- achwak
- الجنس :
عدد المساهمات : 4671 نقاط التميز : 11973 تاريخ التسجيل : 24/03/2011 العمر : 47
شاهد على أحداث أكتوبر..
الأحد 7 أكتوبر - 10:19
شاهد على أحداث أكتوبر – الجزء الأول ..
◄ هذا المقال هو ترجمة لمقال كتبه الدكتور صلاح الدين سيدهم سنة 2008 وأعاد نشره هذه الأيام. تمثل هذه المقالة شهادة حية عما حدث في تلك الأيام العصيبة. شهادة من طرف طبيب جراح عظام عايش الأحداث بحكم مهنته وهو من أوائل الذين كشفوا للرأي العام الداخلي والدولي الفظائع التي حدثت، مواقفه هذه ودفاعه عن حقوق الإنسان في الجزائر كلفته حريته والاختفاء القصري لسنوات عديدة. ارتأيت ترجمة هذه الشهادة حتى يعرفها الشباب الجزائري اليوم وتكون عبرة ودرس لأجيال قادمة، كما أن الأسئلة المطروحة والحلول المقترحة مازالت موضوع الساعة، على الرغم من مرور 4 سنوات من نشر هذا المقال، وكأن شيئا لم يتغير.
◄ أحداث 5 أكتوبر 1988: الآمال، الخيبة والدروس ..
"التاريخ ليس مجرد وقائع، لكنه دروس وعبر"
منذ أربع وعشرين سنة، عملية تلاعب إجرامية من أحد أطراف النظام أدت إلى مقتل 600 جزائري، اغلبهم من الشباب المراهق. عملية التلاعب هذه، التي تم إدراكها بشكل متأخر، لم تكن في الحقيقة سوى صورة مكررة على نطاق ضيق لمأساة جانفي 92 والتي أدت إلى إبادة أزيد من 200 ألف جزائري.
منذ أربع وعشرين سنة، تم فتح نيران الرشاشات على المراهقين وتم ممارسة التعذيب بشكل ممنهج على آخرين في دوائر الشرطة وثكنات الشرطة السياسية. الجريمة الوحيدة لهؤلاء أنهم احتجوا بعنف في وجه نظام من " الحقارين".
هؤلاء " الحقارين" أنفسهم والذين تلاعبوا بهذه الشبيبة العاطلة تلبية لرغباتهم اللصوصية الدنيئة، لم يدركوا أنهم يتلاعبون بالبارود. المتلاعبون في لاوعيهم، أتاحوا الفرصة لشباب محبط وبدون مرجعية، كي يخرج كبته ويعبر عن كراهيته لنظام غير شرعي حوًل بلادهم إلى سجن كبير بسماء مفتوحة. هذا البارود أنفجر في وجوههم القبيحة دون تمييز.
متروكا لعفويته وملغما بكثير من العاهات الإجتماعية، أطلق الشباب العنان ليده كي تدمر كل شيء تقع عليه عينه ويرى فيه رمزا للحقرة والفساد ( قسمات و المحافظات جبهة التحرير الوطنين، وزارات، سوق الفلاح، رياض الفتح..الخ)، مجسدا وبدون شعور مقولة كاتب فرنسي " وماذا يستطيع أن ينجز فأس الحطاب في غابة الظلم هذه؟ لا تنفع إلا النار، ونار كبيرة". هذا العنف غير المسبوق لم يكن له معنى سوى انه تعبير عن رفض عميق لهذا النظام. ولكن للأسف فظلوا فقط تغيير الواجهة.
هذه الأحداث المؤلمة كشفت عن الوجه القبيح لهذا النظام غير الشرعي، وقسوته وفشله الواضح بسبب إداراته الفوضوية للبلاد. ردة فعل النظام الدموية على أحداث كان وراء اندلاعها أحد أطرافه، تعطينا فكرة مسبقة على ما كنا بصدد معايشته من رعب في بضع سنين .
مجموعة من المجرمين بياقة بيضاء ظنوا أن بإمكانهم التخلص من ما يسمى بالطرف المحافظ من النظام وذلك بإثارة أعمال شغب متحكم فيها. ظنوا إنهم " يصلحون" وهم يضحون بأطفال، متجاهلين تماما مقولة تاكوفيل " اللحظة الأكثر خطورة بالنسبة لحكومة سيئة هو عادة في الوقت الذي تبدأ فيه الإصلاح". لأن جزائر 88 لم تكن بحاجة لإصلاحات، لكن بحاجة لتغيير جذري للنظام.
قبل كل شيء وفي هذه المناسبة الأليمة لا املك إلا أن أنحني بتأثر واحترام أمام ذكرى أولئك الضحايا الأحداث و الأبرياء، الذين تم التضحية بهم على مذبح المآرب السياسية الإجرامية.
بصفتي جراح عظام وناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان، كانت لدي فرصة لمعايشة تلك الأحداث المأساوية عن قرب شديد. بالإضافة إلى العديد من حالات التعذيب والإصابات بالرصاص والتي كان علينا معالجتها ، إلا أن ما شدني بشكل خاص هو وحشية ودموية القمع الذي تعرض له المشاركين في مسيرة 10 أكتوبر 88 السلمية في الجزائر العاصمة. في هذا اليوم، ومن هول التدفق الهائل للجرحى والمصابين على مستشفى مصطفي باشا، أتصل بي زميل في المناوبة وطلب مني مد يد المساعدة. هنا صدمت لهول المشهد المؤلم الذي كان أمام عيني. كان علي أن اجري عمليتين لمصابين بوجه خاص، أحدهم عمره 19 سنة، تلميذ ثانوي مقيم في العاصمة، شارك في المسيرة التي انطلقت من حي بلوزداد لتصل باب الواد. أصيب هذا الطالب أمام سياج المديرية العامة للأمن الوطني نتيجة لقذيفة من دبابة على حسب أقواله. فخذه تحول إلى عجينة محروقة من العظم واللحم. الجلد والعضلات تكلسا تماما والعظم انفجر تماما. لم يكن هناك أي علاج أمام حجم الخسارة العضوية . كنت مجبرا على إجراء عملية بتر الرجل على مستوى الفخذ لإنقاذ هذا الشاب الذي كان يخسر كمية كبيرة من الدم . المصاب الثاني كان يبلغ من العمر 32 سنة، عامل، أصله من جيجل كان يعمل في احد الورشات بالعاصمة. هو أيضا أصيب إصابة بالغة برصاصة أثناء نفس المسيرة. الأضرار المترتبة عن الرصاصة على مستوى الركبة دفعتني إلى إجراء عملية بتر أيضا.
لقد دفعتني هذه الحالات للتساؤل مع زميلي عن نوع الرصاص المستعمل، لأننا لم نجد أية أثار لقذيفة الرصاصة. فقط خسارة كبيرة في الأعضاء، وحروق وعجينة عظام. بينما في الأيام السابقة، كان علينا إجراء عمليات جراحية لإصابات بالرصاص وكنا دائما نجد منفذ دخول، وأحيانا خروج الرصاصة على العضو المصاب، عندما لا تستقر هذه الرصاصة في العضلة أو العظم. لقد خلصت ذالك اليوم إلى أن الرصاص المستعمل لم يكن رصاصا عاديا . لقد تعلق الأمر برصاص متفجر، أي نعم. زملاء جراحين آخرين نقلوا لي نفس الملاحظات.
كان علي أن أروي هذه الحالات إلى الصحافة العالمية المتواجدة آنذاك في العاصمة و إلى بعض الصحافيين الجزائريين الشجعان والذين جاءوا ليستفسروا على وضعية الجرحى. لقد علمت، بعد عملية تحري كنت قد قمت بها مع ثلة من الزملاء في إطار اللجنة الطبية للنضال الدائم ضد القمع والتعذيب والتي قمنا بتكوينها بعد مأساة أكتوبر، أنه في ذلك اليوم تم بتر أعضاء ثمانية مواطنين في مستشفيات مختلفة بالعاصمة بسبب إصابات ناتجة عن هذا الرصاص المدمر.
أشير أيضا إلى أنني صدمت بسماع خبر مقتل طفل عمره 11 سنة وببرودة برصاصة في الرأس من طرف شرطي بلباس مدني في بلفور، حي بالحراش.
لقد شعرت بالقلق شديد عند قراءتي لشهادة أب ضحية مقيم بعنابة وضعها بين أيدينا السيد براهمي ، رئيس الرابطة الجزائرية للحقوق الإنسان آنذاك ، حيث علمت أن أبنه تم قتله ببرودة قبل أن يرمى في " دمبير" لأشغال طرق البلدية.
وتماما كما قدمته أمام بعثة منظمة أمنستي العالمية، مواطن من باب الواد، تم تعذيبه بشدة في في مركز الشرطة بالعاصمة أين تم سحق أعضائه التناسلية عن طريق اختبار الدرج " القجر"، اختبار غالي لدى جلادينا العصابيين.
هذه الجرائم البشعة ضد الإنسانية تم الصفح عنها فيما بعد دون أن تأخذ أية عدالة مجراها. بالعكس هذه الأخيرة سيتم استدعائها ليلا ونهارا لإدانة الشباب المتظاهر ضحايا عملية التلاعب الإجرامية هذه.
أكثر خطورة من هذا كله، هذه الجرائم ضد الإنسانية سيتم اعتبارها فيما بعد مجرد حوادث عمل، قابلة للتعويض من طرف الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية....يا لها من كوميديا-مأساوية!
◄ هذا المقال هو ترجمة لمقال كتبه الدكتور صلاح الدين سيدهم سنة 2008 وأعاد نشره هذه الأيام. تمثل هذه المقالة شهادة حية عما حدث في تلك الأيام العصيبة. شهادة من طرف طبيب جراح عظام عايش الأحداث بحكم مهنته وهو من أوائل الذين كشفوا للرأي العام الداخلي والدولي الفظائع التي حدثت، مواقفه هذه ودفاعه عن حقوق الإنسان في الجزائر كلفته حريته والاختفاء القصري لسنوات عديدة. ارتأيت ترجمة هذه الشهادة حتى يعرفها الشباب الجزائري اليوم وتكون عبرة ودرس لأجيال قادمة، كما أن الأسئلة المطروحة والحلول المقترحة مازالت موضوع الساعة، على الرغم من مرور 4 سنوات من نشر هذا المقال، وكأن شيئا لم يتغير.
◄ أحداث 5 أكتوبر 1988: الآمال، الخيبة والدروس ..
"التاريخ ليس مجرد وقائع، لكنه دروس وعبر"
منذ أربع وعشرين سنة، عملية تلاعب إجرامية من أحد أطراف النظام أدت إلى مقتل 600 جزائري، اغلبهم من الشباب المراهق. عملية التلاعب هذه، التي تم إدراكها بشكل متأخر، لم تكن في الحقيقة سوى صورة مكررة على نطاق ضيق لمأساة جانفي 92 والتي أدت إلى إبادة أزيد من 200 ألف جزائري.
منذ أربع وعشرين سنة، تم فتح نيران الرشاشات على المراهقين وتم ممارسة التعذيب بشكل ممنهج على آخرين في دوائر الشرطة وثكنات الشرطة السياسية. الجريمة الوحيدة لهؤلاء أنهم احتجوا بعنف في وجه نظام من " الحقارين".
هؤلاء " الحقارين" أنفسهم والذين تلاعبوا بهذه الشبيبة العاطلة تلبية لرغباتهم اللصوصية الدنيئة، لم يدركوا أنهم يتلاعبون بالبارود. المتلاعبون في لاوعيهم، أتاحوا الفرصة لشباب محبط وبدون مرجعية، كي يخرج كبته ويعبر عن كراهيته لنظام غير شرعي حوًل بلادهم إلى سجن كبير بسماء مفتوحة. هذا البارود أنفجر في وجوههم القبيحة دون تمييز.
متروكا لعفويته وملغما بكثير من العاهات الإجتماعية، أطلق الشباب العنان ليده كي تدمر كل شيء تقع عليه عينه ويرى فيه رمزا للحقرة والفساد ( قسمات و المحافظات جبهة التحرير الوطنين، وزارات، سوق الفلاح، رياض الفتح..الخ)، مجسدا وبدون شعور مقولة كاتب فرنسي " وماذا يستطيع أن ينجز فأس الحطاب في غابة الظلم هذه؟ لا تنفع إلا النار، ونار كبيرة". هذا العنف غير المسبوق لم يكن له معنى سوى انه تعبير عن رفض عميق لهذا النظام. ولكن للأسف فظلوا فقط تغيير الواجهة.
هذه الأحداث المؤلمة كشفت عن الوجه القبيح لهذا النظام غير الشرعي، وقسوته وفشله الواضح بسبب إداراته الفوضوية للبلاد. ردة فعل النظام الدموية على أحداث كان وراء اندلاعها أحد أطرافه، تعطينا فكرة مسبقة على ما كنا بصدد معايشته من رعب في بضع سنين .
مجموعة من المجرمين بياقة بيضاء ظنوا أن بإمكانهم التخلص من ما يسمى بالطرف المحافظ من النظام وذلك بإثارة أعمال شغب متحكم فيها. ظنوا إنهم " يصلحون" وهم يضحون بأطفال، متجاهلين تماما مقولة تاكوفيل " اللحظة الأكثر خطورة بالنسبة لحكومة سيئة هو عادة في الوقت الذي تبدأ فيه الإصلاح". لأن جزائر 88 لم تكن بحاجة لإصلاحات، لكن بحاجة لتغيير جذري للنظام.
قبل كل شيء وفي هذه المناسبة الأليمة لا املك إلا أن أنحني بتأثر واحترام أمام ذكرى أولئك الضحايا الأحداث و الأبرياء، الذين تم التضحية بهم على مذبح المآرب السياسية الإجرامية.
بصفتي جراح عظام وناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان، كانت لدي فرصة لمعايشة تلك الأحداث المأساوية عن قرب شديد. بالإضافة إلى العديد من حالات التعذيب والإصابات بالرصاص والتي كان علينا معالجتها ، إلا أن ما شدني بشكل خاص هو وحشية ودموية القمع الذي تعرض له المشاركين في مسيرة 10 أكتوبر 88 السلمية في الجزائر العاصمة. في هذا اليوم، ومن هول التدفق الهائل للجرحى والمصابين على مستشفى مصطفي باشا، أتصل بي زميل في المناوبة وطلب مني مد يد المساعدة. هنا صدمت لهول المشهد المؤلم الذي كان أمام عيني. كان علي أن اجري عمليتين لمصابين بوجه خاص، أحدهم عمره 19 سنة، تلميذ ثانوي مقيم في العاصمة، شارك في المسيرة التي انطلقت من حي بلوزداد لتصل باب الواد. أصيب هذا الطالب أمام سياج المديرية العامة للأمن الوطني نتيجة لقذيفة من دبابة على حسب أقواله. فخذه تحول إلى عجينة محروقة من العظم واللحم. الجلد والعضلات تكلسا تماما والعظم انفجر تماما. لم يكن هناك أي علاج أمام حجم الخسارة العضوية . كنت مجبرا على إجراء عملية بتر الرجل على مستوى الفخذ لإنقاذ هذا الشاب الذي كان يخسر كمية كبيرة من الدم . المصاب الثاني كان يبلغ من العمر 32 سنة، عامل، أصله من جيجل كان يعمل في احد الورشات بالعاصمة. هو أيضا أصيب إصابة بالغة برصاصة أثناء نفس المسيرة. الأضرار المترتبة عن الرصاصة على مستوى الركبة دفعتني إلى إجراء عملية بتر أيضا.
لقد دفعتني هذه الحالات للتساؤل مع زميلي عن نوع الرصاص المستعمل، لأننا لم نجد أية أثار لقذيفة الرصاصة. فقط خسارة كبيرة في الأعضاء، وحروق وعجينة عظام. بينما في الأيام السابقة، كان علينا إجراء عمليات جراحية لإصابات بالرصاص وكنا دائما نجد منفذ دخول، وأحيانا خروج الرصاصة على العضو المصاب، عندما لا تستقر هذه الرصاصة في العضلة أو العظم. لقد خلصت ذالك اليوم إلى أن الرصاص المستعمل لم يكن رصاصا عاديا . لقد تعلق الأمر برصاص متفجر، أي نعم. زملاء جراحين آخرين نقلوا لي نفس الملاحظات.
كان علي أن أروي هذه الحالات إلى الصحافة العالمية المتواجدة آنذاك في العاصمة و إلى بعض الصحافيين الجزائريين الشجعان والذين جاءوا ليستفسروا على وضعية الجرحى. لقد علمت، بعد عملية تحري كنت قد قمت بها مع ثلة من الزملاء في إطار اللجنة الطبية للنضال الدائم ضد القمع والتعذيب والتي قمنا بتكوينها بعد مأساة أكتوبر، أنه في ذلك اليوم تم بتر أعضاء ثمانية مواطنين في مستشفيات مختلفة بالعاصمة بسبب إصابات ناتجة عن هذا الرصاص المدمر.
أشير أيضا إلى أنني صدمت بسماع خبر مقتل طفل عمره 11 سنة وببرودة برصاصة في الرأس من طرف شرطي بلباس مدني في بلفور، حي بالحراش.
لقد شعرت بالقلق شديد عند قراءتي لشهادة أب ضحية مقيم بعنابة وضعها بين أيدينا السيد براهمي ، رئيس الرابطة الجزائرية للحقوق الإنسان آنذاك ، حيث علمت أن أبنه تم قتله ببرودة قبل أن يرمى في " دمبير" لأشغال طرق البلدية.
وتماما كما قدمته أمام بعثة منظمة أمنستي العالمية، مواطن من باب الواد، تم تعذيبه بشدة في في مركز الشرطة بالعاصمة أين تم سحق أعضائه التناسلية عن طريق اختبار الدرج " القجر"، اختبار غالي لدى جلادينا العصابيين.
هذه الجرائم البشعة ضد الإنسانية تم الصفح عنها فيما بعد دون أن تأخذ أية عدالة مجراها. بالعكس هذه الأخيرة سيتم استدعائها ليلا ونهارا لإدانة الشباب المتظاهر ضحايا عملية التلاعب الإجرامية هذه.
أكثر خطورة من هذا كله، هذه الجرائم ضد الإنسانية سيتم اعتبارها فيما بعد مجرد حوادث عمل، قابلة للتعويض من طرف الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية....يا لها من كوميديا-مأساوية!
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى