- achwak
- الجنس :
عدد المساهمات : 4671 نقاط التميز : 11991 تاريخ التسجيل : 24/03/2011 العمر : 47
صورة واقعية عن حال التعليم العالي في الجزائر ..
الإثنين 24 ديسمبر - 18:03
.
هذه المقالة هي محاولة لنقل صورة واقعية عن حال التعليم العالي في الجزائر من خلال قصتين واقعيتين عايشهما الكاتب. القصتان المحزنتان تكشفان مدى الانهيار الذي وصل له واقع الجامعة الجزائرية من ترد وغياب لأبسط المعايير العلمية في التكوين والتوظيف وكذالك من إهدار قيمة الأستاذ الجامعي وحقوقه.
في أحدى الجامعات الجزائرية التي كنت أعمل فيها اعتدى أحد الطلبة على أستاذ جامعي بالضرب مسببا له تورما في الوجه دام لأيام. أُحِيل هذا الطالب إلى مجلس التأديب للجامعة فقرر بالإجماع طرد الطالب نهائيا من الجامعة.
قد يعتقد البعض أن الطالب نال جزاءه بينما حقيقة الأمر أن الطالب لم يطرد فعليا بل تم تحويله إلى جامعة أخرى بشكل غير قانوني ليواصل دراسته بشكل طبيعي وكأن شيئا لم يكن.
أما الأستاذ ولشدة وقع الحادثة على نفسه فقد قرر التحول إلى جامعة أخرى. قبل أن أواصل سرد القصة أشير إلى أن هذا الأستاذ الحامل للماجستير من المدرسة العليا للأساتذة بالقبة كان من أفضل الأساتذة ومتمكنا جدا من مادته العلمية على الرغم من غلبة الخجل عليه وكان على خلق عال.
منذ أيام سألت أحد الزملاء الذين تربطهم علاقة صداقة بهذا الأستاذ عن أخبار هذا الأخير فقال لي أنه ترك الجامعة تماما واستقال من منصبه و تفرغ للعمل كفلاح في مزرعة والده. أحزنني الخبر كثيرا واشد ما آلمني هو أنني أعرف أنه أصبح من الصعب اليوم في الجزائر أيجاد أساتذة بالمستوى العلمي لهذا الأستاذ. إن إهدار حقوق هذا الأستاذ وإحساسه أنه لم ينل حقوقه، وأن الطالب الذي اعتدى عليه لم ينل أية عقوبة ساهمت كلها في تردي حالته النفسية وإحساسه الدائم بالقهر وهو ما دفعه في نهاية المطاف لترك الجامعة نهائيا.
القصة الثانية هي ربما نقيض هذه القصة. منذ عدة سنوات كانت لي فرصة تدريس مادة الرياضيات لطلبة السنة ثانية تكنولوجيا. من بين هؤلاء الطلبة كان هناك طالب ناشط في أحد المنظمات الطلابية. هذا الطالب كان ضمن مجموعة من الطلبة تميزوا بضعف مستواهم العلمي بشكل جعلني أتساءل عن كيفية حصول هؤلاء الطلبة على شهادة الباكلوريا. (أشير هنا إلى أن أحد الزملاء أخبرني آنذاك أن عملية الغش في الباكلوريا أصبحت مستشرية وتسمح لقطاع عريض من الطلبة غير المؤهلين تماما من الحصول على هذه الشهادة).
في الامتحان الآخير قام هذا الطالب بعملية غش استطعت كشفها وأنا أقوم بتصحيح ورقته، نظرا لأن الطالب كتب النتيجة النهائية لأحد التمارين الصعبة التي لم يتمكن من حلها إلا طالبين من بين 150 طالبا. كنت على يقين أن الطالب أخذ هذه النتيجة من أحد هذين الطالبين وهو ما سهل كشف عملية الغش، وكذلك الطالب الذي ساعده، وهذا باعتراف جميع الأطراف. تم عرض الطالب على مجلس التأديب بعد أن منحته علامة صفر. في نهاية السنة تركت هذه الجامعة لعدة سنوات لأعود بعدها لنفس الجامعة.
مفاجأتي كانت كبيرة عندما علمت أن الطالب الغشاش والذي كنت أتساءل عن حقيقة حصوله على شهادة الباكلوريا لم يتمكن فقط من الحصول على شهادة مهندس دولة من جامعة أخرى بل تمكن أيضا من النجاح في مسابقة الماجستير في تلك الجامعة. أنهى هذا الطالب تحضير الماجستير وعاد إلى الجامعة التي أعمل فيها ليتقدم للتوظيف، وهي نفسها الجامعة التي قام بالغش فيها وأحيل على مجلس التأديب فيها. على الرغم من كل الجهود التي بذلتها لكي أقنع زملائي بعدم توظيف هذا الطالب كأستاذ مساعد نظرا لقناعتي أنه لا يصلح حتى أن يكون مدرسا في ابتدائية فما بالك أن يكون أستاذا جامعيا. إلا أن آليات التوظيف والجهوية التي أصبحت معيارا في جامعاتنا اليوم سمحت له بأن ينال منصب أستاذ مساعد وليقفز بعد سنتين ويصبح رئيس شعبة.
هذه القصة هي مثال لانهيار منظومة التوظيف في الجامعة وتفسر أيضا سبب غزو عدد كبير من الأساتذة عديمي المستوى لجامعاتنا اليوم وتحول الأساتذة أنفسهم لعقبة كئداء في وجه أي محاولة لإصلاح التعليم العالي والبحث العلمي قد تحدث في المستقبل.
عندما يعايش الأستاذ هذه الحقائق في الجامعات الجزائرية التي يصبح فيها الطالب الفاشل والغشاش أستاذا وينتهي الأمر بالأستاذ المتمكن إلى الهروب من واقع الجامعة إلى الزراعة والعمل اليدوي يصبح من الصعب عليه العيش في هذا الجو أو الاعتقاد أن عملية التدريس في الجامعة مازالت رسالة سامية. إن الجامعة الجزائرية والتعليم بصفة عامة يشهد أسوأ أيامه في تاريخ الجزائر وإن لم يتم استدراك الموقف في أقرب الآجال فإننا سنشهد كارثة أكثر من التي نعيشها اليوم.
هذه المقالة هي محاولة لنقل صورة واقعية عن حال التعليم العالي في الجزائر من خلال قصتين واقعيتين عايشهما الكاتب. القصتان المحزنتان تكشفان مدى الانهيار الذي وصل له واقع الجامعة الجزائرية من ترد وغياب لأبسط المعايير العلمية في التكوين والتوظيف وكذالك من إهدار قيمة الأستاذ الجامعي وحقوقه.
في أحدى الجامعات الجزائرية التي كنت أعمل فيها اعتدى أحد الطلبة على أستاذ جامعي بالضرب مسببا له تورما في الوجه دام لأيام. أُحِيل هذا الطالب إلى مجلس التأديب للجامعة فقرر بالإجماع طرد الطالب نهائيا من الجامعة.
قد يعتقد البعض أن الطالب نال جزاءه بينما حقيقة الأمر أن الطالب لم يطرد فعليا بل تم تحويله إلى جامعة أخرى بشكل غير قانوني ليواصل دراسته بشكل طبيعي وكأن شيئا لم يكن.
أما الأستاذ ولشدة وقع الحادثة على نفسه فقد قرر التحول إلى جامعة أخرى. قبل أن أواصل سرد القصة أشير إلى أن هذا الأستاذ الحامل للماجستير من المدرسة العليا للأساتذة بالقبة كان من أفضل الأساتذة ومتمكنا جدا من مادته العلمية على الرغم من غلبة الخجل عليه وكان على خلق عال.
منذ أيام سألت أحد الزملاء الذين تربطهم علاقة صداقة بهذا الأستاذ عن أخبار هذا الأخير فقال لي أنه ترك الجامعة تماما واستقال من منصبه و تفرغ للعمل كفلاح في مزرعة والده. أحزنني الخبر كثيرا واشد ما آلمني هو أنني أعرف أنه أصبح من الصعب اليوم في الجزائر أيجاد أساتذة بالمستوى العلمي لهذا الأستاذ. إن إهدار حقوق هذا الأستاذ وإحساسه أنه لم ينل حقوقه، وأن الطالب الذي اعتدى عليه لم ينل أية عقوبة ساهمت كلها في تردي حالته النفسية وإحساسه الدائم بالقهر وهو ما دفعه في نهاية المطاف لترك الجامعة نهائيا.
القصة الثانية هي ربما نقيض هذه القصة. منذ عدة سنوات كانت لي فرصة تدريس مادة الرياضيات لطلبة السنة ثانية تكنولوجيا. من بين هؤلاء الطلبة كان هناك طالب ناشط في أحد المنظمات الطلابية. هذا الطالب كان ضمن مجموعة من الطلبة تميزوا بضعف مستواهم العلمي بشكل جعلني أتساءل عن كيفية حصول هؤلاء الطلبة على شهادة الباكلوريا. (أشير هنا إلى أن أحد الزملاء أخبرني آنذاك أن عملية الغش في الباكلوريا أصبحت مستشرية وتسمح لقطاع عريض من الطلبة غير المؤهلين تماما من الحصول على هذه الشهادة).
في الامتحان الآخير قام هذا الطالب بعملية غش استطعت كشفها وأنا أقوم بتصحيح ورقته، نظرا لأن الطالب كتب النتيجة النهائية لأحد التمارين الصعبة التي لم يتمكن من حلها إلا طالبين من بين 150 طالبا. كنت على يقين أن الطالب أخذ هذه النتيجة من أحد هذين الطالبين وهو ما سهل كشف عملية الغش، وكذلك الطالب الذي ساعده، وهذا باعتراف جميع الأطراف. تم عرض الطالب على مجلس التأديب بعد أن منحته علامة صفر. في نهاية السنة تركت هذه الجامعة لعدة سنوات لأعود بعدها لنفس الجامعة.
مفاجأتي كانت كبيرة عندما علمت أن الطالب الغشاش والذي كنت أتساءل عن حقيقة حصوله على شهادة الباكلوريا لم يتمكن فقط من الحصول على شهادة مهندس دولة من جامعة أخرى بل تمكن أيضا من النجاح في مسابقة الماجستير في تلك الجامعة. أنهى هذا الطالب تحضير الماجستير وعاد إلى الجامعة التي أعمل فيها ليتقدم للتوظيف، وهي نفسها الجامعة التي قام بالغش فيها وأحيل على مجلس التأديب فيها. على الرغم من كل الجهود التي بذلتها لكي أقنع زملائي بعدم توظيف هذا الطالب كأستاذ مساعد نظرا لقناعتي أنه لا يصلح حتى أن يكون مدرسا في ابتدائية فما بالك أن يكون أستاذا جامعيا. إلا أن آليات التوظيف والجهوية التي أصبحت معيارا في جامعاتنا اليوم سمحت له بأن ينال منصب أستاذ مساعد وليقفز بعد سنتين ويصبح رئيس شعبة.
هذه القصة هي مثال لانهيار منظومة التوظيف في الجامعة وتفسر أيضا سبب غزو عدد كبير من الأساتذة عديمي المستوى لجامعاتنا اليوم وتحول الأساتذة أنفسهم لعقبة كئداء في وجه أي محاولة لإصلاح التعليم العالي والبحث العلمي قد تحدث في المستقبل.
عندما يعايش الأستاذ هذه الحقائق في الجامعات الجزائرية التي يصبح فيها الطالب الفاشل والغشاش أستاذا وينتهي الأمر بالأستاذ المتمكن إلى الهروب من واقع الجامعة إلى الزراعة والعمل اليدوي يصبح من الصعب عليه العيش في هذا الجو أو الاعتقاد أن عملية التدريس في الجامعة مازالت رسالة سامية. إن الجامعة الجزائرية والتعليم بصفة عامة يشهد أسوأ أيامه في تاريخ الجزائر وإن لم يتم استدراك الموقف في أقرب الآجال فإننا سنشهد كارثة أكثر من التي نعيشها اليوم.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى