الابتدائية؛
ـ الاستماع إلى تظلمات كبار المسؤولين في الدولة، من حكام وولاة وغيرهم؛
ـ تعين ناظر الأوقاف؛
ـ تعين ناظر المعارف، وهو المشرف على شؤون التعليم.
ويعتبر الحكم الصادر عن هذا المجلس غير قابل للنقض. ويكون القاضي الذي أصدر الحكم الابتدائي ملزماً بإعادة النظر في حكمه وفق الفتوى الصادرة عن المجلس المذكور.
لقد ظل مجلس المناظرة يباشر مهامه بعد 1830، وضمت إليه السلطات الفرنسية الاستعمارية شخصية فرنسية. فبدأ بذلمك يفقد هيبته ووقاره إلى أن انتهى الأمر بحله بموجب قرار استعماري عام 1848. وترتب على ذلك إلزام الجزائريين برفع قضاياهم أمام مجلس الاستئناف الفرنسي.
3 ـ مجلس الإفتاء
تعتبر هذه المؤسسة أسمى هيئة في النظام العدلي الجزائري، وتعد بمثابة المجلس الأعلى للقضاء حالياً، وتضم فرعين للإفتاء: مالكي وحنفي. والدّاي هو الذي يختار المفتِيَيْن بدقة، ويشترط فيهما أن يكونا من ذوي التقوى والعلم الواسع. وبالإضافة إلى مهمة الإفتاء، يقوم المفتيان باقتراح القضاة والموافقة على تعيينهم ( [88] ) وحضور جلسات الديوان؛ كما يقوم المفتي الحنفي بترأس مجلس الإفتاء ( [89] ) وقراءة نص اليمين ( [90] ) لدى تنصيب حاكم جديد للدولة.
يتقاضى المفتيان رواتب شهرية محددة تليق بنفوذهم ومكانتهم في المجتمع وفي الحياة السياسية: فدفتر تشريفات ( [91] ) قد بين في إحدى فقراته رواتب المفتيين ( [92] ) .
ـ المفتي الحنفي: راتبه الشهري 80 صائمة.
ـ المفتي المالكي: راتبه الشهري 50 صائمة.
وتعتبر الرواتب مقياساً عملياً لترتيب الموظفين من حيث النفوذ والمكانة الاجتماعية.
استنتاج
مما سبق يتضح أن العدالة في عهد الدولة الجزائرية الأولى لم تكن شعاراً يرفع فحسب ، بل كانت نظاماً مؤسساتياً يتمتع بخصائص ومميزات تفتقر إليها، دون شك، الأنظمة العدلية المعاصرة له محلياً، بل وأوروبياً: فقد كان نظاماً عدلياً تطبعه السرعة في التنفيذ والاستقلالية في الأداء والاختصار في الشكليات الإجرائية. وقد أضفت عليه هذه الخصائص فاعلية ونجاعة جسدها السهر الدائم على تدعيمه وتطبيق المسؤولية الجماعية فيه؛ فكان الجميع مسوؤلاً ومطالباً بتقديم يد المساعدة للسلطة القضائية على ما رآه وشاهده. كما كانت كل مقاطعة مسؤولة عما يقع على ترابها من حوادث. هذا كله ساهم في خلق ثقافة عدلية راسخة: فقد كان أوّل ما يسأل عنه المسؤولون السامون لدى تنصيبهم ويوجهون له اهتمامهم هو نشر العدل والأمن بين الناس في حلهم وترحالهم. استقلالية هذه المؤسسة وقيامها بواجبها جعلها تؤدّي دوراً رئيساً في استتباب الأمن وإرساء دعائم دولة القانون التي لا أثر فيها لعمليات التعذيب والاضطهاد المنظم ( [93] ) ، طوال فترة قيامها التي تجاوزت الثلاثة القرون. رأينا هذا تؤكده هذه الشهادة لبنانتي والتي يقول فيها: » أعتقد أن النظام الجزائري يبدو مفضلاً لأولئك الذين خيب القانون ظنهم في بلداننا المتحضرة. هذا النظام كان فعلاً جديراً بالشهرة « ( [94] ) .
( [1] ) تنص المادة الخامسة من الاتفاقية الموقعة بين الداي حسين والكونت دوبرمون سنة 1830 على ما يلي: » تبقى ممارسة الديانة المحمدية حرة، كما أنه لـن يقع أي اعتداء على حرية السّكّان من جميع الطبقات وعلى دينهم وتجارتهم وأملاكهم، وستحترم نساؤهم « .
( [2] ) محمد العربي الزبيري، مدخل إلى تاريخ المغرب العربي الحديث، المؤسسة الوطنية للطباعة، الجزائر، 1974، ص. 75.
( [3] ) M. Belhamissi, Histoire de la marine algérienne (1516-1830), Alger, ENAL ,
1986, p. 9.
( [4] ) وجدي رأفت فهمي، » دراسات في مركز الخصم أمام القضاء المدني « ، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، جامعة عين شمس، عدد 1، 1976، صص. 115 ـ 116، نقلاً عن محمد أمقران بوبشير، النظام القضائي الجزائري، الجزائر، OPU ، 1993، ص, 162.
( [5] ) حمدان بن عثمان خوجة، المرآة، تعريب وتقديم محمد العربي الزبيري، الجزائر، ط 2، 1982، ص. 110.
( [6] ) وليام سبنسر، الجزائر في عهد رياس البحر، ترجمة عبد القادر زبادية، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1980، ص. 111.
( [7] ) Mahfoud Kaddache, L’Algérie durant la période ottomane, Alger, OPU,
1992, p. 114.
( [8] ) المقاومة الجزائرية، عدد 6، يناير 1957، ص. 2.
( [9] ) هذه البايليكات هي:
ـ بايلك الغرب ومقره معسكر، ثم وهران ابتداء من سنة 1722، ويضم 46 قسماً إدارياً.
ـ بايلك الوسط (التيطري) ومقره المدية، وهو أصغر البايليكات وأقلها نفوذاً، وذلك نظراً لقربه من دار السلطان. يضم هذا البايلك 14 قسماً إدارياً.
ـ بايلك الشرق ومقره قسنطينة، وهو أكبر البايليكات مساحة وأكثرها نفوذاً، ويضم 47 قسماً إدارياً.
ـ دار السلطان (العاصمة وضواحيها)، وهي عاصمة الدولة وبها جميع المؤسسات العليا والممثِّليَّات الأجنبية المعتمدة. وتضم دار السلطان 19 قسماً إداريّاً.
( [10] ) تتمثل في وجود المذاهب الفقهية التالية:
ـ المذهب المالكي.
ـ المذهب الحنفي.
ـ المذهب الإباضي.
( [11] ) Claude Collot, Les institutions de l’Algérie durant la période coloniale
(1830-1962), Ed. CNRS-Paris et OPU- Alger, p. 167.
( [12] ) مما تجدر الإشارة إليه أن السلطات الفرنسية أنشأت بعد الاحلال نظام جماعة خاص ببلاد القبائل. كان ذلك بموجب القرار الصادر يوم 15 رجب 1251 هـ/ 28 غشت 1874 م ليحل محل الجماعة التقليدية والمحاكم الشرعية وتبنى أحكامه على العرف والتقاليد دون مراعاة لأحكام الشرع. هذا القرار يشبه إلى حد بعيد الظهير البربري الذي أصدره الفرنسيون لاحقاً بالمغرب بتاريخ 26 ماي 1930 (انظر عبد الرحمن الجيلالي ، تاريخ الجزائر العام، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1995، ج 3، ص. 1513).
( [13] ) Claude Bontemps, Manuel des institutions algériennes de la domination turque à l’indépendance: la domination et le régime militaire 1518-1870, Ed. Cujas, Paris, 1970, p. 25.
( [14] ) Ibid ., p. 26.
( [15] ) Ibid .
( [16] ) Idem .
( [17] ) الجزائر في عهد رياس البحر، مرجع سابق.
( [18] ) Mouloud Caid, Chronique des Beys de Constantine, Alger, O.P.U, 1979, Annexe I, p. 131.
( [19] ) Ibid .
( [20] ) آغا العرب: هو وزير القوات البرية والمكلف بإدارة الأوطان التابعة لدار السلطان.
( [21] ) خوجة الخيل: هو وزير مكلف بممتلكات الدولة.
( [22] ) كان نظام الديات معمولاً به عند العرب. فأبقاه الإسلام وفق ما تشير إليه الآية القرآنية الكريمة 178 من سورة البقرة. {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}. حول موضوع الديات، انظر: محمد لعساكر، » حقوق المجني عليه ومبادئ التعويض في الشريعة الإسلامية (الدية) « ، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، عدد 2، 1990، ص. 340 وما بعدها.
( [23] ) حمدان بن عثمان خوجة، المرآة، تقديم وتعريب وتحقيق محمد العربي الزبيري، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، ط 2، 1982، ص. 110.
( [24] ) المرجع نفسه .
لاشك في أن جهاز العدالة من أهم الأجهزة في الدولة وأعظمها أثراً، لأنه المقياس الذي يعكس درجة رقي المجتمع وفاعلية مؤسساته. وإقامة العدل التي تعني حفظ النفس، والعرض والمال، هي من المصالح التي جاء الإسلام لحفظها ورعايتها، والمجتمع العادل هو ذاك الذي يهيِّء كل فرد فيه الحياة الآمنة والعيش الكريم، حتى ينتظم المجتمع ويزدهر في جوانبه المختلفة.
والدولة الجزائرية التي ظهرت إلى الوجود، في بداية القرن السادس عشر، كانت تتوفر على جهاز عدلي يستجيب لمتطلبات البلاد والعباد ومنسجماً مع مبادئ العدل وقواعده التي أمر بها ديننا الحنيف ومع موروثنا الحضاري الثري بالقيم النبيلة من عدل وتسامح. لكن بعد نهاية الدولة الجزائرية، بصفتها كياناً سياسيّاً، سنة 1837 ( [1] ) ، أقدمت سلطة الاحتلال الفرنسية، بموجب الأمر الصادر عام 1841، على التضييق على الجهاز العدلي الجزائري، وحصرت مجالاته في بعض القضايا المتعلقة بالع..... المدنية والأحوال الشخصية وما يتعلق بهما.
لقد أقام الاستعمار الفرنسيّ جهازاً عدليّاً استعماريّاً وطبعه بالشكل الذي يخدم أهدافه، ضارباً عرض الحائط بما تعهد به الرسميون الفرنسيون لدى دخولهم مدينة الجزائر عام 1930. لم يكتف الفرنسيون بإقامة أجهزتهم الاستعمارية، بل راحوا يشنون حملة واسعة النطاق لطمس معالم الدولة الجزائرية في جميع المجالات. وكان ذلك بهدف القضاء النهائي على المرجعية التاريخية والحضارية للجزائر بصفتها دولة وأمة. ولتحقيق هذه الغاية، أطلق العنان لمؤرخي الاحتلال وضباطه ليرسموا لوحة قاتمة عن حالة الجزائر بغية تبرير احتلالهم لها، لدرجة أنهم نزعوا عنها صفة الدولة على الرغم من أن دولتهم (فرنسا) كانت تتبادل مع الجزائر الممثلين وتبرم معها المعاهدات وتعمل على كسب ودها وصداقتها بتقديم الهدايا والإتاوات.
تلكم اللوحة القاتمة أصبحت المادة الخام التي ينهل منها غالبية المؤرخين والباحثين، عرباً وغيرهم، حينما يتناولون تاريخ ومؤسسات الدولة الجزائرية الأولى PEA) ). أما المؤرخون العرب، فكانوا يفعلون ذلك ـ كما يقول الدكتور محمد العربي الزبيري ـ » بدافع التقليد الأعمى الناتج عن مركب النقص الذي يكاد يكون عاماً لدى مثقفينا الذين اضمحلت شخصيتهم، فلم يعودوا قادرين على نقد ما يكتبه السادة الأوروبيون حتى ولو كانت تلك الكتابة زوراً وبهتاناً « ( [2] ) .
وقد تصدى لهذا التحريف والتزييف العمدي لتاريخ الجزائر الحديث، الحافل بالأمجاد والبطولات، نخبة من الباحثين والمؤرخين الجزائريين: المرحوم توفيق المدني والدكتور مولاي بلحميسي والدكتور جمال قنان والدكتور محمد العربي الزبيري.... بالرغم من ذلك، يبقى تاريخ هذه الدولة في انتظار المؤرخين ـ الباحثين لإعادة كتابته من جديد، دارسين جوانب الحياة كلها على مدى أكثر من ثلاثة قرون.
وتدعيماً لتلك الجهود الصادقة، أردت بهذا المقال المتواضع تأكيد إحدى الركائز المهمة في بناء الدول وقيام الحضارات، ألا وهو جهاز العدالة، وأن أضع بين يدي كل متطلع إلى المعرفة دليلاً عساه يساعد في كشف الحقيقة، وبالتالي التصدي لكل المغالطات التي يروج لها في كل مناسبة وحتى بغير مناسبة للنيل من عظمة الدولة الجزائرية وفاعلية مؤسساتها، لا لشيء إلاَّ لأن رجالاتها استطاعوا أن يجعلوا من البحر المتوسط بحيرة في » خدمة الجزائر والإسلام « ( [3] ) .
أولا: المبادئ الأساسية والمؤسسات
I ـ المبادئ الأساسية
يرتكز الجهاز العدلي الجزائري على مجموعة المبادئ الأساسية التي وجدت لخدمة غرض واحد يتمثل في السير الحسن لهذا الجهاز بغية نشر ثقافة الأمن وإرساء دعائم الدولة العادلة أو ما يعبر عنه في وقتنا الحاضر بدولة القانون، وفي الوقت نفسه ضمان حصول المواطنين وغيرهم على قضاء عادل بإجراءات مبسطة وتكاليف معقولة.
هذه الأسس نوردها مختصرة في ما يلي:
I ـ 1 ـ الحق في اللجوء إلى العدالة
حق الجميع في التقاضي ثابت من ثوابت النظام السياسي الجزائري. ولتجسيد ذلك، تم تزويد الأشخاص بالوسيلة اللازمة للحصول على حقوقهم، أي العدالة، لأنه وفق ما يقوله القانونيون: » فلا قانون بلا قاض، ولا حق أو واجب قانوني بلا قضاء يفرضه وخصومه تكون أداة له في حمايته « ( [4] ) .
والحق في اللجوء إلى القضاء يعد من الأمور التي لا يجوز للأشخاص التنازل عنها بصورة مطلقة إلا في حالات خاصة كحالة تراضي الأطراف باللجوء إلى صلح الجماعة أو أي وسيط آخر للبت في نزاع ما. وهذا أمر تتفق بشأنه جميع الشرائع والقوانين والأعراف.
I ـ 2 ـ المساواة أمام العدالة
التجسيد الفعلي لهذا المبدإ لا يتأتى، طبعاً، إلا بتحقيق أمرين:
ـ المساواة التامة بين الخصوم أمام القضاء؛
ـ وحدة المعايير الشرعية والقانونية المطبقة، والتي تقتضي أن تكون المعاملة واحدة لجميع الأطراف.
ويستكشف المتصفح النزيه والموضوعي لتاريخ العدالة الجزائرية ـ بطريقة جلية ـ أن اللجوء إلى القضاء كان متاحاً للجميع دون أي تمييز.
I ـ 3 ـ الحرية في اختيار القاضي
هذا المبدأ تنفرد به العدالة الجزائرية، مقارنة بالأنظمة العدلية المعاصرة لها، حيث أن الجميع كانت لهم مطلق الحرية في اختيار القاضي الذي ينظر في نزاعهم دون تحديد جغرافي لمكان إقامتهم ولا لموقع الشيء المتنازع فيه. ولا تنحصر حرية الاختيار هذه في اختيار القاضي، بل تتعداه إلى حرية التقاضي أمام أي من المحكمتين المالكية أو الحنفية ( [5] ) .
I ـ 4 ـ مجانية القضاء
فيما يخص الاختصاص الرئيس للقاضي والمتمثل في المعالجة والبت في ما يعرض عليه من قضايا، فإنه يقوم بذلك دون ان يتلقى أي أجر من المتقاضين، نظراً لكونه موظفاً معيناً من طرف الدولة.
I ـ 5 ـ المسؤولية الجماعية
من المبادئ الأساسية التي كانت تقوم عليها العدالة الجزائرية وتمتاز بها مبدأ المسؤولية الجماعية: فكل حي وكل ناحية، سواء تعلق الأمر بالمناطق الحضرية أو القروية، يكون مسؤولاً عن الجرائم والسرقات المرتكبة ضمن حدوده ( [6] ) . وكان من نتائج ذلك انعدام ظاهرة السرقة كما يؤكد ذلك عديد المؤلفين ( [7] ) .
I ـ 6 ـ استقلالية العدالة وحيادها
المقصود بذلك هو أن تقوم الهيئات القضائية (محاكم ومجالس) بعملها مستقلة عن سائر الدوائر الحكومية مركزية كانت أو بايليكية: فالفصل في المنازعات المختلفة يبقى من اختصاص السلطة القضائية، التي لا تخضع في عملها لغير الشريعة والقانون والعرف. فليس لأي جهة الحق في أن تملي على الهيئات المذكورة أو توحي إليها بوجه الحكم في أيّ قضية معروضة أمامها، أو أن تعدل الحكم الذي أصدره القاضي أو تحول دون تنفيذه.
مما سبق يتضح أن الجهاز العدلي الجزائري كان يتمتع باستقلالية مطلقة عن السلطة سواء على مستوى دار السلطان أو على المستوى الإقليمي: فكل أجهزة الدولة تخضع لوصاية، ما عدا جهاز العدالة فلا وصاية عليه إلا في أواخر عهد الدايات، حين صار شيخ الإسلام بمثابة وزير العدل والثقافة ( [8] ) .
II ـ المؤسسات
بعد قيام الـ PEA ، عملت السلطات الجزائرية على إقامة وتنظيم جهاز قضائي مغاير للشكل التقليدي السابق ومتمشٍّ مع متطلبات المرحلة الجديدة ومُراعٍ لخصوصياتها المتمثلة في الانتقال من مجتمع القبيلة إلى مجتمع الدولة ـ الأمة وتقسيم البلاد إلى أربع بايليكات (أقاليم) ( [9] ) ، وكل بايلك إلى عدة أوطان، وكل وطن إلى عدد من الأعراش. ولم يلغ إنشاء الجهاز العدلي الجديد بفرعيه ـ العادي (مدني وجزائيّ) والعسكري ـ القضاء التقليدي، بل حافظ عليه وشجعه، باعتباره إرثاً حضارياً ولبنة مهمة في الصرح القضائي الجزائري القائم على حرية التعددية المذهبية ( [10] ) .
أنواعها:
أصبح جهاز العدالة يتشكل من المؤسسات القضائية التالية:
1 ـ القضاء التقليدي
لقد كان سكان المغرب الأوسط يلجأون في حل مشاكلهم وفض نزاعاتهم، مهما كان نوعها إلى شخصيات محلية مشهور لها بالعلم والتقوى والصلاح .
القائمون عليه:
يقوم على هذا النوع من القضاء شخصيات يمكن حصرها في ما يلي ( [11] ) :
أ ـ الجواب وبيان المعارف: هاتان الشخصيتان يلجأ إليهما الناس في البوادي والمدن على التوالي من أجل الحسم في الخلافات التي تقع بين الفلاحين والخماسين والرعاة.
ب ـ شيوخ الزوايا: يقوم هؤلاء الشيوخ بالفصل في ما يعرض عليهم من قضايا ذات علاقة خاصة بالأحوال الشخصية والمواريث والملكيات.
ج ـ الأئمة: لم تكن لهؤلاء مسؤوليات قضائية، ولكنهم كانوا كثيراً ما يطلب منهم الناس الإدلاء بآرائهم في كثير من الحالات لحسم خلافاتهم.
د ـ الجماعة: كانت الجماعة تمثل هيئة » القضاء « ، خاصة في منطقة القبائل ( [12] ) والمناطق الجبلية في الأوراس وغيرها. لقد كانت الجماعة تعتمد على العرف تشريعاً لحل الخلافات المعروضة عليها ( مدنية كانت أم جزائية)، خاصة ما يتعلق بجرائم القتل والقضايا التي تمس الشرف أو العرض. وما زال دور الجماعة في رأب الصَّدْع وإصلاح ذات البين تقليداً معمولاً به حتى الآن في كامل أنحاء الوطن. هذا النوع من القضاء، بالرغم من تقليديته وبساطته، ساهم بصورة ملحوظة في تحقيق العدل ونشر الأمن.
2 ـ القضاء العادي
فروعه:
تم إنشاء هذا النوع من القضاء ليواكب الانتقال من مجتمع القبيلة إلى مجتمع الدولة ـ الأمة، وينقسم إلى فرعين: مدني وجزائي.
أ ـ الفرع المدني
خصائصه:
يكتسي هذا الفرع ثلاث خصوصيات:
1 ـ التفويض ( [13] )
تكمن هذه الخاصية في كون الرئيس، الذي هو القاضي الأول في البلاد، يفوض هذا الاختصاص إما إلى أحد المسؤولين السامين في الدولة أو إلى شخصية مختصة كالقاضي.
وقياساً على ذلك، يمكن الباي، باعتباره القاضي الأول في بايلكه، أن يقوم بتفويض مماثل.
هذا التفويض يمكن أن يسحبه مانحه متى حدث ما يدعو إلى اتخاذ مثل هذا الإجراء.
2 ـ السرعة
هذه الخاصية تفسر على أساس أن العدالة الجزائرية لا تهتم بالجانب الشكلي: فالمثول الشخصي للطرفين المتخاصمين إجباري، بمعنى أن المدعي مطالب بإحضار المدعى عليه أمام المحكمة ( [14] ) . ولو كان هذا الأخير عاصياً، كُلِّفَ الشاوش بإحضاره شخصياً. أما إذا تمكن من الإفلات، فيعتبر عاصياً فعلاً ( [15] ) . والحكم الغيابيّ غير معمول به في القضاء الجزائري خلال هذه الفترة، كما أن المحاكمات لم تكن لتستمر أكثر من بضع ساعات إلا نادراً ( [16] ) .
3 ـ قلة التكلفة
هذه الخاصية مردها إلى مجانيّة التقاضي والسرعة في إصدار الأحكام وتنفيذها وبساطة الإجراءات؛ كما أن الأحكام القضائية لم تكن تسجل بالاسم، وإنما بالختم أو الطابع المميز الذي يضعه القاضي على أيّ شهادة مسجلة ( [17] ) . وأخيراً، نجد أنه يمكن عقد جلسات المحاكمة في أي مكان عام كالأسواق والساحات أو أي مكان تتم فيه مقابلة القاضي ( [18] ) .
ب ـ الفرع الجزائي
هذا الفرع يتولاه الرئيس شخصياً في دار السلطان بمساعدة أعضاء ديوانه أو أشخاص ينوبون عنه، وهم: الباي والقائد والشيخ، سواء كان ذلك في دار السلطان أو في عواصم البايليكات أو في الأوطان أو في الأعراش.
ويفصل في الجنح مجلس الكاهية، وهو المخول له النظر في القضايا الإجرامية التي تجري حوادثها بين المدنيين. يرأس المجلس المذكور:
ـ بدار السلطان: الحاكم نفسه أو أحد نوابه كخوجة الخيل أو آغا العرب.
ـ بقسنطينة: الباي نفسه أو قائد الدار.
ـ بوهران: الباي نفسه أو القايد أو شيخ البلد.
يضم مجلس الكاهية في عضويته عسكريين متقاعدين برتبة آغا. غير أن هذا المجلس ليس من صلاحياته إلا إصدار عقوبات جسدية أو فرض غرامات ( [19] ) . أما عقوبة الإعدام، فلا تصدر إلا عن الرئيس أو الباي؛ ما عدا دار السلطان، فإن آغا العرب ( [20] ) وخوجة الخيل ( [21] ) يمكنهما إصدار هذه العقوبة. كان تنفيذ العقوبات يتم على مستوى دار السلطان في ثلاثة أماكن:
ـ باب عزون.
ـ دار الصابون.
ـ الزمبوج.
ويحدث في بعض الحالات أن يقوم الرئيس بإحالة بعض القضايا الجزائية على القضاء المدني للفصل فيها طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن جرائم القتل، التي لم تكن ذات طابع سياسي، كانت تعالج عن طريق صلح الجماعة، الذي يتوج بدفع الدية ( [22] ) .
3 ـ القضاء العسكري
المتعارف عليه أن العسكريين لا يحاكمون بواسطة القوانين المدنية، وإنما بواسطة القوانين العسكرية. وعليه، فحينما يخل العسكريون بقواعد الانضباط أو يتعدون القوانين، يتوجه رؤساء المحاكم الجنائية والتأديبية العسكرية إلى القاضي لمعرفة رأيه في تطبيق القانون ( [23] ) .
وعند صدور الأحكام، وتوجُّب عقوبة، فإن رئيس الديوان أو آغا العرب هما اللذان يأمران بتنفيذها في مقر الديوان سراً ( [24] ) ، حتى لا تهان كرامتهم ( [25] ) ، بينما غيرهم يشهر البراح بجرائمهم ( [26] ) . ففي دار آغا الهلالين والتي تسمى دار السركاجي يتم تنفيذ ما أصدرته المحاكم العسكرية وأمر الداي بتنفيذه من أحكام في المخالفات التي ارتكبها أفراد المليشية ( [27] ) . غير أنه في عهد علي باشا، تم إعدام سبعة ضباط في قصر الجنينة وتعليق جثتهم أمام الملإ ( [28] ) .
ثانياً: المحاكم والمجالس
I ـ المحاكم
أ ـ أنواعها:
تنوعت المحاكم بتنوع التركيبة المذهبية للمجتمع الجزائري. وتبعاً لذلك، فقد تم إنشاء ثلاث محاكم تعمل وفق ما يقتضيه كل مذهب.
أ ـ 1 ـ المحاكم المالكية
تنظر في القضايا وفق مذهب الإمام مالك، الذي تتبعه الغالبية العظمى من سكان الجزائر.
أ ـ 2 ـ المحاكم الحنفية
تختص في معالجة ما يعرض عليها من قضايا وفق مذهب الإمام أبي حنيفة، الذي يعتبر المذهب الثاني في الجزائر؛ وغالبية أتباعه من الجزائريين ذوي الأصول العثمانية والأندلسية.
أ ـ 3 ـ المحكمة الإباضية
تعالج هذه المحكمة ما يعرض عليها من قضايا تخص أتباع المذهب الإباضي، خاصة في منطقة وادي ميزاب. وتنقسم هذه المنطقة قضائياً إلى سبعة قرى ( [29] ) ، ولكل قرية قانونها ونظامها القضائي، الذي قد يتفق وقد يختلف مع نظام غيرها من القرى الأخرى.
ومن الأحكام التي تصدر عن القضاء العرفي في محكمة غرداية معاقبة الشخص الذي يكلم المرأة في الشارع العام أو المدخن أو شارب الخمر، بالغرامة والجلد بالعصا ثمانين جلدة ( [30] ) .
إضافة إلى ما سبق ذكره، توجد هيئات قضائية عديدة نوردها باختصار في التالي:
ـ هناك قضاء مختص في معالجة القضايا ذات الطابع التجاري والمهني، إضافة إلى علاقات العمل بين المالكين والعمال.
ـ هناك قضاء خاص بالمسيحيين واليهود يقوم به على التوالي القناصل والحاخامات. وهذا النوع يمكن أن يطلق عليه اليوم مصطلح الاختصاص النوعي أو المذهبي ( [31] ) .
غير أن هذه المحاكم تفقد حق الاختصاص في مقاضاة رعاياها ( [32] ) ، إذا كانت المخالفات المرتكبة تمس أمن الدولة الجزائرية أو كان المواطنون الجزائريون طرفاً فيها: ففي هاتين الحالتين، يعود الاختصاص إلى القضاء الجزائري.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الجيجليين كان لهم أمين خاص بهم، كما أن مقاضاتهم وعقابهم كان يتولاهما الداي مباشرة ( [33] ) . وهذا الامتياز مرده ـ في رأيي ـ إلى المواقف التاريخية لهذه المدينة: فهي التي استقبلت الفاتحين (1514) وساعدتهم في طرد الاستعمار الجنوي، كما أنه بعد الفتن التي أعقبت وفاة بابا عروج، والتي قام بها بالقاضي، بتحريض من الحفصيين والإسبان، وجد خير الدين في هذه المدينة الملاذ الآمن الذي ساعده وجنوده في القضاء على المتمردين والعودة ثانية إلى مدينة الجزائر.
ب ـ تشكيلها: تتشكل المحاكم الجزائرية من:
ب ـ 1 ـ القاضي (مالكي أو حنفي): وهو يتولى الفصل في القضايا والمنازعات المعروضة على المحكمة، كما سنفصل ذلك لاحقاً.
ب ـ 3 ـ المفتي: وهو بمثابة رئيس شرفي مهمته تقديم الاستشارة الشرعية أو القانونية حول المسائل التي تعرض عليه، وليس حول طبيعة الأحكام. ويتم تعيين المفتبن من طرف السلطات العليا بناء على علمهم ونزاهتهم، وكان يمكن تمييزهم عن غيرهم بواسطة القفطان الأبيض ( [34] ) الذي كانوا يرتدونه.
ب ـ 3 ـ العدول ( [35] ) : يقوم هؤلاء بتحريـر الإجراءات القضائية وتوقيعها. وسنتعرض بالتفصيل إلى العدول ودورهم فيما بعد.
ب ـ 4 ـ الكتّاب : هؤلاء مهمتهم تحرير بعـض الأعمال القضائية وتدوين الملاحظات أثناء جلسات المحاكم.
ب ـ 5 ـ الشواش : يقوم هؤلاء بحفظ الأمن والنظام داخل المحاكم، وإحضار المطلوبين أمام العدالة.
ج ـ أسلاكها:
سوف نقصر الحديث على سلكي القضاة والعدول، نظراً لأهمية الدور الذي يؤدِّيه كل من القاضي والعدل:
1 ـ القضاة
يعتبر القضاة الدعامة الأساسية للجهاز العدلي، لأن بيدهم أهم ما يملكه الإنسان، روحه وماله وعرضه. ومن هنا كان حرص المسؤولين على اختيارهم كبيراً، فكان يتم استناداً إلى ما لهم من درجات علمية في الفقه وأصول الدين، إلى جانب ما يشتهرون به من نزاهة وخلق كريم. كما أن هؤلاء القضاة كانوا من الحاصلين على شهادات عليا ( [36] ) من القاهرة أو إسطانبول. ويتم اختيار هؤلاء مباشرة من قبل السلطات العليا في البلاد ( [37] ) باقتراح من المفتي وموافقته.
ويتم هذا الاختيار في شكل رسالة تعيين تسمى رسالة إنعام أو تولية، كما توضح ذلك رسالة تعيين في منصب قاضٍ بعث بها الحاج أحمد، باي قسنطينة، إلى علي الزغداني مولياً إياه قاضياً على نجع لحراكتة بالأوراس.
يقول الباي في هذه الرسالة ( [38] ) :
الحمد لله. أمرنا بهذا المنصب المبارك بحول الله تعالى وقوته المهيب سي الفقيه الأجل أبتنا علي الزغداني على أننا أنعمنا عليه ووليناه قاضياً بنجع لحراكتة أولاد عيسى وأوصيناه بأن يحكم بمشهور مذهب الإمام مالك بن أنس الذي به الفتوى وأوصيناه بتقوى الله العظيم وطاعته في السر والعلانية ومراقبة من لا تخفاه خافية وأمرنا بطاعته والإذعان لحكمه مع الإيصاء عليه بالحرمة والاحترام والمبرة والإكرام بحسب الواجب على أمرنا هذا أن يعمل بمقتضاه ولا يخالفه ولا يتعداه. ومن خالف الأمر، استوجب العقوبة والحبل والمشنقة من المنعم سمو مولانا السيد الحاج أحمد باشا أيده الله تعالى ونصره آمين.
أواسط جمادى الأول سنة 1350 هـ.
تبين لنا رسالة التعيين هذه من جهة مدى الاهتمام الذي كان يليه المسؤولون الجزائريون للعدالة ولرجالها، وتوضح بجلاء حقوق القاضي وواجباته من جهة أخرى: ففيما يخص الحقوق، تلتزم الدولة بأن تأخذ على عاتقها حماية القاضي من جميع التجاوزات قولية كانت أو فعلية، حتى يتمكن هذا القاضي من ممارسة وظيفته بكل حرية ليفصل في القضايا والمنازعات المعروضة عليه بالعدل والمساواة دون إفراط أو تفريط، وحتى يكون حكمه عنواناً لعدالة عادلة وقاضٍ نزيه. وفيما يخص الواجبات، فالقاضي مطالب بأن يكون نزيهاً محايداً بعيداً عن كل الضغوط والمغريات من أي نوع كانت ومهما كان مصدرها، وإلا تعرض لأقسى أنواع العقوبات.
أ ـ اختصاصاتهم:
1 ـ أساسية: اختصاصات القاضي عديدة وواسعة، إذ تشمل في جانبها النوعي كل القضايا المدنية وبعض القضايا الجزائية، وتشمل في جانبها المكاني كامل أراضي القطر الجزائري، هذه الاختصاصات تعد المهمة الأساسية للقاضي.
2 ـ ثانوية: غير أن القاضي يضطلع، زيادة على ما تقدم، بمهام أخرى ليصدر فيها أحكاماً خارج أي نزاع. من هذه المهام التي تعد اختصاصاً ثانوياً نذكر ما يلي:
2 ـ أ ـ الوصاية على القصر: في القانون الإسلامي توجد ست حالات لعدم الأهلية وبالتالي للمنع من التصرف. وهذه الحالات هي:
ـ العبودية.
ـ القصر.
ـ الخبل العقلي.
ـ السفه.
ـ الإفلاس.
ـ الخطر العمومي.
الحالات الأكثر أهمية هي رعاية القصر والتي تكون احتياطية، ولا يلجأ إليها إلا في حالة عدم وجود الوصي الشرعي: الأب أو الجد أو وصي موصى به. وحتى في حالة وجود الوصي، فالقاضي له سلطة الرقابة على الأوصياء ( [39] ) للتأكُّد من قيامهم بتنفيذ ما أوصوا به.
2 ـ ب ـ الموافقة على الهبات
وهي عطايا تقدم للمؤسسات الخيرية من أجل تحسين أوضاع الفقراء والتخفيف من معاناتهم. ووفقاً لمبادئ المذهب المالكي، فإن الذي يهب ملكاً ما لا يعتبر مقبولاً إلا إذا كان التمتع به حالاً ودون أية قيود ( [40] ) .
أما المذهب الحنفي، فيرى أن إرادة الواهب ورغبته في الهبة يكفي للاعتداد بهذه الهبة شرعاً وقانوناً ( [41] ) ، استناداً لما جاء في الأثر: » نوايا المرء الحسنة أبلغ من أفعاله « ؛ وكذلك القاعدة المعتمدة في هذه الفترة والقائلة إن » العوائد المتداولة تتحول إلى قانون « .
فمثلاً، هناك رجل له دار يسكنها ثم يريد أن يقوم بعمل خيري لصالح مؤسسة خيرية: فهذه الهبة لا يعتد بها شرعاً ولا قانوناً حسب القضاء المالكي. أما القضاء الحنفي، فيرى أن صاحب المسكن يواصل التمتع بمسكنه طوال حياته، وبعد ذلك تنفذ الهبة بانتقال الدار إلى الجهة الموهوب لها. هذه المرونة في القضاء الحنفي تضبطها شروط وقواعد صارمة: فالمحكمة لا تصدر حكمها إلا بعد أن يدرس المفتون الحنفيون شروط العقد دراسة دقيقة، وذلك منعاً لأي التباس أو تأويل لدى عموم الناس. ولتوضيح ذلك، نورد ما يلي ( [42] ) :
ـ إذا كان سيستفاد من الهبة خارج الإطار الجغرافي للواهب، فإن إرادته لا تنفذ إلاّ بعد التأكد من عدم وجود فقراء في بلدة الواهب أكثر احتياجاً من غيرهم.
ـ إذا كان الواهب يرغب في أن يعطي حق استثمار أملاكه للفقراء مدة 10 أعوام أو 15 عاماً، تعاد له أملاكه كاملة بعد انقضاء الفترة، فإن ذلك لن يكون شرعياً ولا يستطيع الواهب أو ورثته أن يتصرفوا فيه بعد تلك المدة. ويصبح حق الانتفاع هبة أبدية.
وبناء على ما تقدم، يكاد يكون هناك شبه إجماع بين مفتي المذهبين على تطبيق القضاء الحنفي على كل الهبات المشروطة، خدمة للصالح العام ورفع الموارد الخاصة بالطبقة المحتاجة من أبناء الأمة. وعليه، فقد أصبح على كل من يريد أن يهب شيئاً ما بعد وفاته أن يتوجه إلى القاضي الحنفي.
غير أن هناك حالات تستدعي اتفاقاً بين المحكمتين قبل إصدار حكمها، كما سنرى ذلك فيما يلي ( [43] ) :
ـ إذا كان رب أسرة قد قدم هبة تنقل بعد وفاته إلى مؤسسة خيرية ما، وكانت أسرة الواهب نفسها محتاجة، فإن الهبة تعتبر لاغية، بالرغم من إجازة المذهب الحنفي لها. ذلك لأنه ليس من العدل في شيء أن نساعد الأجانب على حساب أفراد الأسرة المحتاجة بناء على ما جاء في الأثر: » حاولوا أن تقطعوا جذور الشر قبل البحث عن الخير « ، وأيضاً في مورثنا الشعبي: » لا تجوز الصدقات حتى يكتفي العيال « .
ـ إذا كان الواهب غنياً ثم مات ولم يترك وارثاً، فإن تركته تذهب إلى بيت مال المسلمين. غير أنه إذا كان قد أوصى بشيء من ماله، فإن المحكمة تنظر أولاً إلى الوضع الذي يكون عليه صندوق بيت المال لإقرار الوصية أو إلغائها؛ فإذا كانت حسابات الصندوق مدينة، ألغيت الوصية.
لنر الآن موقف المذهبيين إذا كان الواهب غير مسلم ( [44] ) :
ـ إذا أراد أحد المسيحيين أن يهب أملاكه للكنيسة أو لفقراء المسيحيين ( [45] ) ، فإن القاضي يثبت العقد ويعتبره شرعياً ويكون للواهب المسيحي ما للواهب المسلم. أما إذا أوصى بالهبة نفسها لمسجد أو لفقراء المسلمين، فإن القاضي لا يستطيع أن يثبت بنفسه ذلك العقد الذي يعتبر غير شرعي. ومن ثمة لا يعترف بصحته مهما كانت المبررات، ويظل الواهب حائزاً على أملاكه يتصرف فيها كيفما يشاء. والسبب في رفض هذه الهبة من طرف القاضي كون هذا المسيحي لم يقدم على ذلك الفعل الخيري إلا مجاملة أو بدافع له ارتباطات سياسية. غير أنه من الناحية المعاملاتية البحتة تكون هذه الهبة صحيحة ما دامت نية الواهب لم تتغير. وإذا أراد إلغاءها لسبب من الأسباب، كان له ذلك.
مما سبق يتضح أن هذه الثنائية المذهبية وبالتالي القضائبية كانت عامل تكامل عاد بالنفع على جميع أفراد المجتمع.
وبما أن هذه الثنائية القضائية لم تخدم سياسة » فرق تسد « الاستعمارية، فقد أقدم الجنرال الفرنسي بارتراند كلوزيل ( Bertrand Clauzel ) ( [46] ) على إلغاء القضاء الحنفي، لأنه رأى في بقائه عاملاً يشجع الواهبين على تقديم الهبات لدعم جسور التضامن والتآزر بين الجزائريين.
2 ـ ج ـ اختصاصات أخرى
من مهام القاضي أيضاً التصديق على الوثائق في جميع المعاملات التي يحررها ويختمها العدول، حيث يضع عليها طابعه الضابط. ومن مهامه أيضاً الإشراف على مصلحة الجنائز عند غياب رئيسها، فإن القاضي الخاص يقوم صحبة أحد المسؤولين السامين بتعيين وكيل يمثل أهل المتوفى وأوصياء للقاصرين. كما أن وكلاء الأيتام والقصر لا يحق لهم فتح الودائع إلا أمام القاضي، وهو الذي يتولى بنفسه صرف المبلغ المطلوب ثم يضع ختمه على الباقي ( [47] ) ويرسله على الفور إلى وكيل ( [48] ) أملاك المسجد.
والظاهر أن هؤلاء القضاة، على الرغم من كونهم موظفين، لم تكن لهم مرتبات شهرية ثابتة ( [49] ) ، وكل ما كان يحصل عليه هؤلاء هو عبارة عن مكافآت وتشجيعات موسمية تقدم لهم. وربما يعود ذلك إلى الرسوم الإضافية التي كان يحصل عليها القضاة عن أعمالهم القضائية خارج المحاكم: فالقاضي كان يحصل على موزونة ( [50] ) واحدة مقابل تصديقه على كل وثيقة يوقعها ( [51] ) . أما حينما يتعلق الأمر ببيع الأملاك العقارية، حيث تنعقد الإجراءات ويستوجب التحري في مراجعة وثائق الملكية ، فإن الرسوم تكون معتبرة ( [52] ) . وفي قسمة المواريث يأخذ القاضي 10 0 % ( [53] ) .
وفي رأينا أن هذه التشجيعات والرسوم المختلفة التي كان يحصل عليها القاضي كفيلة بأن توفر له دخلاً محترماً.
2 ـ العدول ودورهم
يعتبر العدل أو الشاهد العدل شخصية مهمة في النظام العدلي الجزائري. ومن ثمة كان القضاة لا يختارون العدول إلا بعد التأكد من أخلاقياتهم ونزاهتهم، بمعنى أن يكونوا أشخاصاً لا تقبل شهادتهم التجريح، هؤلاء العدول بعد انتقائهم يصبحون عدولاً مثبتين ورسميين. وكان كل قاضٍ يحيط به اثنا عشر عدلاً ( [54] ) .
والدور الأساسي للعدل هو الشهادة أثناء الجلسات. زيادة على ذلك، يقوم هؤلاء بتحرير جميع المعاملات الخاصة، وكل وثيقة يجب أن تكون ممضية ومختومة من طرف عدلين، قبل أن يضع القاضي ختمه الضابط ( [55] ) ؛ كما أن الوثيقة لا تعد صحيحة ومعترفاً بها قانوناً إلا إذا كان تحريرها على يد عدلين رسميين ( [56] ) .
يستلم العدل أجرة عمله حسب أهمية الوثيقة: فقد تكون بطاقة شيك ( [57] ) أو نصفها أو أكثر قليلاً، على أن لا تتعدى الأجرة في جميع الحالات سكة جزائرية ( [58] ) . غير أن الوثائق والمعاملات المتعلقة بالعقارات تكون أجرتها أكثر لما يترتب على ذلك من مراجعة للرسوم وتحرٍّ في الملكية، كما سبق أن ذكرنا.
ومن مهام العدل أيضاً الذهاب إلى سكن المتوفى لإحصاء الأشياء التي تركها وتقديم جرد لها إلى رئيس مصلحة الجنائز الذي يسمى بيت المالجي ( [59] ) . كما يقوم العدول بالإشراف على نقل الأشياء الثمينة، التي يخشى ضياعها أو اختفاؤها، إلى وكالة الودائع لحفظها، حتى يجتمع الورثة وغيرهم من ذوي الحقوق.
2 ـ د ـ سير محاكمتها
لقد كانت المحاكم تعقد جلساتها يومياً، باستثناء يوم الجمعة. وكان المتحاكمون يعرضون قضاياهم بأنفسهم ( [60] ) ، لأن استعمال المحامين لم يكن مطلوباً ( [61] ) ، ولكنه كان مسموحاً لهم باستعمال الشهود لتدعيم حججهم أمام القاضي ( [62] ) . ولا يمكن هذا الأخير أن يرفض الشهادة مهما كان صاحبها مالكياً أو حنفياً ( [63] ) ، لأن إشكالية الاختلاف المذهبي تزول بأداء القسم.
ولم تكن المحاكمات تستمر أكثر من بضع ساعات إلا نادراً ( [64] ) . بعدها يصدر القاضي حكمه إما بالبراءة أو الإدانة. وفي حالة عدم توافر الحجج، تبرأ ساحة المتهم أو تؤجل محاكمته شهراً ( [65] ) . وفي بعض القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية، كان القاضي يؤجل إصدار الحكم في القضية لمدة سنة ( [66] ) . وقد كانت المحاكمات تتم إما بالعربية أو التركية ( [67] ) ، حسب الظروف وطبيعة الأطراف المتخاصمة. لقد كان القانون يطبق على الجميع بالتساوي، إلا إذا كانت حقيقة الذنب بادية للعيان والجريمة واضحة؛ كما أن حياد المحكمة كان مضموناً للجميع.
لقد كان جهاز العدالة الجزائري، كما سبق أن ذكرنا، يمتاز بالسرعة والحياد. ولتوضيح ذلك، نورد أمثلة على بعض القضايا التي عرضت على القضاة وفصلوا فيها أو فصل فيها الرئيس مباشرة.
1 ـ القضايا التي فصل فيها القاضي
ـ القضية الأولى ( [68] ) : هذه القضية أوردها رونودور ( Renaudort )، ومفادها أنه كان أحد المسيحيين مسجوناً، لأنه ضبط في بيت سَيِّء السمعة مع مسلم كان قد صادفه وأخذه هناك. ولما عرضت القضية على المحكمة، صدر فيها الحكم التالي: المسيحي والمسلم مذنبان بالتساوي: فالأول قد خرق القانون الجاري به العمل بخصوص بيوت الدعارة والتي يمنع على المسيحيين التردد عليها؛ أما الثاني، فلأنه وفر الوسيلة؛ وأما المومسات، فقد حكم عليهن بالسجن والغرامة.
ـ القضية الثانية ( [69] ) : هذه القضية أوردها أندر هيل ( Under Hill ) في مذكراته "الأسير الجزائري" والتي تعطي هي أيضاً مثلاً جيداً عن سير العدالة الجزائرية والتي يقول فيها:
جلس القاضي على وسادة متربعاً وبمعيته عبدان، يحمل الأول منهما كرباجاً وعصاً، والآخر بيده سيفٌ شرقيٌّ جيد الصنع والزركشة. وقد أحضر المدعي بغلاً كان يبدو صحيحاً، ولكنه أثبت أنه أعمى ومكسور القائمة. وهنا دعي الشهود الذي أثبتوا التعاقد بين الرجلين وشهدوا بعيوب البغل. وقد أقر المدعى عليه بالذنب، ولكنه قال: "إن المدعى كان قد باعه قبل أربع سنوات جملاً مهشماً مكسوراً، وبقي كل هذا الوقت ينتظر ليأخذ بالثأر". بعدها تم استدعاء الشهود الذين أثبتوا صحة هذا الادعاء.
وكان حكم القاضي كالتالي: يجلد المدعى عليه خمسين جلدة بالكرباج، ويجلد المدعي خمسين جلدة أيضاً لغشه الأول. وأطلق سراح الاثنين دون دفع التعويضات للمحكمة. أمر القاضي أحد الأعوان ببيع البغل عن طريق المزايدة وتوزيع المبلغ على الفقراء. وبما أن أحد الشهود كان يعتقد أنه أدلى بشهادة زور، فقد تلقى خمسين جلدة وأركب على بغل باتجاه المؤخرة ليطاف به في المدينة، حيث كان يؤمر بالوقوف عند كل زاوية ويردد العبارة التالية: » لقد حدث هذا أمام المستنير العدل الرءوف القاضي مير كارسان، وذلك أثناء محاكمة عثمان بكر وأبو أيسول، وإني أبلغ بهذا وأنا راكب « .
ـ القضية الثالثة ( [70] ) : تخاصم اثنان، ثم تصالحا أمام المحكمة. وكان ثمن الصلح، كما حدده القاضي، يتمثل في أن يدفع المعتدي شاة ونصف الشاة إلى المجني عليه.
2 ـ القضايا التي فصل فيها الرئيس (الداي)
كان رئيس الدولة يعتبر القاضي الأول في البلاد، يسهر شخصياً على نشر العدل وإنصاف المظلومين ومعاقبة المخالفين. ولتوضيح ذلك، نورد القضيتين التاليتين.
ـ القضية الأولى ( [71] ) : لاحظ الداي شعبان ذات مرة أن أحد الأشخاص في الديوان كان يخفي شيئاً ما تحت برنوسه. ولما سأله الداي، أظهر له حبات برقوق قال له إنه اشتراها من تاجر مرسيلي. فقال له الداي: » إذا كنت تتوفر على مثل هذه الفاكهة الجيدة جداً، فإنك تكون قد سرقتها. ولو لم يكن هذا، فالأفضل أن تشتري الخبز لعائلتك. إنك تستحق مائة جلدة بالكرباج، لأنك جعلت عائلتك تعاني لمجرد إشباع جشعك الخاص « . وحينئذ أرسل في إحضار التاجر صاحب البرقوق، الذي تعرف السلة وأكد أنها قد سرقت منه. وهنا أضيفت إلى عقوبة الكذب عقوبة السرقة.
ـ القضية الثانية ( [72] ) : ذهب الداي إبراهيم ذات مرة إلى دكان متنكراً في هيئة خادم. وهذا، ليتأكد بنفسه من مدى صحة ما كان يشاع من أن صاحب الدكان كان يبيع الخبز والأرز بأسعار تفوق السعر المحدد. ولما تأكد له ذلك، أحيل التاجر على العدالة فوراً ليأخذ جزاءه.
يضاف إلى دور رجال العدالة ويقظة المسؤولين دور مختلف أجهزة الشرطة التي كانت تقوم بدوريات دون انقطاع لتراقب التجاوزات القانونية والسلوك الأخلاقي.
ونتيجة لجهود الجميع، سيطر القانون والنظام وعم الأمن والاستقرار في ربوع الوطن، حتى » أصبحت مدينة الجزائر أكثر موانئ البحر الأبيض المتوسط من حيث النظام وحسن التسيير تقصدها السفن المسيحية المتعددة الجنسيات، لأنها تجد فيها سلامة الإرساء أكثر مما يتوفر لها في موانئها الأصلية « ( [73] ) .
هـ ـ أشكال عقابها
يحرص الجهاز العدلي الجزائري، كغيره من الأجهزة العدلية، على حماية حقوق الأفراد ومنع الاعتداء عليها. ويؤدي الاعتداء على هذه الحقوق إلى العقاب بطبيعة الحال. ويختلف هذا الأخير باختلاف الجريمة المرتكبة، كما سنوضح ذلك في ما يلي:
1 ـ السرقة
كان عقابها قطع يد السارق اليمنى وتعليقها على كتفه. وبعدها، يُرْكَب حماراً ويُطَاف به في المدينة ووجهه إلى الخلف يسبقه ممثل للعدالة ينادي: » هؤلاء لصوص عوقبوا « ( [74] ) . والعقوبة عَيْنُهَا كان يتعرض لها المزورون ( [75] ) .
2 ـ الزنا
كانت عقوبة الزنا تتمثل في جلد كل من الطرفين. وكانت عقوبة الجلد تتم بتمديد المخالف وضربه ضرباً خفيفاً بانتظام على مواقع قدميه أو على بطنه بعصا صغيرة في حجم وسمك الإصبع. أما عدد الضربات، فكان يتراوح ما بين 50 و 1000 جلدة حسب طبيعة الجريمة. وبعدها يصب الخل على جروح المخالف حسب ما رواه دافيس ( Davis ) ( [76] ) .
3 ـ التمرد والتآمر والتهريب والغش وعدم احترام القوانين الاقتصادية
هذه الجرائم كانت عقوبة مرتكبيها الشنق والخنق حتى الموت والحرق: فاليهود المتلبسون في المخالفات ذات الطابع الاقتصادي غالباً ما يحرقون، حسب ما أورده شو ( Shaw ) ( [77] ) .
4 ـ القتل: كان يحكم على القاتل بالقتل. غير أنه في المناطق القروية حينما تقع جريمة قتل، فغالباً ما يلجأون إلى صلح الجماعة والذي ينتهي بالصلح الذي يترتب عليه دفع الدية ( [78] ) لأهل الضحية.
ومن أشكال العقاب أيضاً التغريم، حيث كان الغرماء يسجنون حتى تباع كل ممتلكاتهم. فإذا كان ثمنها يفوق قيمة الدين، عاد المبلغ المتبقي إلى السجين؛ وإذا كان العكس، أطلق سراحه ( [79] ) . وفي كلتا الحالتين، كان يتلقى مائة جلدة ويعمل مائة يوم. وكان التغريم يشمل كبار المسؤولين في الدولة على الخصوص ( [80] ) : فقد تم تغريم محمد شاوش، صهر الوزناجي باي قسنطينة، وكذلك تم تغريم الباش سايس ولد عمار.
وكان الحكم بالإعدام ـ حسب دافيس ـ ينفذ بإحدى الطرق الثلاث ( [81] ) : القتل بالسفود، والجلد حتى الموت، والارتماء القسريّ.
الإعدام عن طريق السفود: يتم بالطريقة التالية: تؤخذ قطعة دائرية من الخشب طولها ثلاثة أذرع وعرضها في حجم ساق الرجل، أحد طرفيها حاد، ثم تدخل في جسم المحكوم عليه بين الكتفين وتخرج. وهكذا يتركونه حتى الموت.
الجلد حتى الموت: يتم الجلد على النحو التالي: يجلد المخالف، ويوضع مضطجعاً على ظهره وهو عار. ويقوم خادمان بجلده بحبلين مضاعفين على بطنه وأمعائه حتى الموت.
الارتماء القسريّ: يتم على الطريقة التالية: يجلس المحكوم عليه على حائط طوله خمسة أقدام. وتحت المكان الذي يجلس فيه توجد قلنسوة حديدية حادة جداً. وعندئذ يرمى من على الحائط، فيقع على القلنسوة الحديدية.
ونظراً لقساوة هذه العقوبات، فإنه قلما كان يقع استعمالها ( [82] ) ، لأنها كانت مفزعة جدّاً للمخالفين ورادعة لكل من تسول له نفسه المساس بأمن البلاد والعباد.
II ـ المجالس
أنواعها: في هذا الصدد، يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من المجالس:
1 ـ المجلس الخاص ( [83] ) :
هذا المجلس، الذي يشبه في وقتنا الحاضر المجلس القضائي، يوجد على مستوى كل بايلك من أجل إعادة النظر في الأحكام التي أصدرها قضاة المحاكم الابتدائية. يضم هذا المجلس قاضيبن ومفتيين وعدولاً وناظراً وعلماء. ويجتمع كل يوم جمعة للنظر في الأمور التي تم استئنافها، ويترأس هذا المجلس الباي أو قائد الدار.
وتكون الفتوى الصادرة عن هذا المجلس غير ملزمة للقاضي الذي بإمكانه التمسك بقراره الأول. وأمام إصرار القاضي على حكمه، لم يبق من وسيلة أمام الطرف الذي يرى أنه متضرر إلا اللجوء، في إجراء أخير، إلى طلب الالتماس الذي في حالة قبوله، يتداول بشأنه مجلس المناظرة الذي يسمى أيضاً المجلس الشريف أو المجلس العلمي ـ الشرعي.
2 ـ مجلس المناظرة
يتشكل هذا المجلس، الذي يعتبر بمثابة محكمة عليا، من ( [84] ) قاضيين ومفتيين وكاتبين برتبة باش وعَدْل وعلماء.
يعقد هذا المجلس جلساته يوم الخميس من كل أسبوع للنظر في القضايا التي أحيلت إليه من المحاكم الابتدائية وقبل التداول بشأنها ( [85] ) : ففيما يخص المذهب المالكي، تعقد الجلسات في الجامع الكبير ( [86] ) . وفيما يتعلق بالمذهب الحنفي، تعقد الجلسات في جامع كتشاوة.
وتتمثل مهام هذا المجلس، الذي قد يحضر جلساته الحاكم وقد يترأسها أحياناً بنفسه، في ( [87] ) :
ـ الفصل في القضايا الكبرى؛
ـ مراجعة الأحكام التي أصدرها القضاة في المحاكم الابتدائية؛
ـ الاستماع إلى تظلمات كبار المسؤولين في الدولة، من حكام وولاة وغيرهم؛
ـ تعين ناظر الأوقاف؛
ـ تعين ناظر المعارف، وهو المشرف على شؤون التعليم.
ويعتبر الحكم الصادر عن هذا المجلس غير قابل للنقض. ويكون القاضي الذي أصدر الحكم الابتدائي ملزماً بإعادة النظر في حكمه وفق الفتوى الصادرة عن المجلس المذكور.
لقد ظل مجلس المناظرة يباشر مهامه بعد 1830، وضمت إليه السلطات الفرنسية الاستعمارية شخصية فرنسية. فبدأ بذلمك يفقد هيبته ووقاره إلى أن انتهى الأمر بحله بموجب قرار استعماري عام 1848. وترتب على ذلك إلزام الجزائريين برفع قضاياهم أمام مجلس الاستئناف الفرنسي.
3 ـ مجلس الإفتاء
تعتبر هذه المؤسسة أسمى هيئة في النظام العدلي الجزائري، وتعد بمثابة المجلس الأعلى للقضاء حالياً، وتضم فرعين للإفتاء: مالكي وحنفي. والدّاي هو الذي يختار المفتِيَيْن بدقة، ويشترط فيهما أن يكونا من ذوي التقوى والعلم الواسع. وبالإضافة إلى مهمة الإفتاء، يقوم المفتيان باقتراح القضاة والموافقة على تعيينهم ( [88] ) وحضور جلسات الديوان؛ كما يقوم المفتي الحنفي بترأس مجلس الإفتاء ( [89] ) وقراءة نص اليمين ( [90] ) لدى تنصيب حاكم جديد للدولة.
يتقاضى المفتيان رواتب شهرية محددة تليق بنفوذهم ومكانتهم في المجتمع وفي الحياة السياسية: فدفتر تشريفات ( [91] ) قد بين في إحدى فقراته رواتب المفتيين ( [92] ) .
ـ المفتي الحنفي: راتبه الشهري 80 صائمة.
ـ المفتي المالكي: راتبه الشهري 50 صائمة.
وتعتبر الرواتب مقياساً عملياً لترتيب الموظفين من حيث النفوذ والمكانة الاجتماعية.
استنتاج
مما سبق يتضح أن العدالة في عهد الدولة الجزائرية الأولى لم تكن شعاراً يرفع فحسب ، بل كانت نظاماً مؤسساتياً يتمتع بخصائص ومميزات تفتقر إليها، دون شك، الأنظمة العدلية المعاصرة له محلياً، بل وأوروبياً: فقد كان نظاماً عدلياً تطبعه السرعة في التنفيذ والاستقلالية في الأداء والاختصار في الشكليات الإجرائية. وقد أضفت عليه هذه الخصائص فاعلية ونجاعة جسدها السهر الدائم على تدعيمه وتطبيق المسؤولية الجماعية فيه؛ فكان الجميع مسوؤلاً ومطالباً بتقديم يد المساعدة للسلطة القضائية على ما رآه وشاهده. كما كانت كل مقاطعة مسؤولة عما يقع على ترابها من حوادث. هذا كله ساهم في خلق ثقافة عدلية راسخة: فقد كان أوّل ما يسأل عنه المسؤولون السامون لدى تنصيبهم ويوجهون له اهتمامهم هو نشر العدل والأمن بين الناس في حلهم وترحالهم. استقلالية هذه المؤسسة وقيامها بواجبها جعلها تؤدّي دوراً رئيساً في استتباب الأمن وإرساء دعائم دولة القانون التي لا أثر فيها لعمليات التعذيب والاضطهاد المنظم ( [93] ) ، طوال فترة قيامها التي تجاوزت الثلاثة القرون. رأينا هذا تؤكده هذه الشهادة لبنانتي والتي يقول فيها: » أعتقد أن النظام الجزائري يبدو مفضلاً لأولئك الذين خيب القانون ظنهم في بلداننا المتحضرة. هذا النظام كان فعلاً جديراً بالشهرة « ( [94] ) .
( [1] ) تنص المادة الخامسة من الاتفاقية الموقعة بين الداي حسين والكونت دوبرمون سنة 1830 على ما يلي: » تبقى ممارسة الديانة المحمدية حرة، كما أنه لـن يقع أي اعتداء على حرية السّكّان من جميع الطبقات وعلى دينهم وتجارتهم وأملاكهم، وستحترم نساؤهم « .
( [2] ) محمد العربي الزبيري، مدخل إلى تاريخ المغرب العربي الحديث، المؤسسة الوطنية للطباعة، الجزائر، 1974، ص. 75.
( [3] ) M. Belhamissi, Histoire de la marine algérienne (1516-1830), Alger, ENAL ,
1986, p. 9.
( [4] ) وجدي رأفت فهمي، » دراسات في مركز الخصم أمام القضاء المدني « ، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، جامعة عين شمس، عدد 1، 1976، صص. 115 ـ 116، نقلاً عن محمد أمقران بوبشير، النظام القضائي الجزائري، الجزائر، OPU ، 1993، ص, 162.
( [5] ) حمدان بن عثمان خوجة، المرآة، تعريب وتقديم محمد العربي الزبيري، الجزائر، ط 2، 1982، ص. 110.
( [6] ) وليام سبنسر، الجزائر في عهد رياس البحر، ترجمة عبد القادر زبادية، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1980، ص. 111.
( [7] ) Mahfoud Kaddache, L’Algérie durant la période ottomane, Alger, OPU,
1992, p. 114.
( [8] ) المقاومة الجزائرية، عدد 6، يناير 1957، ص. 2.
( [9] ) هذه البايليكات هي:
ـ بايلك الغرب ومقره معسكر، ثم وهران ابتداء من سنة 1722، ويضم 46 قسماً إدارياً.
ـ بايلك الوسط (التيطري) ومقره المدية، وهو أصغر البايليكات وأقلها نفوذاً، وذلك نظراً لقربه من دار السلطان. يضم هذا البايلك 14 قسماً إدارياً.
ـ بايلك الشرق ومقره قسنطينة، وهو أكبر البايليكات مساحة وأكثرها نفوذاً، ويضم 47 قسماً إدارياً.
ـ دار السلطان (العاصمة وضواحيها)، وهي عاصمة الدولة وبها جميع المؤسسات العليا والممثِّليَّات الأجنبية المعتمدة. وتضم دار السلطان 19 قسماً إداريّاً.
( [10] ) تتمثل في وجود المذاهب الفقهية التالية:
ـ المذهب المالكي.
ـ المذهب الحنفي.
ـ المذهب الإباضي.
( [11] ) Claude Collot, Les institutions de l’Algérie durant la période coloniale
(1830-1962), Ed. CNRS-Paris et OPU- Alger, p. 167.
( [12] ) مما تجدر الإشارة إليه أن السلطات الفرنسية أنشأت بعد الاحلال نظام جماعة خاص ببلاد القبائل. كان ذلك بموجب القرار الصادر يوم 15 رجب 1251 هـ/ 28 غشت 1874 م ليحل محل الجماعة التقليدية والمحاكم الشرعية وتبنى أحكامه على العرف والتقاليد دون مراعاة لأحكام الشرع. هذا القرار يشبه إلى حد بعيد الظهير البربري الذي أصدره الفرنسيون لاحقاً بالمغرب بتاريخ 26 ماي 1930 (انظر عبد الرحمن الجيلالي ، تاريخ الجزائر العام، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1995، ج 3، ص. 1513).
( [13] ) Claude Bontemps, Manuel des institutions algériennes de la domination turque à l’indépendance: la domination et le régime militaire 1518-1870, Ed. Cujas, Paris, 1970, p. 25.
( [14] ) Ibid ., p. 26.
( [15] ) Ibid .
( [16] ) Idem .
( [17] ) الجزائر في عهد رياس البحر، مرجع سابق.
( [18] ) Mouloud Caid, Chronique des Beys de Constantine, Alger, O.P.U, 1979, Annexe I, p. 131.
( [19] ) Ibid .
( [20] ) آغا العرب: هو وزير القوات البرية والمكلف بإدارة الأوطان التابعة لدار السلطان.
( [21] ) خوجة الخيل: هو وزير مكلف بممتلكات الدولة.
( [22] ) كان نظام الديات معمولاً به عند العرب. فأبقاه الإسلام وفق ما تشير إليه الآية القرآنية الكريمة 178 من سورة البقرة. {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}. حول موضوع الديات، انظر: محمد لعساكر، » حقوق المجني عليه ومبادئ التعويض في الشريعة الإسلامية (الدية) « ، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، عدد 2، 1990، ص. 340 وما بعدها.
( [23] ) حمدان بن عثمان خوجة، المرآة، تقديم وتعريب وتحقيق محمد العربي الزبيري، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، ط 2، 1982، ص. 110.
( [24] ) المرجع نفسه .
- منتديات العماريةالمدير الفنى للمنتدى
- الجنس :
عدد المساهمات : 6535 نقاط التميز : 16181 تاريخ التسجيل : 18/04/2009 العمر : 35 الموقع : http://bit.ly/Llerty
رد: النظام العدلي الجزائري
الخميس 21 أبريل - 10:53
( [31] ) عبد العزيز سعد، المرجع السابق، ص. 22.
( [32] ) سعيدوني، المرجع السابق.
( [33] ) Venture de Paradis, op. cit., p. 119.
( [34] ) الجزائر في عهد رياس البحر ، مرجع سابق، ص. 107.
( [35] ) الشهود العدول مصطلح تم استعماله مختصراً من قبل المغاربة والأندلسيين في مصطلح عدول، ومن قبل المشارقة في مصطلح شهود. ويعود أول استعمال للمصطلحين إلى سنة 870 هـ، حين قام القاضي المصري المفضل بتعيين 10 أشخاص بلقب شهود. (حول هذا الموضوع، انظر:
H. Vandevelde, Cours d’histoire du droit musulman et des institutions
(musulmanes , OPU-Alger, 1983, p. 207 .
( [36] ) Kaddache, op. cit., p. 114.
( [37] ) Ibid.
( [38] ) عثرنا على هذه الوثيقة في كتاب صالح فركوس، الحاج أحمد باي 1826 ـ 1850، الجزائر، O.P.U ، 1930، ص. 110. ونحن الذين قمنا بإعادة كتابتها الحرفية.
( [39] ) أحمد توفيق المدني ، محمد عثمان باشا، داي الجزائر 1766 ـ 1791، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1980، ص. 172.
( [40] ) المرآة ، المرجع السابق، ص. 270.
( [41] ) المرجع نفسه .
( [42] ) المرجع نفسه ، ص. 269.
( [43] ) المرجع نفسه ، ص. 272.
( [44] ) المرجع نفسه ، ص. 273.
( [45] ) المرجع نفسه .
( [46] ) حاكم عام للجزائر، ثم قائد بجيش أفريقيا عامي 1835 ـ 1836. وأثناء حكم هذا الجنرال، الذي لا ذمة له ولا ضمير والعديم الإنسانية، ألحقت المؤسسات الخيرية بأملاك الدولة، وحرم الفقراء من الاستفادة منها؛ كما تعرضت المساجد للتخريب مثل ما حدث بمسجد السيدة، الذي بناه الداي عثمان باشا من ماله الخاص، ويعتبر آية في الفن والعمارة، حيث بيعت محتوياته في مدينة تلوز الفرنسية. لقد تعرض هذا المسجد، الذي يقع قبالة قصر الجنينة، للهدم لكونه المسجد الذي يؤدي فيه أعضاء الحكومة الجزائرية وسلطاتها العليا صلواتهم. ومن ثمة فهو بهذه الصفة يعتبر أحد رموز الدولة الجزائرية؛ كما تم تحويل بعض المساجد الأخرى إلى مستشفيات لجند الاحتلال ومراكز لتجمعات جيوشه.
( [47] ) محمد عثمان باشا ، المرجع السابق، ص. 272.
( [48] ) هو مسؤول مصلحة الودائع العمومية. وهذه المصلحة مخصصة لوضع الودائع العمومية: فالمسافرون والواقفون على أموال اليتامى وحتى الذين يخافون أن يعتدي اللصوص على ممتلكاتهم الخاص يمكنهم وضع أموالهم في هذه المصلحة على سبيل الأمانة أو الوديعة، ويكتبون أسماءهم فوق ودائعهم. تفتح هذه المصلحة أبوابها يومين في الأسبوع ليتمكن المودعون من سحب ما أودعوه أو زيادة شيء فيه. هذه المصلحة تقوم مقام البنك في وقتنا الحالي. ( انظر: محمد بن عثمان باشا داي الجزائر، المرجع السابق، ص. 172).
( [49] ) سعيدوني، المرجع السابق، ص. 49.
( [50] ) عملة جزائرية تساوي درهماً.
( [51] ) محمد عثمان باشا ، المرجع السابق.
( [52] ) المرجع نفسه .
( [53] ) المرجع نفسه .
( [54] ) المرجع نفسه . ص. 171.
( [55] ) المرجع نفسه .
( [56] ) المرجع نفسه .
( [57] ) عملة جزائرية تعادل ريالاً أو درهماً. والريال فضة يساوي 13 فرنكاً في 1937.
( [58] ) محمد عثمان باشا ، المرجع السابق.
( [59] ) المرآة ، المرجع السابق، ص. 134.
( [60] ) Caid, op. cit.
( [61] ) Ibid .
( [62] ) سعيدوني، المرجع السابق.
( [63] ) المرجع نفسه .
( [64] ) Venture de Paradis, op. cit., p. 114.
( [65] ) Ibid .
( [66] ) سجل محكمة المدية قبيل الاحتلال الفرنسي.
( [67] ) Venture de Paradis, op. cit.
( [68] ) الجزائر في عهد رياس البحر ، المرجع السابق.
( [69] ) المرجع نفسه .
( [70] ) سجل محكمة المدية ، المرجع السابق.
( [71] ) سعيدوني، المرجع السابق.
( [72] ) سعد الله أبو القاسم، محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث (بداية الاحتلال)، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1983، ص. 54.
( [73] ) وليام سبينسر، نقلاً عن المرجع نفسه.
( [74] ) فليبو بنانتي، المرجع السابق.
( [75] ) المرجع نفسه.
( [76] ) دافيس، نقلاً عن المرجع نفسه.
( [77] ) شو، نقلاً عن سعيدوني، المرجع السابق، ص. 250.
( [78] ) هي عبارة عن مبلغ مالي قد تدفعه عائلة الجاني أو يُجمع من أفراد القبيلة.
( [79] ) سعيدوني، المرجع السابق.
( [80] ) المرجع نفسه.
( [81] ) الجزائر في عهد رياس البحر ، المرجع السابق، ص. 109.
( [82] ) المرجع نفسه .
( [83] ) الجيلالي، المرجع السابق، ص. 513.
( [84] ) Venture de Paradis, op. cit.
( [85] ) Ibid .
( [86] ) فيما يخص المذهب المالكي، كانت الجلسات تعقد في الجامع الكبير: فإذا كان المتقاضون من المسلمين، دخلوا كلهم المسجد، وإن كان فيهم غير المسلمين، عقدت الجلسات خارجاً في أحد صحون الجامع. (انظر: محمد بن عثمان باشا داي الجزائر، المرجع السابق، صص. 74 ـ 75).
( [87] ) الجيلالي، المرجع السابق.
( [88] ) المرآة ، المرجع السابق.
( [89] ) الجيلالي، المرجع السابق، ص. 110.
( [90] ) الجزائر في عهد رياس البحر، المرجع السابق.
( [91] ) هو السجل الرسمي للحكومة، الذي كانت تسجل فيه جميع أعمالها ومذكراتها العامة وما تقرره من نظم وقوانين. ومن ثمة فهو في ـ رأينا ـ بمثابة "الجريدة الرسمية". ويعد هذا السجل من أهم وأثرى الوثائق المتعلقة بتاريخ الدولة الجزائرية الأولى. بعد الاحتلال وضع المستعمر يده على هذا السجل وغيره من سجلات الحكومة وحفظ في خزينة أملاك الدولة. ونظراً للقيمة التاريخية العظيمة، أولاه حافظ هذه الخزينة ألبير دي فولكس أهمية كبيرة، فقام بترجمته في 15 ديسمبر 1853 وأمر بطبعه بمطابع الحكومة العامة بالجزائر.
( [92] ) Albert Devoulx, Tachrifat. Recueil de notes historiques sur l’administration de l’ancienne régence d’Alger , Imp. du GG 1853, p. 51.
( [93] ) كورين شوفالييه، الثلاثون سنة الأولى لقيام دولة مدينة الجزائر 1510 ـ 1541، ترجمة جمال حمدانه، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1991، ص. 85.
( [94] ) F. Pananti, Relation d’un séjour à Alger, Paris, le Normant 1838, cité par Kaddache, op. cit, p. 114
( [32] ) سعيدوني، المرجع السابق.
( [33] ) Venture de Paradis, op. cit., p. 119.
( [34] ) الجزائر في عهد رياس البحر ، مرجع سابق، ص. 107.
( [35] ) الشهود العدول مصطلح تم استعماله مختصراً من قبل المغاربة والأندلسيين في مصطلح عدول، ومن قبل المشارقة في مصطلح شهود. ويعود أول استعمال للمصطلحين إلى سنة 870 هـ، حين قام القاضي المصري المفضل بتعيين 10 أشخاص بلقب شهود. (حول هذا الموضوع، انظر:
H. Vandevelde, Cours d’histoire du droit musulman et des institutions
(musulmanes , OPU-Alger, 1983, p. 207 .
( [36] ) Kaddache, op. cit., p. 114.
( [37] ) Ibid.
( [38] ) عثرنا على هذه الوثيقة في كتاب صالح فركوس، الحاج أحمد باي 1826 ـ 1850، الجزائر، O.P.U ، 1930، ص. 110. ونحن الذين قمنا بإعادة كتابتها الحرفية.
( [39] ) أحمد توفيق المدني ، محمد عثمان باشا، داي الجزائر 1766 ـ 1791، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1980، ص. 172.
( [40] ) المرآة ، المرجع السابق، ص. 270.
( [41] ) المرجع نفسه .
( [42] ) المرجع نفسه ، ص. 269.
( [43] ) المرجع نفسه ، ص. 272.
( [44] ) المرجع نفسه ، ص. 273.
( [45] ) المرجع نفسه .
( [46] ) حاكم عام للجزائر، ثم قائد بجيش أفريقيا عامي 1835 ـ 1836. وأثناء حكم هذا الجنرال، الذي لا ذمة له ولا ضمير والعديم الإنسانية، ألحقت المؤسسات الخيرية بأملاك الدولة، وحرم الفقراء من الاستفادة منها؛ كما تعرضت المساجد للتخريب مثل ما حدث بمسجد السيدة، الذي بناه الداي عثمان باشا من ماله الخاص، ويعتبر آية في الفن والعمارة، حيث بيعت محتوياته في مدينة تلوز الفرنسية. لقد تعرض هذا المسجد، الذي يقع قبالة قصر الجنينة، للهدم لكونه المسجد الذي يؤدي فيه أعضاء الحكومة الجزائرية وسلطاتها العليا صلواتهم. ومن ثمة فهو بهذه الصفة يعتبر أحد رموز الدولة الجزائرية؛ كما تم تحويل بعض المساجد الأخرى إلى مستشفيات لجند الاحتلال ومراكز لتجمعات جيوشه.
( [47] ) محمد عثمان باشا ، المرجع السابق، ص. 272.
( [48] ) هو مسؤول مصلحة الودائع العمومية. وهذه المصلحة مخصصة لوضع الودائع العمومية: فالمسافرون والواقفون على أموال اليتامى وحتى الذين يخافون أن يعتدي اللصوص على ممتلكاتهم الخاص يمكنهم وضع أموالهم في هذه المصلحة على سبيل الأمانة أو الوديعة، ويكتبون أسماءهم فوق ودائعهم. تفتح هذه المصلحة أبوابها يومين في الأسبوع ليتمكن المودعون من سحب ما أودعوه أو زيادة شيء فيه. هذه المصلحة تقوم مقام البنك في وقتنا الحالي. ( انظر: محمد بن عثمان باشا داي الجزائر، المرجع السابق، ص. 172).
( [49] ) سعيدوني، المرجع السابق، ص. 49.
( [50] ) عملة جزائرية تساوي درهماً.
( [51] ) محمد عثمان باشا ، المرجع السابق.
( [52] ) المرجع نفسه .
( [53] ) المرجع نفسه .
( [54] ) المرجع نفسه . ص. 171.
( [55] ) المرجع نفسه .
( [56] ) المرجع نفسه .
( [57] ) عملة جزائرية تعادل ريالاً أو درهماً. والريال فضة يساوي 13 فرنكاً في 1937.
( [58] ) محمد عثمان باشا ، المرجع السابق.
( [59] ) المرآة ، المرجع السابق، ص. 134.
( [60] ) Caid, op. cit.
( [61] ) Ibid .
( [62] ) سعيدوني، المرجع السابق.
( [63] ) المرجع نفسه .
( [64] ) Venture de Paradis, op. cit., p. 114.
( [65] ) Ibid .
( [66] ) سجل محكمة المدية قبيل الاحتلال الفرنسي.
( [67] ) Venture de Paradis, op. cit.
( [68] ) الجزائر في عهد رياس البحر ، المرجع السابق.
( [69] ) المرجع نفسه .
( [70] ) سجل محكمة المدية ، المرجع السابق.
( [71] ) سعيدوني، المرجع السابق.
( [72] ) سعد الله أبو القاسم، محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث (بداية الاحتلال)، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1983، ص. 54.
( [73] ) وليام سبينسر، نقلاً عن المرجع نفسه.
( [74] ) فليبو بنانتي، المرجع السابق.
( [75] ) المرجع نفسه.
( [76] ) دافيس، نقلاً عن المرجع نفسه.
( [77] ) شو، نقلاً عن سعيدوني، المرجع السابق، ص. 250.
( [78] ) هي عبارة عن مبلغ مالي قد تدفعه عائلة الجاني أو يُجمع من أفراد القبيلة.
( [79] ) سعيدوني، المرجع السابق.
( [80] ) المرجع نفسه.
( [81] ) الجزائر في عهد رياس البحر ، المرجع السابق، ص. 109.
( [82] ) المرجع نفسه .
( [83] ) الجيلالي، المرجع السابق، ص. 513.
( [84] ) Venture de Paradis, op. cit.
( [85] ) Ibid .
( [86] ) فيما يخص المذهب المالكي، كانت الجلسات تعقد في الجامع الكبير: فإذا كان المتقاضون من المسلمين، دخلوا كلهم المسجد، وإن كان فيهم غير المسلمين، عقدت الجلسات خارجاً في أحد صحون الجامع. (انظر: محمد بن عثمان باشا داي الجزائر، المرجع السابق، صص. 74 ـ 75).
( [87] ) الجيلالي، المرجع السابق.
( [88] ) المرآة ، المرجع السابق.
( [89] ) الجيلالي، المرجع السابق، ص. 110.
( [90] ) الجزائر في عهد رياس البحر، المرجع السابق.
( [91] ) هو السجل الرسمي للحكومة، الذي كانت تسجل فيه جميع أعمالها ومذكراتها العامة وما تقرره من نظم وقوانين. ومن ثمة فهو في ـ رأينا ـ بمثابة "الجريدة الرسمية". ويعد هذا السجل من أهم وأثرى الوثائق المتعلقة بتاريخ الدولة الجزائرية الأولى. بعد الاحتلال وضع المستعمر يده على هذا السجل وغيره من سجلات الحكومة وحفظ في خزينة أملاك الدولة. ونظراً للقيمة التاريخية العظيمة، أولاه حافظ هذه الخزينة ألبير دي فولكس أهمية كبيرة، فقام بترجمته في 15 ديسمبر 1853 وأمر بطبعه بمطابع الحكومة العامة بالجزائر.
( [92] ) Albert Devoulx, Tachrifat. Recueil de notes historiques sur l’administration de l’ancienne régence d’Alger , Imp. du GG 1853, p. 51.
( [93] ) كورين شوفالييه، الثلاثون سنة الأولى لقيام دولة مدينة الجزائر 1510 ـ 1541، ترجمة جمال حمدانه، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1991، ص. 85.
( [94] ) F. Pananti, Relation d’un séjour à Alger, Paris, le Normant 1838, cité par Kaddache, op. cit, p. 114
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى