- achwak
- الجنس :
عدد المساهمات : 4671 نقاط التميز : 11994 تاريخ التسجيل : 24/03/2011 العمر : 47
الذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية على الإذاعة والتلفزيون...
الأحد 28 أكتوبر - 20:38
في الذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية على الإذاعة والتلفزيون ومؤسسة البث الإذاعي والتلفزي والتي تصادف يوم 28 أكتوبر، كنت أتمنى أن أكتفي بتقديم التهنئة لكل الجزائريين لأن أعياد التلفزيون من أعياد الجزائر، وأكتفي بالترحم على شهداء الواجب وأعدد الإنجازات التي صنعها الرجال والنساء منذ الاستقلال في خدمة تلفزيون ندين له بالجميل مدى الحياة، لأنه كان عائلتنا وبيتنا ومدرستنا.. لكنني سأتوقف بالمناسبة عند النزيف المستمر للعشرات بل المئات من الصحفيين والتقنيين والإطارات الذين يغادرون التلفزيون أو يبحثون ويسألون عن السبيل إلى الهروب مضطرين نحو قنوات أجنبية بشكل لم يسبق له مثيل، رغم الفرص العديدة المتاحة أمامهم اليوم منذ ظهور القنوات الخاصة عندنا، مما ينذر بإفلاس بشري ومهني لم يسبق له مثيل في تاريخ الجزائر، ويدل على إحباط ويأس وخوف من مستقبل غامض في المجال السمعي البصري، بغض النظر عن الظروف المهنية والاجتماعية التي يعيشها الإخوة والزملاء مطلع القرن الواحد والعشرين..
الحال دون شك لا يختلف عن كفاءات أخرى في مجالات وقطاعات أخرى، تستثمر فيهم الجزائر وتصرف عليهم الملايير من أجل تكوينهم وتأهيلهم، ولكن المشكل لا يكمن في هجرة بعض المهنيين إلى فضاءات أخرى لتحسين أوضاعهم وتطوير مهاراتهم، لأن ذلك أمر طبيعي وحق مشروع قد يفسح المجال لجيل آخر حتى ينال فرصته في الحياة المهنية، بل المشكل في القنوات الجديدة التي لن تجد من يطلقها ويرافقها ويجنبها الفشل، والمشكل في الكم الهائل من الراغبين في "الهروب" من وضع يسوء من يوم إلى آخر في التلفزيون العمومي الوطني، وفي فشلنا في الحفاظ على "الرجال" من الإطارات والمهنيين وحمايتهم وتحسين ظروفهم..
إنها مافيا الشر من أصحاب النفوذ المتحالفة مع أولئك الوافدين الفاشلين والحاقدين الذين يتعمدون قتل المؤسسات الإعلامية الوطنية والخدمة العمومية، وقتل المشاهدين غيظا وألما وحسرة على تلفزيون عريق ضحى من أجله الرجال والنساء منذ الاستقلال، وتربت في أروقته الأجيال، وتخرج منه الكبار، وصنع المعجزات ورافق الجزائريين في الأفراح وأيام المحن والشدائد، لكنه لم يجد اليوم من يحافظ عليه وعلى مكتسباته وأبنائه وبناته، وهو يئن تحت وطأة عملية تهديم وتحطيم مقصودة ومدبرة..
إنهم يقتلون في أبنائنا الحلم بمشاهدة قناة تلفزيونية جزائرية عمومية محترمة، والحلم بإنشاء قنوات خاصة ومتخصصة متميزة تكون في مستوى بلد بحجم الجزائر يزخر بكل أشكال الثراء المادي والبشري والثقافي والحضاري الذي يجعل منه مركز إشعاع فني وإعلامي فريد من نوعه، ويقتلون المهنيين وهم أحياء برواتب مهينة واحتقار لم يسبق له مثيل، ويريدون قتل الأمل في النفوس.. الأمل في بناء مؤسسات إعلامية قوية ومتفتحة وحديثة تخدم الوطن والشعب والمؤسسات وليس الأفراد، وتخضع لسلطة المهنة والضمير وليس لتسلط الأشخاص ونزواتهم..
كتبتها ذات مرة وقلت بأننا لن نغفر لكل من ساهم -من بعيد أو قريب- في تحطيم التلفزيون الوطني وتهجير أبنائه وتحطيم رجاله وأركانه وإنجازاته، واليوم أكتب مجددا للتاريخ وأقول بأن تكسير التلفزيون متواصل، وقد أصبح الكثيرون مدركين أن النزيف واسع وشامل لرجال ونساء صنعتهم الجزائر، منهم من لا يزال واقفا وصامدا في الداخل، ومنهم من يصنعون الفارق في الخارج، ولكن القليل من يعرف ويدرك حجم الضرر الكبير الذي يلحق بالتلفزيون العمومي وانعكاساته الحالية وتداعياته المستقبلية على مجال حساس وهام يصنع الرأي ويربي ويعلم ويسوق الحلم الجميل، ويساهم في الحفاظ على الهوية وثوابت الأمة وتوازناتها، في وقت يستمر فيه النفاق السياسي والكذب والتلاعب بمشاعر الناس، ونواصل فيه الحديث عن فتح المجال السمعي البصري بكيفية مريبة ومخيفة يطبعها الشك في صدق الإرادة نحو الذهاب إلى تعددية إعلامية فعلية، تعددية غير عرجاء ولا يتحكم فيها أصحاب النفوذ والمافيا السياسية والمالية الجديدة التي سيطرت على العقول والقلوب وعلى بعض المؤسسات والإدارات، وستؤدي إلى عواقب وكوارث لا يمكن تداركها مستقبلا..
ومع ذلك لا يزال الأمل يحدونا في ساعة فرج ستحين غدا أو بعد غد لا محالة، لنفض الغبار على مكسب وطني ليس له مثيل، دفع أبناؤه الغالي والنفيس على مدى خمسين عاما لكي يكون منبرا لكل الجزائريين، وليس ملكية خاصة لأحد أو جهة أو مجموعة!!
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى