- achwak
- الجنس :
عدد المساهمات : 4671 نقاط التميز : 11994 تاريخ التسجيل : 24/03/2011 العمر : 47
حتما الامتحان الكبير للنظام والشعب سيكون في الانتخابات الرئاسية المقبلة...
الأربعاء 23 مايو - 18:22
تمثل الجزائر حالة شبه شاذة وسط الربيع العربي، فهي تعيش نفس جوهر الاستبداد السياسي الذي أدى إلى الثورات في الوطن العربي لكن دون أي حراك سياسي أو حتى إرهاصات لهذا الحراك . تجدر الإشارة هنا إلى أن الجوهر يختلف عن المظاهر المباشرة للاستبداد، وهو ربما ما يفسر حالة الشلل والخمول الثوري التي يعيشها الشعب الجزائري. إن الإفرازات والمظاهر المباشرة للاستبداد السياسي أمر يمس كافة طبقات المجتمع ويمكن لعامة الناس أن تلمسه أو تكتوي بناره، بينما جوهر الاستبداد يمكن للشعوب أن تتعايش معه إلى حين، ومصدر هذا التعايش هو عزوف الشعوب عن مطلب الحرية و العدل والكرامة في ظل ظروف اجتماعية وثقافية وبسيكولوجية معينة، لكن ينتهي هذا التعايش عندما يدرك المستبد أن قبضته أصبحت مهددة وهنا نشهد المظاهر المباشرة للاستبداد ليصل الأمر في نهاية المطاف إلى الصدام المباشر.
الحالة الجزائرية في تجلياتها اقرب إلى ما يمكن تسميته " بالثورة الباردة"، فهناك إحساس عام في أوساط الشعب بالتهميش والإقصاء وغياب العدل والفساد المالي والسياسي الذي يمخر عظم الدولة الجزائرية لكن دون أن يتم ترجمة هذا الإحساس إلى حراك أو مطالب سياسية، ويعود هذا لغياب الوعي العام لحجم التحديات التي ستواجهها البلاد قريبا، وغلبة غريزة البقاء عند الشعب عن غريزة الحياة و غريزة لقمة العيش عن الحرية والكرامة، وهذا نتاج طبيعي للعشرية الحمراء، إضافة إلى هذا غياب أي قيادات سياسية أو فكرية يمكن أن تلتف عليها فئات من الشعب نتيجة لعملية التجريف التي مورست خلال العقدين الماضيين، كل هذا جعل الشعب يصاب بإحباط من العملية السياسية ويؤثر الانكفاء على ذاته ويكتفي بالابتزاز المالي للنظام كأحد الغنائم المجانية من الثورات العربية.
من ناحية أخرى هناك النظام الذي يدرك عدم شرعيته وعدم نجاحه في إنجاز أي شيء يمكن إن يحسب له طيلة عقدين، بل يدرك أنه أغرق البلاد في متاهات اقتصادية واجتماعية، لهذا فهو يعيش في ظل توازن رعب جعله يرخي القبضة الأمنية أحيانا ويتجنب أية مظاهر يمكنها أن تستفز الشعب أو تكون شرارة للصدام ، وراح أيضا يشتري السكوت الاجتماعي بفواتير مؤجلة تدفعها الأجيال المقبلة أو يدفعها الشعب نفسه بعد فترة، وهذا استجابة لحالة الابتزاز الصامت من الشعب وعملية رهن مصالح طبقات عدة من المجتمع ببقاء النظام.
في الحقيقة أفضل تصوير للمشهد الجزائري نجده في الفقرة التالية من كتاب الكواكبي حول الاستبداد، فهو يقول :
" إن خوف المستبد من نقمة رعيته أكثر من خوفهم من بأسه، لأن خوفه ينشأ عن علمه بما يستحقه منهم، و خوفهم ناشىء عن جهل، و خوفه عن عجز حقيقي فيه، وخوفهم عن توهم التخاذل فيهم، و خوفه على فقد حياته و سلطانه، وخوفهم على لقيمات من النبات على وطن يألفون غيره في أيام، و خوفه على كل شيء تحت سماء ملكه، و خوفهم على حياة تعيسة فقط"
المراقب للثورات العربية يجد أنها تتفاوت في حدتها وزخمها وسقف مطالبها، وعلى قدر الزخم وسقف المطالب تأتي الاستجابة. الأمر الواضح أن الثورات الفعلية والجذرية تحدث في الدول التي تشهد أسوأ أنواع الاستبداد السياسي و الضغط الاجتماعي والتي لم تشهد أي ثورات أو هزات سياسية عنيفة لأكثر من نصف قرن، وهذا أمر طبيعي فالمجتمعات تمر بفترة استرخاء وفتور بعد أي ثورة وتحتاج ع..... حتى يثبت أن النظام الثوري آل إلى استبداد آخر وفترة أخرى حتى تتخمر عوامل ثورة جديدة.
الجزائر والمغرب مثالان متشابهان لحالات العدوى الثورية، فكلا البلدين يشتركان في وجود أحزاب سياسية متشابهة ومشاركة في إخراج المشهد الديمقراطي العبثي، بينما تتحكم أطراف أخرى في اللعبة السياسية ، الاقتصاد ، المنظومة المالية و الأمنية.
ما يميز حالة المغرب عن الحالة الجزائرية هو وجود حراك سياسي و مظاهرات واحتجاجات بمطالب سياسية، وإن لم تكن بتلك القوة والتوحد و لا بسقف مطالب عال، لهذا فإن استجابة النظام كانت في تعديلات دستورية تقلل من صلاحيات الملك دون أية تغيير جوهري في تركيبة النظام أو منظومته الأمنية الممسكة بالبلاد، وهو ما سيتمخض عنه ديكور ديمقراطي أكثر بريقا وترك الحكومات المنتخبة في مواجهة مباشرة مع الشعب، بعبارة أخرى تم تصدير المشاكل الاجتماعية والاقتصادية إلى الأحزاب التي يفرزها الصندوق وليس مستبعدا أن يؤدي هذا إلى إفساد العملية السياسية وإصابة الشعب بحالة إحباط من النخبة السياسية.
على عكس المغرب لم تشهد الجزائر أي تظاهرات أو مسيرات تستحق الذكر، على الرغم من محاولة بعض الأطراف المشبوهة والتي لا تمتلك أية عمق شعبي محاكاة ما حدث في دول الجوار، ولكن خوف النظام من العدوى الحقيقية جعله يبادر إلى اتخاذ بعض الخطوات الشبيهة بخطوات الجارة المغرب ولكن أقل في حجمها، فلم يبادر النظام إلى تغيير الدستور بل أكتفي بالتكرم ببعض القوانين التي تمس المشاركة السياسية والانتخابات والإعلام. ليس هنا المجال لمناقشة تفاصيل هذه القوانين أو مدى جدواها، ولكن أعتقد أن علاقة هذه القوانين بالاستحقاقات التشريعية المقبلة أمر يستحق التحليل.
من شبه المؤكد أن النظام لن يقدم على أية تزوير فاضح للانتخابات المقبلة، ومن المرجح أيضا أن تكون شفافة إلى حد ما، ولكن ما الذي يجعل النظام يقبل على هذه الخطوة و هو يعلم يقينا أن الجماهير لو خرجت كما خرجت سنة 91 فإن أحزاب التحالف ستكون أكبر الخاسرين ؟ إذا على ماذا يراهن النظام في الجزائر؟
المتأمل للساحة الجزائرية يجد أنه تم تجريفها تماما وإفسادها بشكل أفقد الشعب أي ثقة في جميع الوجوه السياسية المتصدرة للمشهد السياسي والتي أثبتت أنها لا يختلف فيها من هو في التحالف الرئاسي عن من يدعي المعارضة، فكل طرف أسوأ من الآخر، وهو ما يفسر، بالإضافة إلى التزوير، المقاطعة الشعبية الكاسحة لجميع الاستحقاقات الانتخابية الماضية .
المتغير الوحيد في الاستحقاقات القادمة هو دخول الأحزاب التي ستعتمد واحتمال مشاركة جبهة القوى الاشتراكية.
عندما نتكلم عن الأحزاب الجديدة فإنه حتما يتبادر إلى الأذهان الشيخ عبد لله جاب الله، هذا الرجل الذي ظل ثابتا على مواقفه ومبادئه ولم يستطع النظام شراء ذمته، ولكن التاريخ أثبت أن جاب الله لا يملك القدرة على تكوين تشكيل سياسي متماسك، بل أصبح الرجل وحيدا بعد أن أنفض عنه جميع رفقاء دربه من الرعيل الأول وأنتهي بهم الأمر في أحضان السلطة يتقلدون مناصب دبلوماسية. لهذا فإن دخول حزب جاب الله المعترك السياسي لن يكون له تأثيرا كبيرا ولا يخيف النظام القائم، نظرا لعدم توفر الحزب عن أية قواعد مؤثرة والانحصار التام للنشاط القاعدي لحركة جاب الله نظرا لعملية تجفيف المنابع الذي مارسها النظام طيلة العقدين الماضيين، وزاد الطين بله تعجل جاب الله في اختيار إطارات حزبه الجديد مما يوحي أن حزبه هذا ربما يشهد نفس النهاية المأساوية التي لاقتها أحزابه السابقة.
الحزب الآخر الذي قد تشهد الساحة السياسية ميلاده هو حزب محمد السعيد الذي كثيرا ما غازل قواعد الفيس. ولكن من الصعب تصور إحداث هذا الحزب أي اختراق حقيقي في الساحة السياسية نظرا لافتقاد قيادته للكاريزمة وعدم وجود قواعد مؤثرة تذكر لهذا الحزب تجعله قادرا على حشد الجماهير ودفع الناس إلى المشاركة خلال هذه الفترة القصيرة.
الأمر الآخر والمهم قد يكون رهان النظام الجزائري على إدخال أطرافا أخرى من التيار الإسلامي بيت الطاعة، كما فعل مع غيرهم، لأن تجربة العقدين الماضيين شهدت كيف أن من كانوا يحدثون الشباب في المساجد عن الخلافة الراشدة والعدالة العمرية انتهى بهم المطاف بإقامة موريتي وعالم المال والأعمال و أصبح مطلبهم الوحيد سماع الآذان في موريتي!
الطرف الثالث المهم في الاستحقاقات المقبلة هو دون شك جبهة القوى الاشتراكية والذي قد يشارك في الانتخابات المقبلة، لكن للأسف مشاركة هذا الحزب لا تخيف النظام في شيء، كون هذا الحزب صبغ بصبغة جهوية منذ ميلاده على الرغم من كون زعيمه يمثل رمزا ثوريا وقامة وطنية لا غبار عليها. لهذا فإنه من السهل التنبؤ من الآن بعدد المقاعد التي سيحصل عليها هذا الحزب في أحسن الأحوال ، أيضا يمكن أن يكون لابتعاد الزعيم الروحي للحزب عن المشهد والتأثير الفعلي في الحزب و عدم اعتناق إطارات وقواعد الحزب لإيديولوجية الرجل أثرا كبيرا على مسيرة الحزب في المستقبل القريب.
إضافة إلى ما سبق هناك أطراف أخرى قد تدخل اللعبة السياسية، ولعلى أهمها ما يتم الحديث عنه من سعي دوائر في النظام لاستنساخ "RND" جديد ، ربما باستعمال وجوه لازالت تحظى بشيء من المصداقية، ولعل ركوب الموجة الثورية من طرف بعض الوجوه السياسية والأقلام، التي سبق لها وأن ارتبطت بالنظام، يعتبر تحضيرا للمشهد.
لكن يبقى السؤال المهم، هل من الممكن أن تشهد الانتخابات المقبلة مشاركة كبيرة؟ من الصعب تصور ذلك في ظل حالة التجريف والتصحر السياسي وغياب الوعي في أوساط الشباب والقناعة السائدة في أوساط الشعب بعدم جدوى المشاركة، بل من المؤكد أن الأغلبية الساحقة من الشعب لا تعلم شيئا عن متغيرات الساحة السياسية والوافدين الجدد، بل إنها لا تعلم حتى موعد الانتخابات، ولكن هذا السؤال يدفعنا إلى الحديث عن بعض النقاط التي وردت في ما يسمى بالإصلاحات التي أدخلت على قوانين الانتخابات و الأحزاب، والتي أعتقد أن جاءت لتفسد أي نتائج للصناديق المقبلة وتدفع جزءا كبيرا من الشعب إلى العزوف عنها .
الملاحظ لهذه الإصلاحات يجد أنه لا إصلاح فيها، فالإشراف القضائي لا يمكن أن يعتبر في الجزائر ضمانا لنزاهة الانتخابات، لأننا لو عدنا فقط إلى التجربة المصرية سنجد كيف كان يتم تزوير الانتخابات فيها طيلة الع..... الماضية على الرغم من وجود إشراف قضائي كامل، وهي أيضا الدولة التي تتمتع بالقضاء الأكثر استقلالا في الوطن العربي والذي يحفل تاريخه بمواقف و أحكام مشرفة في وجه السلطة، فما بالك الآن بالقضاء الجزائري الذي لم يسجل له التاريخ موقفا واحدا في وجه الحاكم. الشيء المسلم به هو أن نزاهة وشفافية أية انتخابات لا يعدو كونه إرادة سياسية .
النقطة الثانية المهمة في هذه الإصلاحات هي المادة التي تمنع صراحة إطارات ومناضلي الفيس من تأسيس أحزاب سياسية. في الحقيقة يبدو أن النظام القائم لم يتخلص بعد من عقدة الصناديق مع هذا الحزب ولا زال يخاف من عودة قوية له بشكل من الأشكال، بالرغم من انه من غير الواضح ما إذا كان لهذا الحزب خلايا نائمة يمكنها أن تستنسخ حزبا قويا.
النقطة الثالثة واللافتة للانتباه في هذه الإصلاحات هي إدراج كوطة أو حصة المرأة، وهي سابقة تاريخية شبيهة بحصة العمال والفلاحين في مصر، وكأن مشكلة الشعب الجزائري هو في عدم وجود نساء على القوائم . إذا وضعنا جانبا عدم دستورية هذه الحصة التي تعتبر تميزا واضحا على أساس الجنس ومناقضة تماما لمبدأ تكافؤ الفرص، سنجد أن هذا القانون ستكون له انعكاسات خطيرة على المشهد الانتخابي لعدة أسباب.
أولا، ستعمل كل الأحزاب على حشو قوائمها بالنسب الإجبارية للمرأة دون أي مراعاة للكفاءة أو القدرة السياسية، هذه النسب تصل إلى 50% في المدن الكبيرة ولا تقل عن الثلث في باقي المدن.
ثانيا، هناك بعض التلميحات إلى حتمية تصدر النساء للقوائم، ومن المؤكد أن تتوزع الأصوات بين عدة أحزاب وفي ظل القانون النسبي فإن نسبة المرأة في البرلمان القادم قد تصل إلى أرقام قياسية، وهو ما لم يحدث ولن يحدث في أكثر الدول ليبرالية، والأهم أنه لا يعبر عن التطور الطبيعي للمجتمع و يعتبر هدرا للكفاءات ولا يعكس الدور الطبيعي والتاريخي لكل الطرف ، لأن التاريخ أثبت أن القيادات السياسية والوجوه الفكرية تفرز بشكل طبيعي بغض النظر عن الجنس، فلقد عرف العالم نساء تركن بصمات في تاريخ البشرية، لكن الحقيقة الطبيعية والتاريخية أثبتت أيضا ميل الكفة لصالح الطرف الآخر بشكل كبير، ولا اعتقد انه من المنطق أن نتجاوز هذه الحقائق بأية حجة، ولنا في الدول الغربية اكبر دليل.
أعتقد أن من أقترح هذا القانون كان يهدف إلى إفساد العملية السياسية وإفراغها من محتواها بقوانين عبثية مما يدفع أغلبية الشعب إلى العزوف عنها.
إن النظام يدرك أن الانتخابات القادمة لن تسفر عن أي نوع من التغيير، بل من المرجح جدا أن تفرز برلمانا فسيفسائيا مفككا ومشهدا سياسيا سرياليا، وفي ظل الدستور الحالي الذي يلخص الدولة في رئاسة الجمهورية سيكون من السهل على النظام تجاوز أية نتيجة تسفر عنها هذه الانتخابات، فهي لن تمس شيئا من جوهر النظام، ولن يهم كثيرا شكل التحالفات التي قد تنشأ في ظل البرلمان القادم، فحتما ستبقي المنظومة الأمنية والمالية والسلطات التنفيذية التي تمسك بمفاصل الدولة في منأى عن شكل البرلمان القادم في ظل مشاركة شعبية متوسطة أو ضعيفة.
أخيرا، لا يمكن لعاقل أن يصدق أن نظاما بشكل النظام الجزائري يمكن أن يتكرم على شعبه ويسلمه حق تقرير مصيره بسبب ثورات جرت في دول عربية أخرى، هذا النظام الذي يدرك أيضا الدرس الذي تم تلقينه للشعب الجزائري خلال العقدين الماضيين، بالإضافة إلى وجود أطراف إقليمية لن تقبل بسهولة بأية تحول ديمقراطي حقيقي في الجزائر يقوض مصالحها التاريخية . لهذا فإن الأكيد أن الجزائر لن تعود لشعبها في بضع شهور، لكن حتما الامتحان الكبير للنظام والشعب سيكون في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي من المؤكد أن تعامل النظام معها سيكون مختلفا.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى