- achwak
- الجنس :
عدد المساهمات : 4671 نقاط التميز : 11994 تاريخ التسجيل : 24/03/2011 العمر : 47
قريبا من الشعر.. قريبا من الرواية...
الثلاثاء 18 ديسمبر - 18:44
قبل صدور تجربتي الأولى في الكتابة الروائية، متمثلة في روايتي ”عتبات المتاهة”، كنت أنتظر بقلق ما يمكن أن تسفر عنه هذه التجربة بالنسبة لي، لما سيكون لها من تأثير حاسم على مساري ومستقبلي ككاتب، كما بالنسبة لمتلقيها وكيف سيكون تلقي القرّاء لهذه التجربة.
كنت أفكر في أن الشاعر يمكنه أن ينتقل إلى الكتابة بأي شكل أدبي، دون أيّة صعوبة تذكر، ودون أن يكون ذلك مدعاة للتساؤل فما أكثر الشعراء الذين انتقلوا من كتابة الشعر إلى الرواية وهناك الكثير ممن بدؤوا شعراء وانتهوا روائيين، والأمثلة على ذلك كثيرة وفي الجانب الآخر قلّما نجد روائيا تحوّل من الرواية إلى الشعر. وهذا يعني أن الشاعر أقدر من سواه على الترحال في أقاليم الكتابة وآفاقها.
هذا الانتقال يبدوا للوهلة الأولى وللكثيرين أمرا طبيعيا وميسورا، ولكنه في حقيقته لا يخلو من مكابدة ومغامرة تتّصل بطبيعة كل شكل أدبي. وما يتطلبه من استعدادات وأدوات. لا سيما إذا كان هذا الكاتب قد شبّ على الطوق وتعوّد على طرائق تعبير ترسّخت لديه بفعل التراكم والزمن.
سأحاول أن أتلمس كيف حدث هذا الانتقال من الشعر إلى الرواية، هكذا بعدما تأكّد حضوري كشاعر من خلال مجموعتي ”تغريبة النخلة الهاشمية” ومعراج السنونو”. هل أمْلت هذا الذهاب المفاجئ أسباب داخلية أم أن الأمر يتعلق بأسباب خارجية لها صلة بالسياق الثقافي، وما افرزه من ممارسات وخيارات.
بداية أفكر في ما إذا كان الأمر يتعلّق بعودة إلى ما كنت قد بدأته في كتاب الأعسر؟ ذلك النص الذي كتبته في ظروف خاصة، تتصل بحالة صعبة من الفقد والمواجهة مع الموت، إثر فقدي لشقيقتي، وهي في ريعان شبابها عام 1994. ولم يكن أمامي في تلك اللحظات من اليأس والشيخوخة المبكرة إلاّ اللجوء إلى الكتابة والذاكرة، والنجاة بما تبقّى منها بحسب ظنّي في تلك اللحظات النفسية الاستثنائية. التي عبرت عنها بتلك النصوص التي تنمّ عن تعطش كبير للحكي ورغبة كبيرة في السرد.
وقبل ذلك التاريخ، أعترف أن بداياتي الأولى كانت قصصية، وأتذكر أنني بعد قصّتين هما ”صراع مع الأقدار” و”لقاء عند الخط الأحمر” التي استثمرت فكرتها في كتابة الفصل المعنون بـ ”دماء الياسمين” في روايتي عتبات المتاهة. تدخل أستاذ اللغة العربية، الذي كنت أكن له تقديرا وثقة كبيرة كي يملي علي التوجه نحو كتابة الشعر، ولم يكن لي أن أناقشه، ولم يكن أمامي إلى الانصياع لأمره.
لقد حدث أن صدر كتاب الأعسر عن الجاحظية، بعد حصولي على جائزة مفدي زكرياء المغاربية للشعر عام 1995، قبل أن تصدر مجموعتي ”تغريبة النخلة الهاشمية” التي كانت جاهزة للنشر. وقد كانت بعض القراءات والملاحظات والانطباعات التي أبداها أصدقاء كثيرون مغرية لي بتعاطي السرد، وخوص تجربته. ولسبب أو لآخر كنت أقمع تلك الرغبة، بمزيد من الانخراط في المشروع الشعري لجيل الثمانينيات الذي كان يعد بالكثير من المستقبل المفتوح على آفاق رحبة.
هذا ي.....ني إلى القول ربما بأن إفلاس مشروع جيلي الشعري هو الذي أدى بي إلى هذا الانتقال من الشعر إلى الرواية. وهنا يجب أن نلاحظ أن قضية الأجيال الأدبية في الجزائر كانت شديدة الارتباط بتاريخ الشعر أكثر من غيره من الأشكال الأدبية. ولذلك كان التوجه يتم عن وعي أو بدونه إلى الشعر في المقام الأول.
لقد كانت تلك النظرة البوهيمية التي شكّلتها عن الشعر والشعراء، والتي يبدو أنها ورّطتني مثلما ورطت كثيرين غيري في فعل الكتابة الشعرية وعلى ضوء هذه المعاينة أفهم اليوم قول إليوت ”بأنه يندر أن يظل الشاعر شاعرا بعد سن الخامسة والعشرين”.
ذلك يعني أنّني بعد بلوغ مرحلة من النضج وجدت نفسي أفتح عيني على تلك الفتوحات التي حقّقتها الرواية في بلادنا كما في كل العالم، والتي كانت تؤشر إلى تعاط حقيقي مع الكتابة أبعد ما يكون عن تعاطي الشعراء الجزائريين المخجل والمثبط نظرا لكونه تعاط مزاجي وكسول ومحكوم بالمنطق البراغماتي الآني الذي أدّى إلى حدوث تراجع كبير في مستوى الشعر الجزائري.
ولذلك قد يكون فعل الانتقال الذي حدث معي، محكوما بمحاولة الانخراط في فعل كتابة حقيقية من خلال مجاراة التجارب الروائية الجديدة.
وسواء ثبت لي وللآخرين بأنني شاعر أخطأ طريقه إلى السرد، أو سارد أخطأ طريقه إلى الشع، فلن أعدم أجر المجتهد المخطئ ، الذي ضاق صدره بالشعر كما ضاق بالنثر، وأتّسع عمره لأكثر من كتابة، حتّى وإن لم تكن بما يليق من الجمال.
ومهما يكن الأمر، وكيفما ستكون تجربتي في الكتابة الروائية لن يستطيع أحد أن ينفي أنها كتبت بنفس شعري، على مستوى اللغة والأخيلة والصور، بعيدا عن تقاليد الفن السردي ومرجعياته التي أجهل الكثير من تفاصيلها.
كنت أفكر في أن الشاعر يمكنه أن ينتقل إلى الكتابة بأي شكل أدبي، دون أيّة صعوبة تذكر، ودون أن يكون ذلك مدعاة للتساؤل فما أكثر الشعراء الذين انتقلوا من كتابة الشعر إلى الرواية وهناك الكثير ممن بدؤوا شعراء وانتهوا روائيين، والأمثلة على ذلك كثيرة وفي الجانب الآخر قلّما نجد روائيا تحوّل من الرواية إلى الشعر. وهذا يعني أن الشاعر أقدر من سواه على الترحال في أقاليم الكتابة وآفاقها.
هذا الانتقال يبدوا للوهلة الأولى وللكثيرين أمرا طبيعيا وميسورا، ولكنه في حقيقته لا يخلو من مكابدة ومغامرة تتّصل بطبيعة كل شكل أدبي. وما يتطلبه من استعدادات وأدوات. لا سيما إذا كان هذا الكاتب قد شبّ على الطوق وتعوّد على طرائق تعبير ترسّخت لديه بفعل التراكم والزمن.
سأحاول أن أتلمس كيف حدث هذا الانتقال من الشعر إلى الرواية، هكذا بعدما تأكّد حضوري كشاعر من خلال مجموعتي ”تغريبة النخلة الهاشمية” ومعراج السنونو”. هل أمْلت هذا الذهاب المفاجئ أسباب داخلية أم أن الأمر يتعلق بأسباب خارجية لها صلة بالسياق الثقافي، وما افرزه من ممارسات وخيارات.
بداية أفكر في ما إذا كان الأمر يتعلّق بعودة إلى ما كنت قد بدأته في كتاب الأعسر؟ ذلك النص الذي كتبته في ظروف خاصة، تتصل بحالة صعبة من الفقد والمواجهة مع الموت، إثر فقدي لشقيقتي، وهي في ريعان شبابها عام 1994. ولم يكن أمامي في تلك اللحظات من اليأس والشيخوخة المبكرة إلاّ اللجوء إلى الكتابة والذاكرة، والنجاة بما تبقّى منها بحسب ظنّي في تلك اللحظات النفسية الاستثنائية. التي عبرت عنها بتلك النصوص التي تنمّ عن تعطش كبير للحكي ورغبة كبيرة في السرد.
وقبل ذلك التاريخ، أعترف أن بداياتي الأولى كانت قصصية، وأتذكر أنني بعد قصّتين هما ”صراع مع الأقدار” و”لقاء عند الخط الأحمر” التي استثمرت فكرتها في كتابة الفصل المعنون بـ ”دماء الياسمين” في روايتي عتبات المتاهة. تدخل أستاذ اللغة العربية، الذي كنت أكن له تقديرا وثقة كبيرة كي يملي علي التوجه نحو كتابة الشعر، ولم يكن لي أن أناقشه، ولم يكن أمامي إلى الانصياع لأمره.
لقد حدث أن صدر كتاب الأعسر عن الجاحظية، بعد حصولي على جائزة مفدي زكرياء المغاربية للشعر عام 1995، قبل أن تصدر مجموعتي ”تغريبة النخلة الهاشمية” التي كانت جاهزة للنشر. وقد كانت بعض القراءات والملاحظات والانطباعات التي أبداها أصدقاء كثيرون مغرية لي بتعاطي السرد، وخوص تجربته. ولسبب أو لآخر كنت أقمع تلك الرغبة، بمزيد من الانخراط في المشروع الشعري لجيل الثمانينيات الذي كان يعد بالكثير من المستقبل المفتوح على آفاق رحبة.
هذا ي.....ني إلى القول ربما بأن إفلاس مشروع جيلي الشعري هو الذي أدى بي إلى هذا الانتقال من الشعر إلى الرواية. وهنا يجب أن نلاحظ أن قضية الأجيال الأدبية في الجزائر كانت شديدة الارتباط بتاريخ الشعر أكثر من غيره من الأشكال الأدبية. ولذلك كان التوجه يتم عن وعي أو بدونه إلى الشعر في المقام الأول.
لقد كانت تلك النظرة البوهيمية التي شكّلتها عن الشعر والشعراء، والتي يبدو أنها ورّطتني مثلما ورطت كثيرين غيري في فعل الكتابة الشعرية وعلى ضوء هذه المعاينة أفهم اليوم قول إليوت ”بأنه يندر أن يظل الشاعر شاعرا بعد سن الخامسة والعشرين”.
ذلك يعني أنّني بعد بلوغ مرحلة من النضج وجدت نفسي أفتح عيني على تلك الفتوحات التي حقّقتها الرواية في بلادنا كما في كل العالم، والتي كانت تؤشر إلى تعاط حقيقي مع الكتابة أبعد ما يكون عن تعاطي الشعراء الجزائريين المخجل والمثبط نظرا لكونه تعاط مزاجي وكسول ومحكوم بالمنطق البراغماتي الآني الذي أدّى إلى حدوث تراجع كبير في مستوى الشعر الجزائري.
ولذلك قد يكون فعل الانتقال الذي حدث معي، محكوما بمحاولة الانخراط في فعل كتابة حقيقية من خلال مجاراة التجارب الروائية الجديدة.
وسواء ثبت لي وللآخرين بأنني شاعر أخطأ طريقه إلى السرد، أو سارد أخطأ طريقه إلى الشع، فلن أعدم أجر المجتهد المخطئ ، الذي ضاق صدره بالشعر كما ضاق بالنثر، وأتّسع عمره لأكثر من كتابة، حتّى وإن لم تكن بما يليق من الجمال.
ومهما يكن الأمر، وكيفما ستكون تجربتي في الكتابة الروائية لن يستطيع أحد أن ينفي أنها كتبت بنفس شعري، على مستوى اللغة والأخيلة والصور، بعيدا عن تقاليد الفن السردي ومرجعياته التي أجهل الكثير من تفاصيلها.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى